الجيش ينقل العاصمة بعيداً عن بنادق الدعم.. هل يؤدي ذلك لحل قريب لأزمة السودان؟ أم يمهد لتقسيمه؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/07 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/07 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو/الأناضول

"بورتسودان باتت العاصمة الفعلية للسودان"، في مؤشر على أن البلاد تسير تدريجياً على خطى النموذج اليمني، حيث يسيطر التمرد على العاصمة، بينما تنتقل الحكومة المعترف بها دولياً للميناء الرئيسي المحمي جيداً، وهناك مؤشرات أخرى على أن الحرب قد تطول على غرار الحرب اليمنية.

ومؤخراً، قالت ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية السودانية في اجتماع اللجنة الاجتماعية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية إنه تم نقل العاصمة الإدارية لمدينة بورتسودان الساحلية، فيما كشفت تقارير إعلامية عن انتقال رئيس مجلس السيادة السوداني إلى بورتسودان.

وتحولت مدينة بورتسودان الواقعة شرقي السودان إلى "عاصمة مصغرة" و"مركز إداري واقتصادي جديد" للخدمات والعمليات المؤقتة في البلاد الغارقة في الحرب منذ 15 أبريل/نيسان، بسبب المخاوف من تفاقم النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، واستمرار عرقلة الجهود الرامية إلى توصيل المساعدات الإنسانية الحيوية.

فدور العاصمة الخرطوم يتراجع لصالح مدينة "بورتسودان" الساحلية، التي يبدو أن الجيش السوداني يفضّلها كعاصمة جديدة ومقر حكم آمن له.

البرهان يخرج لأول مرة من الخرطوم منذ بداية الحرب ويترك القيادة لنائبه

ففي 27 أغسطس/آب 2023، أي بعد 130 يوماً من اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، غادر رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مقر القيادة العامة لقواته، متجاوزاً الحدود الإدارية للخرطوم إلى عطبرة بولاية نهر النيل قبل أن يصل إلى بورتسودان مركز ولاية البحر الأحمر، حيث انطلق منها إلى أول جولة خارجية له منذ نشوب الحرب الأهلية السودانية.

وانتقلت رئاسة غرفة العمليات التي تقود العملية العسكرية من مقر قيادة الجيش منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي من البرهان إلى نائبه في قيادة الجيش شمس الدين كباشي، حسب ما نقلت "الجزيرة نت" عن مصادر في وزارة الدفاع السودانية، والتي اعتبرت ذلك مؤشراً على أن العملية العسكرية تمضي وفق الخطة والأوضاع تحت السيطرة، ودليلاً على الثقة المتوفرة بين القيادات العسكرية.

ويتخذ بورتسودان عاصمة السودان المؤقتة

وقالت المصادر إن رئيس مجلس السيادة سيباشر مهامه السيادية والسياسية من مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر، لمتابعة شؤون الدولة ومعالجة بعض القضايا الأمنية والسياسية التي تأثرت بانشغاله في قيادة غرفة العمليات العسكرية خلال الفترة السابقة.

كما اتخذ مجلس الوزراء من بورتسودان مقراً له منذ اندلاع القتال مع قوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان الماضي.

بورتسودان عاصمة السودان
عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني يقف بين قواته في مكان غير معروف- صورة تم نشرها في 30 مايو/أيار 2023 عبر القوات المسلحة السودانية، رويترز

وبينما يرى كثيرون أن نقل البرهان صلاحيته في القيادة العسكرية لنائبه، وخروجه من الخرطوم وجولاته الخارجية والداخلية دليل على استقرار أوضاع الجيش السوداني، وثقته في الوضع العسكري الحالي، ولكن من قبيل المبالغة والتفاؤل ما يقوله البعض من أن ذلك دليل على قرب نهاية الحرب، سواء بالحسم لصالح الجيش أم إيجاد تسوية سياسية.

والدليل على ذلك قرار البرهان حل قوات الدعم السريع والذي صدر بعد خروجه من الخرطوم، في مؤشر على أنه يقطع على نفسه طرق العودة للتفاوض مع حميدتي حليفه السابق في الحكم.

إليك شكل الحرب وتوزيع مناطق النفوذ

نحن أمام سيناريو يؤشر إلى أن الحرب قد تطول، ولكن تأخذ شكل جبهات مستقرة، يسيطر فيها الدعم السريع على أجزاء واسعة من العاصمة عبر سيطرته على منازل أعداد كبيرة من المواطنين وبعض المؤسسات، فيما يسيطر الجيش على مقراته في الخرطوم، وفي الأقاليم للجيش اليد العليا في المنطقة الوسطى والشرقية، مع غياب للدعم خاصة في المنطقة الشرقية، بينما له اليد العليا في الغرب خاصة دارفور، مع استمرار وجود الجيش.

عسكرياً، يحظى الجيش بالتفوق في مجال نيران المدفعية، والطيران، بينما يتفوق الدعم في اتساع الانتشار العسكري ووفرة الموارد البشرية والمالية، وميزة قدرته على القتال في المناطق الصحراوية والنائية والسكنية عبر آلاف من عربات الدفاع الرباعي المحمّل عليها أسلحة رشاشة ثقيلة.

أوجه تشابه لافتة مع الأزمة اليمنية، وإليك نقاط الاختلاف

ومع انتقال العاصمة الفعلية ومقر حكم الجيش لبورتسودان على غرار انتقال الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لعدن، فإن المؤشرات على أن السودان قد يسير على النموذج اليمني، والفارق الرئيسي أن التفوق الجوي والمدفعي يحققه الجيش السوداني نفسه، وليس عن طريق المساعدة السودانية مثلما هو الأمر في اليمن.

ومن أوجه التشابه الأخرى، أن الدعم السريع يعتمد على نهب السكان المدنيين مثلما يفعل الحوثيون في اليمن، دون أن تستطيع حكومتا عدن وبورتسودان أن توفر لهم أي قدر يذكر من الحماية أو الخدمات، في مؤشر على أن الضحية الأولى للحرب ستكون المدنيين السودانيين، الذين قد يلاقون المصير ذاته للمدنيين اليمنيين الذين يعيشون ما تصفه المنظمات الدولية بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

الدعم يعتمد على موارده الذاتية والنهب بينما الحوثيون على إيران ويعانون من حصار محكم نسبياً

وأحد الفوارق هو أن الدعم السريع يعتمد بشكل أساسي على موارده الذاتية من الذهب السوداني، إضافة لنهب المدنيين والتهريب، بينما الحوثيون يعتمدون على الدعم الإيراني إضافة للنهب والتهريب، ما يعطي ميزة للدعم.

يتمتع الدعم بميزة أخرى على الحوثيين، وهي أن الحصار الذي ينفذه التحالف العربي على اليمن لمنع وصول الأسلحة والإمدادات للحوثيين محكم نسبياً في ظل التفوق الجوي والبحري السعودي.

بورتسودان عاصمة السودان
التحالف العربي يفرض حصاراً محكماً نسبياً على الحوثيين في اليمن، بينما حدود السودان الطويلة تسهل التهريب لقوات الدعم السريع/ويكيبيديا

كما أن اليمن بلد له حدود بحرية طويلة تحاصرها البحرية السعودية وتتواجه فيها البحرية الأمريكية، فيما حدود البلاد البرية هي مع السعودية أو سلطنة عمان (المحايدة)، وهي مسيطر عليها من قبل قوى حليفة أو ليست معادية للتحالف العربي، ورغم أنه يعتقد أن الحوثيين يصلهم إمدادات عبر الحدود البحرية والبرية، ولكن ليس بطريقة سهلة.

بينما حدود السودان طويلة للغاية وتصعب السيطرة عليها، والحدود الغربية تحديداً مع تشاد تحت سيطرة الدعم السريع عليها، بل تتاخم منطقة نفوذه التقليدية في دارفور، وهذه الحدود هي مصدر تجنيد بالنسبة له من القبائل العربية في تشاد، كما أن هذه الحدود مفتوحة على أماكن وجود شركة فاغنر الروسية للمرتزقة بأفريقيا، والتي يعتقد أنها مصدر تسليح قوات الدعم الرئيسي وشريكتها في تهريب الذهب عبر الحدود.

موقف دولي مائع ينتقل من اليمن للسودان

أحد مظاهر التشابه الجزئي بين أزمتي السودان واليمن، هو الموقف الدولي المائع، تعترف كل دول العالم تقريباً، بحكومة عدن، مثلما الأمر مع حكومة البرهان التي انتقلت لبورتسودان، وتدين بعضها تصرفات الحوثيين، ولكن دون موقف دولي حاسم لمعاقبتهم أو تقديم دعم فعلي لحكومة عدن (باستثناء الرياض)، وهو أمر يبدو أنه يتكرر في حالة السودان، فأغلب جرائم الحرب المزعومة منسوبة لقوات الدعم السريع، حيث وردت اتهامات عن اغتصاب وخطف للنساء ونهب للمنازل، على لسان تقارير أممية وإعلامية غربية، بينما أغلب الجرائم المنسوبة للجيش السوداني مرتبطة بقصفه لمنازل المدنيين التي يتحصن بها مقاتلو الدعم السريع (الانتقادات نفسها التي توجَّه للتحالف العربي باليمن).

ورغم ذلك ليس هناك موقف دولي حاسم تجاه الحوثيين أو الدعم السريع.

بورتسودان
سودانيون فروا من العنف في بلادهم ينتظرون تسجيلهم في مخيم بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في أدري بتشاد في 26 أبريل/نيسان 2023- رويترز

وكان لافتاً فرض وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الأربعاء، عقوبات على نائب قائد قوات "الدعم السريع"، عبد الرحيم حمدان دقلو؛ شقيق حميدتي، بسبب مسؤوليته عن انتهاكات تزعم أنه ارتكبها في إقليم دارفور، بينها أعمال عنف واعتداءات جسيمة، وأوضحت "الخارجية الأمريكية" أن مصادر موثوقة قالت إن جمعة متورط في اختطاف وقتل والي غرب دارفور خميس أبكر وشقيقه. 

ورغم ذلك فإن العقوبات لم تطل قائد الدعم السريع، رغم أن الجميع يعلم مسؤوليته عن كل ما يحدث، وذلك في مؤشر واضح على رغبة واشنطن في الحفاظ على خطوط الاتصال معه، وعدم إقصائه من العملية السياسية، وهو أمر يشبه مواقفها تجاه الحوثيين، حيث سارعت إدارة بايدن فور وصولها للحكم عام 2020 لإلغاء قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إدراج الحوثيين ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، دون محاولة الحصول منهم على مقابل، مثل العودة للتفاوض، وحتى عندما عاد الحوثيون للتفاوض تم الأمر عبر البوابة الصينية.

إليك أوجه التشابه بين الحوثيين والدعم وميزة جيش السودان مقارنة بقوات حكومة اليمن 

من حيث طبيعة القوات، فإن هناك بعض الاختلافات بين الحالتين اليمنية والسودانية، فالجيش السوداني يعتمد على القوة النيرانية الكبيرة الخاصة به، وليس على حليف خارجي (السعودية)، ويتسم الجيش السوداني بانضباط نسبي أكبر من القوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. 

في المقابل، فإن هناك أوجه تشابه لافتة بين الحوثيين والدعم، فكلاهما يعتمد على قوات عشائرية تنحدر من الأقاليم الأكثر تهميشاً ووعورة وقسوة في الظروف وقبائلية (دارفور في السودان وصعدة في اليمن)، وبالتالي هم مقاتلون أكثر شراسة وصلابة من منافسيهم. 

حميدتي يحاول محاكاة رواية المظلومية الحوثية

الفرق قد يكون في الطابع الأيديولوجي الحاد الشيعي الزيدي المطعّم بالتأثير الإيراني في حالة الحوثيين، والذي يرفع شعارات مظلومية يقول إنها تعود لـ1400 عام، مقارنة بحقيقة أن قوات الدعم السريع هي بالأساس مشروع شخصي لقائدها محمد حمدان دقلو.

ولكن حميدتي يعمد إلى إثارة مظلومية ملائمة لظروف السودان عبر تحفيز قوات الدعم بالتأكيد على أنها تقود ثورة الأقاليم المهمشة بقيادة القبائل العربية في دارفور، ضد هيمنة النخب العربية في الوسط، وضد الإسلاميين، بينما أكثر شعاراته إثارة للاستغراب هي تأكيده على أنه يريد إعادة الديمقراطية.

ويعمد للتحالف مع اليساريين مثلما يفعل الحوثيون

ومن أوجه التشابه، محاولة الحوثيين استقطاب القوى القومية واليسارية المحلية، دون إعطائهم أية مكاسب على الأرض، وهو الأمر نفسه الذي يقوم به حميدتي، وفي الحالتين، فإن هناك تأييداً ضمنياً من قبل كثير من هذه القوى للحوثيين وحميدتي.

وفي الحالتين السودانية واليمنية، فإن العداء التاريخي للبعثيين والناصريين واليساريين تجاه الإسلاميين يقودهم للتحالف مع قوى ميليشياتية تتبنى خطاباً طائفياً عنصرياً فجاً مناقضاً تماماً للدولة الحديثة، أو حتى الدولة الطبيعية، ويظهر ذلك واضحاً فيما أعلنه مؤخراً الناطق باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي"، عادل خلف الله، في حديث لـ"الشرق الأوسط" السعودية بقوله: إن عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير هم الذين أوقدوا الحرب، وإن هناك أدلة ملموسة تؤكد هذا الزعم. 

وأضاف: "كانت هناك جهود كبيرة لمنع الصِدام بين الجيش و(الدعم السريع)، لكن تدخل الإسلاميين أشعل شرارة الحرب".

وذلك في تجاهل واضح للطموح الواضح لحميدتي في السيطرة على السلطة، وتأسيسه كيانات منفصلة عن الدولة والجيش وعلاقته المعروفة مع إسرائيل، والأهم تورط الدعم السريع، حسب القوى الثورية السودانية نفسها في مذبحة القيادة العامة التي طالبت بإنهاء الحكم العسكري، وإضافة إلى حقيقة تاريخية معروفة أن حميدتي هو صنيعة البشير في ظل تخوفه وعدم ثقته بالجيش، حتى إن الرئيس السوداني السابق نعته يوماً بـ"حمايتي".

مغازلة القوى الانفصالية

وفي الحالتين، يناصب الحوثيون وحميدتي الحركات الإسلامية ذات الجذور الإخوانية العداء، وفي الحالتين، يحاول الطرفان حميدتي والحوثيون مغازلة القوى الانفصالية أو الاستفادة منها بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل.

غير أن الانفصاليين في الجنوب اليمني أكثر حذراً في التعامل مع الحوثيين، وكثيراً ما دخلوا معهم في معارك، ولكنهم في المقابل، ينفقون كثيراً من جهدهم في إضعاف الحكومة المعترف بها دولياً.

أما في السودان، فتتقلب الحركات المسلحة ذات النزعة الانفصالية بين الجانبين، فلقد أعلنت حركة مسلحة موقّعة على اتفاقية السلام، وهي "حركة تحرير السودان" بقيادة مصطفي تمبور، انضمامها إلى الجيش، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.

أما أن "لجان المقاومة"، وهي التنظيمات الشبابية التي قادت الثورة ضد نظام البشير وضد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 (الذي أطاح فيه البرهان وحميدتي برئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك)، فاختار بعضها الوقوف مع الجيش، بينما اختار بعضها الآخر الوقوف على الحياد. وقال بعض رموز هذه اللجان الذين شاركوا في القتال إلى جانب الجيش، إنهم رغم اختلافهم مع قيادة القوات المسلحة، لن يتوقفوا عن مناصرة الجيش.

الجيش السوداني وضعه مقبول ميدانياً، ومشكلته في التحالفات الخارجية 

قد يكون وضع الجيش السوداني أفضل نسبياً من قوات الحكومة الشرعية في اليمن، فهو أقل اعتماداً على الدعم الخارجي، ويسيطر على أجزاء من العاصمة والمنطقة الوسطى المركزية، ولديه سلاح مدفعية وطيران فعّال حتى الآن. 

ولكنه في المقابل، من ناحية التحالفات الخارجية، وضعه أسوأ من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. 

فالحوثيون في اليمن معزولون دولياً، وليس لهم حليف سوى إيران، مقارنة بشبكة تحالفات حميدتي الدولية، كما أنه بينما طهران فقط هي التي تناصب حكومة عدن العداء (والإمارات لديها معها توترات)، فإن مجلس السيادة السوداني يعاني من سعي كثير من الدول الأفريقية المحيطة مثل إثيوبيا وكينيا، إلى تقوية موقف الدعم السريع، وإضعاف شرعية حكومة البرهان، كما ظهر في اجتماع قمة الإيغاد الذي عقد في إثيوبيا، إضافة إلى دور فاغنر الداعم لحميدتي، وعلاقة الأخير الوثيقة مع الإمارات، واتصالاته مع إسرائيل وكثير من الدوائر الغربية.

صواريخ وطائرات بدون طيار معروضة في معرض في مكان مجهول في اليمن نشرها المكتب الإعلامي للحوثيين في 17 سبتمبر/أيلول 2019-رويترز، أرشيفية

كما أن السعودية داعم الحكومة الشرعية اليمنية الكبير، واللاعب العربي الأهم، والجار للسودان في البحر الأحمر، هي أقرب للحياد، بينما مصر أقرب حليف للمؤسسة العسكرية السودانية، يبدو دعمها إن وجد للجيش لا يقارن بالدعم السعودي لحكومة عدن، بل إن القاهرة تحاول التبرؤ من الحديث عن كونها حليفاً للجيش ومعادية للدعم، الذي يبدو أن لديه شرعية دولية أكبر بكثير من تلك التي يمتلكها الحوثيون.

قد تكون هناك ميزة عامة للجيش السوداني وهي وجوده على الأرض، وتماسك بنيته حتى الآن واعتماده على الذات يجعله أقل اعتماداً على تقلبات الشراكات الخارجية، ما يؤهله للاستمرار في القتال دون دعم خارجي، وهي ميزة تتوفر للدعم السريع بدوره بفضل سيطرته على ثروة السودان من الذهب وغيرها من الموارد، وانفتاح طرق التهريب أمامه، ما يجعله قادراً على الاستمرار في القتال دون الحصول على تمويل خارجي.

لماذا تبدو عوامل استمرار الحرب أكبر من دوافع إنهائها؟

يعني كل ذلك أن عوامل استمرار الحرب في السودان متوفرة.

وعندما نتذكر أن الحرب في اليمن قد بدأت منذ عام 2015، ولم تحسم، رغم أن قوات الحكومة الشرعية في مرحلة من المراحل تلقت من الإمارات والسعودية، اللتين لديهما اثنان من أقوى جيوش المنطقة، دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً (خاصة الجوي).

وكما في الحالة اليمنية فإن رهان كل طرف على قدرته على حسم الصراع، أو على الأقل تعزيز مكاسبه، قد يؤدي لإطالة الحرب.

 كما أن نقل العاصمة الإدارية لبورتسودان، رغم أنه قد يضعف وضع الجيش في الخرطوم، ولكنه قد يتيح له قدرة أكبر على الاستمرار في القتال؛ لأن قدرة قوات الدعم السريع في الضغط على رأس الحكم وأسر قادة الجيش والحكومة ومؤسسات الدولة سوف تتراجع، وهي كلها عوامل دافعة في اتجاه استمرار الحرب، وهي أيضاً مؤشرات على أنه لا طرف يبدو قريباً من حسمها.

بورتسودان عاصمة السودان
أفراد من قوات الدعم السريع السودانية بالقرب المباني التي يستخدمها جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني في الخرطوم/رويترز، أرشيفية

فعلى غرار أزمة اليمن، فإن نقل العاصمة الإدارية لبورتسودان، يؤشر لتقسيم السودان لمناطق نفوذ بين الطرفين الرئيسيين (إضافة لمناطق أصغر للحركات الانفصالية والثورية)، حيث يصبح لكل طرف مراكز قيادة آمنة، (بورتسودان للجيش، ودارفور للدعم السريع، بينما يتركز القتال في أماكن محددة تتحول لنقاط تماس (مثل تعز باليمن، والخرطوم في السودان).

وهي وصفة لاستمرار الحرب أكثر من كونها مؤشراً على قرب نهايتها، بل إنها مؤشر إلى أن أية تسوية قد تؤدي لترسيخ هذا الوضع التقسيمي، مثلما يبدو أنه قد يحدث في اليمن، وحدث في ليبيا، فحتى لو بدأت مفاوضات سلام جدية، فإن هناك شبكة من المصالح سوف تتراكم لمنع إنهاء هذا التقسيم في النفوذ. 

تحميل المزيد