بعد توتر شديد في العلاقة بين البلدين توضع الآن اللمسات الأخيرة لصفقة تبادل الأسري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بوساطة قطرية، تخص عدداً من السجناء بين الجانبين، وأيضاً الإفراج عن 6 مليارات دولار إيرانية كانت مجمدة بسبب العقوبات.
هذه الصفقة المحتملة قوبلت بتحذيرات من نقاد كثر في واشنطن من التعامل مع إيران، لكن هذا النقد مكرر منذ عام 1981، وهكذا ستسير الأمور خلال الأيام المقبلة على الأرجح، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
إذ إن صفقة تبادل السجناء المقبلة بين إيران والولايات المتحدة تتبع النهج نفسه الذي تسير عليه علاقة البلدين منذ حل أزمة السفارة الأمريكية والرهائن عام 1979. ولا شك أن قيود هذه الدبلوماسية لا تزال قائمةً بدرجةٍ كبيرة كما كان عليه الحال طيلة أكثر من أربعة عقود مضت، مع استخدام المسؤولين في كلا البلدين للخطاب نفسه تقريباً في نقاش الصفقات اليوم.
تحديات داخلية تواجه إيران
لكن إيران تواجه تحدياً جديداً في الداخل، بالتزامن مع اقتراب الذكرى الأولى للاحتجاجات الوطنية التي اندلعت إثر مقتل مهسا أميني (22 عاماً) على يد الشرطة، والتي تحل علينا يوم السبت المقبل، 16 سبتمبر/أيلول. بينما يواجه الغرب تحدي البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، التي تخصب اليورانيوم اليوم بمعدلات هي الأقرب إلى تلك اللازمة لصنع الأسلحة، مع امتلاكها المواد الكافية لبناء "عدة" قنابل ذرية إذا أرادت ذلك. ويبدو أن أي تهدئة للتوترات العامة بين البلدين تبدو بعيدة المنال للغاية الآن.
بينما يمثل المال حلقة الوصل الوحيدة في التعاملات بين البلدين اليوم، إذ تعاني إيران اليوم من العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد انهيار الاتفاق النووي لعام 2015. وربما نجحت في بيع نفطها الخام المهرب خارج البلاد بكميات متزايدة، لكن اقتصاد الجمهورية الإسلامية ينهار مع مدخرات 80 مليون إيراني في الوقت الراهن.
ويرتبط التعامل الحالي بـ6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية التي كانت مجمدة داخل كوريا الجنوبية بعملة الوون، والتي سيجري تحويلها إلى عملة اليورو، والاحتفاظ بها داخل حسابات في قطر، وسوف يُسمح باستخدام تلك الأموال للإنفاق على الأغراض الإنسانية، مثل الطعام والدواء، وهي أشياء مسموحة بالفعل حتى في ظل العقوبات بحسب الولايات المتحدة.
لكن منتقدي هذا الترتيب يشبّهونه بعمليات دفع الفدية، ويجادلون بأن المال الذي لن تنفقه إيران على احتياجاتها الأساسية قد يذهب في المقابل لدعم الميليشيات الموالية لإيران في الشرق الأوسط، أو لدعم برنامجها النووي.
يُذكر أن تشبيهات الفدية المماثلة أحاطت بالصفقة التي أبرمتها إدارة كارتر في اتفاقية الجزائر، من أجل تحرير رهائن اجتياح السفارة الأمريكية عام 1979.
وبالنسبة للجانب الإيراني، سنجد أن ادعاء النصر يحمل أهميةً مساويةً لأهمية تحرير النقود. ففي عام 1981، وصف المفاوض الإيراني بهزاد نبوي صفقة تحرير الأمريكيين المحتجزين بأنها تُمرِّغُ "أنف أكبر قوة قمعية عظمى عالمياً في الوحل، لتجبرها على الرضوخ لمطالبنا".
وفي مقابلة بثّتها شبكة NBC News الأمريكية، يوم الثلاثاء 12 سبتمبر/أيلول، حاول الرئيس إبراهيم رئيسي تصوير إيران على أنها المسيطرة بشكل مشابه.
وقد أعلنت إيران بشكل منفصل عن أسماء خمسة سجناء تريد تحريرهم من الاحتجاز الأمريكي، وذلك في مقابل الأمريكيين الإيرانيين الخمسة المحتجزين لديها، لكن هؤلاء السجناء يواجهون عقوبات بسيطة- أو مجرد اتهامات في الوقت الحالي- بعكس الأمريكيين الإيرانيين المحتجزين لديها.
ويشير هذا إلى أن تركيز طهران الرئيسي لا يزال منصبّاً على المال، فيما حذرت لجنة أممية قبل سنوات من "ظهور نمط يعتمد على حرمان المواطنين مزدوجي الجنسية من الحرية تعسفياً" داخل إيران، من أجل استغلالهم في المفاوضات مع القوى الغربية، لفك تجميد الأصول الإيرانية في الخارج.
تاريخ التوترات بين أمريكا وإيران
يُذكر أن إيران كانت على مشارف حرب طاحنة ستمتد لسنوات مع العراق في عام 1981، مع وصول الرئيس رونالد ريغن للسلطة، وتلميحاته باتخاذ موقف دولي أكثر صرامةً من كارتر. أما اليوم فتجد إيران نفسها محاطة بدول تتعامل معها دبلوماسياً للمرة الأولى منذ سنوات، بعد سلسلةٍ طويلة من عمليات مصادرة ومهاجمة السفن المنسوبة لطهران.
لكن التوترات تنامت بين إيران والولايات المتحدة.
وهناك حالياً عملية نشر كبيرة للبحارة ومشاة البحرية الأمريكية، إلى جانب طائرات إف-35 وإف-16، وغيرها من المعدات العسكرية في المنطقة. كما يدرس البنتاغون خطةً لنشر القوات الأمريكية على متن السفن التجارية في مضيق هرمز، الذي تمر عبره نسبة 20% من شحنات النفط التي تعبر الخليج العربي. بينما تواصل إيران من جانبها إمداد روسيا بالطائرات المسيّرة التي تحمل القنابل، والتي تستخدمها موسكو لاستهداف المواقع المختلفة في هجومها على أوكرانيا.
أما على الجبهة النووية، فقد أبطأت إيران إنتاجها لليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والذي يبعد مسافةً بسيطة عن نسبة الـ90% اللازمة لصنع الأسلحة من الناحية الفنية. فيما اقترح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان استئناف المفاوضات بشأن خارطة طريق ستشهد عودة طهران للالتزام ببعض جوانب الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه الجمهورية الإسلامية العام الماضي.
لكن العودة الكاملة للاتفاق القديم تبدو مستبعدة، وخاصةً مع انتهاء بعض القيود التي تعرضت لها وقرب انتهاء قيود أخرى، إذ من المقرر رفع قيود الأمم المتحدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، يوم الـ18 من أكتوبر/تشرين الأول. وتطالب هذه القيود إيران بـ"عدم ممارسة أي أنشطة ترتبط بصنع صواريخ باليستية قادرة على حمل أسلحة نووية". كما حذرت الولايات المتحدة أيضاً من أن إيران قد تمد روسيا بالصواريخ الباليستية لاستخدامها في الهجوم على أوكرانيا.