البصرة-شلامجة.. من المستفيد أكثر من أول طريق سكة حديد يربط بين العراق وإيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/08 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/08 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
الرئيس العراقي خلال زيارته إلى إيران (أرشيف)/ رويترز

للمرة الأولى في التاريخ، سيصبح هناك خط سكة حديد يربط بين العراق وإيران، من البصرة إلى شلامجة، فمن المستفيد أكثر من هذا المشروع؟

فلأكثر من قرن من الزمان، بدت العوائق الجغرافية والسياسية، التي تحول دون إنشاء خط سكك حديدية مباشر بين العراق وإيران، غير قابلة للهزيمة. إذ يفصل شط العرب، الممر المائي الذي يتكون من التقاء نهرَي دجلة والفرات، حدودهما الجنوبية. وتمثل الحدود أيضاً خط صدع ثقافي بين العالمين العربي والفارسي، الذي كان مصدراً للصراع لآلاف السنين.

وكانت الحكومات العراقية المتعاقبة تطرح مشروعات طموحة في مجالات التنمية وإصلاح البنية التحتية، لكن تلك المشاريع لم تر النور تقريباً لأسباب متنوعة. وفي هذا السياق، اتجهت حكومة السوداني نحو فتح أبواب العراق اقتصادياً على الجيران في كل الاتجاهات، وتجسّد ذلك من خلال طرح مشاريع اقتصادية إقليمية عديدة انطلاقاً من أراضيه في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

إذ على الرغم من أن العراق يُعتبر واحداً من الدول الغنية بالموارد المتنوعة، زراعية ومواد خام وغيرها، فإن بلاد الرافدين تعاني بشدة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وما تبعته من تداعيات كارثية أدت إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية الأساسية من طرق ومياه وكهرباء وخدمات بأنواعها، ويظل الفساد أحد أبرز المتهمين.

سكة حديد من البصرة إلى شلامجة

وتناول تقرير لصحيفة The Economist البريطانية قصة القطار الجديد الذي سيربط أخيراً بين العراق وإيران، في تغير جذري هو الأول منذ قرن. فعندما بنت القوى العظمى خطوط سكك حديدية تصل إلى العراق في أوائل القرن العشرين، فضلت قطع جبال طوروس في تركيا، وعبور النيل في مصر، واجتياز الصحاري السورية بدلاً من مواجهة أي طرق عبر إيران.

لكن لم يعد هذا الوضع قائماً، إذ تتمتع إيران بقوة جذب للعراق جعلته يعِد بسد الفجوة البالغة 32 كيلومتراً التي تفصل بين خطوط السكك الحديدية للبلدين بحلول عام 2025. وفي الثاني من سبتمبر/أيلول، انضم رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، إلى نائب الرئيس الإيراني، محمد مخبر، لوضع حجر الأساس لخط السكك الحديدية في البصرة في العراق من أجل شبكة القطارات المشتركة الجديدة.

وفي غضون 18 شهراً، كما يقول المسؤولون، ستخدّم شبكة القطارات ثلاثة ملايين شخص. إضافة إلى أنَّ امتدادها سيوفر طريقاً سريعاً إلى المواقع السياحية الرائدة في العراق، والمقامات الشيعية المقدسة في كربلاء والنجف. وستعمل أيضاً على تسهيل التجارة في آسيا الوسطى، ثم إلى الصين من خلال إعادة ربط العراق بطريق الحرير الذي قطعه الحكم البعثي عنه.

ويأتي هذا التحرك في إطار رؤية حكومة السوداني للانفتاح أكثر على دول الجوار من خلال عدة مشروعات للطرق. ومن أحدث تلك المشاريع "طريق التنمية" بتكلفة 17 مليار دولار للربط البري بين دول الخليج وتركيا عبر ميناء الفاو الكبير جنوب العراق، وتم مؤخراً الإعلان عن هذا المشروع بحضور ممثلين عن الدول المجاورة والقريبة من العراق وعلى رأسها إيران وتركيا والسعودية.

العراق
رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني – رويترز

وترى الحكومة العراقية برئاسة السوداني أن المشروع يمثل "ركيزة لاقتصاد مستدام متنوع لا يعتمد على النفط وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق ومنطقة الشرق الأوسط".

حكم أمهز، المحلل السياسي الإيراني، قال لوكالة سبوتنيك الروسية إن الربط السككي بين العراق وإيران هو جزء من مشروع استراتيجي كبير تقوم به الجمهورية الإيرانية مع حلفائها والدول المجاورة، من أجل عزل الممرات الاقتصادية لبضائع تلك الدول، سواء كانت روسيا أو غيرها، عن الممرات التي يمكن أن تتعرض فيها للعقوبات الأمريكية، لذا فإن عملية الربط تأتي ضمن الإجراءات الاستثنائية التي تقوم بها هذه الدول.

وأضاف أن هذا الممر السككي الذي يمكن أن نسميه "شرق-غرب" يمر في إيران ثم العراق فسوريا، ليصل إلى ميناء اللاذقية الموجود شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا يمكن أن تتجه البضائع إلى أوروبا وأفريقيا وغيرها من الدول والفرع الآخر يتجه إلى دمشق، عملياً هذا الممر يحمي البضائع، سواء كانت عراقية أو إيرانية أو غيرها من التعرض للعقوبات الأمريكية، كما أن المشروع ينمي العلاقات الاقتصادية الإيرانية والعراقية والسورية ويوفر تكاليف كبيرة في الممرات والجمارك.

ماذا تستفيد إيران؟

ويشجّع الإيرانيون بشدة بناء أول خط سكة حديد يربط بلادهم بالعراق. إذ تعمل حكومتهم على توسيع خطوط النقل إلى جيرانها السبعة من أجل تجاوز العقوبات والعزلة الغربية. ففي يوليو/تموز، أعادت فتح خط السكة الحديد إلى أفغانستان. وهناك خط آخر يربط إيران بالصين عبر تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان.

وتعمل إيران أيضاً على إنشاء خط بطول 164 كيلومتراً إلى الحدود مع أذربيجان. وبمجرد اكتمال ذلك، يمكن لإيران أن تكون بمثابة جسر روسيا إلى المحيط الهندي عبر ميناء بندر عباس. ومن شأن الامتداد الجديد إلى العراق أن يعزز التجارة الثنائية، التي يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنها ستصل إلى 12 مليار دولار هذا العام، وسيوفر أيضاً رابطاً إلى اللاذقية، الميناء الواقع على ساحل البحر المتوسط ​​​​في سوريا حيث ترتب إيران لتوقيع عقد تأجير.

إيران روسيا بوتين رئيسي
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ GettyImages

وفي هذا الإطار، أشار أمهز إلى أن أرباح مشروع سكة حديد البصرة-شلامجة تقدر بنحو 30 مليار دولار سنوياً إذا ما اكتمل، وقد بدأ العراق بالفعل عملية التنفيذ ويحتاج الأمر إلى عامين تقريباً، وهذا المشروع متفق عليه بين إيران وسوريا والعراق منذ أكثر من 10 أعوام، كما أُطلق أيضاً على هذا المشروع "شمال – جنوب"، حيث يربط روسيا بالمحيط الهندي عند ميناء تشابهار الإيراني، هذا الممر يوفر 45% من التكلفة و35% من الوقت، كما يساعد البضائع الروسية على السير في ممرات لا تصل إليها العقوبات الأمريكية على روسيا.

وقال المحلل السياسي إن ممر شمال – جنوب، وشرق – غرب يعزل اقتصادياً المحور العالمي الجديد القائم على الصين وروسيا وإيران والدول المتحالفة معهم اقتصاديا، وبالتالي يتم تأكيد نظرية أن مركز الاقتصاد العالمي بدأ ينتقل من الغرب إلى الشرق، وهو ما سيحقق مزايا كبيرة جدا على كل المستويات.

وحول إمكانية عرقلة أمريكا لهذا المشروع، يقول المحلل السياسي إن الولايات المتحدة الأمريكية دائماً ما تعرقل مثل هذه المشروعات، لكن العراق في تلك الفترة يحاول الاستفادة من الظروف الدولية والضعف الأمريكي، وهناك أمر آخر يمكن أن يعرقل المشروع متمثلاً في الوجود الأمريكي في سوريا.

ماذا عن العراق؟

لكن ليس الجميع سعداء بهذه الخطط، إذ يخشى العرب أن يؤدي خط السكة الحديد إلى دفع العراق إلى حضن إيران. وتشعر الكويت، التي اقترحت منذ فترة طويلة ربط السكك الحديدية من العراق إلى موانئها، بالرفض. بينما دشّن السعوديون خطاً قريباً من الحدود العراقية العام الماضي وينتظرون أن يبني العراقيون جزءهم من الخط، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.

وبدورهم، يشعر التجار العراقيون بالقلق من أنَّ حكومتهم ستتوقف عن تطوير ميناء البلاد الخاص، في الفاو، وتستخدم ميناءً إيرانياً بدلاً من ذلك. ويقول عامر عبد الجابر إسماعيل، وزير النقل العراقي السابق: "يجب أن نعيد فتح خطوط السكك الحديدية من البصرة إلى تركيا وأوروبا. بينما هذه الخطوة الأخيرة لا تخدم سوى أجندة إيرانية وسورية".

من جانبه، يقول عمر الحلبوسي، الخبير الاقتصادي العراقي، إنه تعود بدايات فكرة مشروع الربط السككي بين العراق وإيران ومن ثم الوصول إلى سوريا إلى أكثر من 10 أعوام، ففي عام 2018 صرح مدير السكك الإيرانية أن إيران ستشرع ببناء خط سككي يربط الخليج العربي في البحر الأبيض المتوسط، و في عام 2019 وقع العراق اتفاقية الربط السككي مع إيران عندما زار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، العراق، وفي عام 2021 أعلن الكاظمي أن العراق وصل لمراحل متقدمة في التفاوض مع إيران بشأن الربط السككي.

وأضاف الحلبوسي لسبوتنيك أن عملية الربط السككي مع إيران تُعد بمثابة الإعدام لميناء الفاو الكبير، كون الربط السككي مع إيران لا فائدة اقتصادية منه، فضلا عن تضرر الاقتصاد العراقي والتسبب في بطالة عدد كبير من العاملين، يضاف لذلك أن المرحلة الأولى من الربط السككي سوف يتكفل العراق بتمويلها والتي تبلغ 148 مليون دولار، وهو ما يعني تكبيد الاقتصاد العراقي عبئاً كبيراً فضلاً عن زيادة العجز بالموازنة التي لم تستطع الحكومة حتى الآن تنفيذها.

العراق
البرلمان العراقي – رويترز

وأكد الحلبوسي أنه لا جدوى اقتصادية للعراق من الربط السككي مع إيران، والذي سيجعل العراق منطقة ترانزيت للبضائع الإيرانية والصينية، في الوقت نفسه توقف ميناء الفاو الكبير وخسارة العراق لأهم نافذة بحرية اقتصادية له.

وأوضح المحلل السياسي العراقي أن إيران تسعى من خلال الربط السككي مع العراق لمواصلة خط السكك وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، ليكون بمثابة نافذة إيران على أوروبا، وهو ما لن يحقق أي مكاسب سياسية للعراق، بل قد يدخله في صراعات سياسية كبيرة، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت إغلاق الحدود البرية بين العراق وسوريا ومراقبتها بشكل كامل لقطع طريق الإمداد البري الممتد من طهران مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان، والذي استخدمته إيران والفصائل الموالية لها للتهريب ونقل الأشخاص، ما يعني أن العراق سيدخل في صراع سياسي مع أمريكا وحلفائها رافضين للربط السككي مع إيران.

وأشار الحلبوسي إلى أن التحذيرات التي صدرت من بعض الجهات كانت بسبب عدم استفادة العراق من هذا المشروع، وأنه سيتكبد خسائر اقتصادية كبيرة ومتراكمة، علما بأن تكلفة المشروع الكلية تبلغ 21 مليار دولار، وأن الاقتصاد الإيراني غير قادر على تحمل التكلفة، وأن الترجيحات أن الحكومة العراقية ستقوم بتمويله في وقت يعاني العراق من تراجع اقتصادي كبير ينذر بالانهيار.

وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، قد قال في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، في بيان صحفي، إن "مشروع الربط السككي مع إيران من مشاريع النقل المهمة في المنطقة، وسيسهم أيضاً، بشكل فعال، في نقل المسافرين والزائرين من بلدان وسط آسيا باتجاه العراق"، مضيفاً أن "هذا المشروع مقدمة لمشاريع نقل استراتيجية ستربط بين العراق ودول الجوار، تعمل الحكومة على تنفيذها بعدما بقيت لسنوات طويلة في إطار النقاش والبحث، دون أن تدخل حيز التنفيذ".

وكان رزاق محيبس، وزير النقل العراقي، قد أعلن، في 6 أبريل/نيسان الماضي، عن اتفاق بلاده مع الجانب الإيراني على مشروع الربط السككي لنقل المسافرين عبر خط سكك الحديد شلامجة – البصرة، مشدداً على أهمية الربط السككي بين البلدين لـ"نقل المسافرين، لا سيما في أيام الزيارات الدينية".

ولفتت وزارة النقل العراقية أن الاتفاق المبرم مع الجانب الإيراني بشأن مشروع الربط السككي، ينص على أن يتحمَّل العراق مسؤولية إنشاء الخط السككي والمحطات والمواقع، في حين يتكفل الجانب الإيراني بإنشاء الجسر الملاحي على شط العرب وإزالة الألغام على طول 16 كيلومتراً ضمن المشروع.

تحميل المزيد