سارع حلفاء فاغنر الأفارقة -وهم مزيج من المجالس العسكرية وأمراء الحرب- للتقليل من تأثير وفاة يفغيني بريغوجين، لكنَّ فقدان القيادة العليا لشركة فاغنر يمكن أن يعطل جزءاً رئيسياً في مساعي الكرملين لإبراز القوة وجمع الموارد في مواجهة العقوبات الغربية.
فالطائرة الخاصة التي تحطَّمت خارج موسكو الأربعاء الماضي، 23 أغسطس/آب، كانت تحمل إلى جانب بريغوجين، القائد الأعلى لفاغنر، كلاً من دميتري أوتكين وفاليري تشكالوف، اللذين أشرفا على المشروعات واللوجيستيات غير العسكرية للمجموعة، بما في ذلك الإمدادات لبعضٍ من مراكزها البعيدة في إفريقيا.. فما مصير الإمبراطورية التي بناها بريغوجين في إفريقيا بعد وفاته؟
ما مصير إمبراطورية بريغوجين بعد وفاته؟
تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إن عمليات فاغنر في إفريقيا أصبحت محور إمبراطورية مرتزقة ودعاية وأعمال بريغوجين عقب زحف المجموعة الذي أُجهِضَ نحو موسكو في يونيو/حزيران الماضي.
أبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد التمرد الفاشل مقاتلي فاغنر من ساحات المعارك في أوكرانيا، وأُجبِرَ بريغوجين على إغلاق بعض أصوله الرئيسية، بما في ذلك شركات الإعلام والتضليل التي يقول المحققون الأمريكيون إنَّها سمحت له بالتدخَّل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016.
أمَّا في إفريقيا، فلم تكن المجموعة تسترخي وحسب، بل كانت أيضاً تُوسِّع عملياتها بنشاط، وهي العمليات التي تضم نحو 5 آلاف مقاتل في مختلف أرجاء القارة.
ففي جمهورية إفريقيا الوسطى، بدأ مقاتلو فاغنر، الذين يوفرون الأمن للرئيس فوستين آرشانج تواديرا منذ أكثر من 5 سنوات، للمرة الأولى وضع شارة الجمجمة الخاصة بالمجموعة على ملابسهم العسكرية. ووفقاً لصور أقمار اصطناعية جديدة، هنالك أيضاً إشارات على التوسُّع في أكبر منجم ذهب تابع للمجموعة في البلاد، في بلدة نداسيما، من خلال أعمال بناء جديدة ونشاط تعديني.
وكان بريغوجين قد عرض إرسال مرتزقة لدعم قادة الانقلاب في النيجر، مثلما فعل في الجارة مالي.
وقال أشخاص مطلعون على أنشطة فاغنر في القارة إنَّ المجموعة تواصل تصدير الذهب والأخشاب ومواد أولية أخرى بالرغم من موجة جديدة من العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد عملائها والشركات التي تُمثِّل واجهة لها. وتوجد بمنجم نداسيما احتياطيات ذهب تُقدَّر قيمتها بثلاثة مليارات دولار.
خطة طوارئ روسية سريعة في إفريقيا
يقول مسؤولون أفارقة عملوا مع فاغنر ومحللون للصحيفة الأمريكية إنَّهم يتوقعون أن تتحرك الحكومة الروسية بسرعة لاستبدال بريغوجين وأوتكين والقادة الآخرين في قيادة المجموعة شبه العسكرية.
وقال باسكال كوياغبيل، وزير الاستثمارات الاستراتيجية في إفريقيا الوسطى: "لقد وقَّعنا على شراكة مع الدولة الروسية".
فيما قال فيديل غواندجيكا، مستشار الرئيس تواديرا، إنَّه لا يتوقع تأثيراً على الوضع الأمني في بلاده، حيث يدعم مرتزقة فاغنر الجيش في القتال ضد المجموعات المتمردة.
لكنَّ الكثير سيعتمد على مدى السلاسة التي تُدار بها عملية السيطرة على فاغنر وكيف سيكون رد فعل قادة فاغنر الكبار في إفريقيا، وقد عمل معظمهم عن كثب مع بريغوجين لسنوات، تجاه القيادة الجديدة، خصوصاً إذا ما كانوا يظنّون أنَّ وفاة زعيمهم كانت "نتيجة مؤامرة من الكرملين".
ولم يصدر أي رد فعل رسمي من فاغنر، أو قادتها في إفريقيا، أو شركة بريغوجين القابضة "Concord"، على أنباء وفاته.
سارع بعض المقاتلين الروس التابعين لفاغنر في المنطقة بالتعبير عن ولائهم لبريغوجين. فنشرت مجموعة "Officers Union" (اتحاد الضباط)، وهي مجموعة من المدربين العسكريين الروس تعمل جنباً إلى جنب مع فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، بنشر صورة لشارة بدأ بريغوجين وضعها على زيه العسكري خلال مواجهته مع الجيش الروسي تكريماً لمقاتلي فاغنر الذين قُتِلوا في أوكرانيا. وقال متحدث باسم المجموعة إنَّ لا تعليق لديه على وفاة بريغوجين.
احتمالات الإحباط والارتباك بين صفوف فاغنر بإفريقيا
من جهته، قال مسؤول أمني أوروبي مطلع على عمل فاغنر في إفريقيا إنَّه قلق من أنَّ الاضطرابات المحتملة في إمدادات المجموعة -بما في ذلك الأجور أو حصص الطعام- أو الغضب بشأن وفاة بريغوجين قد تؤدي إلى مزيد من العنف ضد المدنيين. واتُّهِمَ مقاتلو فاغنر بقتل واختطاف واغتصاب مدنيين خلال عمليات مكافحة التمرد في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.
وأضاف المسؤول أنَّ مرتزقة المجموعة شنَّوا مزيداً من الهجمات ضد المدنيين في الأيام الأولى لنشرهم في جمهورية إفريقيا الوسطى، حين كانت اللوجيستيات ضعيفة وكان المقاتلون يُترَكون أحياناً لتدبُّر أمورهم بأنفسهم.
وقد يوفر الإحباط والارتباك في صفوف فاغنر بمالي فرصاً للجهاديين الذين تقاتلهم المجموعة في منطقة الساحل إلى جانب الجيش النظامي. فقالت حركة انفصالية من عرقية الطوارق في مالي و"جماعة أنصار الإسلام والمسلمين"، التي تمثل الفرع القوي لتنظيم القاعدة في المنطقة، هذا الشهر، أغسطس/آب، إنَّهما ستستأنفان الهجمات انتقاماً لقتل فاغنر للمدنيين.
حيث يقول مسؤولون أمنيون أوروبيون حاليون وسابقون إنَّ بوتين يتخذ في الأسابيع الأخيرة خطوات للسيطرة تدريجياً على عمليات فاغنر العسكرية. وشمل ذلك تعيين الجنرال أندريه أفيريانوف، مدير العمليات الهجومية السرية بجهاز الاستخبارات العسكرية الروسي، لتولِّي الإشراف على مشروعات فاغنر في إفريقيا.
وقدَّم أفيريانوف -الذي يتهمه المسؤولون الغربيون بإصدار الأوامر باغتيال المعارضين الروس في الخارج، بما في ذلك عمليات تسميم باستخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك- نفسه علناً لكبار حلفاء موسكو الأفارقة في قمة عُقِدَت في مدينة سان بطرسبرغ في أواخر يوليو/تموز الماضي.
وبعد تمرد فاغنر، أبلغ المسؤولون الروس نظراءهم في إفريقيا إنَّهم يعتزمون تولي قيادة العمليات العسكرية لفاغنر.
ووفقاً لمسؤولين أمنيين أوروبيين ونشطاء من جمهورية إفريقيا الوسطى، أشار السفير الروسي لدى جمهورية إفريقيا الوسطى إلى أنَّ موسكو سترسل بديلاً لفيتالي برفيليف، الذي قاتل في سوريا لصالح فاغنر قبل أن يقود عمليتها العسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى.
ماذا عن السودان؟
تقول وول ستريت جورنال، إنه في حين أنَّه من المرجح أن يبذل الكرملين ما بوسعه لإبقاء حلفاء فاغنر الأفارقة قريبين، قد يكون لخسارة بريغوجين تأثيراً كبيراً في السودان.
فحين بدأت مجموعة فاغنر العمل مع ميليشيا قوات الدعم السريع في السودان، كان قائد الميليشيا، الفريق محمد حمدان دقلو، هو الرجل الثاني في الحكومة العسكرية بالبلاد. لكنَّه الآن أمير حرب يحارب قيادة الجيش السوداني من أجل السيطرة على البلاد، وهو صراع وحشي وضع بوتين في وضعٍ غير مريح؛ لأنَّ فاغنر وقفت إلى جانب أحد حلفاء روسيا التقليديين.
ومهما فعل بوتين، فإنَّه سيكون مضطراً لتحقيق التوازن بين القوة البشرية والموارد التي تتطلَّبها أي سيطرة على عمليات فاغنر -خاصةً إذا ظهرت بعض المقاومة- وعمليات روسيا التي تعاني بالفعل من تمدد أكثر من اللازم في أوكرانيا.
قال أحد موظفي فاغنر الذين يعملون في العمليات التجارية لفاغنر في إفريقيا: "الهم الأول الآن هو عدم فقدان السيطرة على الوضع خلال انتظار تعيين وريث (أو أكثر)".