إقالة وزير الدفاع الأوكراني.. هل السبب الفساد أم فشل الهجوم المضاد على روسيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/04 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/04 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي / رويترز

وسط الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا على روسيا، قرر الرئيس زيلينسكي إقالة وزير الدفاع ريزنيكوف، فهل السبب فشل الهجوم أم الفساد في الجيش الأوكراني؟

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مساء الأحد 3 سبتمبر/أيلول، أنه قرر إقالة وزير الدفاع أولكسي ريزنيكوف من منصبه، مشيراً إلى أنه سيطلب من البرلمان هذا الأسبوع اختيار رستم عمروف لشغل المنصب بدلاً منه.

وأثار هذا الإعلان المفاجئ من جانب زيلينسكي التكهنات بشأن أسباب القرار وتوقيته، خصوصاً أن مساعي كييف لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا منذ بداية الحرب، أو ما يسميه الغرب الهجوم المضاد الكبير، لا يبدو أنه يسير كما كانت تأمل كييف وداعموها الغربيون بقيادة واشنطن.

كانت أوكرانيا قد بدأت هجومها المضاد منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، بعد أشهر من التحضير تلقت خلالها كماً هائلاً من الأسلحة الغربية المتطورة من دبابات وأنظمة صواريخ وطائرات مسيرة وغيرها، لكن بعد مرور أكثر من 3 أشهر لم تحقق القوات الأوكرانية اختراقات تذكر للتحصينات الروسية على طول خط المواجهة الممتد لأكثر من 1200 كلم.

إقالة وزير دفاع أوكرانيا

زيلينسكي، الممثل الكوميدي الذي انتخب رئيساً لأوكرانيا عام 2019، قال في رسالته اليومية المصورة إنه قد قرر "تغيير وزير الدفاع الأوكراني. لقد أمضى أولكسي ريزنيكوف أكثر من 550 يوماً في الحرب الشاملة". وأضاف: "أعتقد أن الوزارة بحاجة إلى أساليب جديدة وأشكال أخرى من التفاعل مع كل من الجيش والمجتمع برمته".

ويجب أن يوافق البرلمان على تغيير وزير الدفاع، لكن من المرجح أن يحظى القرار بدعم أغلبية المشرعين في البرلمان الأوكراني. وقال زيلينسكي إنه يتوقع أن يوافق البرلمان على تعيين رستم عمروف، مرشحه لخلافة ريزنيكوف، في منصب وزير الدفاع.

ويرأس عمروف (41 عاماً) صندوق ممتلكات الدولة الأوكرانية، منذ سبتمبر/أيلول 2022، ولعب دوراً في عدد من المفاوضات الحساسة في زمن الحرب، ومنها المباحثات الخاصة باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وعلى الرغم من التعاملات الكثيرة التي كانت بين ريزنيكوف ونظيره الأمريكي لويد أوستن، فإن متحدثاً باسم وزارة الدفاع الأمريكية امتنع عن التعليق على إقالة وزير الدفاع الأوكراني، وقال إنه شأن داخلي للحكومة الأوكرانية. بينما لوّح أحد أعضاء البرلمان الأوكراني بأنه من الممكن تعيين ريزنيكوف، الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، سفيراً لبلاده في لندن.

وزير الدفاع الأوكراني المقال، ريزنيكوف/ رويترز

عمروف، المولود عام 1982، سيصبح أول مواطن من تتار القرم يتولى منصب وزير في تاريخ أوكرانيا. وعمروف هو مفوض المجلس الاستشاري لتفاعل أوكرانيا مع الدول العربية والإسلامية، كما أنه عضو في فريق التفاوض الأوكراني مع روسيا منذ فبراير/شباط 2022.

وينتمي "تتار القرم" إلى مجموعة عرقية تركية تعتبر شبه الجزيرة موطنها الأصلي، وتعرضوا لعمليات تهجير قسرية في القرن العشرين نحو وسط روسيا، وسيبيريا، ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، التي كانت تحت الحكم السوفييتي.

هل الفساد السبب في تغيير وزير الدفاع الأوكراني؟

لا شك أنه أمر غير اعتيادي أن تتم إقالة وزير الدفاع أثناء الحرب كما حدث في أوكرانيا، وهو ما يثير التكهنات بشأن الأسباب والقلق بشأن التغيير ونتائجه وتداعياته على خطط القوات الأوكرانية والأعمال العسكرية والعلاقات مع الدول الداعمة كذلك.

وذكر تقرير لشبكة CNN الأمريكية أن إقالة ريزنيكوف يأتي في خضم عدد من فضائح الفساد في وزارة الدفاع الأوكرانية، حيث كان زيلنسكي قد أقال عدداً كبيراً من كبار المسؤولين في إدارته مطلع العام الجاري بسبب فضيحة مرتبطة بشراء معدات عسكرية. وتقدم نائب وزير الدفاع باستقالته بعد مواجهة اتهامات بالفساد.

وفي أغسطس/آب الماضي، قام الرئيس الأوكراني بفصل جميع المسؤولين عن مراكز التجنيد الإقليمية في أوكرانيا، معللاً ذلك بوجود عدد كبير من التحقيقات والإجراءات الجنائية.

والفساد في أوكرانيا ليس أمراً جديداً أو مستغرباً، فكييف تأتي على رأس قائمة الدول الفاسدة في أوروبا، ولا تسبقها سوى روسيا، بحسب مؤشرات رصد الفساد الغربية، وعالمياً تحتل كييف المرتبة 122 في قائمة الدول الأكثر فساداً، وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد وصف أوكرانيا بأنها "أكثر الدول فساداً على وجه الأرض".

أوكرانيا روسيا
دبابة للقوات الروسية في أوكرانيا – رويترز

وحتى بعد أن اندلعت الحرب، أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تصفها روسيا، أو "الغزو العدواني غير المبرر" كما يصفه الغرب، لم يتراجع الفساد في أوكرانيا ولا حتى في صفوف الجيش الذي تلقى مساعدات غربية غير مسبوقة، ونشرت صحف غربية تقارير متعددة عن الفساد المستشري في الجيش الأوكراني في خضم المواجهة الدموية مع روسيا.

صحيح أن وزير الدفاع المقال ريزنيكوف لم توجه له اتهامات بالفساد في أي من تلك التقارير أو الفضائح المتلاحقة، لكن وجوده على رأس الوزارة التي تشهد كل هذا الكم من الفضائح من المؤكد أن يؤثر عليه، كما يقول تقرير CNN.

وربما تكون القشة التي قصمت ظهر البعير هي دفاع ريزنيكوف عن وزارته ووصفه اتهامات الفساد للمسؤولين فيها بأنها "حملات تشهير"، رغم أن الفضائح مصدرها أوكرانيا، والقرارات بالفصل والطرد من الخدمة أصدرها زيلنسكي نفسه، الذي ربما يكون قد أيقن أن عدم اقتناع وزير دفاعه باستشراء الفساد يعني أن الوزير المقال ربما لا يتخذ إجراءات فعلية لمكافحته.

هل فشل الهجوم المضاد على روسيا؟

كان ريزنيكوف يشغل منصب وزير الدفاع منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أي قبل اندلاع الحرب بنحو 3 أشهر، ولعب دوراً مهماً في حصول أوكرانيا على مساعدات عسكرية غربية بمليارات الدولارات لدعم جهودها الحربية. وكان وصفه لاتهامات الفساد في وزارته بأنه "تشهير" مكرراً، ما يثير التكهنات بشأن توقيت قرار زيلنسكي بإقالته.

فهل لعب عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد هدفه الرئيسي المتمثل في طرد القوات الروسية من الأقاليم الأوكرانية في الشرق والجنوب دوراً في قرار زيلنسكي إقالة وزير دفاعه في هذا التوقيت؟ من الصعب الجزم بالإجابة بطبيعة الحال نظراً لحساسية أي اعتراف من جانب كييف بفشل الهجوم في تحقيق أهدافه، لكن التوقيت مثير لعلامات الاستفهام دون أدنى شك.

فالفساد في أوكرانيا عموماً، وفي صفوف وزارة الدفاع خصوصاً، ليس أمراً جديداً، كما أن موقف ريزنيكوف نفسه من فضائح الفساد ليس جديداً. لكن ربما يكون الشيء الوحيد الجديد في القصة هو التوقيت. فالصيف أوشك على الانتهاء ولا يزال خط المواجهة على حاله تقريباً رغم الدعم والإمدادات الغربية الهائلة، وتكسير جميع الخطوط الحمراء تقريباً فيما يتعلق بنوعيات الأسلحة المقدمة إلى كييف.

الناتو
الرئيسان الأمريكي والأوكراني والأمين العام لحلف الناتو يحضرون اجتماعاً لمجلس الناتو وأوكرانيا /رويترز

النقطة الأخرى في هذا السياق تتعلق بالبديل الذي رشحه زيلنسكي لخلافة ريزنيكوف. فعمروف، الذي هو أول مواطن من "تتار القرم" يتولى منصب وزير في أوكرانيا، كان عضواً في وفد التفاوض مع روسيا منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، وكان يرأس الوفد المفاوض في اتفاق الحبوب الذي انسحبت منه روسيا مؤخراً، ولا تزال المساعي جارية لإعادة الاتفاق إلى الحياة، فهل يعني اختياره من جانب زيلنسكي ميلاً أوكرانياً-غربياً نحو البحث عن حل سلمي للصراع الدموي بعد الاقتناع باستحالة حسم الأمور في ميدان المعركة؟ لا أحد يمكنه الجزم بالإجابة.

الظروف الدولية تلعب دوراً رئيسياً فيما يجري في الميدان على الأراضي الأوكرانية، والرئيس الأمريكي جو بايدن مشغول بمعركة انتخابية ستدخل مرحلة الجد خلال أشهر قليلة، ما يعني أن الأولوية القصوى له ولإدارته خلال العام الأخير من فترة رئاسته الأولى ستكون تأمين فوزه بفترة رئاسية ثانية (خلال انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، أي السعي نحو "تجميد" الملفات الأخرى، ومنها بطبيعة الحال الحرب في أوكرانيا.

القوى الكبرى في أوروبا أيضاً، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، تواجه ظروفاً صعبة للغاية، وبدأت مسألة الدعم غير المحدود لأوكرانيا تجد معارضة شرسة انعكست في رفض حكومة المستشار أولاف شولتس زيادة الدعم المقدم لأوكرانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي للعام المقبل، ومعها أيضاً النمسا ودول أخرى. أما فرنسا فتواجه خسائر لم تكن في الحسبان بالنسبة لإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون تتمثل في انقلابي النيجر والغابون في غرب إفريقيا، والتهديد بانتهاء النفوذ الفرنسي في القارة السمراء تماماً، ولذلك خسائر اقتصادية ضخمة بطبيعة الحال.

الخلاصة هنا هي أنه على الرغم من أن قرار الرئيس الأوكراني إقالة وزير دفاعه في هذا التوقيت ربما يكون سببه الفساد المستشري في الوزارة، إلا أن التعثر في الميدان سبب من الصعب استبعاده، إذا ما أخذ التوقيت في الاعتبار، كما أن السعي نحو انفتاح أكبر من جانب كييف والغرب على التوصل إلى تسوية ما مع روسيا لا يمكن أيضاً استبعاده.

تحميل المزيد