الخرطوم مقابل بورتسودان.. هل اقترب سيناريو تقسيم السودان بعد تهديد “حميدتي”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/15 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/15 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع السودانية/رويترز، أرشيفية

أثار تهديد قائد قوات الدعم السريع بتشكيل سلطة حاكمة في مناطق سيطرة قواته تكون عاصمتها الخرطوم، مخاوف بشأن احتمال تقسيم السودان، فهل اقترب السيناريو الكارثي؟

وكان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.

ومع دخول الحرب الدموية شهرها السادس، لا تبدو في الأفق مؤشرات على قرب انتهائها رغم تعدد مسارات البحث عن تسوية سلمية، ما يثير القلق من اتجاه الأمور إلى أسوأ السيناريوهات، وهو تقسيم البلاد إلى دويلات تسيطر عليها الأطراف المتناحرة.

بماذا "هدد" قائد قوات الدعم السريع؟

الفريق محمد حمدان دقلو هدد، الخميس 14 سبتمبر/أيلول، بتشكيل سلطة حاكمة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، إذا ما أقدم الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان على تشكيل حكومة انتقالية، بحسب رويترز.

وكان مسؤول كبير بمجلس السيادة السوداني، الذي يرأسه قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد قال، الشهر الماضي، إن هناك حاجة إلى حكومة انتقالية.

وقال دقلو، الخميس: "في حال استمر هذا الوضع أو قام الفلول بتشكيل حكومة سنشرع فوراً في مشاورات واسعة لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرتنا الواسعة والممتدة، تكون عاصمتها هي العاصمة القومية الخرطوم، ولن نسمح بخلق عاصمة بديلة".

وأضاف دقلو أن قيام البرهان بتشكيل حكومة مقرها بورتسودان "يعني أننا نتجه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد".

وتشير هذه التصريحات إلى أحد السيناريوهات الكارثية التي كان يحذّر منها المراقبون، منذ اندلاع الصراع الدموي على السلطة، وهو سيناريو التقسيم، في ظل فشل أي من الطرفين المتصارعين في حسم الأمور عسكرياً لصالحه، مع انسداد أفق الحل السياسي للصراع.

يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت الأمم المتحدة، مساء الخميس، أن أكثر من 5 ملايين سوداني اضطروا إلى مغادرة منازلهم منذ اندلاع القتال في بلادهم، وذلك في تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بحسب وكالة الأناضول.

وقال المكتب الأممي إن "نحو 5.25 مليون شخص في السودان اضطروا إلى مغادرة منازلهم والفرار إلى مواقع أخرى داخل البلاد، أو في الدول المجاورة، منذ بدء الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منتصف أبريل/نيسان الماضي".

السودان
دخان متصاعد من أحد المناطق في العاصمة السودانية الخرطوم – رويترز

وأوضح التقرير أن "أكثر من 4.1 مليون شخص نزحوا إلى 3855 موقعاً في جميع الولايات السودانية (18 ولاية) حتى 12 سبتمبر/أيلول الجاري"، مضيفاً أن غالبية النازحين داخلياً "هم من العاصمة الخرطوم"، ومشيراً إلى أن نسبتهم "وصلت إلى 69% من إجمالي عدد النازحين داخلياً من مختلف المدن والولايات".

كما كشف التقرير عن "نزوح أكثر من مليون شخص إلى البلدان المجاورة حتى 13 سبتمبر"، موضحاً أن غالبية الفارين توجهوا إلى "أفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وليبيا".

وعلى هذا النحو، ذكر البيان أن السودان بات البلد "صاحب أكبر عدد من النازحين داخلياً على مستوى العالم بإجمالي عدد نازحين بلغ نحو 7.1 مليون شخص، بينهم 3.2 مليون قبل الصراع الذي اندلع منتصف أبريل الماضي".

البرهان في بورتسودان

كان البرهان قد غادر الخرطوم ووصل إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر يوم 24 أغسطس/آب، ومن هناك قام رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني بجولة خارجية أخذته إلى مصر ثم جنوب السودان وقطر وإريتريا وتركيا، التي وصلها الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول الجاري.

وكان البرهان، يوم 24 أغسطس/آب الماضي، قد ظهر خارج مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، وقام بنشاط مكثف، هو الأول من نوعه منذ اندلاع الصراع، ووصل مساء اليوم نفسه إلى بورتسودان ومنها بدأ جولته الخارجية الأولى أيضاً منذ الحرب.

ومنذ اندلاع الصراع، أصبحت بورتسودان بمثابة العاصمة الإدارية للسودان، في ظل حرب الشوارع المستعرة في العاصمة الخرطوم، والتي شهدت أعنف المعارك على الإطلاق، في ظل سعي قوات الدعم السريع إلى السيطرة عليها بشكل كامل وحسم الأمور لصالحها.

وحتى ما قبل مغادرة البرهان مقر قيادة الجيش، يوم 24 أغسطس/آب، كانت قوات الدعم السريع تقول إن قائد الجيش محاصر تماماً في قبو داخل مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، مؤكدة أنها (أي قوات الدعم السريع) تسيطر على مقر القيادة العامة للجيش بشكل كامل.

وبالتالي فإن مغادرة البرهان لمقر القيادة العامة وجولاته في شوارع الخرطوم وزيارته لقاعدة كراري للمدفعية وقاعدة وادي سيدنا الجوية، ثم وصوله إلى بورتسودان، أثارت الشكوك حول تصريحات قادة الدعم السريع، التي أعلن البرهان نفسه عن حلها واعتبارها ميليشيات متمردة.

لكن اللافت هنا هو تصريحات البرهان وحميدتي في تلك الفترة، والتي ركزا فيها على قرب انتهاء الحرب وتسوية الأزمة. ففي يوم 28 أغسطس/آب الماضي، أعلن البرهان، قرب انتهاء الحرب في البلاد، وإنهاء تمرد قوات الدعم السريع، وذلك أمام حشد من قواته في قاعدة بحرية بمدينة بورتسودان (شرق).

وفي يوم 4 سبتمبر/أيلول، قال حميدتي، في تسجيل صوتي نشره عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس"، إن "الحرب ستنتهي قريباً، ويعم السلام وتزول هذه الفتنة".

ومؤخراً، انتقل البرهان، لتناول مرحلة ما بعد الحرب، حينما تحدث عن ترتيبات الإعمار بعد الحرب. وقال البرهان، يوم 2 سبتمبر/أيلول: "نرحب بأي دعم من الدول الشقيقة والصديقة يصب في تطوير الوطن وإعادة الإعمار"، قاطعاً بـ"عدم قبول أية إملاءات".

لكن اللقاء الذي تم بين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، ومستشار قوات الدعم السريع، يوسف عزت، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أثار غضب البرهان بشدة، حيث قال: "بعض منظماتنا الإقليمية (دون ذكرها) لم تتمكن من النظر للأزمة بشكل صحيح، ولو انحرفت منظمة إيغاد (المنظمة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا) عن مسارها فنحن كسودانيين قادرون على حل مشاكلنا دون الحاجة لأحد".

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط جنوده/ رويترز

والخميس الماضي، هددت الخرطوم، بأنها ستعيد النظر في جدوى الاستمرار ضمن "إيغاد"، إذا لم تستجب المنظمة لطلبها تغيير رئاسة كينيا للجنتها الرباعية بشأن السودان. وتابع البرهان: "لكل من يتقوى بميليشيا الدعم السريع المحلولة فقد ذهبت بغير رجعة، والاتحاد الأفريقي رؤيتنا فيه واضحة بأنه ليس مسموحاً بتدخله في شأننا الداخلي بشكل غير مقبول".

وأوضح البرهان: "لا نرفض السلام، والدليل على ذلك قبولنا بالعديد من المبادرات بما فيها منبر جدة، وليس من المقبول سلام يعيدنا إلى ما قبل 15 أبريل/نيسان (بداية الاشتباكات مع الدعم السريع). لا نرفض السلام، ونظرتنا أنه سيأتي بعد التخلص من كل من يحاول تكوين جيش آخر ويعتدي على الآخرين ويعمل للسيطرة على الدولة بوسائل غير مشروعة".

وفي الإطار نفسه، أفادت صحيفة Sudan Tribune المحلية أن البرهان يسعى، من خلال جولاته الخارجية، إلى حشد الدعم لوقف الحرب من خلال إقناع الأطراف الإقليمية والدولية أن الجيش يسيطر على أغلب مناطق السودان، مضيفة عبر مصادر لم تسمها أن قائد الجيش يلقي بثقله خلف المبادرات المصرية، لكنه لا يثق بمبادرة الإيغاد الأفريقية.

أين تسيطر قوات "حميدتي" في السودان؟

الموقف إذاً لا يبشر بقرب انتهاء الحرب، حتى إن هدأت المعارك نسبياً سواء في الخرطوم أم في دارفور، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد تهديد "حميدتي" هو: ما المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع حتى تعلن تشكيل سلطة حاكمة عاصمتها الخرطوم؟

وبشكل عام تنتشر قوات الدعم السريع في المناطق السكنية بجميع أنحاء الخرطوم وفي بحري وأم درمان المجاورتين، كما تسيطر على "جزء" من القيادة العامة للقوات المسلحة، وتنتشر في القصر الجمهوري، وفي مطار الخرطوم وعدد من الوزارات والمؤسسات، كما تنتشر في منطقة الخرطوم بحري وجنوب الخرطوم، وفي المناطق السكنية شرق الخرطوم (الرياض والمنشية والطائف وأركويت)، ومناطق جنوب الخرطوم، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

وعلى الجانب الآخر، يوجد الجيش السوداني في الجزء الأكبر من القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، وفي المناطق العسكرية المعروفة الموزعة في المدن الثلاث، بالإضافة إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية التي يوجد فيها المطار العسكري الذي تم استخدامه لإجلاء الجاليات الأجنبية، وتتحرك منه طائرات سلاح الجو السوداني. كما تسيطر الوحدات العسكرية للقوات المسلحة على كل مدن البلاد، ما عدا بعض المناطق المحدودة في دارفور.

الصراع في السودان
أفراد من قوات الدعم السريع السودانية /AFP

وتعد السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية، بشكل خاص، مفتاح نجاح أو فشل أي انقلاب عسكري في السودان، ومن دون تحييدها لا يمكن إخضاع العاصمة الخرطوم، واليوم تلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية، دوراً استراتيجياً في المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، كما لعبته طيلة نصف قرن مضى، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

فقاعدة وادي سيدنا الجوية، التي تقع شمالي أم درمان، على بعد 22 كلم من مركز العاصمة السودانية الخرطوم، تضم مطاراً مدنياً، وبالمحاذاة منها تقع الكلية الحربية بمعاهدها المتخصصة مثل المشاة والمظليين، وأيضاً "مجمع الصافات للتصنيع العسكري"، المتخصص في الصيانة والصناعة والتطوير والتحديث لمختلف أشكال الطائرات المدنية والعسكرية.

وتلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية، الدور الأبرز في هجمات الجيش على قوات الدعم السريع، وخاصة معسكرات القوات داخل الخرطوم الكبرى (نحو 11 معسكراً)، ونقاط تمركزها بالمحاور الاستراتيجية، وبالأخص رؤوس الجسور، التي تربط مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وخرطوم بحري، وأم درمان).

كما تستهدف المقاتلات والمروحيات الهجومية المنطلقة من قاعدة وادي سيدنا، خطوط إمداد قوات الدعم السريع القادمة من إقليم دارفور وولاية شمال كردفان، باتجاه الخرطوم على طول نحو 1000 كلم. فطول خطوط الإمداد وانكشافها أمام الطيران إحدى نقاط الضعف الرئيسية لقوات الدعم السريع، والتي أعاقت إحكام سيطرتها على العاصمة.

تحميل المزيد