استياء بمعاقل النظام ومظاهرات واسعة للدروز.. لماذا لم يجرؤ الأسد على قمعها، وهل تتحول لثورة ضد حكمه؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/08/29 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/29 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
متظاهرون يحتجون على قرار النظام السوري زيادة أسعار المحروقات في السويداء بجنوب سوريا في 17 أغسطس/آب 2023- رويترز

تواصلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في محافظة السويداء بجنوب سوريا للأسبوع الثاني، حيث لوح المتظاهرون بالعلم الملون للأقلية الدرزية، وأحرقوا لافتات حكومة الرئيس بشار الأسد، وداهموا عدة مكاتب لحزبه الحاكم "البعث".

وكانت الاحتجاجات في البداية مدفوعة بارتفاع التضخم والاقتصاد المتردي في الدولة التي مزقتها الحرب، لكن سرعان ما تغير تركيز المتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط حكومة الأسد، حسب ما ورد في تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية.

المتظاهرون في السويداء طردوا أعضاء حزب البعث

وتركزت المظاهرات الأخيرة في محافظة السويداء التي تسيطر عليها الحكومة، معقل الدروز في سوريا، الذين ظلوا مُهمّشين إلى حد كبير خلال الصراع طويل الأمد بين الأسد وأولئك الذين يحاولون الإطاحة به.

وفي مشهد لم يكن من الممكن تصوره في معقل الدروز، طرد المتظاهرون أعضاء حزب البعث التابع للأسد من بعض مكاتبهم، وأغلقوا الأبواب باللحام، وخطّوا شعارات مناهضة للحكومة على الجدران.

السويداء
احتجاجات محافظة السويداء بسوريا/ رويترز

وهزت الاحتجاجات حكومة الأسد، لكن لا يبدو أنها تشكل تهديداً وجودياً. إذ تأتي هذه الاحتجاجات في وقت عززت فيه القوات الحكومية سيطرتها على معظم أنحاء البلاد. وفي هذه الأثناء، عادت دمشق إلى الحظيرة العربية واستعادت علاقاتها مع معظم حكومات المنطقة.

ومع ذلك، يتصاعد الغضب، حتى بين السوريين الذين لم ينضموا إلى الاحتجاجات الأولية المناهضة للأسد في عام 2011، التي قوبلت بحملة قمع قاسية وأغرقت البلاد في سنوات من الحرب الأهلية.

تقليص دعم الوقود هو القشة التي قصمت ظهر البعير

وبالنسبة للبعض، جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير قبل أسبوعين عندما قلّص الرئيس السوري برنامج دعم الوقود والبنزين الباهظ التكلفة في البلاد.

ورغم مضاعفة الأسد لأجور ومعاشات التقاعد الهزيلة لموظفي القطاع العام، لم تقدم هذه الإجراءات الكثير لتخفيف وطأة الضربة، بل أدت إلى تسارع التضخم وزيادة إضعاف الليرة السورية الغارقة بالفعل. وزادت النتائج من الضغط الاقتصادي على الملايين الذين يعيشون في فقر.

وبعد فترة وجيزة، اندلعت الاحتجاجات في السويداء ومحافظة درعا المجاورة.

السويداء كانت على الحياد أثناء الثورة، ولكنّ سكانها لمَ فاض بهم الكيل

على مدى العقد الماضي، عزلت السويداء نفسها إلى حد كبير عن الانتفاضة السورية التي تحولت إلى صراع. وشهدت المحافظة احتجاجات متفرقة تندد بالفساد والتراجع الاقتصادي في البلاد. لكن هذه المرة، تضخمت الحشود سريعاً إلى المئات، ونددت بالقمع السياسي الذي تمارسه حكومة الأسد، وبدت مثل صدى متردد للاحتجاجات التي هزت البلاد في عام 2011.

وقال ريان معروف، رئيس تحرير المجموعة الإعلامية المحلية الناشطة "السويداء 24″، لوكالة The Associated Press: "لقد وصل الناس إلى نقطة لم يعُد بإمكانهم فيها تحمل الوضع. كل شيء ينهار".

وفي الوقت الذي كانت ترتفع فيه حظوظ الأسد السياسية في الأشهر الأخيرة، صارت حياة الكثير من سكان البلاد بائسة على نحو متزايد. وقُتِل ما لا يقل عن 300 ألف مدني في الصراع، ونزح نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب، وأصيبت أجزاء كبيرة من البنية التحتية بالشلل. و90% من السوريين يعيشون حالياً في فقر. وأدى الفساد المستشري والعقوبات التي يقودها الغرب إلى تفاقم الفقر والتضخم.

الأسد قمع التظاهرات في درعا، ولكن لماذا لم يرد بقسوة على احتجاجات الدروز؟

وفي درعا -التي يُشار إليها غالباً على أنها مهد انتفاضة 2011 لكنها الآن تحت سيطرة الحكومة- اعتُقِل 57 شخصاً على الأقل في الاحتجاجات الحالية، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها بريطانيا. وخلافاً لما حدث في عام 2011، لم تستخدم القوات الحكومية القوة المميتة.

وفي السويداء، كان الرد أكثر تحفظاً، حيث يبدو أنَّ الأسد يحذر من استخدام الكثير من القوة ضد الدروز. فخلال سنوات الحرب الأهلية، قدمت حكومته نفسها على أنها مدافع عن الأقليات الدينية ضد التطرف الإسلاموي.

وعلى مرّ السنوات، سلّح شباب المحافظة أيضاً أنفسهم للدفاع عن قُراهم ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والميليشيات المرتبطة بدمشق التي تنتج وتتاجر في حبوب الأمفيتامين غير القانونية، المعروفة باسم الكبتاغون.

السويداء
الرئيس السوري بشار الأسد/رويترز

ويرى جوزيف ضاهر، الباحث السويسري السوري والأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، أنَّ هذا التسليح يوفر مستوى من الحماية للمتظاهرين.

وقال ضاهر: "على عكس المناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة، تتمتع السويداء بنوع من الحكم الذاتي المحدود".

وفي هذه الأثناء، في دمشق واللاذقية وطرطوس وغيرها من معاقل الحكومة الحضرية، يُعبِّر البعض عن استيائهم بهدوء أكبر. ويكتبون رسائل دعم للاحتجاجات على الورق، ويلتقطون صوراً لتلك الملاحظات في شوارع مدنهم، ثم يشاركونها على الشبكات الاجتماعية.

استياء ومنشورات في منطقة الساحل ذات الثقل العلوي

ومنطقة الساحل السوري ذات الوجود العلوي الكبير ينظر لها على أنها معقل النظام، ولكن في الأشهر الأخيرة، اتسعت الاعتراضات على سياسات الحكومة (الخدمية) التي يصفها السكان بالتمييزية ضد أبناء الساحل وارتفع الصوت ضدها، متسببةً، كعامل مباشر، في انزياح نسبة من الكتلة الموالية عن نقطة التأييد الأعمى لسياسات النظام، حسب وصف موقع صحيفة السفير اللبنانية.

 ظهر ذلك بوضوح على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، التي عجّت بالغضب تجاه السياسات الحكومية الأخيرة المتركزة بشكل أساسي على إلغاء دعم السلع الضرورية مثل الوقود.

الموجة الأخيرة من الاحتجاجات تجاوزت نقاط سياسية حساسة يسميها السوريون "الخطوط الحمراء" التي تضم الرئيس والأجهزة المرتبطة به، أمنياً واقتصادياً، مثل المطالبة بإجراء تغييرٍ حقيقي في النظام يوقف العقوبات المفروضة على البلاد ويسمح بتدفّق الموارد من أجل إعادة الإعمار، بما يشير ضمناً إلى أنّ البروباغندا السلطوية في تحميل مسؤولية الأوضاع السيئة التي يعيشها السوريون للدول الغربية التي تفرض عقوباتٍ على دمشق، لم تعد مقنعة للسوريين.

وانتشرت تعبيراتٌ علنية من مؤيدين للنظام تنتقد سياساته التي أوصلت البلاد إلى وضعها الأسوأ في تاريخها، حيث شهدت مدن وبلدات ساحلية سورية للمرة الأولى في تاريخها كتابات على الجدران في مسقط رأس آل الأسد ("القرداحة") تندد بالحكم، كما ظهرت في مناطق أخرى، في "سهل الغاب" و"مصياف" و"عين الكروم" و"البودي" وغيرها، مع تمزيق صور الرئيس وأخيه في مناطق الحرائق شمال "اللاذقية"، فيما قامت مظاهرة خجولة من عشرات الأشخاص في مدينة "جبلة" قمعتها السلطة بعنف موقعةً عدداً من الجرحى، وفق شهادة محلية من المدينة، مع ملاحقة أمنية شرسة لمحاولات نقل الوقائع إلى الشبكات الاجتماعية، فيما تعرّض محافظ "طرطوس" للضرب من قبل مواطنين غاضبين على خلفية إصرار مجلس المحافظة على فرض أعضاء بعثيين على مجلس بلدية "دوير رسلان" التي فاز فيها مستقلون بانتخابات الإدارة المحلية مؤخراً. 

الأكثر لفتاً للانتباه حركة أطلقت على نفسها اسم "حركة 10 آب"، أصدرت بيانيْن مطلبيّين على "فيسبوك"، ووزعت منشورات في عدد من مدن الساحل و"دمشق" و"حمص". حسب تقرير السفير.

السكان يحملون حقيبة ظهر لكي تسع النقود

وبينما يعاني آخرون في صمت ويركزون على اجتياز الصعوبات يوماً بيوم؛ ففي دمشق، اعتاد البعض على حمل حقائب الظهر بدلاً من المحافظ لحمل كميات كبيرة من النقود التي يحتاجونها لمشترياتهم اليومية وسط التضخم المتفشي، بينما تكافح العائلات لشراء الضروريات الأساسية.

وقالت غزوان الوادي، إحدى سكان دمشق، لوكالة The Associated press، بينما كانت تحضر عشاء عائلتها في المنزل بعد يوم طويل في العمل: "إذا اشتريت لابني حاويتين من الحليب، فقد أنفقت راتبي الشهري بأكمله".

وتُسلّط الاحتجاجات المستمرة الضوء على موقف الأسد الهش نتيجة فشل الاقتصاد، حتى في المناطق التي حاولت الصمود في وجه الوضع في البلاد، وعدم تنظيم احتجاجات واسعة النطاق ضد حكمه.

هل يمكن للاحتجاجات أن تهدد حكمه في نهاية المطاف؟ 

قال ضاهر إنَّ هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تكاتف المتظاهرون. 

وأضاف ضاهر: "هناك مدن أخرى تبدي تضامنها مع السويداء. لكن لا يمكنك القول إنَّ هذا سيكون له تأثير حقيقي على النظام، ما لم يكن هناك تعاون بين المحتجين في مدن مختلفة".

تحميل المزيد