رغم نجاح الجيش الروسي في وقف الهجوم المضاد الأوكراني، فإنه بات يتخذ موقفاً دفاعياً في الحرب التي طالت لأكثر من 18 شهراً، وذلك بسبب الأخطاء العسكرية الروسية التي ارتكبت في بداية الحرب، ويعتقد أن أربعة أخطاء تحديداً هي التي ساهمت في نجاة أوكرانيا، وكبَّدت الجيش الروسي خسائر فادحة.
يظهر من مراقبة الصراع القاسي أن هناك سلسلة من الأخطاء العسكرية الروسية التي بدأت مبكراً ولا تزال مستمرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
مع ذلك، بدأت البلاد تتعلَّم من أخطائها الكارثية المبكرة العديدة، وهو ما يتجلّى في دفاعاتها السليمة استراتيجياً التي كبحت حتى الآن الهجوم المضاد الحالي الذي تشنه أوكرانيا.
لكن فيما تتأقلم قوات الرئيس فلاديمير بوتين المستنزفة عديمة الدافع، فإنَّها تواصل ارتكاب أخطاء غير ضرورية.
أبرز الأخطاء العسكرية الروسية منذ بداية حرب أوكرانيا
موقع Business Insider الأمريكي عرض أربعة من الأخطاء العسكرية الروسية التي ارتكبت منذ 24 فبراير/شباط 2022، ويعتقد أنها لها دوراً كبيراً في تعثر الجيش الروسي ضد الجيش الأوكراني الأضعف كثيراً.
فشلت في الاستفادة من التفوق في الدبابات والطائرات للسيطرة على كييف
بدأت روسيا الحرب بفشل فوري ذريع. إذ تعهَّد بوتين بأنَّ القوات الروسية ستسيطر على العاصمة الروسية في غضون أيام. لكن بعد مرور 18 شهراً، لا تزال المدينة لم تسقط.
ويوضح تحليل الأحداث الماضية الأخطاء التكتيكية الواضحة التي خلقت كابوساً لوجستياً روسياً في كييف. إذ فشلت البلاد في استخدام أصول الطيران الكبيرة لديها لتحقيق السيادة الجوية في وقت مبكر من الصراع، وأرسلت قوافلها العسكرية إلى الكمائن الأوكرانية في المدينة وحولها، وفشلت في نشر مجموعات الكتائب التكتيكية بنجاح، وأرسلت الدبابات للقتال دون مشاة والمشاة دون دبابات مثلما نشر موقع Business insider بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب.
وافتقار روسيا للتحضيرات الكافية كان على الأرجح نتيجة لما يعتقد كثير من الخبراء أنَّه الخطأ الأكثر كلفة من جانب البلاد حتى الآن: الاستهانة بأوكرانيا.
فأشار مايكل كوفمان، خبير الشؤون الروسية بمركز التحليل البحري، في فبراير/شباط 2022، إلى أنَّ بوتين دفع بقواته على عجل إلى معركة لم يتدرّبوا من أجلها قط، ضد قوة موحدة لديها كل شيء لتخسره.
وكتب كالدر والتون، وهو باحث بكلية كينيدي لشؤون الحكم التابعة لجامعة هارفارد، في صحيفة The Sunday Times البريطانية الشهر الماضي، أغسطس/آب، أنَّ جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وهو جهاز استخباراتي، قد فشل في إبلاغ بوتين على نحوٍ صحيح بما يُرجَّح أن يواجهه جنوده في أوكرانيا، بما عزز الفوضى العسكرية التي صنعها الرئيس الروسي نفسه.
أرسلت الدبابات للمعارك دون حماية وبلا جنود مشاة يرافقونها
كان لدى روسيا أسطول عملاق من الدبابات عند انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث ورثت 52660 دبابة في عام 1992 مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق ثم تضاءل إلى 13290 في عام 2017، ولكنه مازال أكبر أسطول دبابات في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم للسلام للدراسات العسكرية، وذلك من بين نحو 73000 دبابة لدى كل دول العالم، وهذا يعني أن روسيا تمتلك ما نسبته 17.7% من إجمالي الدبابات في العالم، بينما كانت أوكرانيا قبل الحرب تمتلك نحو 1900 دبابة أغلبها سوفيتي قديم.
وعانت القوات الروسية طوال الصراع في حرب الدبابات، فكرَّرت نفس الأخطاء الصارخة في المعارك المختلفة.
إذ أرسلت روسيا في أكثر من مناسبة أرتالاً من الدبابات دون حماية إلى الكمائن الأوكرانية، وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة في المركبات وصل عددها في بعض الحوادث لأكثر من 100. فمن كييف، إلى مدينة بوتشا، إلى مدينة فوهليدار، يتناثر حطام الدبابات المحترقة في أرجاء ساحة المعركة.
وصرَّح خبراء عسكريون لموقع Business Insider في مارس/آذار الماضي بأنَّ روسيا فشلت في توفير الدعم النيراني لدباباتها في القتال وتتركها مكشوفة في العراء، وهو الأمر الذي يجعلها عرضة لصواريخ جافلين الأوكرانية المضادة للدبابات. وقادت القوات الروسية أيضاً دباباتها مباشرةً نحو حقول ألغام، ما تسبب في تفجيرها.
وقال خبراء عسكريون في مارس/آذار للموقع الأمريكي إنَّ البلاد عانت في مسألة التأقلم، فتخلَّت عن الحس السليم في العديد من الحوادث المرتبطة بالدبابات، وفشلت في دمج دباباتها مع أسلحة الجيش المختلفة الأخرى.
وأشارت تقديرات مسؤولين دفاعيين غربيين في مارس/آذار الماضي إلى أنَّ روسيا قد فقدت نحو نصف دبابات القتال الرئيسية لديها في أوكرانيا، إن لم يكن أكثر، واستمرت تقديرات الخسائر بالتزايد منذ ذلك الحين.
تركت جنودها هدفاً لهجمات هيمارس وأحياناً من أجل خطبة عصماء من جنرال
تسببت سلسلة من الهجمات التي يبدو أنَّه لا يمكن تفاديها بمنظومة هيمارس الأمريكية وهجمات مماثلة على الأرجح في القضاء على مئات الجنود الروس في الأشهر الأخيرة.
ففي يناير/كانون الثاني الماضي، تركت مجموعة من أخطاء القيادة الروسية القوات في موقف ضعيف، وأدَّت في النهاية إلى حتفهم. واستخدمت أوكرانيا "منظومة قاذفة الصواريخ المدفعية عالية الحركة" (هيمارس) لضرب المواقع الروسية خلال عطلة رأس السنة في ماكيفكا، وهي مدينة أوكرانية محتلة شرقي البلاد.
وأكَّدت روسيا مقتل 90 جندياً على الأقل في الهجوم، في حين قدَّرت أوكرانيا حصيلة ضحايا أقرب إلى 400. أدَّت الحادثة إلى توجيه انتقادات للقيادة العسكرية الروسية، واتهم مدونون عسكريون الكرملين بوضع القوات قرب مستودعات الذخيرة، والسماح لهم باستخدام الهواتف المحمولة التي تبث بيانات الموقع، وتمركزهم ضمن المدى النيراني للأسلحة الأوكرانية.
ثم في يونيو/حزيران الماضي، ظهرت تقارير تفيد بتعرُّض قوة روسية كبيرة لهجوم قرب خط الجبهة وضمن مدى المدفعية الأوكرانية من عيار 155 ملم والأسلحة الدقيقة الأبعد مدى مثل صواريخ هيمارس وStorm Shadow.
وأفاد موقع Business Insider آنذاك بأنَّ بعض التقارير تُقدِّر عدد القتلى بنحو 100، وعدد الضحايا الإجمالي بـ200. ولم يكن واضحاً السبب الذي جعل عدداً كبيراً للغاية من الجنود كهذا يتجمَّعون في مكان واحد. أشارت بعض الروايات إلى أنَّهم كانوا يُحمِّلون إمدادات وأسلحة، في حين قالت روايات أخرى إنَّهم كانوا بانتظار خطاب أحد الجنرالات قبل مهمة خطيرة.
كرَّر التاريخ نفسه في أغسطس/آب الماضي، إذ أفاد موقع Business Insider بأنَّ هجوماً بمنظومة هيمارس الأوكرانية أصاب خمس وحدات روسية متجمعة في ساحة للتدريب، ما أسفر عن ضحايا يُقدَّر عددهم بـ200 شخص وتدمير معدات. وقال خبراء عسكريون للموقع إنَّ الحادثة مثال على انتهاك روسيا لأساسيات العمليات العسكرية بتجميعها عدداً كبيراً من القوات في مكان مفتوح.
النيران الصديقة
الخسائر الروسية ليست دوماً نتيجة لهجمات أوكرانية. فهنالك العديد من الأمثلة طوال الحرب على قوات وقادة روس يلحقون الضرر بأنفسهم.
فقد قُتِلَ ثلاثة جنود روس وأُصيبَ 16 آخرون بعدما فجَّر رقيب روسي بالخطأ قنبلة يدوية في مهجع للجنود. وذكرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية آنذاك أنَّ الانفجار تسبب أيضاً في اشتعال نيران أجبرت عديدين آخرين على الإخلاء.
ثم في أبريل/نيسان الماضي، قصفت طائرة حربية روسية مدينة حدودية روسية بالخطأ، ما أسفر عن إصابة امرأتين وإلحاق أضرار بـ4 شقق في مدينة بيلغورود، وذلك وفقاً لمسؤول محلي.
وهنالك أيضاً تقارير عن إطلاق جنود روس النار على زملائهم في خضم الفوضى والارتباك الذي يعصف بالجيش الروسي.
فشلت في حماية أراضيها
عانت روسيا بصورة متزايدة لحماية معداتها وبنيتها التحتية طوال الحرب، بما في ذلك أهداف عدة داخل الأراضي الروسية أو القرم.
مثَّلت سلسلة من الهجمات باستخدام طائرات دون طيار لقواعد جوية روسية على بُعد مئات الكيلومترات من خط الجبهة في ديسمبر/كانون الأول 2022 فصلاً جديداً في الضربات الأوكرانية على البنية التحتية في عمق الأراضي الروسية.
وأصبحت الضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية منذ ذلك الحين تمثل الوضع الطبيعي الجديد في ظل معاناة روسيا للدفاع عن نفسها وسط المساعي الأوكرانية لقلب الطاولة.
وفي يوليو/تموز الماضي، لم تُبدِ روسيا أي مقاومة واضحة حين استهدف زورق أوكراني مُسيَّر جسراً مهماً في شبه جزيرة القرم المحتلة. هاجم الزورق المُسيَّر التجريبي جسر القرم بأكثر من 839 كغم من المتفجرات في هجوم أسفر عن مقتل مدنيين وإلحاق أضرار بالجسر.
كانت هذه هي المرة الثانية التي يتعرَّض فيها الجسر للهجوم، الأمر الذي يشير إلى أنَّ روسيا تعاني من أجل الدفاع عن بنيتها التحتية.
ثُمَّ في أغسطس/آب الماضي، شنَّت أوكرانيا هجوماً آخر بزورق مُسيَّر على سفينة حربية روسية، والذي لم يُثِر رد فعل كبيراً من السفينة نفسها، ما يشير إلى أنَّ الطاقم ربما لم يرَه وهو قادم.
وهذا الأسبوع، تعرَّضت 4 طائرات نقل روسية من طراز IL-76 في حريق بعدما أصابت ضربة بطائرة دون طيار أوكرانية مطاراً روسياً يقع على بُعد أكثر من 400 ميل (644 كم تقريباً) من الحدود، وهو ما يُجسِّد الصعوبة المتزايدة والمستمرة التي تواجهها روسيا في حماية أراضيها.