بعد مرور 22 عاماً على هجمات 11 سبتمبر 2001، وبتكلفة مذهلة بلغت 8 تريليونات دولار، وخسارة مأساوية لما يقرب من 5 ملايين شخص، لا يزال رعب الأحداث وتداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا.
عقب الهجوم، شرعت الولايات المتحدة في حملة دولية للقضاء على تنظيم "القاعدة" وجميع الدول التي توفر ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة، بعد أن تبنى التنظيم هجمات 11 سبتمبر.
وفي خطاب أمام أعضاء الكونغرس بعد 9 أيام من الهجمات، قال الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش: "من اليوم فصاعداً، ستعتبر الولايات المتحدة أي دولة تؤوي أو تدعم الإرهاب نظاماً معادياً"، معلناً وضع بلاده في "حالة تأهب للحرب".
واعتبر أن "الطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهاب الذي يهدد أسلوب حياتنا هي إيقافه والقضاء عليه وتدميره في مكان نموه. ودول العالم إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين".
لكن رغم انحسار الصراعات العلنية التي أفرزتها "الحرب العالمية ضد الإرهاب" مع رحيل الولايات المتحدة عن العراق وأفغانستان، فإن العديد من التوترات والاضطرابات السياسية اليوم يمكن إرجاعها بشكل مباشر إلى القوى التي تحركت أثناء الحرب العالمية التي قادها حلف الناتو الذي تقوده أمريكا.
تمويل "الحرب على الإرهاب" لم يتوقف
يقول موقع responsible statecraft الأمريكي إن تمويل مكافحة الإرهاب يستمر في التدفق مع القليل من الضوابط والتوازنات بعد 22 عاماً من إعلان واشنطن هذه الحرب، ما يعزز قوات الأمن والصناعة العسكرية العالمية. ويضيف الموقع أن تصاعد الانقلابات المستمرة في أفريقيا يسلط الضوء على مأزق المساعدات الغربية التي تدعم المؤسسات العسكرية على حساب الحكم المدني.
وفي الشمال العالمي، يدعو خبراء مكافحة الإرهاب، إلى اتباع نهج أكثر تشدداً في مواجهة الصين وروسيا. وعلى نحو مماثل، في آسيا الوسطى، قامت الشبكات والمنظمات العالمية باختلاق صناعة مساعدات تنموية لا تتماشى دائماً مع احتياجات الناس على الأرض، ولكن الكلمات الطنانة مثل "الإرهاب" و"الأمن" أصبحت بمثابة موسيقى تطرب آذان المانحين الدوليين.
وفي الوقت نفسه، وفي أماكن متنوعة مثل نيبال، يمكن الشعور بتموجات الحرب العالمية على الإرهاب بشكل مباشر مع إحياء معاهد تدريب الجورخا، التي كانت تستخدمها قوات التحالف ذات يوم في العراق وأفغانستان، ولكنها الآن تحت تصرف صناعة الأمن الخاصة.
كيف تغير شكل المنطقة والعالم؟
يقول الموقع الأمريكي إن الموارد والشبكات الهائلة التي تحشدها الحرب لا تتبدد ببساطة، ولكنها تشكل قنوات جديدة، وتعيد تشكيل المشهد العالمي باستمرار.
وإلى جانب بصمتها العسكرية، أنتجت الحرب الأمريكية الغربية على الإرهاب موجة شديدة القسوة من المنطق الأمني والأطر القانونية الغازية. من أمريكا إلى المملكة المتحدة وفرنسا إلى الهند وإندونيسيا وغيرها، استحضرت الدول "لحظات 11 سبتمبر" الخاصة بها في أعقاب حوادث الإرهاب المحلية، كاشفة عن سلسلة من القوانين القمعية التي لا تزال سارية.
وقد سمحت هذه المراسيم بالاعتقال لفترات طويلة دون محاكمة، وانتهاكات واسعة النطاق للخصوصية تتطلب التنازل عن الحرية من أجل الأمن. في الوقت نفسه، نجح زعماء آسيا الوسطى والشرق الأوسط، على الرغم من مؤهلاتهم الاستبدادية، في إعادة اختراع أنفسهم باعتبارهم عنصراً لا غنى عنه في البنية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، فاستغلوا الروح السائدة في الحرب على الإرهاب لقمع المعارضة الداخلية، ووصمها بالإرهاب.
وحتى في أمريكا اللاتينية، التي تبدو بعيدة عن مركز أحداث 11 سبتمبر، استخدمت الحكومات هذه الأدوات القانونية كسلاح ضد مجموعة واسعة من الخصوم، بما في ذلك المجتمع المدني والمنظمات الشعبية.
المسلمون لا يزالون في مرمى النيران
وبعد مرور 22 عاماً على تلك الأحداث، يظل المسلمون في جميع أنحاء العالم في مرمى النيران، حتى مع تراجع أصداء أحداث 11 سبتمبر. وفي الصين، تمت إعادة صياغة الحرب العالمية على الإرهاب لتضخيم القمع الرسمي ضد أقلية الإيغور المسلمة.
ويجد المسلمون في الشتات، وخاصة في الغرب، أنفسهم، يسيرون على حبل مشدود، فهم مضطرون إلى تبرير قناعاتهم "المناهضة للتطرف" باستمرار، وإعادة تأكيد إخلاصهم لقيم الاعتدال والحرية وغيرها، كما يقول موقع responsible statecraft.
ولا تزال الصور النمطية المبتذلة عن المسلمين مستمرة عبر المنصات الإعلامية. لكن العديد من المجتمعات الإسلامية ترفض التزام الصمت. ففي شمال غرب باكستان، على سبيل المثال، أشعلت معارضة قصف الطائرات من دون طيار شرارة حركة سياسية شعبية وحدت الشعب ضد الإمبريالية والتطرف.
وقد ينظر الشباب اليوم إلى أحداث 11 سبتمبر باعتبارها تاريخاً بعيداً؛ حيث تهيمن جائحة فيروس كورونا، والكوارث المناخية، والحرب في أوكرانيا على العالم، وليست ضربات الطائرات من دون طيار، وأجهزة المراقبة، والتوابع للحرب العالمية على الإرهاب. ولكن كما بلورت تداعيات الحرب العالمية الثانية ملامح الديناميكيات العالمية لعقود من الزمن، فإن الموروثات المستمرة للحرب العالمية على الإرهاب تستمر في نحت عالمنا بطرق علنية وماكرة. كما أنها تتطلب التذكر والأرشفة والاهتمام اليقظ.
جيوش وسجون
بعد مرور 22 عاماً، لا تزال أمريكا تحتفظ بقواعد عسكرية في الشرق الأوسط، لكن تقول اليوم إن هذه القوات غيرت مهمتها من القتال إلى تقديم التدريب والاستشارات، كما يحدث في العراق على سبيل المثال، لكن جماعات مسلحة عراقية تشن من حين إلى آخر هجمات على تلك القوات، مطالبةً بانسحاب أمريكي كامل.
وحتى اليوم، لا تزال العديد من القوات الأمريكية تشارك في جهود دولية تهدف إلى إنهاء تهديدات "داعش" و"القاعدة"، لكن من دون نهاية قريبة تلوح في الأفق.
كما أن هناك ملفاً آخر لم يغلق بعد، وهو سجن غوانتانامو. فمع اندلاع الحربين في أفغانستان والعراق، كانت معركة أخرى تدور تحت السطح شملت عمليات ترحيل سرية لمشتبه بهم في قضايا إرهاب تعرضوا لتعذيب وحشي في مواقع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والسجن العسكري الأمريكي سيئ السمعة في خليج غوانتانامو بكوبا.
ورغم توالي الدعوات الأممية والحقوقية، من مختلف أنحاء العالم، لإغلاق معتقل غوانتانامو، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تلبّ نداءات إغلاقه، وفشل كل زعيم تعهد بإغلاقه في تنفيذ ذلك حتى اليوم.