لم تحدث أزمة في إمدادات اليورانيوم العالمية جراء انقلاب النيجر حتى الآن، ولكن إلى متى يستمر هذا الوضع؟ وكيف ستتأثر إمدادات هذا الخام إذا تواصلت العقوبات على البلاد؟ والأسوأ إذا حدث تدخل عسكري خارجي بهدف إعادة الرئيس المنتخب!!
وتصدرت النيجر، الدولة الواقعة في منطقة الساحل والتي تتمتع بإمدادات مهمة من اليورانيوم، عناوين الأخبار، منذ أن أطاح انقلاب غير متوقع برئيس البلاد في 26 يوليو/تموز.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عقوبات اقتصادية وضغوط دبلوماسية من العديد من جيرانها، للمطالبة بإعادة الحكومة المخلوعة، وصار حتى التدخل العسكري مطروحأً على الطاولة. وتتزايد المخاوف من أن تؤدي الاضطرابات السياسية إلى تقليص إمدادات اليورانيوم إلى الأسواق العالمية، حسب ما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
إليك الحقيقة حول مكانة النيجر في إمدادات اليورانيوم العالمية
تمتلك النيجر 5% من إمدادات العالم من اليورانيوم. ورغم أن هذه النسبة ضئيلة، قد تؤدي التعقيدات في البلاد إلى تدافعٍ بين المستوردين.
تستورد أوروبا حوالي 20% من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر، وهو أمر مهم بشكل خاص بالنسبة لفرنسا، التي تُعَد قوةً كبرى في مجال الطاقة النووية. لكن ربما الأمر الأهم هو الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الدولة الواقعة في الساحل الإفريقي.
وفقاً لمقال نشره موقع Huffington Post، ففي الفترة التي سبقت الاستيلاء العسكري على السلطة، كانت شركات التعدين تعمل على تعزيز عملياتها. وكانت النيجر في السابق رابع أكبر منتج لليورانيوم، بينما أصبحت الآن السابعة.
وكانت شركة غلوبال أتوميك، وهي شركة مقرها تورونتو، تقوم بالتنقيب في البلاد منذ 18 عاماً. وفي يوليو/تموز فقط، انتهت من بناء منحدر الوصول إلى المنطقة تحت الأرض التي تحتوي على الخام في منجم داسا. ثم قام الحرس الرئاسي باعتقال الرئيس المنتخب.
الانقلابيون لم يحظروا التصدير لفرنسا ولكن لوحوا بكسر احتكارها لخامات البلاد
بالنسبة لشركة غلوبال أتوميك، فإنها تقول إن العمل سيجري كالمعتاد. ورغم التقارير الكاذبة حول أن النيجر ستحظر صادرات اليورانيوم إلى فرنسا، لم يحدث ذلك إلى الآن.
ومن ناحية أخرى، هناك شائعات بأن المجلس العسكري سوف يفتح السوق أمام المنافسين. والمعنى الضمني لذلك هو أن الشركات الكندية والأمريكية والروسية والصينية وغيرها يمكنها دخول سوق كانت فعلياً مخصصة حصرياً لرأس المال الفرنسي.
كيف تأثرت أسواق اليورانيوم بالانقلاب؟
صحيح أن أسعار اليورانيوم العالمية ارتفعت منذ الانقلاب في النيجر، ولو بشكل طفيف. وكان الدافع الأكبر بكثير لارتفاع الأسعار أكثر من أزمة النيجر هو بناء المفاعلات النووية، وخاصة كاستجابة لأزمات الطاقة في العام الماضي.
ارتفع سعر الرطل من حوالي 30 دولاراً في 2021 إلى 50-60 دولاراً منذ عام 2022. وحتى هذا العام، ارتفع رطل اليورانيوم بشكل مطرد من 50 دولاراً إلى 56 دولاراً قبل الانقلاب.
ويمكن أن يُعزَى الارتفاع اللاحق بمقدار دولارين إما إلى مشاكل سياسية، وإما إلى استمرار المسيرة الحالية في وتيرتها.
وجزئياً، فإن الاستيلاء العسكري على النيجر لم يزعج الأسواق بشكل كبير، على عكس حرب روسيا مع أوكرانيا، وذلك بسبب طبيعة الطاقة النووية. إنها ليست مثل الطاقة التي ينتجها الوقود الأحفوري، والتي تحتاج إلى تجديد مستمر. في العادة، تحتاج المفاعلات النووية إلى إعادة التزود بالوقود كل بضع سنوات فقط.
المشكلة فيما سيحدث في المستقبل.. أزمة تلوح في الأفق
تتجه المخاوف نحو المستقبل، وسيكون من الضروري استغلال إمكانات التعدين الكاملة في النيجر إذا طُبِّقَ المسار الحالي. يقول تقرير صادر عن مركز النمو والفرص إنه "بحلول عام 2035، سيصل الطلب العالمي على اليورانيوم إلى حوالي 265 مليون دولار سنوياً، لكن العرض سينخفض إلى نحو حوالي 145 مليون دولار -أي ما يزيد قليلاً عن 54%". وتشير المنظمة نفسها أيضاً إلى أن الأمر سيكون قضيةً رئيسيةً بالنسبة للولايات المتحدة، فالمشترون الوطنيون يحصلون على نحو متزايد على اليورانيوم من الخارج، ولا يشترون أي خام محلي إلا نادراً.
وحتى في الثمانينيات، استخدمت الولايات المتحدة خام اليورانيوم المحلي في معظم استهلاكها، وليس كل استهلاكها. علاوة على ذلك، جاء 50% من كازاخستان وروسيا، وهو وضع يمكن أن يتغير بسبب العقوبات.
يجري بناء مفاعلات نووية جديدة في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الاقتصادات سريعة النمو مثل الصين والهند وبولندا. ولن يحتاج الطلب العالمي إلى إنتاج النيجر فحسب، بل وأيضاً إلى حصة أكبر من طاقتها غير المستغلة. وإذا استمرت المواجهة فإن إمكانات البلاد سوف تتضرر بسبب العقوبات وربما الصراع المسلح. ومع ذلك، فإن القرار الذي يحقق الانفتاح والاستقرار يمكن أن يضع النيجر في موقع متميز في التوجه العالمي للطاقة النووية.