هل “اخترقت” أوكرانيا دفاعات روسيا فعلاً؟ 3 أسباب تجعل ذلك “كابوساً” للرئيس بوتين

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/08 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/08 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
جندي أوكراني يتحكم بطائرة بدون طيار/رويترز

تقول أوكرانيا إن قواتها "نجحت" في اختراق الخط الأول من دفاعات روسيا على طول خط الجبهة، فما مدى صحة هذه التصريحات؟ ولماذا يمثل انتصار كييف في هجومها المضاد "كابوساً" لفلاديمير بوتين؟

كانت أوكرانيا قد بدأت هجومها المضاد منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، بعد أشهر من التحضير تلقت خلاله كمّاً هائلاً من الأسلحة الغربية المتطورة من دبابات وأنظمة صواريخ وطائرات مسيّرة وغيرها، لكن بعد مرور أكثر من 3 أشهر لم تحقق القوات الأوكرانية اختراقات تذكر للتحصينات الروسية على طول خط المواجهة الممتد لأكثر من 1200 كلم.

ومع تصاعد الانتقادات الغربية لكييف بسبب عدم تحقيق تقدم على خط المواجهة أو "تحرير" مدن كبرى تقع تحت سيطرة القوات الروسية، بدأ الحديث يتحول تدريجياً في العواصم الغربية الكبرى نحو ضرورة البحث في حلول دبلوماسية للصراع الجيوسياسي، وهو ما يرفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

أوكرانيا وحديث "اختراق" دفاعات روسيا

لكن خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت التصريحات الصادرة من كييف تتخذ نهجاً مختلفاً، وتحدّث أكثر من مسؤول عن نجاح الهجوم المضاد في اختراق الخط الأول من الدفاعات الروسية على طول خط المواجهة، دون وجود تأكيدات لمثل هذا الاختراق من مصادر مستقلة.

إذ يزعم القادة العسكريون الأوكرانيون أن قواتهم اخترقت الخط الأول من دفاعات روسيا بالقرب من زاباروجيا، واكتسبت المزيد من القوة الدافعة في هجومها المضاد الذي كان كثير من المراقبين قد قالوا إنه فشل في تحقيق أهدافه الرئيسية التي وضعتها كييف وداعميها الغربيين.

ونشرت صحيفة The Independent البريطانية تقريراً يرصد تداعيات هذا "الانتصار" الأوكراني المحتمَل على روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، الذي أصدر قرار شن ما تصفه موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة" هدفها منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو.

مارك غالوتي، أستاذ الدراسات السلافية في كلية لندن الجامعية البريطانية، قال للصحيفة البريطانية إن نجاح أوكرانيا في هجومها المضاد على القوات الروسية سيكون كالـ"صاعقة" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالروس كانوا قد اطمأنوا وصاروا "راضين" عن استعدادهم، ويرون أن جبهة دفاعهم أكثر إحكاماً من أن تنهار أمام التقدم البطيء الذي أحرزته كييف.

أوكرانيا
رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي – رويترز

وأوضح غالوتي أن انتصار أوكرانيا في هجومها المضاد يكشف عن أمور ثلاثة تُخيف القيادة الروسية أكثر من غيرها، "أولها في ساحة المعركة ذاتها"، وهو أن تقدم القوات الأوكرانية "يُظهر أن استراتيجيتها البطيئة والمنهجية ناجحة في الواقع، وأن لديها فرصة في التمكن من اختراق الخط الثاني من الدفاعات الروسية".

وقال غالوتي: أما الأمر الثاني، "فهو سياسي"، وخلاصته أن التقدم الأوكراني "فيه رد ناجع على المنتقدين الغربيين الذين ما انفكوا يقولون إن الوقت قد حان لكي تتفاوض أوكرانيا، لأنها عاجزة عن إحراز أي تقدم".

ويرى غالوتي أن الأمر الثالث "يتعلق بالروس. فأنا أظن أنهم ركنوا إلى شيء من الرضا عن أنفسهم مع اقتراب هطول الأمطار الخريفية، وظنوا أنهم أحكموا الدفاع" عن خطوطهم أمام الأوكرانيين، لذا "سيكون الأمر [الاختراق الأوكراني] كالصاعقة عليهم"، وإن كنا قد رأينا عموماً أن الروس يبلون بلاء حسناً في الدفاع. لذلك أرى أنهم سيبذلون كل ما في وسعهم لتدعيم الخط الثاني".

هل تتقدم القوات الأوكرانية فعلاً؟

من جهة أخرى، زعم العميد أولكسندر تارنافيسكي، الذي يقود الهجوم على الجبهة الجنوبية في أوكرانيا، أن القوات الروسية خصصت 60% من مجهودها لتدعيم خط الدفاع الأول، و20% فقط لكلٍّ من خطي الدفاع الثاني والثالث. وادعى أن روسيا لن يبق لها أحد من "خيرة" جنودها عما قريب، وهو ما يمنح أوكرانيا أفضلية الهجوم "بقوةٍ أكبر وأسرع".

لكن كير جايلز، الزميل الاستشاري في مركز "تشاتام هاوس" البحثي البريطاني والباحث في شؤون الأمن الروسي، يرى أنه لا دليل على "انهيار وشيك" بين القوات الروسية، على الرغم من الاختراق الأخير الذي حققته كييف.

وقال جايلز لصحيفة The Independent: "هناك مزيد من الاستبشار في أوكرانيا الآن وقناعة بأنهم قادرون على التقدم بخطى أسرع قليلاً في الهجوم المضاد، لأنهم اخترقوا أول خطوط الدفاع الروسية وأقواها"، "لكن هذا لا يعني بالطبع أن الدفاعات الروسية توشك على الانهيار، كما زعم بعضهم".

إذ "لا يزال من الصعب علينا أن نقيس قدرة روسيا وقواتها على الصمود. ولا دليل على انهيار وشيك للاقتصاد أو المجتمع الروسي"، بل إن هناك دلائل على أن روسيا ترى أنها في وضع يتيح لها "تمديد الصراع إلى الخارج"، وانتظار وقوع التفكك في التحالف الغربي.

في غضون ذلك، قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار، إن قوات بلادها استعادت الأسبوع الماضي نحو 3 كيلومترات مربعة من الأراضي المحيطة بمدينة باخموت الشرقية، التي استولت عليها القوات الروسية في مايو/أيار بعد أشهر من القتال العنيف.

لكن في الوقت نفسه، تواصل موسكو تنفيذ هجمات بالطائرات المسيَّرة على أهداف أوكرانية، شملت البنية التحتية للموانئ. وشهدت ليلة الخميس، 7 سبتمبر/أيلول هجوماً شاركت فيه 32 مسيَّرة روسية على مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية، ما أسفر عن أضرار بمنشآت مدنية وصناعية.

وقال مسؤولون أوكرانيون إن روسيا شنّت رابع هجوم لها بطائرات مسيّرة في 5 أيام على منشآت ميناء أوكراني على نهر الدانوب الخميس، مما ألحق أضراراً بصوامع حبوب وببنية تحتية أخرى على طريق تصدير مهم لكييف.

وقال أوليه كيبر، حاكم منطقة أوديسا الأوكرانية على تليغرام إن الهجوم استمر 3 ساعات على منطقة إسماعيل بأوديسا في جنوب البلاد. وقال مكتب المدعي العام إن اثنين من سائقي الشاحنات أُصيبا وألحقت موجة الانفجار أضراراً بمنازل. وقال الجيش إن شركات زراعية، لم يحددها، تضررت أيضاً.

أوكرانيا دبابات
دبابة من طراز ليوبارد الألمانية التي حصلت عليها أوكرانيا/رويترز

كما أفاد الجيش الأوكراني بإسقاط 25 من أصل 33 طائرة مسيّرة قال إن روسيا أطلقتها خلال الليل. وذكر الجيش أن أغلب الطائرات المسيّرة استهدفت منطقة أوديسا، لكن بعضها استهدف أيضاً منطقة سومي في الشمال، بحسب تقرير لرويترز.

وقالت إدارة المنطقة على تليغرام إن طائرة مسيّرة أصابت منطقة سكنية في سومي وألحقت أضراراً بمنزل خاص و20 شقة في مبنى شاهق الارتفاع ومتجرين. وأضافت أنه لم ترد تقارير عن خسائر بشرية.

كثفت روسيا هجماتها على البنية التحتية الأوكرانية لتصدير الحبوب على نهر الدانوب وعلى ميناء أوديسا على البحر الأسود منذ 17 يوليو/تموز حين انسحبت موسكو من اتفاق توسطت الأمم المتحدة في إبرامه كان يسمح بالتصدير الآمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.

وقال أولكسندر برودوكين، حاكم منطقة خيرسون بالجنوب، إن روسيا قصفت صباح اليوم أيضاً قرية في المنطقة. وأضاف أن رجلاً يبلغ من العمر 50 عاماً لقي حتفه جراء إصابات بالغة إثر الهجوم، فيما أُصيب اثنان في هجوم لاحق على القرية.

ماذا عن موقف روسيا؟

كما قالت القوات الجوية الأوكرانية إن الجيش الأوكراني أسقط ما لا يقل عن 23 طائرة مسيَّرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد". وزعم المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أن بعض الطائرات المسيَّرة الروسية انفجرت في الأراضي الرومانية. لكن وزارة الدفاع الرومانية نفت "نفياً قاطعاً" هذا الادعاء، وإن أكدت دعمها لأوكرانيا وقالت إن الهجمات الروسية على البلاد تنتهك "جميع القواعد الإنسانية الدولية".

وفي معرض الحديث عن التقدم الأوكراني، قال العميد تارنافيسكي لصحيفة The Guardian البريطانية: "حين بدأنا الهجوم المضاد، أمضينا وقتاً أطول مما توقعنا في إزالة الألغام من مناطق" الدفاع الروسية، و"زاد الأمور سوءاً أن إجلاء الجرحى كان صعباً علينا. فاشتدت صعوبة تقدمنا كذلك"، "لكنني أزعم أن الروس لم يتصوروا أن الأوكرانيين قادرون على اختراق خط الدفاع هذا. فقد استعدوا طوال عامٍ كامل، وبذلوا غاية وسعهم لإحكام الدفاع عن هذه الجبهة".

لكن الموقف يبدو مختلفاً من وجهة النظر الروسية، حيث تؤكد موسكو أن محاولات القوات الأوكرانية التقدم على طول خط المواجهة باءت بالفشل، وأن القوات الروسية متمركزة في مواقعها وتلحق خسائر ضخمة بالقوات الأوكرانية، وذلك على الرغم من التدفق غير المسبوق للأسلحة الغربية، التي أكد بوتين أكثر من مرة أنها "لن تغير شيئاً على أرض المعركة، وأنها ستؤدي فقط إلى إطالة أمد الصراع".

ويرى بعض المراقبين أن التصريحات الأوكرانية بشأن اختراق الدفاعات الروسية، ربما تكون محاولة لتغيير التركيز الإعلامي على قرار إقالة وزير الدفاع الأوكراني الذي اتخذه زيلينسكي مؤخراً.

فالمؤكد أنه أمر غير اعتيادي أن تتم إقالة وزير الدفاع أثناء الحرب كما حدث في أوكرانيا، وهو ما يثير التكهنات بشأن الأسباب والقلق بشأن التغيير ونتائجه وتداعياته على خطط القوات الأوكرانية والأعمال العسكرية والعلاقات مع الدول الداعمة كذلك.

بوتين روسيا أوكرانيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وكان تقرير لشبكة CNN الأمريكية قد ذكر أن إقالة ريزنيكوف يأتي في خضم عدد من فضائح الفساد في وزارة الدفاع الأوكرانية، حيث كان زيلينسكي قد أقال عدداً كبيراً من كبار المسؤولين في إدارته مطلع العام الجاري بسبب فضيحة مرتبطة بشراء معدات عسكرية. وتقدم نائب وزير الدفاع باستقالته بعد مواجهة اتهامات بالفساد.

وفي أغسطس/آب الماضي، قام الرئيس الأوكراني بفصل جميع المسؤولين عن مراكز التجنيد الإقليمية في أوكرانيا، معللاً ذلك بوجود عدد كبير من التحقيقات والإجراءات الجنائية.

والفساد في أوكرانيا ليس أمراً جديداً أو مستغرَباً، فكييف تأتي على رأس قائمة الدول الفاسدة في أوروبا، ولا تسبقها سوى روسيا، بحسب مؤشرات رصد الفساد الغربية، وعالمياً تحتل كييف المرتبة الـ122 في قائمة الدول الأكثر فساداً، وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد وصف أوكرانيا بأنها "أكثر الدول فساداً على وجه الأرض".

لكن هل لعب عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد هدفه الرئيسي المتمثل في طرد القوات الروسية من الأقاليم الأوكرانية في الشرق والجنوب دوراً في قرار زيلينسكي إقالة وزير دفاعه في هذا التوقيت؟ من الصعب الجزم بالإجابة بطبيعة الحال نظراً لحساسية أي اعتراف من جانب كييف بفشل الهجوم في تحقيق أهدافه، لكن التوقيت مثير لعلامات الاستفهام دون أدنى شك.

فالفساد في أوكرانيا عموماً، وفي صفوف وزارة الدفاع خصوصاً، ليس أمراً جديداً، كما أن موقف ريزنيكوف نفسه من فضائح الفساد ليس جديداً. لكن ربما يكون الشيء الوحيد الجديد في القصة هو التوقيت. فالصيف أوشك على الانتهاء ولا يزال خط المواجهة على حاله تقريباً، رغم الدعم والإمدادات الغربية الهائلة، وتكسير جميع الخطوط الحمراء تقريباً فيما يتعلق بنوعيات الأسلحة المقدمة إلى كييف.

تحميل المزيد