الحدود الجنوبية الليبية تتحول لشريط ملتهب.. هل تخفي اشتباكات تشاد صراعاً روسياً فرنسياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/05 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/05 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من الجيش التشادي، أرشيفية/ رويترز

فجأة ودون سابق إنذار، اشتعلت الجبهة التشادية بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، ونحو أربعة أشهر من اشتعال الحرب في السودان، ما حوّل كامل الحدود الجنوبية الليبية إلى شريط ملتهب، إذ لم تتخلف روسيا وفرنسا المتصارعتان على النفوذ عن تسجيل حضورهما في المنطقة.

وبعد أن تطايرت شظايا الاشتباكات بين الجيش التشادي وحركات التمرد إلى داخل الأراضي الليبية، أطلق خليفة حفتر، قائد قوات الشرق المسيطرة على إقليم فزان، عملية عسكرية في 25 أغسطس/آب 2023، لطرد الحركات التشادية المسلحة من البلدات الجنوبية.

ما علاقة فرنسا بما يحدث في التشاد؟

تقول وكالة الأناضول إن اتهامات طالت فرنسا بالوقوف وراء الغارات الجوية التي استهدفت قاعدة للمتمردين التشاديين داخل الأراضي الليبية، وتمركزها في قاعدة جوية بالجنوب الليبي وبدء تجهيزها بالقرب من المثلث الليبي التشادي النيجري، لكن باريس نفت ذلك.

أما روسيا، فأرسلت نائب وزير دفاعها يونس بك يفكوروف، إلى بنغازي (شرق) للقاء حفتر، بعد أيام قليلة من اشتعال الاشتباكات بين الجيش التشادي والمتمردين على طرفي الحدود مع ليبيا، وقبل يوم من مقتل زعيم فاغنر ييفغيني بريغوجين في سقوط طائرة خاصة داخل روسيا.

وكان ذلك كافياً لإرسال عدة تأويلات بشأن دعم قوات فاغنر الروسية للمتمردين التشاديين لإضعاف النفوذ الفرنسي في نجامينا، أو أنها شجعت حفتر للقيام بعملية عسكرية لطرد الحركات التشادية المسلحة من جنوبي البلاد، ما يجعل مصالح موسكو تتقاطع مع باريس ونجامينا.

ما أصل هذه الاشتباكات؟

في 10 أغسطس/آب 2023، وقبل يوم من الذكرى الـ63 لاستقلال تشاد عن فرنسا، تعرض الجيش التشادي لهجوم مسلح في ولاية تيبستي ذات الطبيعة الجبلية والصحراوية والغنية بالذهب، غير بعيد عن الحدود الليبية الجنوبية، على يد فصيل من المتمردين يدعى "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية".

وأعلن الفصيل المتمرد هجومه على قوات تشادية في منطقتي "وور" و"كوري" بولاية تيبستي (شمال) وقتل عدد من الجنود واحتجاز 23 آخرين، وتدمير 9 مدرعات والاستيلاء على أسلحة ومركبات.

ورد الجيش التشادي بشن غارة جوية بطائرات مسيرة على مركز لمتمردي جبهة التغيير والوفاق "فاكت" جنوب ليبيا، في 18 أغسطس، خلفت مقتل 3 عناصر وجرح أربعة آخرين، وفق ما أعلنته الأخيرة في بيان.

الجيش التشادي، الحليف الرئيسي لفرنسا بمنطقة الساحل، لم يكتفِ بالغارة الجوية، بل أرسل مئات العربات المسلحة إلى شمالي البلاد، لمطاردة عناصر الحركات المتمردة، التي اتهمها بالتوغل هناك انطلاقاً من قواعدها الخلفية في جنوب ليبيا.

وليست هذه المواجهات الأولى من نوعها منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 2021، ففي 31 مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش التشادي أنه هاجم "‏‏طابوراً" ‏‏من المتمردين من "جبهة الأمة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد"، و"مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" في منطقة كوري بوغودي.‏

واستمرت الاشتباكات حينها أكثر من أسبوع قال الجيش إنه قتل 23 متمرداً، بينما زعم المتمردون مقتل 15 جندياً.

وفي 20 أغسطس، زار رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد ديبي، قواته في منطقة كوري بوغودي بولاية تيبستي، وأعلن تحديه للمتمردين ووجه تحذيرات لهم، رغم أن والده الرئيس إدريس ديبي قتل في الجبهة في 20 أبريل/نيسان 2021، خلال قيادته لعمليات التصدي لزحف عسكري عنيف لحركات المعارضة المسلحة بقيادة "فاكت"، التي توغلت جنوباً حتى لم يعد يفصلها عن العاصمة نجامينا سوى 200 كلم.

بينما اتهمت "فاكت" المجلس العسكري الحاكم في تشاد بالإعداد للتوغل في الأراضي الليبية، لمهاجمة قواعدهم الخلفية، وهو ما نفاه الأخير.

وبناء على هذه التطورات أعلنت كل من "فاكت" كبرى الفصائل التشادية المسلحة، وفصيل "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية"، إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه 2021.

قلق ليبي من حرب تشاد

قوات حفتر المسيطرة على إقليم فزان المحاذي للحدود مع النيجر وتشاد، أقرت بقصف الجيش التشادي بالطيران لآليات هاربة للمتمردين داخل الأراضي الليبية.

لكنها نفت توغل الجيش التشادي داخل الأراضي الليبية، حيث تدور الاشتباكات بالقرب من منطقة وادي الطلح شمالي تشاد، التي تبعد 60 كلم عن الحدود الليبية، وفق حديث تلفزيوني للمتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري.

هذه العملية العسكرية، التي انطلقت في 25 أغسطس، تحظى بموافقة من حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، حسبما أكده وزير داخليته عماد الطرابلسي، في رده على سؤال صحفي.

لكن نشطاء ليبيين لم يخفوا قلقهم من توتر الوضع الأمني على حدودهم الجنوبية مع تشاد، واحتمال انفجار الوضع في النيجر إذا تدخلت قوات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" عسكرياً لإعادة الوضع الدستوري إلى البلاد، فضلاً عن امتداد شرارة القتال من العاصمة السودانية الخرطوم، إلى إقليم دارفور الحدودي مع ليبيا وتشاد.

بالنسبة للعديد من الناشطين الليبيين على شبكات التواصل الاجتماعي فإن ما يجري على طول الصحراء الكبرى من مالي إلى السودان، ليس سوى انعكاس للصراع الروسي الفرنسي، الذي من شأنه إشعال حروب أفريقية تمتد نيرانها شمالاً وجنوباً، لتطول شظاياها بالتأكيد بلادهم.

المحلل السياسي الليبي المقيم في الولايات المتحدة محمد بويصير، قال في منشور له على فيسبوك: "محمد ديبي يقود قوات كبيرة من جيش بلاده مجهزة فرنسيا هدفها العمل ضد معارضيه ومعسكراتهم في ليبيا، التي قصفها الطيران الفرنسي.. والقوات الفرنسية تهبط في إحدى القواعد في الجنوب الليبي، وتبدأ في تجهيزها كمركز قيادة، قريب من المثلث الحدودي الليبي التشادي مع النيجر".

بويصير أضاف أن "الروس لم يتأخروا فأرسلوا نائب وزير دفاعهم يونس بك يفكوروف، لتعلن وزارة الدفاع أن الزيارة هدفها النقاش مع الحليف الليبي (حفتر) الأوضاع في الحدود الجنوبية لليبيا".

لكن باريس، نفت عبر تغريدة لسفارتها في طرابلس ما سمته "المعلومات الزائفة التي تداولتها بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بشأن تورط فرنسا في عمليات عسكرية في ليبيا".

ضوء أخضر روسي؟

أما روسيا فلم تكلف نفسها توضيح أي دور لها في الاشتباكات بين الأطراف التشادية على الحدود الليبية، ولكن إطلاق حفتر عملية عسكرية لطرد المعارضة التشادية المسلحة من جنوبي البلاد، يعد بمثابة ضوء أخضر روسي يتقاطع مع المصالح الفرنسية.

فرغم الصراع الروسي الفرنسي على النفوذ في الساحل، فإن المفارقة أنهما يدعمان عسكرياً وفي مجلس الأمن حفتر، رغم صراعهما المحتد في تشاد.

إذ اتهمت واشنطن علانية شركة فاغنر الروسية بالوقوف وراء هجوم المتمردين التشاديين في 2021، وزحفهم نحو نجامينا، بعد أن أسقطوا عدة مدن وبلدات في ولاية تيبستي وما جاورها.

ففاغنر تحاصر تشاد من أكثر من بلد، فهي متواجدة في ليبيا شمالاً، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى جنوباً، وفي السودان شرقاً، وتحاول استغلال انقلاب النيجر لإكمال تطويقها لنظام ديبي غرباً.

لكن فاغنر تواجه صدمة قوية بعد مقتل زعيمها بريغوجين، في 23 أغسطس، بعد يوم واحد فقط من زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي، والتي نقلت رويترز عن مسؤول ليبي، أنه أبلغ حفتر بتغيير قائد فاغنر، ولكن مقاتليها سيبقون في البلاد تحت سيطرة موسكو.

فإصرار روسيا على البقاء في ليبيا حتى بعد رحيل زعيم فاغنر، واستعداد فرنسا للقتال من أجل عدم سقوط حلفائها في تشاد والنيجر، من شأنه تصعيد الوضع في المنطقة أكثر، حتى وإن تقاطعت المصالح هذه المرة في محاربة الحركات التشادية المتمردة، التي تريد خلط الأوراق في التوقيت غير المناسب.​​​​​​​

تحميل المزيد