بعد أن ضمت 6 أعضاء جدد، هل تتمكن بريكس من تقويض الهيمنة الأمريكية والغربية على النظام العالمي كما تأمل الصين وروسيا؟
وتكتل "بريكس" عبارة عن منظمة سياسية دولية، كانت المفاوضات لتشكيلها قد بدأت عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية.
وفي البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت "بريك"، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب أفريقيا الانضمام للتكتل؛ وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الأفريقية ويصبح التكتل "بريكس". وخلال قمتها الأخيرة في جنوب أفريقيا، أعلنت بريكس عن ضم 6 أعضاء جدد، هم مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا.
منصة أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي نشرت تقريراً يرصد احتمالات أن تتمكن بريكس الموسعة من دق المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية والغربية على النظام العالمي، وأن تنقل دفة القيادة إلى الجنوب.
بريكس تتمدد في الجنوب العالمي
أعلنت مجموعة بريكس (BRICS)، في ختام قمتها المنعقدة في جوهانسبرغ في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب، دعوة ست دول إضافية للانضمام إلى المجموعة بدءاً من يناير/كانون أول المقبل. وتشمل قائمة الدول المدعوة للانضمام المملكة العربية السعودية، مصر، الإمارات العربية المتحدة، إيران، إثيوبيا، والأرجنتين. وبحسب تصريحات قادة بريكس، فإن أكثر من 40 دولة تقدمت بطلبات للانضمام إلى الكتلة أو أعربت عن اهتمامها بذلك.
كانت بريكس قد نشأت عام 2009 كتحالف لمجموعة من الأسواق الناشئة السريعة النمو والمكتظة بالسكان، والتي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين، وجنوب أفريقيا التي انضمت إلى المجموعة لاحقاً في عام 2010. وتمثل مجموعة بريكس قوة اقتصادية ضخمة، حيث ارتفعت حصة الكتلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 8% عام 2001 إلى 26% حالياً. وخلال الفترة نفسها، انخفضت حصة مجموعة السبع (G7) -كتلة تتألف من أكبر الاقتصادات المتقدمة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان- من 65% إلى 43%. كما تشير بعض التقارير الاقتصادية إلى أن دول بريكس قد تجاوزت مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي عند حسابه على أساس تعادل القوة الشرائية (PPP).
برز دور مجموعة بريكس في انتقاد النظام الدولي، وخاصة سياسات التهميش التي تتبعها المؤسسات الدولية الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تجاه دول الجنوب العالمي (مصطلح مقصود به الدول النامية). ويرى أعضاء بريكس أن التعاون الاقتصادي فيما بينهم، ومع باقي دول الجنوب العالمي، يمكن أن يساهم في الحد من نفوذ الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، الاقتصادي والمالي العالمي، الأمر الذي من شأنه أن يخلق ساحة تنافس اقتصادي أكثر تكافؤاً.
وتعد الصين حالياً الأكثر تأثيراً ونفوذاً داخل مجموعة بريكس، وبالرغم أن قرارات الكتلة تستند إلى الإجماع فمن الصعب تجاهل مطالب ورغبات الصين. حيث يقترب الناتج المحلي الإجمالي للصين من ضعف نظيره في جميع دول بريكس الأخرى مجتمعة، فتمثل حصة بكين من إجمالي إنتاج أعضاء البريكس حوالي 70%، كما تمثل 69% من مجموع واردات وصادرات الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا، القوة العظمى الأخرى في المجموعة، أصبحت معزولة في أعقاب حرب أوكرانيا وتعتمد حالياً بشكل كبير على بكين.
ترى بكين أن ضم أعضاء جدد إلى بريكس بحيث، تمثل الكتلة حصة مماثلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة السبع (G7)، من شأنه أن يمنح الصين نفوذاً دولياً أكبر ويساهم في تقويض الهيمنة القطبية الأمريكية. وتسعى بكين وموسكو وسط تصاعد التوترات مع واشنطن إلى إيجاد تكتلات تعمل كثقل موازن للنظام الدولي الأحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. ولا توجد كتلة أخرى يمكن أن تقوم بهذا الدور، تحديداً في جانبه الاقتصادي والتجاري، أفضل من مجموعة بريكس، إذ إن منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة أوراسية أكثر مما ينبغي، فيما تخضع مجموعة العشرين لهيمنة أعضائها الغربيين.
وتتكامل مساعي الصين لتوسيع كتلة بريكس مع استثمارها في مبادرات وهياكل بهدف زيادة نفوذ بكين عالمياً، والتصدي لجهود عزلها، والتي تشمل مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومجموعة بريكس الموسعة والبنك التابع لها (بنك التنمية الجديد). ويشير دعوة أربع دول في الشرق الأوسط لعضوية بريكس إلى اهتمام الصين وروسيا المتزايد بتوسيع علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع الشرق الأوسط.
كما ساهمت دول مجموعة بريكس في تخفيف وطأة العقوبات الغربية على موسكو، وذلك من خلال اختيار عدم الامتثال للعقوبات الاقتصادية والمالية التي تقودها واشنطن وحلفاؤها. وتأمل روسيا أن يؤدي توسيع العضوية إلى إضعاف فاعلية العقوبات الاقتصادية الغربية وكسر العزلة الدولية التي يسعى الغرب لفرضها على موسكو. بناء على ذلك، كانت روسيا هي أحد المحركات الرئيسية لعملية توسيع بريكس، حيث ناقشت موسكو في وقت مبكر من العام الماضي إمكانية انضمام إيران إلى المجموعة، كما أن الرئيس المصري ظهر كحليف مفضل لدى "بوتين" خلال السنوات الماضية.
عقبات أبرزها وجود الهند
لكن إذا كانت الصين وروسيا تسعيان لنسف الهيمنة الأمريكية، فإن الهند تخشى من أنه إذا حدث توسع "سريع" لمجموعة بريكس، فإن ذلك قد لا يؤدي فقط إلى زيادة نفوذ الصين وروسيا داخل المجموعة واختلال التوازن والمساواة بين الأعضاء، ولكن سيكون التوسع مدفوعاً برغبة بكين وموسكو لإعطاء الكتلة صبغة معادية للولايات المتحدة والغرب، وهو الأمر الذي تحرص الهند – وكذلك البرازيل وجنوب أفريقيا – على عدم الانجرار إليه والوقوع في مرمى التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وكل من بكين وموسكو.
ومع ذلك، فإن التنافس بين الهند والصين يجعل نيودلهي حريصة على ألا تكون السبب في عرقلة تطلعات البلدان الناشئة الأخرى للانضمام إلى بريكس؛ الأمر الذي دفع الهند إلى قبول المزيد من الأعضاء بمجموعة بريكس، ومحاولة دفع أجندة التكتل نحو التركيز على قضايا مثل تعزيز التجارة، تغير المناخ، والأمن الغذائي، وهي قضايا ذات اهتمام مشترك مع الغرب. وستسعى الهند في الوقت عينه إلى توجيه جهود الكتلة لإصلاح المؤسسات الدولية. وتراهن الهند على أن تلك الاستراتيجية قد تكون الأفضل لكسب النفوذ داخل مجموعة بريكس الموسعة، خاصة أنها تتمتع بعلاقات وثيقة مع السعودية والإمارات ومصر، وتتشارك معهم تجنب الانحياز الكامل في صراع القوى الدولية.
لا تختلف كثيراً أولويات رئيس البرازيل، لولا دي سيلفا، الخارجية عن أولويات رئاسته الأولى (2003-2011)، والتي ترتكز على مبادئ عدم الانحياز وعدم التدخل والتواصل العالمي، ويأتي في مقدمتها الحاجة إلى نظام عالمي أكثر ديمقراطية تتمتع فيه دول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بمكانة متساوية، وهو الأمر الذي دفع دا سيلفا إلى إبراز الهدف الرئيسي لمجموعة بريكس في أكثر من مناسبة – وفق تصوراته – وهو مساهمة الكتلة في تشكيل نظام عالمي أكثر شمولاً ودبلوماسية.
وتواجه البرازيل تحدياً رئيسياً إزاء العمل على تحقيق هذا الهدف الواسع دون أن تتورط في التوترات الجيوسياسية الدولية؛ حيث تدرك البرازيل حاجتها إلى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة التي تشكل المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في البرازيل؛ أي أن البرازيل، مثل غالبية حكومات اليسار في أمريكا اللاتينية، ترغب في تقليص الهيمنة الأمريكية في العالم، لكنها لا تفضل الدخول في تحالفات جيوسياسية مغلقة مثل التي شهدتها حقبة الحرب الباردة.
أعضاء جدد.. اقتصاديات متفاوتة ومصالح متنوعة
بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات، فإن الانضمام إلى مجموعة بريكس سيكون موضع تقدير لثقلهما المالي وقدرتهما على ضخ الأموال في بنك التنمية التابع للكتلة. وفي المقابل؛ فإن انضمام الرياض وأبوظبي لمجموعة بريكس يتناسب مع تطلعاتهما إلى تعميق التعاون مع الدول غير الغربية وتنويع شراكاتهما الاقتصادية، وذلك بينما تسعى الرياض إلى إعادة ضبط علاقاتها مع أمريكا، كما تتعرض العلاقات الإماراتية الأمريكية لاختبار استعادة الثقة. من جهة أخرى، فإن الانضمام إلى بريكس يجلب فرصاً استثمارية وتجارية جديدة للبلدين الساعين إلى توسيع وتنويع اقتصاداتهما.
أما مصر فتأمل أن يساهم انضمامها إلى المجموعة في مساعدة البلاد لإيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية والمالية المعقدة، وتنظر القاهرة لمسألة الانضمام إلى بريكس كخطوة ذات مغزى سياسي تشير إلى استمرار تقدير قوى دولية رئيسية لأهمية البلاد الجيوسياسية، رغم تدهور مكانتها الإقليمية مؤخراً، في الشرق الأوسط وأفريقيا. في المقابل؛ فإن دعوة إثيوبيا لا تدع مجالاً للشك حول محورية أديس أبابا في القرن الأفريقي.
وتنظر إيران إلى عضويتها في بريكس كوسيلة إضافية للحد من تأثير العقوبات الغربية التي تستهدف عزلها دولياً. ولا شك أن إدراج إيران في مجموعة بريكس يمكن أن يعزز المحور المناهض لواشنطن داخل الكتلة؛ حيث تتشارك إيران مع روسيا والصين في أولوية تقويض الهيمنة الأمريكية وتعزيز التعددية القطبية في النظام الدولي. وستؤدي عضويتها أيضاً إلى صعوبة تعامل الولايات المتحدة والغرب مع المجموعة التي ستضم عضوين خاضعين لعقوبات غربية: روسيا وإيران.
في خطوة لا تبدو عفوية؛ أعلنت واشنطن في نفس يوم انعقاد مؤتمر جوهانسبرغ استعدادها لتعزيز القدرات التمويلية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمناسبة قمة مجموعة العشرين في الهند يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول المقبل، حيث ستساهم واشنطن بنحو 50 مليار دولار من القروض للدول متوسطة الدخل والفقيرة.
وبلغة واضحة، قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان إن بلاده لا تنظر إلى مجموعة بريكس كمنافس جيوسياسي للولايات المتحدة أو أي جهة أخرى؛ مشيراً إلى أن المجموعة متنوعة للغاية، وبها اختلافات حول قضايا حاسمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وحول حرب أوكرانيا، ومجموعة أخرى من القضايا.
تدرك واشنطن أن تعزيز المزيد من دول الجنوب العالمي علاقاتها المؤسسية مع كل من روسيا والصين لا ينفصل عن مساعي خلق نظام متعدد الأقطاب. والأهم من ذلك، أن مجموعة بريكس مع مرور الوقت يمكن أن يكون لديها القدرة على تقويض قوة واشنطن عندما يتعلق الأمر بمعاقبة أو عزل البلدان التي تنتهج سياسات تتعارض مع المصالح الأمريكية، خاصة إذا استطاعت بريكس أن توفر أنظمة وطرقاً بديلة للتجارة والمدفوعات غير تلك التي تهيمن واشنطن عليها.
تحديات تواجه بريكس
لكن هناك العديد من التحديات التي تواجه بريكس، وهذه أبرزها: أولاً: ما زالت كتلة بريكس أبعد بكثير من أن تكون بنفس تجانس مجموعة السبع؛ إذ يختلف الأعضاء سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فضلاً عن عدم وجود ميثاق أو معايير عضوية رسمية. وهذا يعني أنه على الرغم من قدرة كتلة بريكس الموسعة على انتقاد النظام الدولي بصوت أعلى، إلا أنها ستواجه صعوبة أكبر في الانسجام الداخلي بين أعضائها، خاصة أنهم لا يتباينون فحسب في مصالحهم الجيوسياسية، كما في حالة الصين والهند، ولكنّ علاقاتهم الثنائية متوترة وقابلة للاشتعال في أي وقت بما في ذلك السعودية وإيران وكذلك مصر وإثيوبيا.
ثانيا: لا يتمتع أعضاء الكتلة الأساسيون إلا بقدر ضئيل من التوافق في أهدافهم الجيوسياسية الأوسع. كما يبدو نموذج النظام السياسي لكل من روسيا والصين بعيداً إلى حد كبير عن الدول الثلاث الأخرى الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا التي تتسم بأنظمة لها طابع ديمقراطي بنسب متباينة. ولا تؤيد بصورة واضحة كل من الصين وروسيا، وكلتاهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، الإصلاحات التي تقترحها الهند والبرازيل، (مع ألمانيا واليابان)، لزيادة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فضلاً عن موقف جنوب أفريقيا الملتزم بمقعدين دائمين للقارة السمراء.
ثالثاً: تتجه علاقات الصين والهند بصورة صريحة نحو صراع مصالح جيوسياسي واقتصادي طويل المدى. وحتى مع سعي الهند لإضفاء طابع مستقل وحيادي على سياستها الدولية، فإن التنافس مع الصين يدفع نيودلهي بصورة متزايدة لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها المتخوفين من تزايد نفوذ الصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، والاشتراك في مبادرات أمريكية للحد من نفوذ الصين. هذا يعني أن بريكس من الصعب أن تتحول إلى كتلة جيوسياسية فعالة على المدى الطويل ما لم تتغير ديناميات العلاقة بين الصين والهند، الأكبر اقتصادياً وسكانياً في المجموعة.
رابعاً: يتفاوت أداء وحجم اقتصادات أعضاء الكتلة بشكل كبير، كما تشهد المجموعة نمواً غير متكافئ بين أعضائها (الأصليين والمحتملين). على سبيل المثال يمثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند نحو خمس نظيره في الصين وروسيا. وكذلك يختلف الأعضاء الجدد بشكل كبير من حيث حجم الاقتصاد، وعلاقاتهم الاقتصادية مع الدول غير الأعضاء في مجموعة بريكس. كما أن هناك قاعدة في عمل بنك التنمية الجديد في شنغهاي (NDB) تضمن احتفاظ أعضاء بريكس الخمس بنسبة 55% من حقوق التصويت، وهو ما سيضع المجموعة إزاء صراع نفوذ داخلي، خاصة أن السعودية مثلاً لن تقبل بنفوذ اقتصادي محدود، وسيكون الأمر مشابهاً لانتقادات أعضاء بريكس أنفسهم بشأن تفاوت سلطة اتخاذ القرار في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ما فرص إصدار عملة بريكس الموحدة؟
من غير المرجح أن تصل مجموعة بريكس إلى عملة مشتركة في المدى القريب، لأن ذلك يستلزم أن يكون الأعضاء متوافقين بشكل كامل على الصعيد الجيوسياسي، كما يتطلب تنفيذ الدول الأعضاء تعديلات هيكلية وإصلاحات مالية كبيرة وجوهرية، وتخطي عقبات أساسية تشمل تحقيق تقارب الاقتصاد الكلي، والاتفاق على آلية لسعر الصرف، وإنشاء نظام فعال للدفع والمقاصة المتعددة الأطراف، وإنشاء أسواق مالية مستقرة ومرنة. كل هذه متطلبات تبدو بعيدة المنال في العقد الجاري، خاصة أن بنك التنمية الجديد في شنغهاي، والذي يضم أعضاء بريكس الخمس، مع بنغلاديش ومصر والإمارات، لا يزال يصدر القروض في أغلب الأحيان بالدولار الأمريكي أو اليورو، الأمر الذي يقلل التوقعات حول جدية دعوة أعضاء بريكس إلى السعي للحد من هيمنة الدولار قريباً.
من المتوقع أن تحقق بريكس خطوات واسعة في استخدام العملات المحلية في التجارة البينية التي ستؤدي إلى استدامة وتعزيز الروابط التجارية بين الأعضاء؛ كما يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تقليص حجم التجارة العالمية التي تتم بالدولار. فعلى سبيل المثال تدرس المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق مع الصين لتسوية معاملات النفط باليوان الصيني، كما دفعت الهند أول دفعة نفطية لدولة الإمارات بالروبية في منتصف أغسطس/آب الجاري، وشهدت الأشهر الماضية عقب حرب أوكرانيا زيادة كبيرة في تداول اليوان في السوق الروسية.
لكنّ هذه الإجراءات مازالت محدودة التأثير على مكانة الدولار، حيث ما زال يستحوذ على 59% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، بينما تستحوذ عملات بعض دول مجموعة السبع (الدولار الأمريكي، اليورو، الين الياباني، والدولار الكندي) على إجمالي 91.6% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. بالإضافة لذلك؛ فإن بعض خطوات الحد من الدولرة من الممكن التراجع عنها مقابل امتيازات أمريكية، مثل الاتفاق الأمني الواسع الذي يجري مناقشته حالياً بين السعودية والولايات المتحدة، والذي تشترط فيه أمريكا استمرار ربط مبيعات النفط السعودي بالدولار.
وبينما تُظهر دراسة مهمة أن الدولار الأمريكي لا يزال هو العملة المهيمنة في كل جانب من جوانب النظام المالي العالمي الحالي تقريباً، ومن غير المرجح أن تحل عملة أخرى محله في أي وقت قريب، فإنها توضح أيضاً أن مبادرات مجموعة بريكس للحد من الدولرة من الممكن مع الوقت أن تساهم في إنشاء بنية تحتية بالغة الأهمية لنظام مالي عالمي بديل محتمل لا يعتمد على الدولار، دون أن يعني هذا اختفاءه أيضاً. يبدو هذا احتمالاً بعيد المدى، لكن، في المقابل، لا ينبغي تصور أن مكانة الدولار باقية إلى الأبد على أية حال.
الخلاصة هنا هي أن إضافة المزيد من الأصوات المتباينة إلى مجموعة بريكس قد تؤدي إلى فقدان المجموعة طريقها نحو التوافق بشأن الأهداف الرئيسية التي تأمل المجموعة تحقيقها، مثل إيجاد عملة احتياط مشتركة، وتكثيف استخدام العملات المحلية في التجارة البينية مع دول الجنوب العالمي، وصولاً إلى صعود المجموعة كمحور جيوسياسي قادر على المساهمة في بناء نظام دولي أكثر تعددية. وهكذا؛ فإن فاعلية وتماسك بريكس باتا رهناً بقدرتها على التوفيق بين مصالح أعضائها، وهو أمر ليس من المرجح تحقيق تقدم فيه في المدى القريب.
إعلان قادة بريكس عن إمكانية ضم أعضاء جدد سيكون كافياً للمجموعة لمواصلة مناشدة دول الجنوب العالمي وحشد الدعم منها. ومن الواضح أن القوة الرمزية للكتلة، والمرتكزة على آمال مواجهة الهيمنة الأمريكية، سوف تنمو في السنوات القادمة، وستواصل المجموعة الاستفادة من عدم الثقة المتنامي لدى دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية بصورة خاصة بشأن المؤسسات الدولية المتمحورة حول مركزية الغرب، واعتبارها لا تعكس التحولات السياسية والاقتصادية العالمية على مدى العقود الماضية.