هل أدى لجوء الأمم المتحدة لجيوش العالم الثالث في عمليات حفظ السلام إلى تشجيع الانقلابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/31 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/31 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
قوات حفظ السلام التشادية تحرس قاعدة لحفظ السلام في كيدال بمالي/رويترز، أرشيفية

هل هناك علاقة بين الدولارات التي يتقاضها الضباط في دول العالم الثالث من الأمم المتحدة، وتزايد نهمهم نحو الانقلابات؟ أصبح هذا السؤال مطروحاً بشدة بعد انقلاب جيش النيجر على الرئيس المنتخب محمد بازوم وهو الجيش نفسه النشط في عمليات حفظ السلام الأممية.

في 26 يوليو/تموز، اعتقل الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس النيجر المنتخب ديمقراطياً، محمد بازوم، ونصب نفسه رئيساً لما يسمى بالمجلس الوطني لحماية الوطن، وهو مجلس عسكري. وبعد أقل من أسبوع، في 30 يوليو/تموز، أصدرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إنذاراً نهائياً للمجلس العسكري، ألا وهو إعادة الرئيس السابق إلى السلطة في غضون أسبوع واحد أو مواجهة التهديد بفرض عقوبات إضافية واستخدام القوة العسكرية. لقد شهدت المنطقة موجة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تشعر بالقلق إزاء انتشار هذه الانقلابات. 

انتهى هذا الإنذار منذ ذلك الحين، مع بقاء تشياني صامداً، الأمر الذي أثار أزمة بالنسبة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وفي العاشر من أغسطس/آب، وضع الاتحاد قواته في حالة تأهب، حيث تعهدت الدول الأعضاء نيجيريا والسنغال وبنين وساحل العاج بالمساهمة بقوات لاستعادة الديمقراطية في النيجر. وفي الوقت نفسه، أرسلت بوركينا فاسو ومالي -اللتان تديرهما مجالس عسكرية- بعثات "تضامن" إلى النيجر، الأمر الذي دفع المنطقة إلى حافة الحرب. 

لا يُتداوَل الكثير عن تشياني نفسه، والتزم المجلس العسكري الصمت، مما أدى إلى تكهنات مكثفة حول دوافع الانقلاب. لقد كُتب الكثير عن دور تشياني كرئيس للحرس الرئاسي -الذي كان مُكلَّفاً بحماية بازوم- ودوره المزعوم في محاولة انقلاب سابقة فاشلة. وكانت هناك شائعات مفادها أن بازوم كان يخطط لإقالة تشياني.

ولكن لم يُولَ سوى القليل من الاهتمام لدوره العسكري السابق في حفظ السلام تابع للأمم المتحدة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية. 

قائد انقلاب النيجر شارك بقوة في عمليات حفظ السلام الأممية

وشهدت مسيرة تشياني العسكرية خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من المهام الإقليمية المتعددة الأطراف.

وتعتبر مسيرته المهنية رمزاً لمجموعة جديدة من المهنيين العسكريين الذين يتمتعون بسجلات خدمة دولية مهمة. يتيح لنا النظر في التطور التاريخي لعمليات حفظ السلام أن نضع سياقاً لأولئك المتآمرين من ذوي الخوذ الزرق ومدبري الانقلابات مثل تشياني. 

الأمم المتحدة باتت أكثر اعتماداً على جيوش الدول غير الديمقراطية

منذ نهاية الحرب الباردة، قام المجتمع الدولي والأمم المتحدة على نحو متزايد بتمويل جيوش الدول غير الديمقراطية أو الضعيفة لتلبية الطلب المتزايد على حفظ السلام. وكانت دول مثل النيجر حريصة على الاضطلاع بهذه المهمة. وفي السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة، سمحت الأمم المتحدة بإنشاء 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، الأمر الذي تطلب زيادة في عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريباً، من 11 ألفاً إلى 75 ألفاً. واليوم، يتجاوز هذا العدد 90 ألف جندي من قوات حفظ السلام المنتشرين في جميع أنحاء العالم.

في الوقت نفسه، تراجعت الدول الديمقراطية الغنية عن مهمات حفظ السلام، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على دول مثل النيجر.

قادة الانقلاب خلال إعلانهم الإطاحة بنظام رئيس النيجر محمد بازوم، في بيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الرسمي في العاصمة نيامي/الأناضول

وفي حين كانت المهمات السابقة تتضمن إلى حد كبير المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار المحددة بوضوح، فإن مهمات ما بعد الحرب الباردة -التي يُشار إليها أحياناً باسم الجيل الثاني من عمليات حفظ السلام- كانت أكثر تطلباً وأكثر دموية في العادة. وتُكلَّف الآن القوات بشكل منتظم بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في الحروب الأهلية المستمرة.

في عام 1990، كانت أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام هي كندا، وفنلندا، والنمسا، والنرويج، وأيرلندا، والمملكة المتحدة، والسويد -وكلها ديمقراطيات ليبرالية. وبحلول عام 2015، حلت محلها بنغلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا ومصر، وجميعها دول أقل ديمقراطية ولها تاريخ من عدم استقرار الأنظمة. 

كان يُعتقد أن إرسال دولة لجيشها في هذه المهام يعزز القيم الليبرالية ويقلل احتمالات الانقلابات

وفي حين أن تأثيرات حفظ السلام على البلدان التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام إيجابية وراسخة، فإن التأثيرات على الدول التي ترسل قوات، مثل النيجر، محل خلاف شديد. ويشير بعض المحللين إلى أن حفظ السلام له تأثيرات مفيدة على إرساء الديمقراطية بين الدول التي ترسل القوات، وتعريفها بمعايير حقوق الإنسان وتحفيزها على اتباع سيادة القانون؛ لأن "العصيان" -أي الانقلابات- من شأنه أن يعرض المهام المستقبلية والحوافز المربحة التي تصاحبها للخطر. 

تنفق الأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام سنوياً، يذهب معظمها إلى تعويضات القوات والتكاليف المادية. يمكن أن تشكل أجور عمليات حفظ السلام نسبةً كبيرة من الميزانيات العسكرية للدول المرسلة، فضلاً عن رواتب الجنود الأفراد، خاصة في البلدان الأقل نمواً. وفي الواقع، يُزعَم اليوم أن بعض الدول ترسل قواتها للمشاركة في مهام حفظ السلام من أجل الربح. 

لكنَّ آخرين يحذرون من أن عمليات حفظ السلام لها تأثيرات مختلطة، فمن المحتمل أن تؤدي إلى ترسيخ الحكم الاستبدادي والمساهمة في النزعة الانقلابية في الديمقراطيات الهشة مثل النيجر.

المجتمع الدولي أصبح أكثر تردداً في انتقاد هذه الجيوش الانقلابية

وفي حين أن حفظ السلام قد يشيع الالتزام بالقيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة بين الدول المرسلة، هناك أمثلة كثيرة للغاية؛ حيث يجري التسامح مع الانتهاكات وتعزيز المعايير غير الليبرالية بدلاً من ذلك.

وفي الواقع، أصبح المجتمع الدولي يعتمد بشكل مفرط على هذه البلدان في عمليات حفظ السلام، وبالتالي كان متردداً في فرض عقوبات عليها، حتى عندما يخرج سلوكها بشكل كبير عن الأعراف الليبرالية. والواقع أن بعض الدول استخدمت حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أقوى خاصة بها. والنتيجة هي في كثير من الأحيان جيش أكثر تمكيناً، مما يخل بالتوازن مع السلطات المدنية، وغالباً في البلدان التي لها تاريخ سابق من الانقلابات. 

وقد شهدت النيجر نمواً هائلاً في دورها في حفظ السلام، حيث تساهم اليوم بحوالي ألف جندي وفرد أمن (مقابل 8 جنود فقط في عام 2000). وخلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي بالأموال على النيجر -أرسلت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 500 مليون دولار في العقد الماضي بالإضافة إلى التدريب والدعم- لتحسين أمنها وتعزيز جيشها. وقد أغدقت الأمم المتحدة بالثناء على النيجر، وشكرتها على مساهماتها في حفظ السلام. 

الانقلابات
الجنرال عبد الرحمن تياني، يمين الوسط ، الذي أعلنه قادة الانقلاب كرئيس جديد لدولة النيجر يصل للقاء الوزراء في نيامي في 28 يوليو/تموز 2023-رويترز

ومع ذلك، أصبح المجتمع الدولي أيضاً متردداً في انتقاد قوات حفظ السلام مثل النيجر، وغالباً ما يظل صامتاً في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي. وقد مُنِحَت قوات حفظ السلام الرخصة لتجاهل الشروط، مثل شرط ربط المساعدات بإرساء الديمقراطية. 

يظهر هذا التردد في أعقاب الانقلابات وتحديداً انقلاب النيجر.

فلقد أعرب متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلقه العميق" إزاء الأحداث في النيجر، لكن المنظمة لم تصل إلى حد إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب. وبينما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بقطع الكهرباء عن البلاد، فقد رفضت ممارسة إجراءات أقوى، مما سمح بانتهاء المهلة النهائية دون عواقب. 

ويساهم في تمويلها وتدريبها

وفي حين أن الأسباب المحتملة لظاهرة الانقلابات متعددة وغير محددة ، فإن الدول التي ترسل قوات حفظ السلام الحاصلة على قدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية هي الأكثر عرضة لحدوث الانقلابات، وغالباً ما يكون المشاركون في قوات حفظ السلام، مثل تشياني، هم أنفسهم مسؤولين عن ذلك.

ونظراً لتاريخ قوات حفظ السلام الحافل بالسلوك المفترس في الداخل، فإن فكرة أن المعايير الليبرالية تنعكس بطريقة أو بأخرى من خلال عمليات حفظ السلام هي مجرد أسطورة. وتشير الأدلة الواردة من النيجر إلى أن حفظ السلام ربما لعب دوراً في الأحداث الأخيرة، حيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر -بما في ذلك جيش أقوى وأجرأ- للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

وتشير الأدلة أيضاً إلى أن حفظ السلام يشكل ظرفاً يسهِّل التدخل العسكري في السياسة، فهو يزيد من خطر الانقلابات ولكن لا يمكن القول بشكل قاطع إنه يسببها. وهذا يشكل تحدياً أمام صانعي السياسات. 

قد تنظر الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات فقط لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة لحفظ السلام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة. 

قد نتساءل عن الحكمة من بناء قدرات دول حفظ السلام التي لها تاريخ حديث من الانقلابات. وبدلاً من ذلك، يتعين على الأمم المتحدة أن تعمل على قطع الطريق على تلك الجيوش التي تنخرط في الانقلابات، كما هددت (لكنها فشلت) في القيام بذلك في الماضي. ومن جانبها، قد تقدم الديمقراطيات الغنية المساعدة، فتعوض النقص في عمليات حفظ السلام من خلال المساهمة بأعداد أكبر من القوات بنفسها، بدلاً من دفع أموال للآخرين للقيام بذلك. 

تحميل المزيد