30 عاماً على أوسلو.. دولة فلسطين لم ترَ النور وأحلام السلام باتت سراباً، فماذا حدث؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/13 الساعة 15:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/13 الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش
توقيع اتفاقية أوسلو 1993، رويترز

قبل 30 عاماً، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو، برعاية أمريكا في البيت الأبيض، لكن لا دولة فلسطين رأت النور ولا السلام تحقق، فماذا حدث؟ وما الأسباب؟

في عام 1993، وبالتحديد يوم 13 سبتمبر/أيلول، وقعت مصافحة اعتبرت تاريخية بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الراحل ياسر عرفات، وبين إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، وذلك في حضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، والرئيس المصري الراحل حسني مبارك، والعاهل الأردني الراحل الملك حسين.

كان توقيع إعلان المبادئ، الذي بات يُعرف لاحقاً باتفاقيات أوسلو، بمثابة اتفاق سلام مؤقت يقوم على اعتراف منظمة السلام الفلسطينية بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطين على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، والتي كانت إسرائيل قد احتلتها عام 1967.

مفاوضات سرية في أوسلو

نتج عن الاتفاق المؤقت إنشاء السلطة الفلسطينية، ومنحها سلطة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما مهد الاتفاق الطريق أمام اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وسمح الاتفاق بعودة عرفات، الذي كان يعيش في تونس آنذاك، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة مع باقي قادة منظمة التحرير.

وعلى وقع توقيع اتفاقيات أوسلو، تعالت آمال الفلسطينيين والإسرائيليين في إمكانية تحقيق سلام دائم وعادل بين الجانبين، لكن وبعد مرور 30 عاماً اختفت هذه الآمال. فلا إسرائيل اعترفت بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطين، ولا انسحبت من الضفة الغربية ولا القدس الشرقية.

وبعد مرور 30 عاماً على التوقيع، يستدعى السياسي الإسرائيلي ونائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين، ذكرى تلك الحقبة؛ إذ بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر/تشرين الأول عام 1991، والذي جمع إسرائيليين وفلسطينيين ومفاوضين عرب، بادر بيلين إلى إجراء اتصالات مع أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية.

ونجم عن هذه الاتصالات إجراء مباحثات سرية في أوسلو، عاصمة النرويج، بحسب ما قاله بيلين لشبكة DW الألمانية: "كان هدفي متواضعاً للغاية. فمن وجهة نظري، كان الأمر مجرد وسيلة من وراء الكواليس لتسوية القضايا بهدف حل الثغرات".

وفيما مضى بيلين قدماً في المسار الذي شرعه، كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي يتفاوضون رسمياً في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث كان غسان الخطيب ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض، الذي كان يجري محادثات رسمية مع مسؤولين إسرائيليين.

وقال الخطيب، الباحث الفلسطيني، للشبكة الألمانية إن الوفد الفلسطيني في واشنطن لم يكن لديه أي معرفة بـ"مسار أوسلو الموازي"، وأضاف أن قضية المستوطنات كانت إحدى القضايا الخلافية بين الجانبين في واشنطن، إذ أصر الجانب الفلسطيني على أن يتضمن أي اتفاق التزاماً إسرائيلياً مكتوباً بوقف المشاريع الاستيطانية: "لم تقبل إسرائيل ذلك، ولهذا السبب لم نتوصل إلى اتفاق".

أوسلو
شمعون بيريز يقف بجانب عرفات ورئيس الوزراء رابين بعد حصولهما على جائزة نوبل للسلام في أوسلو عام 1994/ رويترز

لكن في نهاية المطاف، كان مسار المفاوضات السرية في أوسلو هو الذي مهد الطريق أمام توقيع الاتفاق المؤقت. وأضاف غسان، المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة بيرزيت شمال مدينة رام الله، "في أوسلو اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي المقابل قبلت المنظمة باتفاق دون التزام إسرائيلي [مكتوب] يقضي بوقف المستوطنات".

وشدد غسان على أن قضية الاستيطان كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم نجاح اتفاقيات أوسلو. وفي المقابل، يرى بيلين أن جوهر اتفاقيات أوسلو يكمن في أنها لم تكن معاهدة سلام، إذ كانت بمثابة إطار انتقالي كان من المفترض أن يؤدي إلى اتفاق دائم في غضون 5 سنوات، قائلاً: "لا أنظر إلى نفسي مدافعاً عن أوسلو. لقد كانت أوسلو مجرد وسيلة [صوب إبرام اتفاقية دائمة]، لكنني لست متحمساً للحلول المؤقتة".

وأشار إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تكن مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، قائلاً "يتمثل فشل أوسلو في أننا لم نصل قط إلى هدفنا الحقيقي، وهو التوصل إلى اتفاق دائم".

إسرائيل وعدم الاعتراف بدولة فلسطين

زعم بيلين أنه دعا إلى البدء في التفاوض على قضايا الوضع النهائي بشكل مبكر، حيث حذّر إسحاق رابين من أن فترة الأعوام الخمسة سوف تعطي المتطرفين من "كلا الجانبين" فرصة لإفشال الاتفاق.

"كان من الصعب للغاية الحديث في ذلك الوقت عن اتفاق دائم، لكن الأمر لم يكن ضرباً من المستحيل. ربما كان بإمكاننا توفير الكثير من الوقت وتفادي وقوع الكثير من الضحايا من الجانبين"، بحسب بيلين.

وبالفعل في عام 1994، فتح متطرف إسرائيلي النار على مصلين فلسطينيين داخل الحرم الإبراهيمي بالخليل خلال شهر رمضان، مما أسفر عن مقتل 29 فلسطينياً، وبلغ العنف الإسرائيلي ذروته باغتيال رابين نفسه عام 1995 على يد متطرف يهودي يميني متشدد كان معارضاً لعملية السلام مع الفلسطينيين.

وبعد مرور 30 عاماً على توقيع اتفاقيات أوسلو، أدار معظم الفلسطينيين والإسرائيليين ظهورهم لها. وفي هذا السياق، قال الخطيب، الذي يشرف على إجراء استطلاعات للرأي بين الفلسطينيين، "تبلغ النسبة التي ما زالت تؤيد اتفاقيات أوسلو من الجمهور [الفلسطيني] الثلث فقط، فيما كانت النسبة تبلغ 70% في الأسابيع والأشهر التي تلت التوقيع عليها".

وأضاف أن الفلسطينيين يرصدون بأعينهم أنه رغم توقيع الاتفاقية، فإن إسرائيل "لا تزال تستولي على المزيد من الأراضي وتضع المزيد من المستوطنين، وتقيد الفلسطينيين في مناطقهم المحصورة".

وقال إن هذا الأمر مهم بالنسبة لجيل لم يشهد توقيع الاتفاقية، مضيفاً "إنهم يعتقدون أن أوسلو هي المسؤولة عن الكثير من الصعوبات التي نعيشها".

الضفة الغربية
المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية/ رويترز

إذ أنه منذ اتفاقيات أوسلو، توسعت المستوطنات الإسرائيلية، فقد كان عدد المستوطنين في نهاية عام 1993 نحو 116 ألفا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي. ورغم انسحاب إسرائيل في جميع مستوطناتها في غزة عام 2005، إلا أنه يوجد نحو 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية المحتلة.

والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي ويُنظر إليها باعتبارها عقبة رئيسية أمام أي اتفاق سلام في المستقبل. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل فشلت اتفاقيات أوسلو في إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والذي مازال قائما لأكثر من 56 عاما منذ حرب عام 1967، فيما لازال الحل غائبا عن القضايا الأساسية لا سيما الحل القائم على أساس دولتين وترسيم الحدود بينهما، ومستقبل مدينة القدس والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية.

لا شيء تبقى من أوسلو

وينعكس على واقع حياة الشابة الفلسطينية شذى مسلم، رئيسة شركة ناشئة، والتي ولدت في تونس لأم فلسطينية لجأت إلى لبنان، وأب فلسطيني اضطر للعيش في المنفى حيث يعمل رئيسا لمكتب عرفات في تونس. وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو، تمكنت عائلة شذى من العودة إلى الضفة والعيش في مدينة أريحا.

وفي مقابلة مع DW، قالت شذى: "بعد أوسلو، تم إنشاء جواز سفر تصدره السلطة الفلسطينية حيث لم يكن لدينا قبل ذلك أي وثيقة سفر فلسطينية فيما مثل ذلك تغيرا جوهريا في حياتنا حيث أصبح لدينا جنسية".

لكنها قالت إنه عند النظر إلى حاضر اتفاقيات أوسلو "يبدو أن كل شيء كان قد تم في تسرع بعض الشيء، حيث لم يتم التفاوض على تفاصيل مهمة. ألوم إسرائيل كثيرا لأنها لم تقم بأي جزء من دورها ضمن اتفاق أوسلو. كان من المفترض أن يحدد تقسيم المناطق (أ. ب. ج) طريقة خروج الإسرائيليين من المناطق أو طريقة وقف بناء المستوطنات، لكنهم فعلوا نقيض ذلك".

وكانت شذى تشير في حديثها إلى ما نص عليه اتفاق أوسلو الثاني المبرم عام 1995 حيث نص على تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى 3 مناطق إدارية هي "أ، ب، ج" خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات.

عباس فلسطين أحمد قريع
محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية – رويترز

لكن السلطة الفلسطينية تتمتع اليوم بسيطرة محدودة على المنطقة (أ) فيما لم يتم تنفيذ الخطة الانتقالية على الإطلاق. ووجهت شذى انتقادات إلى الجانب الفلسطيني، قائلة "بعد 5 سنوات من فشل الاتفاق، كان ينبغي على (القيادة الفلسطينية) اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة هذا التقاعس الإسرائيلي. وأنا ألومهم على عدم التفاعل لأكثر من 30  عاما".

ويتفق في هذا الرأي الشاب الفلسطيني فتحي الغول الذي يرأس شركة تسويق ناشئة في رام الله، قائلا "يمكن القول الكثير عن أوسلو حيث كان هناك الكثير من الأمور الخاطئة، لكن الأهم من ذلك أننا حصلنا على اعتراف وهوية".

وقال الغول للشبكة الألمانية إنه وُلد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا فيما تمكنت أسرته من العودة إلى غزة بعد اتفاقيات أوسلو حيث نشأ في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة. وأضاف: "أعتقد بشكل عام أن (اتفاقيات) أوسلو قد فشلت. لقد كانت بمثابة عملية تمهد الطريق في نهاية المطاف أمام حل الدولتين. لكن إذا نظرت إلى الواقع، أعتقد أن إسرائيل قتلت حلم حل الدولتين.. كنا نريد أن تكون هناك دولتان جنبا إلى جنب، لكن الآن أصبح الخيار الوحيد يكمن في حل الدولة الواحدة."

ويساور الغول الكثير من القلق إزاء خطط الحكومة اليمينية المتشددة الحالية في ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية فضلا عن الخوف من تزايد وتيرة هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين: "هناك احتلال وهناك نقاط تفتيش [إسرائيلية] وهناك صعوبات كثيرة في التنقل. لكن هذه الأيام أخشى حقا من الذهاب إلى نابلس أو بيت لحم. أنا خائف حقا من المستوطنين".

تحميل المزيد