يُعرف مدفع إم 2 براوننغ M2 Browning الرشاش الثقيل، بأنه من الأسلحة التي لم تتوقف عن خدمة الجيش الأمريكي في البر والبحر والجو منذ 105 أعوام، ولا تزال أيضاً العديد من الدول الأخرى تستخدمه أيضاً. فما تفسير ذلك؟
ما هو مدفع إم 2 براوننغ الرشاش؟
عام 1917، دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، ومع تكافؤ القوة بين الحلفاء وقوى المركز بشكل أو بآخر، تعثرت الحرب لدرجة أنها تحولت إلى معركة موحلة؛ ولم يتمكن أيٌّ من طرفيها من زحزحة الآخر، وانتهى الحال بهما إلى جبهتين متصارعتين من خنادق امتدت من بحر الشمال إلى الحدود السويسرية.
ورغم متابعة الولايات المتحدة للسنوات الثلاث التي سبقت الحرب برعب وقلق، كانت قواتها لا تزال غير مجهَّزة، وتفتقر إلى أسلحة الحرب الجديدة، مثل المدافع الرشاشة والطائرات والدبابات.
على أن مدفع M1917 كان أحد الأسلحة التي يملكها الجيش الأمريكي، وهو مدفع رشاش متوسط من عيار 0.30. وكان معدل انطلاقه 450 طلقة في الدقيقة، وكان له غطاء مملوء بالماء لتبريد الماسورة. دخل هذا الرشاش الخدمة عام 1917، لكن M1917 كان يطلق نفس الطلقات عيار 0.30- 0.60 التي تطلقها بندقية المشاة M1903، وكان يفتقر إلى المدى والقوة اللازمين لمواجهة الطائرات التي تحلّق على ارتفاع عالٍ، أو اختراق الدروع الخفيفة للدبابات حينها. وأراد الجنرال جون بيرشينغ، قائد قوات مشاة الحلفاء، شيئاً أكبر وأقوى.
تقول مجلة Popular Mechanics الأمريكية، إن الأمريكي جون براوننغ، مخترع M1917، كان واحداً من أكثر مصنعي الأسلحة النارية إنتاجاً على الإطلاق؛ فاخترع مسدس M1911 عيار 45، وبندقية براوننغ الأوتوماتيكية M1918، وبندقية براوننغ أوتو-5، من بين أسلحة أخرى كثيرة.
وفي الوقت الذي تعثرت فيه المحاولات الأخرى لبناء مدفع رشاش ثقيل أمريكي، بدأ براوننغ في العمل على توسيع نطاق M1917 ليتمكن من إطلاق طلقات عيار 0.50 الأثقل. وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918، بعد سبعة أيام من انتهاء الحرب، اختبرت الحكومة الأمريكية أخيراً المدفع الرشاش الجديد بنسختيه المبردتين بالهواء والماء، بإطلاق نار بشكل آلي بالكامل.
وعام 1933، نال المدفع الرشاش الموسع النطاق الموافقة وتحول اسمه إلى مدفع M2 من عيار 0.50. وتضمن M2 العديد من التحسينات، أهمها تصميمه "العالمي" الذي يعني أن أي مدفع M2 يمكن تعديله لاستخدامه في الطائرات أو السفن أو في المركبات البرية. وبُسِّط التصميم أيضاً لزيادة معدل إطلاق النار. وتزن النسخة المبردة بالهواء من المدفع 84 رطلاً (38 كغم)، أي بزيادة 18 رطلاً (8 كغم) عن M1921، وكان يحوي أيضاً ماسورة أطول لزيادة مداه.
رشاش M2 Browning والقدرة على اختراق الفولاذ
رغم انزعاج الجنود من وزن المدفع الرشاش الثقيل M2 وطلقة M2 عيار 0.50 في البداية، لم يكن هذا السلاح شبيهاً بأي سلاح آخر في ترسانة الولايات المتحدة.
فهذه القوة المطلقة لـ M2 تعني قدرته على اختراق 0.7 بوصة من الدروع الفولاذية المتجانسة- أي نفس النوع المستخدَم في الدبابات والمركبات المدرعة- على مسافة 656 ياردة (حوالي 600 متر)؛ واختراق 2 بوصة من الخرسانة من نفس المسافة، أو قدم من الرمل، أو حوالي 27 بوصة من الطين.
ورغم أن عمر إم 2 يزيد على 100 عام، فلا يزال منافساً قوياً للمدافع الرشاشة اليوم. فمثلاً، يبلغ أقصى مدى فعال للمدفع الرشاش M240، الذي خلف M1917، ألفي ياردة. وقالت الشركة المصنّعة لمدافع M2 اليوم، General Dynamics Ordnance and Tactical Systems، إن أقصى مدى فعال لمدفع M2 يبلغ ألفي ياردة أيضاً، و7400 ياردة، أو ما يزيد على 4 أميال.
وطلقة عيار 50 الأكبر والأثقل تعني أن مدفع M2، حتى في أقصى مدى فعال، قادر على إحداث دمار أكبر بكثير من M240.
مدفع M2 Browning.. قرن من خوض الحرب
في الحرب العالمية الثانية، كانت جميع فروع الجيش الأمريكي تستخدم مدفع M2. ورغم أن الدبابات تطورت لتصبح غير مهددة بطلقات عيار 50، كان لا يزال فعالاً مع المركبات المدرعة الخفيفة والطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض. وتم تصنيع عشرات الآلاف من مدافع M2 للجيش الأمريكي وحلفائه، وتم تصديرها إلى الخارج بموجب قانون الإعارة والتأجير لعام 1941.
كان M2 مستخدَماً في كل مكان في الحرب العالمية الثانية، في البر والجو والبحر. واستخدم الجيش M2 كمدفع المضاد للطائرات في الدبابات والشاحنات ومدمرات الدبابات ومركبات أخرى. وفي القوات الجوية للجيش، كان بمثابة السلاح الرئيسي لطائرات P-51 Mustang وP-47 Thunderbolt، وسلاحاً دفاعياً للقاذفات مثل B-24 Liberator وB-17 Flying Fortress. وأضيف إلى قاذفة قنابل من طراز B-17 حوالي 13 مدفعاً رشاشاً ثقيلاً من طراز M2 لصد طائرات العدو المقاتلة وإفساح الطريق أمام القاذفة الضخمة للوصول إلى أهدافها.
وفي الوقت نفسه، استخدمت البحرية M2 كمدفع مضاد للطائرات في كل شيء، بدءاً من طائرات الإنزال وحتى البوارج، فضلاً عن طائرات مثل مقاتلة F4F Wildcat المستخدمة على حاملة الطائرات والطائرة المائية PBY Catalina. وتُجهز الغواصات من طراز Sargo، التي صنعت في أواخر الثلاثينيات، بمدفعين رشاشين إم 2 من عيار 50 للدفاع عن النفس. وحتى سفن الإنزال التابعة لخفر السواحل الأمريكي كانت مجهزة بمدافع رشاشة من طراز M2، ويستخدمها رجال خفر السواحل لضرب الطائرات وصد هجمات الشاطئ.
كيف يستخدم الجيش الأمريكي المدفع الرشاش إم 2 اليوم؟
واليوم، لا يزال الجيش يستخدم M2 لخدمة القوات البرية، وكمدفع قائد دبابة القتال الرئيسية M1A2SepV3 أبرامز، حيث يُدمج مع نظام الأسلحة عن بُعد CROWS. يستخدم مشاة البحرية أيضاً M2 لدعم المشاة، وسلاحاً أساسياً للمركبة القتالية البرمائية الجديدة. وتستخدم البحرية المدافع الرشاشة M2 كأسلحة تُطلق من سطح السفينة لصد القوارب الصغيرة والطائرات والمسيّرة، فيما تستخدمه القوات الجوية من مروحية الإنقاذ HH-60G Pave Hawk، وفي الدفاع. بل يستخدم الجيش الأوكراني هذا المدفع الرشاش في حربه مع روسيا.
لا تزال النسخة الحديثة من إم 2 M2HB ثقيلة، حيث يصل وزنها إلى 84 رطلاً (38 كغم)، ولكن له القدرة على إطلاق أنواع ذخيرة أكثر من الطلقات الأصلية المخترقة للدروع. فاليوم، تتوفر له جميع الطلقات الكروية، والتتبعية، والخارقة للدروع، بالإضافة إلى الطلقات الحارقة والمخترقة للدروع الخفيفة. وتشتمل ماسورته الفولاذية على بطانة من سبائك الكوبالت والكروم، وهذا يمكّنها من إطلاق 10000 طلقة قبل أن يكون تغييرها ضرورياً.
وقد يؤدي ظهور المسيّرات إلى إطالة عمر M2 إلى أبعد من ذلك. فالتهديد الذي تشكله أسراب الطائرات المسيرة سريعة الحركة يجعل من سلاح سريع الإطلاق ودقيق وغير مكلف- برفقة منظومة كشف وتتبع- ضرورة حتمية في ساحة المعركة. ومهما وصل إليه شكل هذا السلاح، فمن شبه المؤكد أنه بدأ بمدفع M2.