بدأت المعركة التقنية بين الولايات المتحدة والصين في التأثير على واحدة من أكثر الشركات ربحيةً وتأثيراً في العالم: شركة أبل. حيث يشير تقريران منفصلان من صحيفة Wall Street Journal وشبكة Bloomberg الأمريكيَّتين هذا الأسبوع إلى أن الحكومة الصينية تعمل على توسيع نطاق الحظر على استخدام أجهزة آيفون وغيرها من الأجهزة ذات العلامات التجارية الأجنبية للعمل داخل بعض الوكالات الحكومية والشركات الحكومية.
ماذا يعني حظر أجهزة آيفون في الصين؟
يقول موقع Axios الأمريكي، إن المستثمرين يخشون من أن يكون هذا بداية لقيود أوسع على فئة المنتجات الأكثر مبيعاً لشركة أبل في واحدةٍ من أهم أسواقها، وقاموا بالتخلص من الأسهم يومي الأربعاء والخميس، ما أدى إلى خفض القيمة السوقية للشركة بنحو 200 مليار دولار.
وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فقد انحدرت السوق العالمية للهواتف على مدار الأرباع الثمانية الماضية، تحت تأثير ارتفاع تكاليف المعيشة، والرغبة في الاحتفاظ بالهواتف لفترة أطول، ولامبالاة المستهلك إزاء التقدم التكنولوجي.
وقال تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، لصحيفة The Guardian، إنه يأمل أن يكون إطلاق أحدث هواتف أيفون يوم الثلاثاء 12 سبتمبر/أيلول 2023 كافياً لإنعاش المستهلكين والمستثمرين في مواجهة انخفاض أسعار الأسهم الناجم عن تدهور العلاقات الدولية، بالأخص مع الصين.
ويقول الباحث بمؤسسة "جيمس تاون" البحثية، ويلي لام، إن "القرار الصيني قرار كبير ومن المحتمل أن يؤثر على العديد من موظفي شركة أبل في الصين، ويرسل رسالة إلى الشركات الأمريكية وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات التي لها مصالح تجارية في الصين".
وأشار إلى أن الحظر غير الرسمي يبعث "رسالة إلى الحكومة الأمريكية بشأن فرض قيود على قطاع التكنولوجيا لديها".
ففي السنوات الماضية، وضعت واشنطن قيوداً على الشركات الصينية للحصول على أشباه الموصلات الأمريكية المتطورة. كما قيّدت بعض الاستثمارات الأمريكية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة الحساسة بالصين. ويبدو أن الصين اليوم ترد الصفعة لواشنطن.
الصين ترد على حظر هواوي وتيك توك
وكانت شركة أبل قد حصلت على أكثر من 19% من إيراداتها من منطقة الصين الكبرى في ربعها الأخير. وفيما يتعلق بشحنات آيفون على وجه التحديد، تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر سوق منفردة في الربع الأخير، وفقاً لشركة أبحاث السوق TechInsights.
وبحسب موقع آكسيوس، يشبه توجه بكين نحو حظر أبل، الحظر الذي فرضته واشنطن ضد عملاقي التكنولوجيا الصينيَّين هواوي وتيك توك.
وقد ركزت كل من الولايات المتحدة والصين على أن تصبحا أكثر استقلالية عن بعضهما فيما يتعلق ببناء التقنيات من أجل حماية تدفقات البيانات والملكية الفكرية والأمن القومي لكل منهما.
وتأتي التقارير الخاصة بحظر أجهزة أيفون في أعقاب زيارة رفيعة المستوى قامت بها وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو الأسبوع الماضي، والتي أكدت خلالها أن الولايات المتحدة لن تتزحزح عن قيود التصدير الأخيرة على تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة.
كما رأى وامسي موهان، المحلل في مصرف بنك أوف أمريكا الاستثماري، أن توقيت تقرير هذا الأسبوع ملحوظ نظراً للإطلاق الأخير لهاتف جديد متطور من شركة هواوي، والذي يبدو أنه يعمل بمعالج صيني الصنع متقدم.
هل تغامر الصين بخسارة استثمارات أبل؟
تنتج شركة أبل أيضاً غالبية أجهزة أيفون الخاصة بها في المصانع الصينية. وكتب براندون نيسبل، المحلل في KeyBanc Capital، الأربعاء، أن شركة أبل ومقرها كوبرتينو بولاية كاليفورنيا، تلعب أيضاً دوراً مهماً في اقتصاد بكين. وبسبب ذلك، فإن الشركة "ينظر إليها تاريخياً على أنها آمنة نسبياً من القيود الحكومية في الصين". وكتب أن هذا الحظر المذكور يطرح سؤالاً مهماً: "هل تغير الحكومة موقفها؟".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن الصين حظرت استخدام أجهزة أيفون لمسؤولي الحكومة المركزية، وأن المديرين كانوا يخطرون الموظفين بالحظر عبر مجموعات الدردشة أو الاجتماعات.
ويوم الخميس، ذكرت وكالة "بلومبرغ"، أن هذا الحظر امتد ليشمل الشركات المدعومة من الدولة، بما في ذلك شركة الطاقة العملاقة بتروتشاينا، التي توظف ملايين العمال وتسيطر على مساحات شاسعة من الاقتصاد الصيني.
الحظر يطال قطاعات صينية أوسع
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، كشفت يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول أن حظر الصين استخدام منتجات شركة "أبل"، لم يقتصر على المسؤولين الحكوميين فقط، بل شمل جميع موظفي الدولة، من محطات الطاقة النووية إلى المستشفيات النائية.
ولم تعلق بكين -التي لم تعلن عن أي قيود رسمية- ولا شركة "أبل" الأمريكية، على تقارير الحظر، التي أثارتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية لأول مرة هذا الأسبوع.
لكن "فايننشال تايمز" تحدثت مع موظفين صينيين، كشفوا عن "الحظر الصيني الشامل لاستخدام جميع منتجات أبل، من هواتف (آيفون) الذكية إلى الأجهزة اللوحية والساعات الذكية وأجهزة الكمبيوتر".
وقال أحد الموظفين في الشركة النووية الوطنية الصينية، لصحيفة "فايننشال تايمز"، رافضاً الكشف عن اسمه نظراً لحساسية الموضوع: "لقد أبلغتنا إدارتنا في أغسطس بأنه يجب علينا عدم إحضار أية منتجات لشركة أبل إلى مباني المكاتب". وأضاف أن شركة "تشاينا تيليكوم" المملوكة للدولة، جاءت إلى مكاتبهم في أواخر أغسطس/آب، لبيع هواتف محلية الصنع.
وقال الموظف: "قيل لنا إن وكالات الأمن الأمريكية يمكنها السيطرة على أجهزة أبل، من خلال الثغرات الأمنية. العسكريون ليسوا الأهداف الوحيدة فحسب، بل تشمل أيضاً الأفراد في جميع مناحي الحياة".
ولم تستجب شركتا "أبل" و"هواوي" لطلب صحيفة "فايننشال تايمز" للتعليق. ولم ترد الشركة النووية الوطنية الصينية على الفور على طلب الصحيفة ذاتها للتعليق.
ما علاقة هواوي بهذا الحظر؟
كتب المحللون في بنك أوف أمريكا في مذكرة، نهاية الأسبوع الماضي، أن حظر آيفون المحتمل يأتي في أعقاب هاتف ذكي جديد متطور أصدرته شركة هواوي الصينية المصنعة. وقال محللون إن التوقيت "مثير للاهتمام". وقالت الحكومة الأمريكية، إنها تحقق بشأن الهاتف الذكي الجديد.
وذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أن الولايات المتحدة بحاجة إلى "مزيد من المعلومات حول شكله وتكوينه بدقة"، لتحديد ما إذا كانت الأطراف قد تجاوزت القيود الأمريكية على صادرات أشباه الموصلات لتصنيع الشريحة الجديدة.
وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا بسبب تلك الأخبار، وانخفض مؤشر ناسداك المركب بنحو 0.9%، الخميس، وانخفض قطاع أشباه الموصلات بأكثر من 2%.