“الأعنف منذ قرن”.. كيف يتأثر المغرب بالزلازل، وما علاقة الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا بذلك؟

تم النشر: 2023/09/09 الساعة 11:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/09 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
"الأعنف منذ قرن".. كيف يتأثر المغرب بالزلازل، وما علاقة الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا بذلك؟ (عربي بوست)

شهد المغرب ليلة السبت، 9 سبتمبر/أيلول 2023، زلزالاً مدمراً أوقع حتى وقت كتابة هذا التقرير نحو 900 قتيل ومئات الجرحى، لكن قبل هذه الكارثة التي كان مركزها منطقة‭‭ ‬‬إيغيل‭‭ ‬‬بجبال الأطلس الكبير، لم يشهد المغرب زلازل مدمرة كثيرة خلال العقود الماضية، رغم وقوع جزء منه على خط زلزالي في منطقة البحر المتوسط. فكيف يتأثر المغرب بالزلازل، وما علاقة الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا بذلك؟ وهل يمكن أن تشهد المنطقة مواجهات "تسونامي"؟ 

كيف يتأثر المغرب بالزلازل؟

مقارنة ببلدان البحر المتوسط الأخرى، يتأثر المغرب بنشاط زلزالي "معتدل"، يرتبط إلى حد كبير بالتقارب بين الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا. فبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن منطقة البحر المتوسط تنشط زلزالياً بسبب التقارب الشمالي بين الصفيحة الأفريقية مع الأوراسية، الذي بدأ منذ حوالي 50 مليون سنة، وارتبط بإغلاق بحر "تيثس" الموجود في حقب الحياة القديمة.

ويعتبر البحر المتوسط الحالي هو ما تبقى من بحر "تيثس" الذي كان محيطاً في عصور ما قبل التاريخ، خلال معظم عصر الدهر الوسيط وعصر حقب الحياة الحديثة المبكر.

زلزال المغرب
زلزال مدمر يضرب المغرب ويوقع مئات القتلى/رويترز

تقول هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إن زلزال المغرب كان "قوياً بشكل غير عادي" بالنسبة لهذه المنطقة المغربية. وذكرت الهيئة الفيدرالية أن "الزلازل بهذا الحجم في المنطقة غير شائعة، لكنها ليست غير متوقعة".

وأضافت: "منذ عام 1900، لم تكن هناك زلازل بقوة 6 درجات على مقياس ريختر وأكبر في نطاق 500 كيلومتر من هذا الزلزال. كما لم تحدث سوى 9 زلازل بقوة 5 درجات وأكبر" خلال الفترة عينها.

من جانبه، ذكر المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، ومقره الرباط، أن قوة الزلزال الحالي بلغت 7 درجات على مقياس ريختر، وأن مركزه يقع في إقليم الحوز وسط البلاد.

ما علاقة الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا بذلك؟

ترتبط معظم الزلازل في المغرب بالحركة على حدود الصفائح التكتونية الأفريقية الأوراسية، وهو الصدع التحويلي بين جزر الأزور وجبل طارق، وهي منطقة قريبة من شمال المملكة الواقعة في شمال أفريقيا.

في العقود الأخيرة، أظهرت العديد من الدراسات أن "الصفيحة الأفريقية تقترب من نظيرتها الأوراسية بمعدل ثابت، يبلغ حوالي 8 ملم لكل سنة، على خط طول تونس، وتنخفض إلى 4 ملم لكل سنة بالقرب من مضيق جبل طارق، باتجاه الغرب والشمال الغربي"، وفقاً لدراسة مغربية.

وخلصت تلك الدراسة التي أعدها المعهد العلمي بجامعة محمد الخامس في الرباط، إلى أن المغرب "غير محصّن ضد الزلازل" التي تتسبب في وقوع إصابات وأضرار في الممتلكات، قياساً بالبيانات التاريخية للنشاط الزلزالي للبلاد.

وأحصت الدراسة التي أجراها الباحثان، تاج الدين الشرقاوي وأحمد الحسني، ونُشرت عام 2012، الزلازل في المغرب خلال الفترة ما بين 1901 وحتى عام 2010.

وذكرت أنه "يجب العمل بالتدابير الوقائية في منطقتي الحسيمة وأكادير على وجه التحديد"؛ لأنهما معرّضتان للخطر بشكل أكبر من بقية المناطق التي تظهر نشاطاً زلزالياً أقل أهمية.

وقالت الدراسة عينها، إن "البنية الجيولوجية معقدة، وتطور المغرب كذلك"، حيث تتكون من فترات متناوبة من التشوهات التكتونية والسكونية، التي شكلت المناطق المختلفة، وكوّنت أحزمة جبلية.

زلزال المغرب
منطقة الأطلس الكبير مركز الهزة الأرضية التي ضربت المغرب/غوغل

أقوى زلازل المغرب في القرن الأخير

تعرضت منطقة أكادير لزلزال كارثي عام 1960، خلف 12 ألف قتيل، رغم أن الهزة تعتبر متوسطة وفقاً لمقاييس الهزات الأرضية. كما تعرّض المغرب لزلزال مدمر عام 2004 ضرب مدينة الحسيمة، مما أسفر عن مقتل 629 شخصاً.

بالنسبة لمنطقة إيغيل بالأطلس الكبير التي وقع فيها الزلزال الأخير، فهي منطقة جبلية ترتفع عن سطح البحر أكثر من 2000 كم، وتضم قرى زراعية صغيرة ونائية، حيث تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة مراكش السياحية، وعلى بعد 320 كلم جنوب العاصمة الرباط.

وحدوث الزلازل في مثل هذه الطبيعة الجغرافية يؤدي إلى حدوث أضرار أكبر بالعادة، بسبب أنها منطقة تحتوي على فوالق وتشققات، تعطي قوة أكبر للزلزال، ولكن لحسن الحظ، فإن هذه المنطقة لا تعتبر من المناطق الكثيفة سكانياً بشكل عام.

زلزال المغرب مشابه لزلزال تركيا

ووقع الزلزال في منطقة جبلية، وهي منطقة التي تبعد حوالي 550 كم عن المنطقة التي تلتقي فيها الصفيحتان الأفريقية والأوراسية، وبما أن الصفيحة الأفريقية تُعرف بنشاطها، فمن المتوقع أن تأخذ وقتاً حتى تستقر التشققات الجبلية في المنطقة، بحسب ما ذكره أنيس شطناوي، مختص بهندسة الإنشاءات والزلازل.

يتشابه زلزال المغرب في قوته مع زلزال تركيا-سوريا؛ وذلك لأن زلزال المغرب وقع على القشرة السطحية للكرة الأرضية والتي يصل عمقها حتى 70 كم، وبحسب الأرقام الأولية الصادرة من مكان وقع الزلزال، فإنه حدث على عمق 20 كم عن سطح الأرض، وهو ما يعتبر قريباً جداً؛ مثل الزلزال الذي ضرب تركيا وبلغت قوته 7.7 درجة على مقياس ريختر.

بعد تحذيرات وقوع "تسونامي".. أبرز الموجات التي وقعت في منطقة المتوسط بسبب الزلازل

من جهته، حذر المسؤول بالمعهد الوطني المغربي للجيوفيزياء، ناصر جابور، حذر في تصريحات للتلفزيون الرسمي المغربي، من التوجه إلى البحر خوفاً من وجود موجات تسونامي مرافقة للزلزال. وبحسب بيان هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فمن المعروف أيضاً أن الزلازل الكبيرة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط تنتج موجات تسونامي كبيرة ومدمرة، وأحد الزلازل التاريخية الأكثر شهرة داخل المنطقة هو زلزال لشبونة الذي وقع في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1755، والذي قُدّرت قوته من البيانات غير الآلية بحوالي 8.0 ريختر.

وتتحرك القارة الأفريقية بمقدار 2.5 سم في السنة تحت الصفيحة الأوروبية، الشيء الذي يسبب زلازل متكررة ونشاطات بركانية، فعلى الرغم من أن البنية الجيولوجية تحت السطحية للبحر الأبيض المتوسط ​​قد تمت دراستها على نطاق واسع، فإن البيانات الإقليمية القليلة المتاحة حتى الآن لا تسمح لنا بتحديد الحدود بين الصفيحتين، وفهم النشاط التكتوني حولها.

موجات التسونامي في منطقة البحر المتوسط/ eskp
موجات التسونامي في منطقة البحر المتوسط/ eskp

وحسب موقع "nature communications" الأمريكي، فالصدوع النشطة تحت سطح البوران الواقع غرب البحر الأبيض المتوسط، أي بين سواحل المغرب والجزائر وسواحل إسبانيا قد تتسبب في زلزال أو تسونامي.

وأضاف الموقع أن هذه الدراسات ضرورية لإعادة تقييم مخاطر الزلازل والتسونامي الناتج عنها في المناطق الساحلية غرب البحر الأبيض المتوسط، خاصة أن الدراسات السابقة أثبتت وقوع موجات تسونامي عنيفة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الزلازل القوية والانهيارات الأرضية.

وشهد البحر الأبيض المتوسط العديد من موجات التسونامي، والتي كانت الزلازل القوية أو انهيارات أرضية، بالإضافة إلى البراكين النشطة الواقعة على طول الحدود بين القارة الأفريقية والقارة الأوروبية والآسيوية الغربية.

وكانت أكثر موجات التسونامي تدميراً في التاريخ قبل حوالي 3500 سنة، فحسب موقع "greek reporter" اليوناني تسببت موجة التسونامي في تدمير الحضارة المينوية، وهي من أقدم الحضارات اليونانية، وتعود إلى العصر البرونزي. استوطنت هذه الحضارة جزيرة كريت منذ أن بدأ بناؤها في الألفية السابعة قبل الميلاد، كان سبب التسونامي، حسب نفس المصدر، أحد البراكين النشطة الواقعة في سانتوريني باليونان، كما تقول بعض الأساطير أنه كان سبب اختفاء أتلانتس.

وفي عام 365 بعد الميلاد، ضرب زلزال بقوة 8.5 درجة على مقياس ريختر سواحل جزيرة كريت، ما تسبب في موجة تسونامي في العديد من السواحل في اليونان وإيطاليا ومصر، الشيء الذي أدى إلى مقتل 5 آلاف شخص في الإسكندرية وحدها، حسب الموقع الإسباني vistaalmar

أما خلال القرون الأخيرة، فضربة تسونامي وصل طولها إلى 13 متراً بالسواحل الأوروبية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، وذلك سنة 1908، وكان سببها زلزال في عمق البحر قبالة سواحل صقلية، وهي أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، ما تسبب في مقتل أكثر من ألفي شخص.

أما منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط ​​غير البعيدة عن حوض البوران، والتي تم تضمينها في الدراسة الأخيرة، فإن آخر تسونامي شهدته هذه المنطقة يعود إلى عام 2003. وبلغ ارتفاع تسونامي حوالي مترين، وألحق أضراراً بشواطئ جزر البليار الإسبانية، على بُعد حوالي 300 كيلومتر شمال مركز الزلزال.

تحميل المزيد