أصبح إرني (Ernie) هو روبوت الدردشة الذكي الأول في الصين (AI)، والذي تم طرحه للجمهور في 31 أغسطس/آب 2023، بواسطة شركة بايدو التكنولوجية الصينية العملاقة، والتي تفوقت على منافسيها لسنوات في السوق وحققت أرقاماً قياسية في التحميل عبر متجر آبل وغيره، وذلك في ظل سباق عالمي متزايد في مجال تطبيقات المحادثات القائمة على الذكاء الصناعي.
اقرأ أيضاً
ما هي شركة بايدو التي أطلقت تطبيق إرني (Ernie)؟
بفضل الذكاء الاصطناعي، تسعى شركة بايدو الصينية لفرض هيمنتها الكبيرة، ومدى نجاحها سوف ينبئنا بالكثير عن آفاق التكنولوجيا الصينية، التي تتعرض لضغوط بسبب ضوابط التصدير الأمريكية وسياسات الرئيس الصيني شي جين بينغ، كما يقول تقرير لمجلة economist البريطانية.
وقبل عقد من الزمان، كانت شركة بايدو، التي تدير أكبر محرك بحث في الصين، في قلب شبكة الإنترنت في البلاد. فجنباً إلى جنب مع شركتي علي بابا وتينسينت، شركتي الإنترنت الأكثر قيمة في الصين، شكلت شركة ثلاثية تعرف باسم "bat". ومع حظر محركات البحث الأجنبية أو فرض رقابة شديدة عليها في الصين، لم تواجه منافسة تذكر.
ولم تفقد بايدو هيمنتها على هذا العمل أبداً؛ ولا تزال تتمتع بما يصل إلى 90% من حركة البحث في الصين. ومع ذلك، فإن التحولات في المشهد التكنولوجي تركت الشركة في ظل ما كانت عليه في السابق. ويتمكن معظم مستخدمي الإنترنت الصينيين الآن من الوصول إلى شبكة الإنترنت من خلال تطبيقات فائقة الجودة مثل تطبيق WeChat التابع لشركة Tencent. وتحولت أموال الإعلانات إلى أمثال Douyin، ابن عم TikTok الصيني.
وتجاوزت شركة Meituan، وهي منصة التوصيل، وشركة Pinduoduo، وهي شركة للتجارة الإلكترونية، تقييم بايدو البالغ 50 مليار دولار.
وفي محاولة للمحاكاة، أطلقت شركة بايدو حلول التوصيل والتسوق الخاصة بها، إلى جانب خدمات أخرى مثل المدفوعات ووسائل التواصل الاجتماعي. وتعادل القيمة السوقية للشركة الآن ثُمن القيمة السوقية لشركة Tencent، بعد أن كانت الخمس قبل خمس سنوات. ومع ذلك، فإن طرح بايدو للذكاء الاصطناعي يعيد إثارة الإثارة حول الشركة.
اقرأ أيضاً
ما هو روبوت إرني (Ernie) للدرشة القائمة على الذكاء الاصطناعي؟
أوضحت بايدو أن Ernie، نموذج لغوي مدعوم بالذكاء الصناعي جرى تأسيسه عام 2019، ونما تدريجياً ليكون قادراً على أداء المهام بما في ذلك فهم اللغة وتوليدها، وتوليد النص إلى صورة.
تم تنزيل تطبيق Ernie مليون مرة خلال أول 19 ساعة من إصداره (وصل Chat gpt إلى مليون عملية تنزيل بعد خمسة أيام، وفقاً لصانعه شركة Open ai) الأمريكية. وقفز سهم الشركة صاحبة محرك البحث Baidu، المدرجة في هونغ كونغ بنسبة 16% على خلفية الأخبار، حيث أمطر المحللون والمستثمرون وعامة الناس الروبوت بالأسئلة.
ورغم أن أربع شركات أخرى، بما في ذلك شركة SenseTime، وهي شركة متخصصة في التعرف على الوجه، أطلقت خدمات مماثلة في نفس اليوم، وحصلت ست شركات أخرى على موافقة الحكومة الصينية، فإن إرني يولد القدر الأكبر من الإثارة.
في شهر أغسطس/آب، قال روبن لي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة بايدو، إن إطلاق الذكاء الاصطناعي كان بمثابة "نقلة نوعية" للشركة. ومع ذلك، لم يحدث ذلك بين عشية وضحاها. لقد أدت سنوات من الاستثمار إلى تحويل شركة بايدو إلى واحدة من أكثر شركات الذكاء الاصطناعي تطوراً في الصين، مع نظام يشمل تصميم الرقائق، وإطار التعلم العميق، والنماذج والتطبيقات الخاصة. بدأت الشركة في بناء Ernie في عام 2019، مما يجعلها واحدة من أوائل الشركات التي قامت بتجربة مثل هذا الذكاء الاصطناعي التوليدي.
حتى الآن، تجنبت بايدو تقديم إرشادات حول ما ستعنيه هذه التكنولوجيا بالنسبة لنتائجها النهائية، لكن المحللين يعتقدون أن إرني سيجذب المزيد من الزيارات إلى محرك البحث الخاص بها والخدمات الأخرى، مما يزيد من عائدات الإعلانات. كما عززت بايدو مكانتها كأكبر مزود سحابي للذكاء الاصطناعي في الصين، وبدأت في تقديم حلول مخصصة للشركات التي تريد تصميم نماذج الذكاء الاصطناعي خصوصاً لها.
أما الحماس تجاه خطوة بايدو الرئيسية الأخرى في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي شركة سيارات الأجرة ذاتية القيادة، فهو أكثر هدوءاً. تم إطلاق الخدمة في عدد قليل من المدن في جميع أنحاء الصين، مما يسمح للمستخدمين بالترحيب بسيارات الأجرة الآلية عبر تطبيق الهاتف المحمول. لكن لا يزال يتعين مراقبة الرحلات عن بعد، وقد يستغرق نشرها على نطاق أوسع سنوات. ويتوقع عدد قليل من المحللين أن يحقق المشروع أرباحاً كبيرة قريباً.
منافسة أمريكية صينية شرسة
جاءت خطة بايدو وسط موجة من التحركات المماثلة من قبل عمالقة التكنولوجيا العالميين، إذ تندفع الشركات للاستحواذ على حصتها في السوق وفرص التسويق في مجال خدمات الذكاء الصناعي التوليدي للمحادثة.
والذكاء الصناعي التوليدي، مصطلح يطلق على التكنولوجيا التي يمكنها إنشاء نثر أو أى محتوى آخر، يجمع استثمارات كبيرة واهتماماً من شركات التكنولوجيا، لا سيما في وادي السيليكون.
لدى شركة مايكروسوفت استثمار بقيمة مليار دولار في شركة OpenAI ومقرها سان فرانسيسكو، وتتطلع إلى زيادة هذا الاستثمار، بحسب رويترز.
وعملت شركة مايكروسوفت أيضاً على إضافة ChatGPT إلى محرك البحث الخاص بها Bing في تحدٍّ جديد لشركة غوغل Google.
في غضون ذلك أعلن سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة Alphabet الشركة الأم لغوغل، الإطلاق التجريبي المحدود لتطبيق الدردشة القائم على الذكاء الصناعي Bard، الذي يُعتبر رد غوغل على خدمة ChatGPT التي اكتسبت شهرة كاسحة.
مستقبل المنافسة الصينية الأمريكية في إطار الذكاء الاصطناعي
يعتمد الكثير مما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لشركة بايدو على عملية صنع السياسات في بكين وواشنطن. وتسبب القيود التي فرضتها إدارة بايدن على بيع الرقائق المتقدمة للصين الشركة في وجودها في عالم من الألم. يتم إنتاج جميع هذه الرقائق تقريباً، التي يستخدمها معظم مطوري الذكاء الاصطناعي لتدريب نماذجهم، خارج الصين. من الممكن استخدام كمية أكبر من الرقائق ذات الطاقة المنخفضة، ولكنه مكلف.
وفي حالة بايدو، تعتمد جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي على شريحة كونلونكسين. على الرغم من أنها صممت الرقاقة بنفسها، إلا أن الإنتاج يتم بالاستعانة بمصادر خارجية لشركات مثل tsmc، عملاق الرقائق الإلكترونية. وتضع القيود الأمريكية قيوداً على أنواع الرقائق التي يمكن للمسابك الأجنبية بيعها للشركات الصينية، ولا يستطيع أي مورد محلي إنتاج مثل هذه المكونات المتقدمة.
هل تترك الحكومة الصينية باب الذكاء الاصطناعي مفتوحاً على مصراعيه؟
في الداخل، اهتمت الحكومة الصينية بشدة بتنظيم الذكاء الاصطناعي، وتتحرك بسرعة أكبر من معظم البلدان الأخرى. وهذا لم يسبب الكثير من الذعر بين المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا في البلاد.
ويدرك المنظمون القيمة التجارية للذكاء الاصطناعي ويريدون من الشركات أن تجني المال منه، كما يقول أحد المسؤولين التنفيذيين. ويقول هذا الشخص إنهم يدركون أيضاً أهمية السماح للشركات الصينية بالمنافسة على المستوى العالمي. وكانت الموافقة على الدفعة الأولى من الروبوتات أسرع مما كان يخشى البعض. إن التأخيرات الطويلة، مثل تلك المتعلقة بألعاب الفيديو، غالباً ما تضر بأسعار أسهم الشركات الصينية المصنعة لها.
ومع ذلك، لا يزال العديد من المتحمسين للذكاء الاصطناعي يجدون أن بعض القواعد مرهقة، خاصة بالنسبة للصناعة الناشئة. يُطلب من الشركات التي تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية تحديد "المحتوى غير القانوني" والإبلاغ عنه. ويتعين عليهم أيضاً أن يلتزموا "بالقيم الاشتراكية الأساسية" التي تتبناها الصين، وهي وصية شاملة وغامضة. وبعد أن اكتشف مستخدمو الإنترنت أن المطالبة
بـ"قطة وطنية" في تطبيق الرسم الخاص بإيرني أدت إلى ظهور صورة لقطط تحمل علماً أمريكياً، تم حظر كلمتي "الوطنية" و"قطة وطنية" في الأداة.
وقد ينفر المستخدمون مما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي الصيني قوله، أو يخافون من الإبلاغ عنهم بسبب طرح أسئلة خاطئة. سوف تبدأ تكاليف الرقابة والامتثال في التزايد بالنسبة لشركة بايدو وغيرها من الشركات، كما يحذر كاي وانغ من شركة مورنينغستار للأبحاث.
لقد أوضحت التجربة الأخيرة للمسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا في الصين أنهم يعملون وفقاً لرغبة الحكومة، وأنه يمكن سحب تأييدها بسرعة. تعرضت شركات الإنترنت للعديد من الحملات التنظيمية بين عامي 2020 و2022. وقد تؤدي حملة أخرى على الذكاء الاصطناعي إلى إلحاق ضرر كبير بالشركات التي استثمرت في التكنولوجيا، وليس أقلها شركة بايدو. تقوم الشركة باختبار المياه في بيئة صعبة. لهذا السبب، من المهم مراقبة ما يقوله إرني، وكل ما لا يقوله.