قصة تحول رئيس الغابون علي بونغو ووالده للإسلام رغم أنهما يحكمان بلداً أغلبيته مسيحية

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/31 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/31 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
رئيس الغابون علي بونغو أونديمبا يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية في ليبرفيل عاصمة الغابون في 26 أغسطس/آب- 2023 رويترز

رئيس يعتنق الإسلام رغم أنه يحكم بلداً أغلبيته الكاسحة مسيحية وكاثوليكية، ويستمر هو وأسرته في حكم البلاد لأكثر من نصف قرن، تبدو قصة إسلام رئيس الغابون الراحل عمر بونغو والرئيس الحالي علي بونغو مثيرة للاستغراب، وهي جزء من الأساطير الغامضة المحيطة بهذه الأسرة الحاكمة التي تحدثت عنها الصحافة الغربية طويلاً.

واعتنق رئيس الغابون الراحل عمر بونغو الإسلام عام 1973، وسار على خطاه الرئيس الحالي علي بونغو (الذي تعرض لانقلاب مؤخراً) ويعتقد أنهما فقط من أسرتهما اللذان اعتنقا الإسلام.

واللافت أن علي بونغو إضافة لكونه مسلماً فإنه داعم بارز للماسونية في بلاده.

في عام 2004، عُقد المؤتمر الوطني الأول لمسلمي الغابون في عاصمة البلاد، ليبرفيل، حول موضوع "متحدون من أجل إسلام مزدهر ومتسامح". وخلال المؤتمر، وقَّع رؤساء نحو 34 جمعية إسلامية في الغابون على هامش المؤتمر اتفاقية للقيام بأعمال إسلامية منسقة.

وقبل أن يتولى مقاليد الرئاسة بسنوات، أصبح علي بونغو رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الغابون في عام 1996.

ومن النادر أن يغير رئيس ديانته وهو في الحكم، ولكن الأغرب أن يعتنق ديانة تمثل أقلية في بلاده، ويتخلى عن الكاثوليكية التي تربطه بالغرب المسيحي القوي، وخاصة فرنسا حليفته المقربة وداعمته الكبرى، رغم أن فرنسا تعتبر نفسها راعية مسيحيي الشرق، واستخدمت رغم علمانيتها الكاثوليكية لتعزيز نفوذها الاستعماري في أفريقيا.

وعمر بونغو أونديمبا هو الرئيس الثاني للغابون منذ استقلالها وتولى السلطة لمدة 42 عاماً، من عام 1967 حتى وفاته في عام 2009. وبعد وفاته، تولى ابنه علي بونغو منصب رئيس البلاد إلى أن تعرض للانقلاب الأخير.

والمسيحية هي الديانة الأكثر انتشاراً في الغابون، حيث يمثل المسيحيون ما يقرب من 79٪ من السكان (53٪ كاثوليك)؛ و10% يمارسون الإسلام، أما الباقون فيمارسون ديانات أخرى.

وتخفض بعض التقديرات عدد المسلمين بالبلاد إلى حوالي 1-5% من إجمالي السكان في الغابون، ويقال لا يزال ثلث السكان يتبعون الديانات الأفريقية.

وتفيد تقارير بأن نسبة كبيرة من المسلمين من المهاجرين، والذين جاؤوا بفضل الازدهار الناجم عن النفط.

وتعد الغابون من أغنى دول أفريقيا فهي منتج مهم للنفط والمنغنيز واليورانيوم والأخشاب مع عدد سكان قليل يبلغ نحو 2.3 مليون نسمة، وكان ينظر لها من قِبل الدوائر الحاكمة في الغرب على أنها قصة نجاح إفريقية برعاية فرنسية، بينما يعتبرها كثير من النقاد نموذجاً للنهب الفج لأفريقيا الذي جرى تحت رعاية باريس.

عائلة الرئيس علي بونغو تسيطر على الحكم منذ نصف قرن

في عام 1910، أصبحت الغابون إحدى أراضي أفريقيا الاستوائية الفرنسية، ثم باتت جمهورية مستقلة ضمن ما عرف بالكوميونة الفرنسية لمستعمراتها في أفريقيا، وفي 17 أغسطس/آب 1960، أصبحت مستقلة تماماً.

أول رئيس للغابون، انتخب عام 1961، هو ليون مبا، وكان عمر بونغو نائباً له. بعد وصول إمبا إلى السلطة، تم قمع الصحافة، وحل البرلمان وأسس حكم الحزب الواحد، وعندما سعى انقلاب عسكري إلى الإطاحة به من السلطة واستعادة الديمقراطية البرلمانية، أعادت قوات المظليين الفرنسيين في غضون 24 ساعة إمبا إلى السلطة. 

عمر بونغو
رئيس الغابون الراحل عمر بونغو مع رئيس البرازيل لولا دا سيلفا/ويكيبيديا

عندما توفي إمبا في عام 1967، حل محله بونغو كرئيس. في مارس/آذار 1968، أعلن بونغو الغابون دولة الحزب الواحد وأنشأ حزباً جديداً هو الحزب الديمقراطي الغابوني (PDG).

ساد نظام حكم الحزب الواحد حتى عام 1993 وفي ذلك العام، تم اعتماد نظام سياسي متعدد الأحزاب، مما أدى إلى انتخابات مفتوحة وتشكيل حكومة ائتلافية ذات قاعدة واسعة. ومع ذلك، حتى يومنا هذا، يهيمن الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم على الساحة السياسية، ولم يُترجم نظام التعددية الحزبية إلى نظام حقيقي للضوابط والتوازنات مع مشاركة حقيقية للمجتمع المدني، إذ سيطر الحزب الديمقراطي الغابوني على السلطة بشكل مستمر.

وضع الإسلام في البلاد

ورغم أن نحو 10 في المئة من السكان من المسلمين، لكن البلاد انضمت لمنظمة التعاون الإسلامي عام 1974 عندما كان اسمها منظمة المؤتمر الإسلامي، ويتم الاحتفال بعيد الأضحى وعيد الفطر كعطلات رسمية.

وتبث أيضاً خطبة الجمعة كل أسبوع على شاشة التلفزيون الوطني، وانحازت الغابون إلى الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل.

بعد تحول عمر بونغو، زادت أعداد المسلمين، على الرغم من أنهم ظلوا أقلية صغيرة.

لقد ولد مسيحياً

وُلد عمر بونغو كمسيحي تحت اسم ألبرت برنارد بونغو في 30 ديسمبر/كانون الأول 1935، لأسرة ريفية تعمل في الزراعة، من أب مسيحي ينتمي إلى أقلية "باتيكي" في بلدة ليواي (بونغوفيل فيما بعد) جنوب شرق الغابون.

وهو الابن الأصغر في عائلة مكونة من 12 طفلاً، وقد توفي والده وهو في السابعة من عمره.

أضاف بونغو أونديمبا كلقب له في 15 نوفمبر 2003 تقديراً لوالده، باسيلي أونديمبا، الذي توفي عام 1942.

خدم عمر بونغو كملازم في القوات الجوية الفرنسية، ثم صعد بسرعة في الخدمة المدنية، وأصبح في نهاية المطاف نائب رئيس الغابون.

كيف اعتنق عمر بونغو الإسلام؟

اعتنق عمر بونغو الإسلام واتخذ اسم عمر أثناء زيارته لليبيا عام 1973.

وجاء ذلك بعد قراره تأميم صناعة النفط، وتقدمه بطلب للانضمام لمنظمة أوبك الذي تصاعد دورها بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

تقول القصة الشائعة إنه خلال زيارة إلى ليبيا في خريف عام 1973، أصبح الرئيس بونغو مفتونًا بشجاعة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، وكان حريصاً على التحالف مع الدول العربية الثورية، لذلك تحول فجأة وبشكل غير متوقع إلى الإسلام، حسبما ورد في كتاب "الدولة الريعية في أفريقيا: الاعتماد على ريع النفط والاستعمار الجديد في أفريقيا" لمؤلفه عالم السياسي الأمريكي المتخصص في الشئون الأفريقية دوجلاس أندرو ييتس.

ويقال إن الرئيس الليبي معمر القذافي طلب منه خلال هذه الزيارة اعتناق الإسلام.

ويقول الكاتب إنه على الرغم من احتمال أن يكون ألبرت برنارد بونغو قد عاش بالفعل تجربة دينية حقيقية، فمن المحتمل أن تحوله وتغيير اسمه (إلى "الحاج" عمر بونغو بعد زيارة لمكة) كانا نتيجة لجهود دبلوماسية من جانبه للحصول على عضوية منظمة أوبك التي كانت تهيمن عليها دول إسلامية.

وبالفعل حصلت الغابون على عضوية منظمة أوبك في عام 1974، ولعبت دوراً في سياسات أوبك بعد الحظر النفطي العربي الذي فرض على الدول الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والتي أدت لتدفق ثروة ضخمة على البلاد، لتصبح صاحبة ثالث أعلى معدل متوسط دخل في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وليبيا.

كما يقول تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية إنه قد اعتنق الإسلام طمعاً في الحصول على استثمارات لبلاده من الدول العربية الثرية.

علي بونغو
االرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الغابون علي بونغو أونديمبا في القصر الرئاسي في ليبرفيل، في 1 مارس/آذار 2023- رويترز

ويعتقد أن الرئيس الحالي علي بونغو تحول للإسلام في نفس الوقت مع والده، وكان سن "علي" في عام 1973، نحو 15 عاماً (ولد في فبراير/شباط عام 1959).

رغم الإشارات المتكررة إلى أنه اعتنق الإسلام لأسباب سياسية، يجب ملاحظة أن الأسباب التي أدت لاعتناق عمر بونغو الإسلام قد زالت، وأن القذافي نفسه قد حوصر من قبل الولايات المتحدة، ثم أطيح به من السلطة، ولكن لم يتراجع عمر أو علي بونغو عن اعتناقهما للإسلام، رغم أن الدول العربية ليس لها تأثير على الغابون التي كانت تعتمد بشكل كبير على علاقتها بالغرب ولاسيما فرنسا.

ولكن ما يجب أن يوضع في الاعتبار الطبيعة الأفريقية في التعامل مع الأديان.

في كثير من مناطق أفريقيا، يمكن أن يعتنق أفراد الأسرة أدياناً مختلفة دون أن يسبب ذلك مشكلات قد تحدث في مناطق أخرى من العالم.

في بعض مناطق أفريقيا، قد يعتنق شباب الأسرة المسيحية؛ لأنها تتيح فرصاً أفضل للتعليم بينما يفضل الآباء أو الرجال الناضجين الإسلام؛ لأنه يسمح بتعدد الزوجات وهي ممارسة شائعة في كثير من مناطق أفريقيا بغض النظر عن الأديان.

واللافت أنه رغم الجدل المثار حول فساد عائلة بونغو، واستبدادها، فإنه نادراً ما يظهر أن اعتناق الرئيسين عمر وعلي بونغو للإسلام يمثل مشكلة للمعارضة، كما أنه ليس هناك حديث عن تمييز ضد المسيحيين، بل إنه من الواضح أن إبراز الطابع الكاثوليكي ورعايته كان جزءاً من سياسة آل بونغو.

وزعمت بعض الطوائف البروتستانتية أن محطة التلفزيون الحكومية لا تمنح وقتاً مجانياً للبث للأقليات الدينية. وقد زعم البروتستانت في الماضي أن القوات المسلحة تحابي الكاثوليك والمسلمين في التوظيف والترقية.

ويقول كتاب "التلاعبات الأيديولوجية وطول العمر السياسي: قوة عمر بونغو في الغابون منذ عام 1967" الذي أصدرته جامعة كامبريدج إنه إضافة للجوء بونغو إلى الموارد  الاقتصادية وبناء آلة عسكرية لترهيب المعارضين، فإنه كان قادراً على فرض هيمنته على المجال الرمزي للمجتمع الجابوني عبر التلاعب بمؤسسات دينية مثل المسيحية والماسونية والجمعيات السرية التقليدية، الأمر الذي سمح لبونغو بالسيطرة على عقول الغابونيين من خلال إقناع الجماهير بأنه الزعيم المثالي للبلاد. وعلى الرغم من هذه التلاعبات، تمكنت الجماهير الغابونية من استخدام هذا النظام الرمزي نفسه لتحدي نظام بونغو وتهديد أعضاء حكومته.

تحميل المزيد