وأصبحت “فاغنر” كياناً رسمياً في روسيا.. كيف قد يؤثر ذلك على “أعمالها” عربياً وأفريقياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/06 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/06 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
عنصر من مجموعة "فاغنر" يقف إلى جانب جندي من جمهورية إفريقيا الوسطى (أ ف ب)

الآن وقد أصبحت "فاغنر" جزءاً من وزارة الدفاع في روسيا، كيف قد تؤثر تلك الخطوة على "أنشطة وأعمال" الشركة التي كانت خاصة، في دول عربية وأفريقية؟

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حقق حلماً روسياً قديماً وبنى نفوذاً متصاعداً في قارة أفريقيا، دون أن يدخل في صدام مباشر مع الغرب، وذلك من خلال شركة أمنية خاصة وصفها بوتين نفسه بأنها "لا وجود لها"، لكن محاولة التمرد الفاشلة لطباخه بريغوجين قلبت الموازين تماماً، فهل تتمكن موسكو من الحفاظ على وجودها الذي أسسته "فاغنر"؟

فعندما انهار الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من 4 عقود، اضطرت روسيا إلى الانسحاب من القارة السمراء، وخسرت علاقاتها القوية مع عدد من كبار القارة مثل مصر والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا. ومع صعود بوتين إلى قمة هرم السلطة واستعادة دور روسيا كقوة عظمى، كان من الطبيعي أن يكون بناء الوجود والنفوذ الروسي في أفريقيا من أولويات الرئيس الروسي.

فاغنر بعد "الخضوع" لوزارة الدفاع في روسيا

لكن ما بعد مقتل زعيم مجموعة فاغنر يفغني بريغوجين ليس كما قبله، إذ لم تعد مجرد شركة خاصة لا تخضع للقانون الروسي، بل أصبحت جزءاً منه بعد أداء عناصرها "قسم الولاء" للدولة الروسية، ومن شأن ذلك أن يكون له تأثير، إيجاباً أو سلباً، على نفوذ موسكو في الدول العربية والأفريقية، بحسب تحليل لوكالة الأناضول.

ففي الأول من سبتمبر/أيلول 2023، وبعد يومين من مراسم دفن بريغوجين، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بأثر فوري، يدعو فيه جميع عناصر فاغنر وغيرهم من المتعاقدين العسكريين الروس إلى "أداء قسم الولاء للدولة الروسية".

ويعني هذا المرسوم الرئاسي ضمناً اعترافاً رسمياً من جانب موسكو بقانونية وشرعية فاغنر، رغم إصرار الرئيس بوتين، في وقت سابق، على أن "فاغنر لا وجود لها".

ويمكن لهذه الخطوة أن تعزز رقابة موسكو على نشاطات فاغنر في الدول العربية والأفريقية التي تنتشر بها، لكنه بالمقابل من شأنه أن يفتح الباب أمام حكومات هذه الدول، أو منظمات وأشخاص لرفع دعوى قضائية ضد روسيا بشأن جرائم تتهم فاغنر بارتكابها، أو مطالبة موسكو رسمياً بسحب عناصر الشركة من أراضيها، على غرار الحالة الليبية.

وتنتشر عناصر فاغنر والميليشيات الموالية لها في كل من سوريا وليبيا وبدرجة أقل في السودان، أما في أفريقيا جنوب الصحراء فوجودهم بشكل بارز في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وبشكل محدود في موزمبيق، مع احتمال وصولهم إلى اتفاق مع بوركينا فاسو، وهو ما تنفيه الأخيرة. كما يُعد توصل فاغنر إلى اتفاق مع المجلس العسكري في النيجر أمراً وارداً، في ظل توتر علاقته بفرنسا.

وبعد مصرع بريغوجين إثر حادث سقوط طائرة في 23 أغسطس/آب الماضي، والذي تنفي موسكو ضلوع الكرملين فيه، تُطرح تساؤلات عن مدى تأثير ذلك على نشاط فاغنر في الدول العربية والأفريقية التي توجد بها.

إذ كانت الاستراتيجية الروسية قد اعتمدت في تنفيذ أهدافها في أفريقيا على الشركات العسكرية الخاصة بدلاً من الاعتماد على الجيوش الرسمية؛ حيث لم تقم موسكو بأية عمليات انتشار عسكري في أفريقيا خلال نصف قرن، ونفّذت أنشطتها العسكرية والأمنية حصرياً بمساعدة المرتزقة. وتشير التقديرات إلى أن شركات روسيا العسكرية نفذت على الأقل 34 عملية في 16 دولة أفريقية منذ عام 2005.

شويغو
وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو – رويترز

وخلال السنوات الأخيرة، تصدّرت فاغنر المشهد؛ حيث لعبت "الدور الرئيسي في تلك العمليات، وبدأت منذ عام 2017 بالعمل كمستشارين في عدد من الدول الأفريقية، ثم تطورت المهام لتقديم خدمات حراسة للرؤساء والمسؤولين بجانب التدريب وتقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن المحلية، وحتى المشاركة مباشرة في القتال، وتعتمد قوات مجموعة فاغنر على التمويل الذاتي المرتبط بمموليها الخاصين والعقود الاقتصادية التي تجريها في الدول المعنية، ولا تكلف الإدارة الروسية أية أعباء مالية.

وتنشط فاغنر بصورة خاصة في السودان، حيث كان الظهور الأول لها عام 2017، عقب زيارة البشير إلى موسكو وطلبه بشكل علني من بوتين المساعدة ضد التدخلات الأمريكية في الشؤون السودانية، فبدأت مجموعة فاغنر تدريب عناصر الاستخبارات السودانية وقوات الدعم السريع على التصدي للتظاهرات مقابل عقود للتنقيب عن الذهب في عدة مواقع في جبال النوبة ودارفور وولاية نهر النيل، ولكنها لم تستطع تقديم الدعم اللازم لمنع سقوط البشير في أبريل/نيسان عام 2019، ونظراً لسيطرة الدعم السريع على معظم مناجم الذهب توثقت علاقة قوات الدعم السريع بفاغنر، وتم الاتفاق على الشراكة بينهما في تجارة الذهب والسلاح.

استمرار "فاغنر" بعد مقتل بريغوجين

زيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، إلى كل من سوريا وليبيا، تجيب بوضوح عن التساؤلات الخاصة بمدى استمرار "فاغنر" رغم تغيير قيادتها. ووفق تقرير لوكالة "بلومبرغ" الأمريكية، فإن الزيارة جاءت "من أجل فرض السيطرة الحكومية على العمليات التي تم التعاقد عليها مسبقاً مع فاغنر، قبل مصرع بريغوجين".

فموسكو أخذت قراراً بالسيطرة على إمبراطورية فاغنر، ووضعها تحت وصاية وزارة الدفاع، حتى قبل مقتل بريغوجين، أو حتى قبل تمرده في 23 يونيو/حزيران الماضي، عندما دعت عناصر فاغنر للتعاقد معها.

وكان بإمكان بوتين، حل شركة فاغنر وجميع فروعها، لكن ذلك من شأنه أن يفقد موسكو كل النفوذ الذي حققته في الشرق الأوسط وأفريقيا بفضلها، وسيجبر الجيش الروسي على التدخل عسكرياً بطريقة فجة، على غرار الوجود العسكري الفرنسي في مالي والنيجر، وسيضيق عليه فرص المناورة السياسية والإعلامية.

فاغنر روسيا يفغيني بريغوجين
مؤسس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، كان يوصف بطباخ بوتين/رويترز، أرشيفية

فإحدى المشكلات التي واجهت الجيش الروسي مع تحركات فاغنر في سوريا، نقص التنسيق الذي تسبب مرة في مقتل وإصابة نحو 300 عنصر من فاغنر، في 8 فبراير/شباط 2018، إثر قصف جوي ومدفعي أمريكي مكثف على رتل للشركة الروسية والمتعاقدين معها تقدم نحو شرق نهر الفرات، في مناطق سيطرة تنظيم "قسد" الإرهابي.

وتنصلت وزارة الدفاع الروسية سريعاً من الحادثة، واعتبرتها "عمليات استطلاع وتفتيش للقوات السورية لم يتم تنسيقها مع قيادة مجموعة العمليات الروسية في قرية الصالحية، وأنه لا يوجد جنود روس في هذه المنطقة من محافظة دير الزور السورية".

بينما اتهمت "فاغنر" الجيش الروسي بعدم توفير غطاء جوي لعناصرها، بعدما وعدهم بحمايتهم من المقاتلات الأمريكية. وسبق لفاغنر في مناسبات أخرى بين 2016 و2017، أن اتهمت الجيش الروسي علناً بعدم تزويدها بالذخائر الكافية؛ ما تسبب لها بخسائر كبيرة في عدة معارك بسوريا.

وعند تمرد فاغنر في يونيو/حزيران الماضي، تحركت وزارة الدفاع الروسية بسرعة لمنع انتشار التمرد بين صفوف عناصر المجموعة في سوريا، واتخذت عدة إجراءات احترازية في هذا الصدد.

وبعد مصرع بريغوجين، أصبح بإمكان وزارة الدفاع الروسية ضبط إيقاع عملياتها في سوريا، بعد أن فرضت على عناصرها التعاقد معها، وبالتالي لن يكون بإمكان فاغنر التعاقد مباشرة مع وزارة الدفاع السورية، ولا القيام بأية عمليات سرية دون موافقة أو تنسيق معها.

ماذا عن وجود "فاغنر" في ليبيا والسودان؟

بعدما أصبحت تبعية قوات فاغنر لوزارة الدفاع الروسية، فإن الضغط الدبلوماسي على موسكو أصبح ممكناً لسحب عناصر شركتها العسكرية من ليبيا. فبعكس النظام السوري الذي تنشط فاغنر في مناطق سيطرته بموافقته، فإن المجلس الرئاسي الليبي، وحكومة الوحدة، المعترف بها دولياً، وحتى لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، التي تضم ممثلين عن الجيش الليبي ومن يقابلهم من قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر، جميعهم يطالبون برحيل المقاتلين الأجانب بمن فيهم عناصر فاغنر.

ورغم توقف الحرب في ليبيا منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعدم الحاجة الماسة إلى خدمات فاغنر، فإن هناك قلقاً من إمكانية انقلاب فاغنر على حفتر إذا مورست عليها ضغوط، وفق المحلل السياسي عز الدين عقيل، الداعم لقوات الشرق.

لكن تحول فاغنر من شركة عسكرية خاصة إلى مجموعة مسلحة خاضعة لسلطة وزارة الدفاع الروسية، يجعل الأمور أسهل لحكومة الوحدة أو المجلس الرئاسي للتفاوض مع موسكو بشأن سحب عناصر فاغنر من ليبيا.

كما يمكن للسلطات الليبية التحرك قضائياً وجنائياً لتحميل روسيا مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها فاغنر في الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس، عندما زرعت عدداً كبيراً من الألغام قبل انسحابها منها نهاية مايو/أيار 2020، ما خلف عدداً من القتلى والجرحى، في الأشهر التي تلت الانسحاب.

وفي السودان، يتهم بريغوجين بالوقوف وراء شحنات صواريخ أرض جو التي تسلمتها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في الأسابيع الأخيرة، وساهمت إلى حد ما في تقليص هيمنة الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان على سماء المعركة.

فتمكن قوات الدعم السريع من إسقاط عدة مروحيات وطائرات حربية في الأسابيع الأخيرة يؤكد تسلمها شحنة صواريخ مضادة للطائرات من جهة مجهولة، يعتقد على نطاق واسع أنها فاغنر، التي لها شراكة مع "حميدتي" في تعدين الذهب عبر شركة "آم أنفست".

فاغنر ليبيا
عناصر مرتزقة "فاغنر" الروسية أعدادهم تضاعفت من العشرات إلى الآلاف في ليبيا خلال السنوات الأخيرة/ مواقع روسية

لكن تسليم فاغنر "المزعوم" لشحنات صواريخ أرض جو إلى "حميدتي"، لم يلقَ على الأغلب ضوءاً أخضر من موسكو، التي استقبلت نهاية يونيو/حزيران الماضي، مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، الذي نفى وجود فاغنر في بلاده، لكنه حذر من وجودها في دول الجوار. وصدرت تقارير غربية تتحدث عن تسلم قوات الدعم السريع أسلحة وذخائر من فاغنر عبر قواعدها في ليبيا، وهو ما نفته قوات الشرق الليبي في حينه.

غير أن مصرع بريغوجين وسعي وزارة الدفاع الروسية للسيطرة على فاغنر وجعلها أكثر تبعية؛ من شأنهما إضعاف "حميدتي" وتجفيف مصدر مهم لتزود قواته بالأسلحة النوعية، ما قد يفقده القدرة على مواصلة الحرب في العاصمة الخرطوم مدة طويلة.

وهذا الاستنتاج توصلت إليه دراسة لمعهد الشرق الأوسط (أمريكي)، التي اعتبرت أن "مصرع بريغوجين يمكن أن يزيد من قيود سلسلة توريد الذخائر الخاصة بقوات الدعم السريع". وأضافت أن "هذه القيود يمكن أن تزيد الشكوك في استدامة عمليات حميدتي الهجومية ضد القواعد العسكرية التي تسيطر عليها القوات السودانية".

ماذا عن الموقف في أفريقيا؟

غياب بريغوجين عن المشهد العالمي، من المرجح ألا ينهي رغبة روسيا في التمدد بالساحل الأفريقي، بل في كامل أفريقيا جنوب الصحراء، لإحياء أمجاد الاتحاد السوفييتي في القارة السمراء، خاصة في فترة الستينيات والسبعينيات عند دعم حركات التحرر والدول حديثة الاستقلال.

وانتشار فاغنر في مالي منح روسيا موطئ قدم في منطقة الساحل، تسعى للتمدد بعدها إلى بوركينا فاسو، ولم لا للنيجر؟ مستغلة موجة الانقلابات التي تشهدها المنطقة، وحالة العداء الشعبي للاستعمار الفرنسي السابق.

فلا شيء يدعو موسكو إلى سحب عناصر فاغنر من مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، خاصة أن نشاطها ليس مقتصراً على تقديم خدمات أمنية مجانية، بل بمقابل مالي، وأيضاً مقابل رخص لتعدين الذهب والأحجار الكريمة.

بينما استعانت مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى بخدمات فاغنر، من أجل حماية النظام الجديد، سواء كان عسكرياً أم مدنياً، ولتعويض إخفاق القوات الفرنسية في تحقيق الاستقرار، ومواجهة الجماعات الإرهابية والمتمردة.

ونجحت فاغنر في تثبيت حكم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا، الذي يحكم البلاد منذ 2016، لكنها أخفقت بالمقابل في القضاء على الجماعات الإرهابية في مالي، التي تسيطر على نحو 40% من مساحة البلاد، وفق وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو.

وسواء في مالي أم أفريقيا الوسطى، تتهم واشنطن وباريس فاغنر بارتكاب جرائم قتل في حق مدنيين، وهذا ما لا يشجع الجيش الروسي على الدخول بثقله في أفريقيا، ويفضل إبقاء فاغنر في الواجهة لتحمل أية أخطاء أو جرائم ترتكب، وعدم تحمل أية أعباء جنائية أو مالية.

إلا أن "عدم الاعتراف بوجود فاغنر قانونياً"، لن يكون مجدياً كثيراً بعد أن أصبحت تابعة لوزارة الدفاع الروسية، وأصبحت عناصرها متعاقدة معها، وأدت قسم الولاء للدولة، ما يضع موسكو أمام موقف صعب للجمع بين متناقضين؛ السيطرة على فاغنر وعدم تحمل تبعات جرائمها أو هزائمها.

كما أن فاغنر في عهد بريغوجين كانت أكثر مرونة وتحرراً في اتخاذ بعض القرارات، أما بعد أن أصبحت تبعيتها لقيادات في وزارة الدفاع، فإنها مجبرة على الالتزام بقواعد انضباطية وأساليب بيروقراطية من شأنها إبطاء اندفاعها المعهود في اقتحام مناطق النزاع، سواء في الدول العربية أم أفريقيا جنوب الصحراء.

تحميل المزيد