مع اقتراب التصويت الرسمي على ضمها.. ما الأهمية الاستراتيجية لدخول السويد إلى حلف الناتو؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/09/06 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/06 الساعة 08:52 بتوقيت غرينتش
وحدات تابعة للجيش السويدي/ getty images

مع اقتراب التصويت الرسمي على انضمام السويد لحلف الناتو، بعد موافقة تركيا والمجر، يبرز السؤال الأهم: ما الإضافة الاستراتيجية التي قد تقدمها ستوكهولم للحلف العسكري الغربي؟

مجلة Popular Mechanics الأمريكية رصدت إجابة هذا السؤال في تحليل عنوانه "انضمام السويد للناتو سيضيف للحلف ما هو أكثر من كرات اللحم"، يلقي الضوء على تداعيات هذا التوسع الجديد للحلف الغربي وما يمثله الانضمام الرسمي للسويد في هذا الإطار.

إذ إن السويد، مثل فنلندا، هي واحدة من الدول الاسكندنافية التي تقع شمال أوروبا ولم تكن عضواً في حلف الناتو، لكن تاريخها المعقد مع روسيا القيصرية أضفى بُعداً آخر على حالة الذعر التي تعيشها أوروبا بشكل عام منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، خاصة أن السويد اتبعت استراتيجية "الحياد" منذ عام 1812.

السويد.. العضو رقم 32 في الناتو

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أشار، في يوليو/تموز الماضي، إلى أنَّه سيتخلّى أخيراً عن اعتراضه على السماح للسويد بالانضمام إلى التحالف الأمني الأوروبي ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكانت المجر، التي دعمت عرقلة تركيا لانضمام السويد، قد أشارت قبل ذلك إلى أنَّها لن تعيق قبول السويد في الحلف إذا ما قدمت تركيا الضوء الأخضر.

يعني هذا أنَّه من المفترض أن تصبح السويد العضو رقم 32 في منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي عقب تصويت إجرائي هذا الخريف.

ومنذ نهاية الحرب الباردة بين الغرب بقيادة أمريكا والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، تتعاون السويد وحلف الناتو بشكل أوثق، وبشكل أكثر كثافة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية-الروسية الأولى عام 2014-2015، لكنَّ أغلبية الشعب السويدي ظلَّت على مدى فترة طويلة تعتقد أنَّ الانضمام إلى الناتو ستكون له أضرار أكثر من المكاسب.

وقد سعت الاستراتيجية الدبلوماسية الروسية لمنع دخول السويد إلى الناتو من خلال التهديدات بالانتقام، بما في ذلك الإشارة ضمناً إلى احتمال استهدافها بالأسلحة النووية. لكنَّ هذه التهديدات، وعمليات التحليق المستمرة للقاذفات الروسية القادرة على حمل رؤوس نووية، وعمليات التوغل من جانب الغواصات، لم تؤدِّ في النهاية إلا لدفع السويد للاقتراب أكثر من حلف الناتو.

وفي النهاية، أقنع الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 معظم السويديين (وكذلك الجيران الفنلنديين) بأنَّهم بحاجة لأمن إضافي يُوفِّره الحلف في مواجهة ما يقول الغرب إنه "عدوان" غير متوقع، إذ تصف موسكو حرب أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى منع انضمام كييف إلى حلف الناتو، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر".

السويد الناتو
زعكاء تركيا والناتو والسويد/ رويترز

لكن بعكس فنلندا، التي انضمت إلى الناتو رسمياً في 4 أبريل/نيسان 2023، واجهت السويد رفضاً طويلاً من جانب تركيا وصديقة بوتين، المجر، واشتكت تركيا خصوصاً من أنَّ السويد كانت تبالغ في استيعابها للانفصاليين الأكراد من أصل تركي والمتظاهرين المعادين للإسلام. على أية حال، تخلّى الرئيس التركي عن حق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به بعد التوصل إلى اتفاق بين تركيا والسويد والولايات المتحدة.

ظاهرياً، قد لا يبدو أنَّ عناصر الخدمة الفعلية في القوات المسلحة السويدية البالغ عددهم 24 ألفاً إضافة كبيرة بالنسبة لحلف دفاعي تشير التقديرات بالفعل إلى أنَّه يضم أكثر من 3.5 مليون عسكري. لكنَّ هذا يُغفِل العقود التي أمضتها السويد في حالة "الحياد المسلح"، التي تركت البلاد أفضل تجهيزاً بكثير من معظم مَن هم في حجمها. ويُغفِل أيضاً حقيقة أنَّ السويد في وضع جغرافي يسمح لها بتعزيز دفاعات الناتو في نقاطه الأكثر ضعفاً.

جغرافيا البلطيق والقوة العسكرية للسويد

تقع السويد بين أعضاء الناتو النرويج والدنمارك غرباً وفنلندا شرقاً، وتملك خطاً ساحلياً على بحر البلطيق يبلغ طوله ما بين ألف وألفي ميل (ما بين 1609 كم و3219 كم تقريباً). وهذا مهم لأنَّ أسطول بحر البلطيق الروسي يملك قوة كبيرة في جيب كالينينغراد المطل على بحر البلطيق في "المفصل" بين بولندا وليتوانيا، وبشكل ثانوي في مدينة سان بطرسبرغ. وقبل الحرب في أوكرانيا، كانت روسيا تعتمد على أكثر من 20 زورقاً مسلحاً للمهام المضادة للسفن والغواصات، والعديد من بطاريات الصواريخ المضادة للطيران والسفن، وصواريخ الهجوم الأرضي.

ومع انضمام السويد إلى حلف الناتو، ستضطر السفن الحربية والغواصات والطائرات الروسية المعادية في البلطيق إلى التنقُّل بين فكّي تمساح: ساحل السويد وفنلندا في الشمال، وساحل ألمانيا والدنمارك وبولندا ودول البلطيق في الجنوب. وفي هذا السياق أيضاً، تقع جزيرة غوتلاند السويدية في وسط بحر البلطيق.

وفي ظل عضوية السويد في الناتو، أصبح تدخُّل الحلف للدفاع عنها مضموناً، وتلتزم السويد بدورها بالمساعدة إذا ما تعرَّضت فنلندا أو دول البلطيق لأي هجوم.

وبطبيعة الحال، يبدو العدوان الروسي ضد الدول الأعضاء في الناتو أمراً غير قابل للتصور أكثر الآن، بعد أن استنزفت روسيا قوتها القتالية في هجومها على أوكرانيا. ويرى الغرب أن قرار بوتين الشروع في الهجوم على أوكرانيا هو بالضبط ما جعل السويديون والفنلنديون يفقدون ثقتهم المتبقية في نوايا روسيا ويسعون للحصول على العضوية في الحلف.

من ناحية أخرى، تم تصميم القوات المسلحة السويدية للدفاع عن أراضي السويد ومياه البلطيق القريبة، ولو أنَّها أظهرت بعض القدرات لنشر مقاتلات وقوات حفظ سلام ميكانيكية في الخارج.

تعتمد ستوكهولم على صناعة سلاح ناضجة ومتنوعة بشكل غير معتاد بالنسبة لبلد يبلغ تعداده 10.5 مليون نسمة. فهي تنتج مقاتلاتها، وطائرات الإنذار المبكر، وغواصات متقدمة غير نووية، ومركبات مشاة قتالية، وأسلحة مضادة للدروع، ومدفعية ثقيلة. وتُستخدَم المقاتلات والمركبات المدرعة السويدية بالفعل في العديد من دول الناتو، وبالتالي، يتم تكييفها مع معايير الناتو.

كما يمتلك سلاح الجو السويدي 94 مقاتلة جيل رابع من طراز Saab JAS-39 Gripen متعددة المهام من الإصدارين C وD، والتي يمكن مقارنتها بمقاتلات F-16 الأمريكية من الإصدار C، لكنَّها مُحسَّنة بشكل أفضل للعمليات المتفرقة انطلاقاً من الطرق السريعة والمطارات الصغيرة. وستتوسع هذه القوة بواقع 70 مقاتلة Gripen أخرى من الإصدار E تنتمي للجيل 4.5، ويملك هذا الإصدار قدرات شبحية مُحسَّنة، ومدًى أوسع، ورادارات/أجهزة تشويش متقدمة من نوع مصفوفة المسح الإلكتروني النشط (AESA)، ومحركات توربينية محدّثة من طراز F414 تسمح بالتحليق بسرعات تفوق سرعة الصوت.

روسيا البلطيق
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الغواصة C-Explorer 5 بعد الغوص في بحر البلطيق. رويترز

وتشمل أصول سلاح الجو الأخرى طائرتي إنذار مبكر محليتيّ الصنع، وطائرة تزويد بالوقود في الجو من طراز KC-130، و5 طائرات نقل من طراز C-130، وأكثر من 50 مروحية تُستخدَم لأغراض متعددة.

وفي البحر، تُشغِّل البحرية السويدية خمسة زوارق شبحية صغيرة من طراز Visby مُزوَّدة بأسلحة مضادة للغواصات وصواريخ RBS-15 المضادة للسفن من الإصدار MK.2 (يصل مداها إلى 69 كم تقريباً). وتُشغِّل أيضاً 4 زوارق أقدم، ولو أنَّها تحوَّلت مؤقتاً إلى زوارق دورية. لكنَّ البحرية تفتقر إلى سفن حربية أكبر وأطول مدًى تملك دفاعات جوية بسبب طبيعة دورها الذي يُركِّز على بحر البلطيق.

لكنَّها تُشغِّل أيضاً 3 غواصات من طراز Gotland (وواحدة أقدم) مُزوَّدة بتقنية الدفع الهوائي المستقل، التي تمنحها القدرة على التجول تحت الماء بسرعات بطيئة لعدة أسابيع، وهي فترة أطول بكثير من الغواصات التقليدية التي تعمل بوقود الديزل والكهرباء.

وتشمل أصول الدعم البحري 11 زورق دورية قوياً مضاداً للغواصات، و9 كاسحات الغام، وحوالي 150 زورق هجوم خفيفاً من طراز CB90 يعمل بطاقة دفع نفث الماء. ومع أنَّ ستوكهولم أحالت بطاريات الدفاع الساحلي الثابتة إلى التقاعد، فإنَّ مشاة البحرية السويديون يملكون صواريخ RBS-17 المتنقلة قصيرة المدى المُصنَّعة على أساس صواريخ Hellfire تتولى دور الدفاع المضاد للسفن منذ عام 2016.

وفيما يتعلَّق بالدروع الثقيلة، تعادل القوات البرية السويدية تقريباً القوات البرية البريطانية بعد تقليص حجمها مؤخراً، بالرغم من أنَّ سكان السويد يمثلون نحو سدس سكان بريطانيا. وهي تتألَّف من 122 دبابة من طراز Stridsvagen، و354 مركبة مشاة قتالية مجنزرة، وأكثر من 300 مركبة أفراد مدرعة خفيفة فنلندية الصنع من طراز Patria. ولأغراض الاستطلاع، تستخدم 8 طائرات من دون طيار متوسطة المدى من طراز RQ-7 Shadow للمراقبة.

وفي حين اعتادت السويد صنع دباباتها الخاصة -بما في ذلك الدبابات عديمة البرج من طراز S والدبابات الخفيفة من طراز L-60- فإنَّ الطراز Stridsvagen 122 هو عبارة عن الدبابة الألمانية Leopard 2A5 بعد تعديلها بصورة كبيرة.

وتشمل وحدات الدعم 4 كتائب مدفعية مُجهَّزة بمنظومة مدافع Archer، وكتيبتي مهندسين، وكتيبتي دفاع جوي مُجهَّزتين بمنظومتي RBS-70 وIRIS-T قصيرتي المدى، إلى جانب منظومة صواريخ HAWK (أو المعروفة باسم RBS-97) متوسطة المدى، والتي ستُستبدَل بمنظومات صواريخ Patriot (باتريوت) الأمريكية.

ويمكن لقوات الحرس الوطني، وهي قوة الاحتياط في السويد، حشد 40 كتيبة مشاة خفيفة إضافية تتكون من 22 ألف فرد. ويدعم التجنيد الإلزامي المحدود لنحو 4 آلاف شاب سويدي سنوياً قوات الحرس الوطني.

وفي حين أنَّ القوات المسلحة السويدية ليست كبيرة، إلا أنَّ لها قيمة جوهرية بالنظر لكونها مجاورة لأكثر المناطق التي يحتاج فيها الناتو إلى تعزيزات في حال نشوب صراع مع روسيا، أي دول البلطيق وفنلندا.

ويمكن أن يساهم سلاحا الجو والبحرية السويديين في تعزيز الدفاعات الجماعية لهذه البلدان في اليوم الأول من الصراع، في حين يمكن نشر القوات البرية بصورة أسرع لمساعدة الجارة فنلندا أو دول البلطيق، من خلال الطرق الجوية والبحرية. وتُعَد خطوط الاتصال الإضافية التي تفتحها السويد، بما يسمح للناتو بتعزيز دول البلطيق الضعيفة، ذات قيمة خاصة؛ لأنَّها تقلل الاعتماد على ممر سووالكي، وهو ممر بري ضيق بين بيلاروسيا المتحالفة مع روسيا وكالينينغراد.

السويد.. من الحياد إلى الناتو

كانت السويد سابقاً قوة مهيمنة ومنافسة للاتحاد السوفييتي، لكنَّها دخلت القرن العشرين وقد تقلَّصت أراضيها وسعت للحفاظ على سياسة الحياد وعدم الانحياز. غير أنَّ اليمينيين السويديين ظلوا منشغلين بالتهديد الذي يفرضه الاتحاد السوفيتي المجاور، في حين رأى اليساريون (بدرجات متفاوتة) أنَّ تلك المخاوف مُبالَغ فيها وكانوا منتقدين للديمقراطيات الغربية.

وحين غزا الاتحاد السوفييتي فنلندا في نوفمبر/تشرين الثاني 1939، أرسلت السويد مساعدة عسكرية شملت 26 طائرة حربية، وأكثر من 340 قطعة مدفعية، و8 آلاف مقاتل متطوع. لكنَّ السويد لم تعترض الغزو النازي اللاحق للنرويج، وتعاملت مع كلا الجانبين طوال بقية الحرب.

وخلال الحرب الباردة، تبنّى السياسيون السويديون النموذجين، مثل الأمين العام السابق للأمم المتحدة داغ همرشولد، موقفاً وسط في الانقسام الصارخ بين الشرق والغرب.

مع ذلك، أرسل الاتحاد السوفييتي سفناً وغواصات لاختبار الدفاعات السويدية في البلطيق والتجسس عليها، وحضَّر الجيش السويدي استراتيجية "الدفاع الشامل" في مواجهة أي غزو سوفيتي محتمل، وشملت الاستراتيجية تعبئة واسعة النطاق للسكان المدنيين.

ووصلت التوترات ذروتها في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 1981، حين جنحت غواصة سوفيتية أثناء وجودها في المياه الإقليمية السويدية الضحلة قرب جزيرة تورومسكار، وربما كانت تحمل سلاحاً نووياً على متنها. أعقب ذلك مواجهة متوترة مع أسطول الإنقاذ السوفيتي، قبل أن يوافق السوفييت على السماح للسويديين باستجواب قادة الغواصة وسحب الغواصة إلى المياه.

أوكرانيا روسيا
الحرب في أوكرانيا غيرت موقف السويد من الحياد التاريخي/ رويترز

أصبح السويديون أكثر اهتماماً بتتبُّع الغواصات السوفييتية في مياههم، ولو أنَّ البحث أظهر لاحقاً أنَّ بعض الأصوات التي التقطتها أجهزة السونار ربما كانت ناجمة عن ضراط سمك الرنجة.

ومع سقوط الاتحاد السوفييتي، انضمت السويد إلى الاتحاد الأوروبي وبدأت التعاون بصورة أوثق مع الجيوش الغربية. وشمل ذلك التعاون مع الناتو منذ عام 1994. لكن في حين أراد السويديون اليمينيون الانضمام إلى الناتو، كانت الأغلبية ترى ذلك غير ضروري وربما يكون مضراً.

لكنَّ الحرب الروسية في أوكرانيا غيَّرت تلك المعادلة، وأصبحت السويد وفنلندا عقب اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014 أشبه بكونهما عضوين فخريين في الناتو، فوسَّعتا حقوق الإقامة المؤقتة في القواعد لقوات الناتو واستضافتا مناورات كبرى للناتو. أما الحرب الشاملة التي اندلعت عام 2022 فكانت النقطة الفاصلة في إقناع غالبية السويديين بدعم الانضمام للناتو.

وقد دعمت السويد في البداية أوكرانيا بمساعدات عسكرية مكثفة، بدأت بمنظومات بسيطة محمولة على الكتف مثل الصواريخ المضادة للدروع والمضادة للدبابات المحمولة على الكتف، ثُمَّ تصاعد ذلك ليصل إلى معدات أثقل، بما في ذلك 10 دبابات من طراز Stridsvagen.

تحميل المزيد