ظلت مباني لندن سوداء اللون على مدار قرنين من الزمان، حيث كانت طبقة رقيقة من جسيمات الكربون الناتجة عن احتراق الفحم (المعروفة باسم السناج) تغطي كل سطح في المدينة، وهو الضباب الدخاني الشهير المعروف باسم "ضباب حساء البازلاء" في لندن، كاشفة عن القوة الاستثنائية للغبار التي تميز العصر الحديث.
كانت لندن مدينة ملوثة للغاية. اُكتشف أثناء ترميم مقر الإقامة الرسمية لحكومة المملكة المتحدة (10 داونينغ ستريت) في عام 1954، أنَّ الواجهة الداكنة المألوفة للمبنى لم تكن في الواقع سوداء اللون هكذا على الإطلاق، بل بُنيت الجدران في الأصل من الطوب الأصفر. اُعتبرت الصدمة أكبر من أن تستوعبها البلاد، لذا تقرَّر طلاء المبنى، الذي جرى تنظيفه حديثاً، باللون الأسود للحفاظ على مظهره السابق المألوف، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
لكن الأمر لم يكن يتوقف عند إطلاق مشروع تنظيف لإزالة الغبار والأوساخ عن مختلف معالم لندن. اشتكى الناس من الغبار المحمول جواً منذ بداية الحداثة، لكن التدابير المطلوبة للسيطرة عليه جاءت بعد عقود أو قرون لاحقة. أدت مناجم الفحم والمصانع، التي دعمت الثورة الصناعية في بريطانيا، إلى إثراء الطبقة الرأسمالية، في حين تحمَّل العُمّال التكلفة بالكامل في أجسادهم ورئاتهم ودمائهم.
ما هو الغبار؟
لا أحد عادةً يفكر في الغبار أو ماذا يمكن أن يفعل أو أين يجب أن يذهب. الغبار هو جزيئات متناهية الصغر إلى درجة يصعب رؤيتها بالعين المجردة. لكن إذا انتبهنا، نستطيع رؤية العالم بداخلها.
قبل كل شيء، يجب تعريف المصطلحات. ما المقصود بالغبار؟ إنَّه كل شيء على سطح الأرض، فكل شيء تقريباً قد يتحوّل إلى غبار بمرور الوقت؛ الضباب البرتقالي الذي يكسو سماء أوروبا في فصل الربيع، والطبقة الرمادية المتراكمة على سطح مكتبك، والأوساخ التي تزيلها عن وجهك في المساء بعد يوم من التجوّل في شوارع المدينة. لا يكتسب الغبار هويته من أصل مادي منفرد، لكن بدلاً من ذلك من خلال شكله (جزيئات صلبة صغيرة) وطريقة انتقاله (محمول جواً). إذا كنا نعرف ماهيته بالضبط، فقد لا نسميه غباراً، بل وبغاً (جزيئات الفراء والشعر)، أو حبوب لقاح. ومع ذلك، قد تُمثّل عبارة "الجزيئات الصغيرة المتطايرة" تعريفاً عملياً كافياً للبدء.
تشهد العديد من دول العالم حرائق غابات تنبعث منها مستويات عالية من الكربون الأسود. يطلق العالم نحو 8.5 مليون طن من جزيئات "الكربون الأسود" كل عام، معظمها ليس من أصل طبيعي، لكن من محركات الديزل ومواقد الطهي العاملة بالوقود الخشبي وعمليات الحرق الزراعي لتطهير الأراضي من أجل الزراعة.
يشكّل الكربون الأسود قوة مؤثرة في أزمة تغير المناخ، إذ يساهم بدرجة كبيرة في ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعد أحد المكونات الرئيسية لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة المعروفة باسم "PM2.5″، وهي جسيمات متناهية الصغر لا يتجاوز قطرها 2.5 ميكرومتر.
تدخل هذه الجسيمات الدقيقة بسهولة إلى عمق الرئتين من خلال الاستنشاق بينما تستطيع الجسيمات الأصغر حجماً -التي لا يتجاوز قطرها 1 ميكرومتر- المرور عبر الأكياس الهوائية في الرئتين إلى مجرى الدم، حيث تصل إلى جميع أعضاء الجسم وتلحق الضرر بكل خلية في جسم الإنسان. لا يسبب تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة أمراض الجهاز التنفسي فحسب، بل أيضاً أمراض القلب والسرطانات والعقم وحتى الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر. تُشكّل الأمراض ذات الصلة بتلوث الهواء السبب الرئيسي الخامس للوفاة على مستوى العالم، حيث يفقد 4.2 مليون شخص حياتهم سنوياً جراء تلك الأمراض. إذا كان هواء لندن متوافقاً مع معايير منظمة الصحة العالمية في ما يتعلق بمستوى جسيمات "PM2.5″، فإنَّ متوسط العمر المتوقع لسكانها كان سيزيد بمقدار شهرين ونصف.
ومع ذلك، الغبار الحضري أكثر بكثير من مجرد جزيئات الكربون الأسود الناتجة عن الاحتراق، لأنَّ هناك احتكاكاً بين الإنسان والبيئة في كل النواحي. تضغط مكابح (فرامل) السيارات والحافلات والقطارات على الإطارات وتضغط الإطارات على الطرق والقضبان ملايين المرات يومياً، وهو ما يتسبب في كشط أجزاء صغيرة جداً من المعدن والمطاط والأسفلت أثناء السير. هذا هو الغبار الحضري المألوف لدينا ونطلق عليه اسم "وسخ الطريق".
محاولة إزالة الغبار تأتي بنتيجة عكسية عادة
أعلن تحقيق أجرته صحيفة Financial Times البريطانية في عام 2019، أنَّ مترو أنفاق لندن هو "المكان الأكثر تلوثاً في المدينة"، حيث تحتوي أجزاء من الخط المركزي بين محطة مترو بوند ستريت ومحطة مترو نوتينغ هيل غيت على أكثر من 8 أضعاف الحد الموصى به من منظمة الصحة العالمية في ما يخص مستوى جسيمات "PM2.5".
يعمل أكثر من 1000 شخص في نوبات ليلية داخل محطات مترو أنفاق لندن لتنظيف الأسطح بالفرشاة والمكنسة الكهربائية لإزالة الغبار، ثم يرشون مادة مثبتة للحفاظ على هذا الوضع النظيف. لكن الأمر لا ينجح دائماً على النحو الأمثل، لأنَّ إزالة الغبار هي عملية إثارة الجزيئات التي كانت ساكنة في السابق. عندما نفّذت هيئة النقل في لندن عملية تنظيف خط مترو "باكيرلو"، أزالت 6.4 طن من القاذورات والأوساخ. لكن بمجرد الانتهاء من ذلك، جاءت نتيجة اختبار مستويات جزيئات "PM2.5" في 9 محطات من إجمالي 15 محطة، أعلى وليس أقل مما كانت عليه قبل عملية التنظيف.
نادراً ما تتعلق مسألة تنظيف الفوضى التي نُحدثها بإدخال تحسينات تقنية صغيرة أنيقة. عندما يتعلّق الأمر بغبار الطريق، تثبت السيارات الكهربائية أنَّها ليست أقل تلويثاً من نظيراتها التقليدية العاملة بالبنزين. تنتج السيارات الكهربائية غبار المكابح أقل بنحو 75% من السيارات التقليدية، لكنَّها تولّد مزيداً من غبار الإطارات وحطام الطريق، لأنَّ بطارياتها تجعلها أثقل وزناً. يُعد غبار الطرق مصدراً عالمياً رئيسياً لـ"اللدائن الدقيقة"، وهي جزيئات صغيرة من البلاستيك يقل حجمها عن 5 ملليمتر والتي أصبحت سبباً للتلوث البيئي معترفاً به على نحوٍ متزايد خلال العقد الماضي.
يُنتج تآكل إطارات السيارات أثناء سيرها على الطرق نحو 6.1 مليون طن من اللدائن الدقيقة كل عام، إضافة إلى 0.5 مليون طن آخر من اللدائن الدقيقة الناجمة عن تآكل المكابح. هذا يجعل غبار الطريق مصدراً لأكثر من ثلث اللدائن الدقيقة التي تلوث محيطاتنا.
أضف إلى كل ما سبق، غبار شققنا الناجم عن خلايا الجلد الميتة والشعر ووبر الحيوانات الأليفة وإسفنج الأريكة وتحلل أجزاء صغيرة من الأثاث وجميع المواد الكيميائية المصممة للحفاظ على سلامتك، مثل مثبطات اللهب، لكنها قد تسبب السرطان وتؤثر سلباً في الخصوبة والقدرات المعرفية.
يبدو أن البشر لن ينجحوا في الانتصار على الغبار
يدخل غبار الطريق وغبار عمليات البناء إلى منزلك عبر النوافذ ومع نعل حذائك، جنباً إلى جنب مع جزيئات الغبار المعدني من الصحاري البعيدة وربما حتى الغبار المُحمَّل بالجزيئات المشعة.
لذا، ليس هناك ما هو أكثر إثارة للجنون من الغبار. لماذا؟ لصعوبة التخلص منه تماماً. كل حركة تنظيف باستخدام منفضة الغبار تنقل طاقتك إلى هذه الجزيئات الصغيرة التي تطير في الهواء وتظل عالقة بضع لحظات، ثم تستقر بلطف وتوزع نفسها مرة أخرى على الأسطح التي انتهيت للتو من تنظيفها. لكنك ذكي، أليس كذلك؟ هل تستخدم قطعة قماش مبللة أو بعض فوط التنظيف الحديثة المصنوعة من الألياف الدقيقة الفاخرة؟ للأسف، لا يهم كل ذلك. يؤدي ضغط يدك نفسها إلى حدوث احتكاك بين قطعة القماش والسطح الجاري تنظيفه، وهو ما يؤدي إلى تآكل للقماش والسطح على حدٍّ سواء ينجم عنه أثر من الجزيئات المجهرية.
لن تنجح أبداً في جعل أي شيء نظيف تماماً: لا يمكن فعل ذلك. إذن متى -ولماذا- تحوّلت تلك المهمة المستحيلة إلى طموح؟ بزغ فجر القرن الـ20 في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على مشهد محلي يعتمد على احتراق الخشب والفحم.
كتبت الروائية الأمريكية إديث وارتون في سيرتها الذاتية المنشورة عام 1934: "لقد ولدت في عالم لم تكن فيه الهواتف والمصابيح الكهربائية والأشعة السينية ودور السينما والطائرات وأجهزة الإرسال اللاسلكية غير معروفة فحسب، بل كان معظمها غير متوقع على الإطلاق". لكن هذه المستجدات، التي كانت ذات يوم مذهلة، باتت شائعة بحلول الوقت الذي بدأت فيه إديث وارتون تدون مذكّراتها.
ومع ذلك، بينما تبدو هذه التقنيات ذات تأثير إيجابي في العالم، كانت تأثيراتها على حياة المرأة داخل المنزل في كثير من الأحيان عكس ذلك تماماً. أضافت هذه التقنيات مزيداً من العمل المنزلي المطلوب إنجازه. على سبيل المثال، أصبح الغبار والأوساخ الآن أكثر وضوحاً بفضل ضوء المصباح الكهربائي الأكثر سطوعاً، لذا كان على النساء تنظيف الأسطح والأرضيات على نحو أكثر تكراراً وغسل الملابس بعد يوم أو يومين من استخدامها.
تنظيف الغبار أدى لاستعباد المرأة داخل المنزل
كتبت الكاتبة والناشطة الأمريكية باربرا إرينريك، في عام 1993: "الأعمال المنزلية كما نعرفها ليست شيئاً أوجبه جهاز المناعة البشري. في الواقع، اُخترعت في مطلع القرن الـ20 لغرضٍ محدد يتمثل في إعطاء نساء الطبقة المتوسطة شيئاً ينشغلن به".
قالت مجلة the Ladies' Home Journal الأمريكية في مقال افتتاحي عام 1911، إنَّه "بمجرد انتقال مهام تجهيز الأغذية وتصنيع الملابس من المنزل إلى المصانع، وجدت ربات بيوت الطبقة المتوسطة أنفسهن يُحدّقن بتوتر في الفراغ. هل يجب أن ينضممن إلى دعاة حق المرأة في التصويت أم يخرجن إلى عالم العمل والتنافس مع الرجال؟"، مضيفةً أنَّ "مدة وقت الفراغ لدى عدد كبير جداً من النساء وصلت إلى مستوى خطير. هنا يأتي دور خبراء الاقتصاد المنزلي، وهن مجموعة سيدات سيجري تعذيبهن في الجحيم إلى الأبد بمنافض الغبار المصنوعة من الريش في حال كان هناك جحيم نسائي. صنع هؤلاء النساء حياتهن المهنية بإخبار النساء الأخريات بأنَّهن لا يستطعن الخروج إلى العمل، لأنَّ أعمال المنزل وظيفة مهمة في حد ذاتها بما يكفي".
ظهر جيل جديد من كتيبات إرشادية للأعمال المنزلية لتعريف النساء بالمواقف والسلوكيات والمخاوف المناسبة لوظيفة ربة المنزل. على سبيل المثال، يُنظّم كتاب "ABC of Good Housekeeping" -نُشر عام 1949- جدول ربة المنزل من الساعة الـ7 صباحاً حتى الـ7 مساءً يومياً. تبدأ أعمال إزالة الغبار في الساعة الـ9.30 صباحاً، حيث يتعيّن عليها البدء بتنظيف غرف النوم وترتيبها قبل الانتقال إلى كنس وإزالة الغبار عن الصالة وغرفة الطعام والسلالم، ثمَّ يُكلّفها الكتاب في الفترة ما بين الساعة الـ11:30 والـ12:30 ومن الساعة الـ3 إلى الـ4 مساءً بإنجاز "مهام أسبوعية خاصة" من التنظيف العميق لجزء معين في المنزل.
لكن لماذا يجب إزالة الغبار باستمرار؟ تتعلّق النظافة بالاحترام. كتبت المؤلفة الساخرة إلينور غولدينغ سميث، في أوائل خمسينيات القرن الـ20: "أنت لا تعرف أبداً متى سيزورك صديق عزيز أو أحد أقاربك ويمرر إصبعه على طول حافة الحائط خلف الأريكة، وكيف ستشعر حينها؟"، لكن هناك أيضاً قلق أعمق يتمثّل في تجنّب الشعور بانتهاك ملاذك الآمن، إذ يغزو منزلنا ويحيط بنا دون رادع.
وصفت المؤرخة إيلين تايلر ماي، في كتابها عن تأثير الحرب الباردة في الأسر الأمريكية، كيف كان استقرار منازل الضواحي الأمريكية يرمز إلى السكينة والأمان في وقت يتسم بالتهديد الجيوسياسي العميق. يدحض الغبار مفهوم قدسية المنزل باعتباره الملاذ الآمن من العالم الخارجي.
في كتابها المثير للجدل "The Feminine Mystique" الصادر عام 1963، تصف الكاتبة والناشطة النسوية الأمريكية، بيتي فريدان، كيف عاشت ملايين النساء حياتهن تحت سيطرة تلك الصور الجميلة لربات البيوت الأمريكيات في الضواحي وهن يقبلن أزواجهن أمام باب المنزل ويبتسمن بينما يسرن على أرضية المطبخ النظيفة اللامعة". تعتقد بيتي أنَّ حياتهن تحولت إلى عبودية، حيث وضعن طموحاتهن واهتماماتهن الخاصة جانباً لصالح مجموعة من المهام المنزلية التافهة.
يجادل النقاد بأنَّ بيتي فريدان بالغت في اعتقادها تجاه محنة ربات البيوت. هناك كثير من النساء، اللاتي لم تكتب عنهن من ذوات البشرة السوداء ونساء الطبقة العاملة والأمهات العازبات، كن يواجهن تحديات أخرى أكثر إلحاحاً من الشعور بالملل، إذ تتعلّق معظمها بالناحية المادية.
ومع ذلك، في هذه اللحظة الثقافية، ثمة دلالة رمزية واضحة في صورة ربة المنزل الأنيقة صاحبة البشرة البيضاء التي يجن جنونها بسبب بقعة من الأوساخ.
وتعزيز العنصرية والفروق الطبقية
غالباً ما اتسم هوس الاقتصاد المنزلي وتدخلات المصلحين الصحيين في مطلع القرن الـ19 بالتحيّز الطبقي. أصبحت النظافة وسيلة للتمييز بين الفقراء "الصالحين والمحترمين" والغوغاء الحثالة. حظي أولئك، الذين اتبعوا إملاءات العاملين في مجال الصحة العامة من الطبقة المتوسطة، بفرصة إعادة إيوائهم عندما يُهدم حيّهم الفقير ليعاد بناؤه وفقاً لمعايير التخطيط الحضري، في حين حدث إقصاء لأولئك الذين كانوا أقل امتثالاً، وكان الأقل حظاً منهم يتذلل حرفياً على أكوام الغبار في لندن ويقتات على ما يرميه الآخرون من بقايا طعام. بالمثل، كان على الطبقات الوسطى إظهار نظافة المنزل من أجل تمييز أنفسهم باعتبارهم في مرتبة أرقى من أولئك غير الملتزمين بممارسات النظافة الصحية.
ظل الغبار -أو بالأحرى غيابه- يرمز إلى المكانة المرموقة والاحترام بالنسبة لمجتمعات الطبقة العاملة في المملكة المتحدة طوال منتصف القرن الـ20. كانت النساء في المنازل ذات الشرفات داخل المدينة ينظفن عتبة المنزل يومياً أو أسبوعياً مع صقلها بملمع أحمر أو حجر حتى تتلألأ من النظافة، إضافة إلى كنس الشارع لإزالة الغبار والأوساخ (لاسيما في المناطق الصناعية) وغسل الرصيف بدلو من الماء والصابون بمجرد الانتهاء من الكنس. قالت مارغريت هالتون (85 عاماً)، لصحيفة Lancashire Telegraph في عام 1997: "كانت نظافة المنزل مدعاة للفخر. يمكنك التمييز بين العائلة النظيفة وغير النظيفة من خلال النظر فقط إلى عتبة المنزل".
لم ترمز صورة المنزل النظيف المثالي الخالي من الغبار والأوساخ إلى التمييز الطبقي فحسب، بل أيضاً إلى التمييز العنصري بين البيض والسود مع نشأة الحداثة. يتعين عليك غلق عينيك في لندن اليوم؛ حتى لا تلاحظ أنَّ غالبية الأشخاص الذين يؤدون مهام إزالة الغبار وتنظيف المنازل والمكاتب من أصحاب البشرة السوداء، وغالباً ما تنحدر أصولهم من أمريكا اللاتينية.
تفقد الفضيلة البديهية المفترضة للنظافة قيمتها عندما ندرك كيفية استخدامها في كثير من الأحيان لتصنيف أفراد المجتمع إلى فئات: المواطن النظيف الفاضل مقابل المواطن غير النظيف المهمش. تُعاقَب النساء، على وجه الخصوص، من خلال وصفها بكلمات مثل "قذرة"، التي تربط قلة النظافة بالفساد الأخلاقي، في حين لا يزال وصف "المرأة الصالحة" مرادفاً لربة المنزل الواعية النظيفة.
لا داعي لسوء التفاهم، من فضلك واصل التنظيف وإزالة الغبار. يتسبّب عث الغبار في العديد من المشكلات الصحية، من بينها الربو. قدَّم أعضاء الحركة الصحية (المصلحين الصحيين) في القرن الـ19 خدمة جليلة حقاً للصحة العامة. لكن هل يمكننا تجريد الأوساخ من رعبها الأخلاقي؟
يرمز الغبار إلى الزمن والتحلل والموت وإلى البقية المتبقية من الحياة في آنٍ واحد. يُمثّل العيش مع الغبار -كما يجب علينا أن نفعل- درساً متأنياً في تقبُّل التناقض: اهتم بالتنظيف، لكن لا تتماهَ مع هوس النظافة. احترم الحاجة المادية للنظافة الصحية، لكن لا تتعامل معها باعتبارها استعارة اجتماعية.