يقفون طوابير في فنادق الخليج.. لماذا باتت الصناديق السيادية العربية هدفاً لمديري الاستثمار الدوليين؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/09/10 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/10 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
الصناديق السيادية الخليجية تشهد فترة ازدهار/رويترز

على غرار حمى الركض وراء الذهب بولاية كاليفورنيا الأمريكية في القرن التاسع عشر، يركض قادة الاستثمار الدوليون نحو دول الخليج العربية، باحثين عن الفرص السانحة مع الصناديق السيادية الخليجية.

فهذا العام، يُتوقَّع أن يشهد مؤتمر للاستثمار الحر في الرياض، والذي يُسمَّى "دافوس في الصحراء"، إقبالاً كبيراً للغاية لدرجة أنَّه يفرض رسوماً على المديرين التنفيذيين تبلغ 15 ألف دولار للشخص الواحد.

إذ تحظى ممالك الشرق الأوسط بفترة نجاح على الساحة المالية الدولية. فهي تنعم بالسيولة النقدية الناجمة عن طفرة الطاقة، في الوقت نفسه الذي يتراجع فيه المُموِّلون الغربيون -الذين يعوقهم رفع أسعار الفائدة- عن إبرام الصفقات والاستثمارات الخاصة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية. 

استحواذات كبرى.. الصناديق السيادية الخليجية تحولت لماكينات الصراف الآلي للعالم

وأصبحت الصناديق السيادية الخليجية بمثابة ماكينات الصرَّاف الآلي الجديدة بالنسبة لشركات الأسهم الخاصة، ورأس المال الاستثماري، والصناديق العقارية التي تعاني للحصول على المال من أماكن أخرى.

وشهدت سوق الاندماجات والاستحواذات الكبيرة تزايد الاهتمام بالمنطقة. وتضم الصفقات التي أُعلِنَ عنها مؤخراً، شراء أحد الصناديق في أبوظبي شركة إدارة الاستثمارات Fortress مقابل أكثر من ملياري دولار، وشراء صندوق سعودي وحدة الطيران التابعة لبنك Standard Chartered العالمي مقابل 700 مليون دولار.

وتحاول الشركات والصناديق التي يشرف عليها مستشار الأمن الوطني في أبوظبي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، شراء بنكي Standard Chartered البريطاني وLazard الأمريكي. وأبرمت أيضاً اتفاقات مؤخراً لشراء شركة رعاية صحية في المملكة المتحدة تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار، والسيطرة على جزء من شركة كولومبية عملاقة للمواد الغذائية تبلغ قيمتها قرابة 6 مليارات دولار.

وقال بيتر يدرستين، مؤسس شركة Jade Advisors لجمع التمويلات: "الكل يريد الذهاب إلى الشرق الأوسط الآن، الأمر أشبه بحمّى الذهب التي ظهرت بالولايات المتحدة في الماضي. فجمع المال بات صعباً في كل مكان".

مديرو الصناديق الدولية يقفون طوابير في الفنادق

ويقول مديرو الصناديق الزائرون إنَّهم كثيراً ما ينتظرون خروج منافسيهم في غرف الانتظار التابعة لـ"الصناديق السيادية الخليجية". ويقولون أيضاً إنَّ مديري وادي السيليكون ونيويورك باتوا دائمي الحضور تقريباً في ردهات فندق "فور سيزونز أبوظبي"، وكذلك الحال في الفنادق الكبيرة الأخرى.

ومن المتوقع أن يكون مؤتمر الرياض الشهر المقبل -وهو مشروع شخصي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يُعرَف باسم "مبادرة مستقبل الاستثمار"- جاذباً للباحثين عن التمويلات.

فلقد تزايد الطلب على التمويلات السعودية العام الماضي (2022)، حين بدأ الحصول على المال من أماكن أخرى يصبح صعباً. ففي مؤتمر العام الماضي، جلس محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، في جلسة نقاشية مع اثنين من مديري أكبر شركات الاستثمار في العالم، ستيفن شوارزمان الرئيس التنفيذي لشركة Blackstone، وراي داليو مؤسس شركة Bridgewater Associates. وكانت صفوف الحضور تضم أسماء بارزة في مجال رأس المال الاستثماري.

المستثمرون الدوليون التقليديون يتراجعون

تتجلَّى الهيمنة الجديدة للمنطقة كأوضح ما يكون في الصناديق الخاصة، وهو النوع الذي يُقيِّد أموال المستثمرين لسنوات. وفي حين توجد ندرة في الإحصائيات الدقيقة، فإنَّ الأرقام في اثنين من أكبر صناديق الثروة السيادية بالمنطقة تشير إلى الارتفاع.

ففي صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ارتفعت التزامات "الأوراق المالية الاستثمارية" -وهو تصنيف يضم الصناديق الخاصة- إلى 56 مليار دولار عام 2022، مقارنةً بـ33 مليار دولار في العام السابق. وأفاد صندوق مبادلة في أبوظبي بتضاعف التزامات الأسهم إلى 18 مليار دولار في 2022.

الصناديق السيادية الخليجية
نمو كبير لصندوق الاستثمارات العامة السعودية/رويترز

وأبلغ المديرون التنفيذيون في شركات الأسهم الخاصة العملاقة TPG وKKR وCarlyle Group المستثمرين أنَّ الاهتمام بالشرق الأوسط يبقى قوياً، في حين يتراجع في مناطق العالم الأخرى.

وفي حين يزيد الشرق الأوسط استثماراته، فإنَّ الداعمين التقليديين لصناديق الاستثمارات -وهما صناديق خطط التقاعد وأصول المؤسسات التعليمية- في تراجع. فقد تسبَّب التحول العالمي نحو رفع أسعار الفائدة في خسائر بالجزء الأكبر من محافظهم الاستثمارية، خصوصاً الأسهم والسندات.

والسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتنافس على النفوذ الدولي

ويُعَد السبب وراء تزايد تمويلات الصناديق السيادية الخليجية وإبرام الصفقات مزدوجاً.

فقد أعطى ارتفاع أسعار الطاقة لصناديق الثروة المعتمدة على النفط والغاز في المنطقة عشرات مليارات الدولارات من الأموال الإضافية لإنفاقها. يعني هذا أنَّ أي تراجع في أسعار النفط قد يتسبب سريعاً في انسحاب بلدان الخليج، مثلما حدث في طفرات الطاقة التي تحولت إلى أزمة مالية في الماضي.

في الوقت نفسه، تتنافس السعودية والإمارات من أجل الحصول على نفوذ أكبر على الساحة العالمية -جيوسياسياً ومالياً ورياضياً- فضخ البلدان أموالاً إضافية في صناديق الثروات لديهم؛ من أجل إبرام صفقات وتوسيع الصناعة في الداخل.

وقد دفع التقاطع بين السياسة والتمويل في المنطقة صناديق الثروة الخليجية من السعودية والإمارات وقطر إلى أن تكون الداعمة المالية الرئيسية لاثنين من شخصيات إدارة ترامب الرئيسية: غاريد كوشنر ووزير الخزانة الأمريكي السابق ستيف منوشين، اللذين جمعا معاً مليارات الدولارات من المنطقة.

الصناديق الأمريكية تفتح مكاتب لها بالمنطقة

ويقول مديرو الصناديق إنَّ الصناديق الخليجية دفعت نظيراتها الأمريكية إلى فتح مكاتب في المنطقة للفوز بالاستثمارات بسهولة.

وقالت شركة Blackrock الأمريكية إنَّها ستنشئ فريقاً على الأرض في الرياض مُخصصاً لتعزيز الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية بالخليج. وأنشأت شركة Millennium Management LLC، ومقرها نيويورك، مكتباً في دبي عام 2020، وتبعها آخرون. وأوجدت شركتا Tikehau Capital وArdian الأوروبيتان فرقاً في أبوظبي.

واجهت ذراع رأس المال الاستثماري التابعة لشركة Tiger Global صعوبات من أجل جمع تمويلها الأخير، وقلَّصت مراراً مبلغ التمويل المستهدف بمليارات الدولارات. ويقول مستثمرون إنَّ العديد من المستثمرين الأمريكيين تجاهلوا الشركة، بسبب تأثُّرهم بالخسائر وبيئة جمع التمويلات الأكثر ركوداً.

لكنَّها لاقت النجاح في مكان واحد: السعودية. إذ أضافت شركة "سنابل"، وهي إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، اسم شركة Tiger إلى القائمة العامة لمديري الصناديق الذين تدعمهم. 

وقال إبراهيم عجمي، الذي يشرف على استثمارات الشركات الناشئة في صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي، والذي يستثمر في الشركات وكذلك الصناديق، إن البيئة تمنح "مبادلة" القدرة على أن تكون "مدروسة للغاية وانتقائية" بشأن من تدعمه.

وقال: "ما نفعله هو التعمق أكثر -وبشكل أكثر تركيزاً وتفاعلاً- مع مجموعة مختارة من المديرين".

تحميل المزيد