قبل بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، كان حاكم البنك المركزي في البلاد، رياض سلامة، يتمتع بسمعة قوية كـ"واحد من أفضل المحافظين في العالم". ولكن بحلول نهاية ولايته في مصرف لبنان في 31 يوليو/تموز 2023، كان يوصف بأنه أحد أسوأ رؤساء البنوك المركزية في العالم.
وعُيّن سلامة حاكما لمصرف لبنان في عام 1993 بموجب مرسوم صادق عليه مجلس الوزراء بقابلية التجديد كل ست سنوات. وفي وقتٍ ما كان يُعزى إلى سلامة الفضل في تعافي الاقتصاد اللبناني بعد الحرب الأهلية، ولكنه الآن يواجه اتهامات بالاختلاس في لبنان بين عدد من الدول.
وأصبح سلامة الآن موضوع تحقيقات في جرائم مالية في ست دول أوروبية ولبنان لا يزال يتم التحقيق في تفاصيلها ، وهو مطلوب من قبل الإنتربول. فيما فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا عقوبات عليه.
ويقال إن سياسات سلامة النقدية، إلى جانب الفساد الحكومي وسوء الإدارة، أدت إلى أزمة تميزت بتراجع النمو، وانخفاض قيمة العملة، وانهيار القطاع المصرفي، وانتشار الفقر خلال العقود الأخيرة. وفي عام 2016، أطلق سلامة مخطط الهندسة المالية الذي أضعف القطاع المصرفي، وأدى إلى زيادة الدين العام بشكل كبير وكان له تأثير سلبي على السكان.
التحقيق في ثروة رياض سلامة الشخصية
لكن سلامة لم يقتصر على تسهيل الأموال للحكومة في بلد يعتمد على الاستيراد ويتمتع بإنتاجية منخفضة. كما يُزعم أنه استفاد من منصبه، بحسب ما كشفت التحقيقات في لبنان والخارج.
على الرغم من أن سلامة نفى باستمرار ارتكاب أي مخالفات، إلا أنه يُزعم أنه وأربعة من شركائه حولوا نحو 330 مليون دولار من البنك المركزي اللبناني إلى أوروبا بين عامي 2002 و2015. ويُزعم أن هذه الأموال العامة استُخدمت لشراء عقارات فاخرة وأصول في أوروبا.
وقادت التحقيقات فرنسا وألمانيا إلى مصادرة أصوله والدعوة إلى إصدار مذكرة اعتقال من الإنتربول. وبعد أن رفض لبنان تسليمه، مستشهداً بالقانون المحلي، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا عقوبات، مما دفع الحكومة في بيروت إلى تجميد أصول سلامة في البلاد، كما تقول وكالة دويتشه فيله.
وفي منتصف أغسطس/آب، قالت هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بمصرف لبنان (المركزي)، في بيان، إنها قررت تجميد الحسابات المصرفية لسلامة وشركاء له ورفع السرية عنها.
وتضمن تجميد الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لسلامة وشقيقه رجا ونجله ندي ومساعدته ماريان الحويك، بشكل نهائي لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، ورفع السرية المصرفية عنها.
رياض سلامة يمثل رأس جبل الجليد
ولا يمثل سلامة سوى قمة جبل الجليد لشبكة معقدة للغاية حكمت البلاد لعقود من الزمن. يقول روي بدارو، الاقتصادي اللبناني، لـ DW: "أقارن سلامة بماير لانسكي"، في إشارة إلى شخصية المافيا الأمريكية المعروفة باسم "محاسب الغوغاء".
وأضاف أن "سلامة كان جزءاً من حلقة الفساد في السياسة اللبنانية، حيث استخدمها لتحقيق مكاسب شخصية من خلال اختلاس الأموال العامة".
كان البنك المركزي اللبناني يفتقر إلى الشفافية، كما هو موضح في التقرير الذي طال انتظاره من قبل شركة ألفاريز آند مارسال (A&M)، وهي شركة خدمات مهنية عالمية بتكليف من وزارة المالية. كما أكد التقرير تركز السلطة بشكل غير طبيعي في يد حاكم مصرف لبنان وعدم وجود ضوابط مناسبة عليها، وأساليب محاسبية غير تقليدية لإخفاء النتائج السلبية، وتضخم الأصول والأرباح مع تقليل الخسائر.
وقال سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، لـ DW إنه لا توجد ضوابط وتوازنات ولا يوجد نظام حوكمة داخل البنك المركزي. في حين لا تزال الكثير من التفاصيل تنتظر الكشف عنها مع استمرار التحقيقات حول إدارة المصرف والفساد الذي شابه خلال العقود الأخيرة.
وأضاف نادر أنه "في مصرف لبنان، يعمل في الأجهزة المؤسسية أفراد معينون من قبل الحكومة، ويعملون ضمن نظام طائفي يقوده زعماء خرجوا من الحرب الأهلية وورثوا هذا الهيكل". وقد أكدت تقارير متعددة العلاقة بين الطبقة الحاكمة والنظام المصرفي.
اللبنانيون يدفعون الثمن الأكبر
ونتيجة لكل ذلك، لم يستفِد من سوء السلوك والفساد في مصرف لبنان سوى عدد قليل من الناس وأثقل كاهل السكان. يقول فرحات فرحات، الاقتصادي والمؤسس المشارك لاتحاد المودعين في لبنان، لـ DW: "لقد وضع الآلاف من المهنيين والعاملين في القطاع الخاص مدخراتهم، وفي بعض الأحيان أموال التقاعد بأكملها، في البنوك المحلية. لكن أفراد الطبقة المتوسطة سقطوا الآن في براثن الفقر، حيث أصبح المتقاعدون غير قادرين على تحمل تكاليف الدواء أو تأمين احتياجاتهم الخاصة بالشيخوخة، وأجبروا على الخروج من التقاعد، لتأمين الضروريات الأساسية".
وعندما سئل عما يمكن أن يفعله حاكم مصرف لبنان المؤقت وسيم المنصوري الآن لمكافحة الفساد داخل البنك المركزي، قال سامي نادر: "لا يمكن وقف الفساد بسبب النظام السائد. وذكر الحاكم المؤقت أنه لن يقرض المال ما لم يكن هناك قانون".
وأضاف: "يبدو أن المنصوري ينتظر الآن أن يسن النظام القانون ويحافظ على السياسات المعيبة. وهذا يؤكد عدم وجود تغيير".
قانون السرية المصرفية
يرى الخبير الاقتصادي بدارو أن إلغاء قانون السرية المصرفية سيكون نهجاً قيماً لمكافحة الفساد لأنه يشجع السلوك غير الشفاف. وقال: "لم نعد بحاجة إلى السرية المصرفية. ولمعالجة الفساد، يجب علينا القضاء على الإفلات من العقاب. ومن أجل إعادة إعمار لبنان، تعد المساءلة ضرورية".
ويلعب مصرف لبنان دوراً حاسماً في تلبية متطلبات لبنان للحصول على حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهي اتفاقية على مستوى الموظفين تم التوصل إليها في عام 2022.
ومع ذلك، يعتقد فرحات أن لبنان لا يحتاج بالضرورة إلى مساعدة صندوق النقد الدولي، بل يحتاج إلى صناع قرار مستقلين وذوي سمعة طيبة يتخذون القرارات الاقتصادية والمالية.
وفي الوقت نفسه، يخطط مصرف لبنان لإصلاحات مختلفة مثل مراقبة رأس المال وإعادة الهيكلة المالية. ومع ذلك، فإن موافقتهم تقع على عاتق البرلمان العالق باختيار رئيس لبنان المقبل.