يبدو أنَّ المخاوف بشأن تأثيرات التمويل الأجنبي على السياسة الخارجية الأمريكية وصلت لمرحلة مقلقة، إذ يبدي مرشحون جمهوريون لرئاسة أمريكا نهماً في تلقي التبرعات والأموال من جهات أجنبية، بعضها كان على قائمة الإرهاب الأمريكية قبل سنوات.
وسلطت الأضواء مؤخراً على نجل الرئيس جو بايدن، هانتر بايدن، الذي جنى الملايين في صورة رسوم من الشركاء الصينيين بين عامي 2013 و2018، واستقال رئيس معهد بروكنغز، الجنرال المتقاعد جون آلن، بعد اتهامه بالقيام بأعمال ضغط (لوبي) سراً لصالح قطر (لم تُقدَّم ضده اتهامات جنائية)، وخيَّمت على إدارة دونالد ترامب سحابة من الشك في أنَّ الرئيس السابق تأثَّر بالمصالح الأجنبية لروسيا والإمارات وإسرائيل وغيرها، حتى بعد فشل تحقيق مولر في تقديم أدلة قاطعة على أنَّ حملة ترامب تواطأت جنائياً مع مسؤولين روس خلال حملة انتخابات 2016.
لكن يبدو أنَّ بعض مرشحي الرئاسة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ليس لديهم سوى مخاوف بسيطة، إن وُجِدَت، بشأن جمع أموال تتراوح بين مئات الآلاف والملايين من مصادر أجنبية، وذلك وفقاً لمراجعة للإفصاحات المالية للمرشحين، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ترامب في صدارة قائمة متلقيي التمويل الأجنبي
وليس مستغرباً أن يحل ترامب في صدارة استطلاعات الرأي وقائمة متلقّي التمويل الأجنبي والأموال الخارجية في الوقت ذاته، فلقد حصل على ما بين 2 و10 ملايين دولار من شركاته في الإمارات، وأكثر من 5 مليارات دولار من شركته في عُمان، وغيرها من الأموال الأجنبية التي يزيد إجماليها على 25 مليون دولار، وربما يتجاوز 50 مليون دولار. وتلقّى أيضاً ما لا يقل عن مليوني دولار من رسوم التحدث في فعاليات مرتبطة بـ"الكنيسة التوحيدية"، وهي جماعة إنجيلية في كوريا الجنوبية ذات ميول يمينية متطرفة تمتلك أيضاً صحيفة The Washington Times الأمريكية المحافظة.
وجمع نائب الرئيس السابق، مايك بنس، أيضاً 550 ألف دولار من رسوم التحدث في فعاليات من تنظيم مجموعة أسسها القس الراحل صن ميونغ مون، مؤسس الكنيسة التوحيدية.
وباتت رسوم التحدث آلية مثيرة للجدل في مسألة التمويل الأجنبي للساسة الأمريكييين.
وبنس يتلقى أموالاً من منظمة مجاهدي خلق التي كانت مصنفة أمريكياً كجماعة إرهابية
جاءت أكبر المدفوعات الأجنبية التي حصل عليها بنس من مجموعات مرتبطة بمنظمة "مجاهدي خلق". أمضت هذه المجموعة الإيرانية المسلحة بعض الوقت على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للتنظيمات الإرهابية الأجنبية بين عامي 1997 و2012 بسبب دورها في قتل ستة أمريكيين بإيران في السبعينيات، ومحاولة شن هجوم على البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة عام 1992.
وعقب الثورة الإسلامية لعام 1979، تصارعت المنظمة مع الجمهورية الإسلامية وفرَّ أعضاؤها إلى العراق، وهناك قاتلت إلى جانب جيش صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية. وخلال الاحتلال الأمريكي للعراق، أبلغت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومؤسسة "راند" عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها المنظمة بحق أعضاء بها هي نفسها.
ومنذ رفعها من قائمة المنظمات الإرهابية عام 2012، عملت المنظمة على إعادة تأهيل صورتها من خلال إظهار سياسيين رفيعي المستوى في مؤتمراتها، من ضمنهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينينديز (ديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي)، ووزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو؛ سعياً لوضع نفسها في إطار حركة معارضة شرعية وقوة سياسية ممكنة في إيران إذا ما خضعت الجمهورية الإسلامية لتغيير في النظام.
وكثيراً ما تم تحفيز ظهور هؤلاء السياسيين من خلال تقديم رسوم تحدث مربحة، وهو الاتجاه الذي برز في الأموال التي حصل عليها نائب الرئيس السابق مايك بنس. وقد حصل بنس على 430 ألف دولار من ثلاث مجموعات تابعة لـ"مجاهدي خلق".
وهناك تمويل من منظمة "متحدون ضد إيران النووية"
وأبلغت حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة والسفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بالحصول على ما بين 50 و100 ألف دولار من منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، وهي جماعة ضغط مقرها نيويورك كانت قد عارضت البيع القانوني للإمدادات الطبية لإيران في وقت مبكر من جائحة كوفيد 19، وتدعو بصورة منتظمة إلى تشديد العقوبات على إيران، وتعارض المساعي الدبلوماسية للحد من برنامجها النووي.
ومن المحتمل أن تكون تلك التبرعات مرتبطة بحكومات أجنبية، لأنَّ منظمة "متحدون ضد إيران النووية" والمنظمات التابعة لها لديها عدد من الارتباطات بدول الخليج. إذ كشفت رسائل بريد إلكتروني يبدو أنَّ مصدرها هو سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، طلب أحد أعضاء المجلس الاستشاري للمنظمة "الدعم" من الإمارات. وفي رسالة بريد إلكتروني أخرى، قدَّم نورم كولمان، وهو جامع تبرعات للحزب الجمهوري ويمارس الضغط لصالح السعودية، الوضع الضريبي لمجموعة تشمل تحت مظلتها منظمة "متحدون ضد إيران النووية".
جمعت هيلي أيضاً مبالغ تتراوح بين 100 ألف ومليون دولار من كلٍ من مجموعة "الأصدقاء الكنديون لكلية القدس للتكنولوجيا"، وشركة "Barclays Capital Asia"، و"مركز إسرائيل والشؤون اليهودية".
وتُظهِر الإفصاحات المالية لبنس وهيلي اتجاهاً واضحاً، إذ أبدت المجموعات ذات الارتباطات الأجنبية والمهتمة بوجود دور أمريكي قوي بالشرق الأوسط وتغيير للنظام في إيران اهتماماً خاصاً بتحويل الأموال إلى هذين المرشحين. وليس واضحاً بعدُ ما إذا كانت هذه مدفوعات لمرة واحدة مقابل ظهورهما وإلقاء كلمات أم أنَّها مدفوعات مُقدَّمة من أجل التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.