على مدى الأشهر الـ12 الماضية، كانت إيران تخرج من أزمة لتدخل في أخرى، إذ شهدت البلاد احتجاجات، قادها الشباب والنساء على مستوى البلاد سعياً لإنهاء "حكم رجال الدين". وفاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية تدهور الاقتصاد. وأثارت حملات القمع العنيفة التي شنتها قوات الأمن الإيرانية على أصوات المعارضة غضباً واسع النطاق في الخارج. وبدا احتمال التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة أكثر ضبابية من أي وقت مضى.
لكن بعد كل ذلك جاء الإعلان المفاجئ يوم الخميس، 24 أغسطس/آب 2023 عن دعوة البلاد للانضمام إلى مجموعة بريكس. وأعرب المسؤولون عن سعادتهم بهذا "الإنجاز التاريخي"، الذي حققته بلادهم، وتحدثوا عن إمكاناتها كشريك تجاري ومُعيق إيديولوجي للهيمنة الغربية.
انتصار سياسي لإيران
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن المحللين يتفقون على أن هذه الدعوة "انتصار سياسي" للجمهورية الإسلامية، بعد عام من الاضطرابات التي واجهت فيها أزمة شرعية حادة في الداخل والخارج.
ورغم أن انضمام إيران إلى بريكس لا يُتوقع أن يساعدها في حل جميع المشكلات الاقتصادية التي تواجهها، فالفائدة الأساسية من الانضمام إلى المجموعة، وفقاً لخبراء، تتمثل في إثبات أن طهران لديها أصدقاء أقوياء. وهذا يمنحها ورقة رابحة في أي مفاوضات أخرى تخوضها مع الولايات المتحدة.
يقول هنري روما، الباحث البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "جزء من رسالة الحكومة، سواء إلى الجمهور في الخارج أو الداخل، هو أنها لن ترحل، وأنها تتمتع بدعم بعض القوى الكبرى في العالم".
وكان هذا الدعم، وفقاً لساسان كريمي، المحلل السياسي في طهران، شكلاً من أشكال المكافأة على توثيق العلاقات مع الصين وروسيا. إذ تزود إيران روسيا بطائرات مسيرة تُستخدم في الحرب مع أوكرانيا، وتبيع النفط بسعر مخفض إلى الصين، التي يواجه اقتصادها صعوبات.
وتأكيداً على أهمية حدث "بريكس" لإيران، سافر الرئيس إبراهيم رئيسي، رجل الدين المحافظ الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل لعجزه عن إصلاح الأزمات الداخلية المتصاعدة التي تواجه بلاده، بشخصه إلى جنوب إفريقيا لقبول الدعوة.
وقال رئيسي،في كلمة ألقاها: "جمهورية إيران الإسلامية تتمتع بإمكانات استثنائية، وهي مستعدة للتعاون في جميع الركائز الثلاث الرئيسية لمجموعة بريكس: السياسية والاقتصادية والأمنية".
هل تجني إيران الفوائد الكاملة للعضوية في "بريكس"؟
على أن حل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها إيران لن يكون سهلاً، إذ ساهمت عقود من سوء الإدارة والفساد، التي فاقمتها العقوبات الأمريكية الهادفة إلى كبح برامج إيران النووية والصاروخية وتمنع البلاد من إجراء المعاملات المصرفية الدولية وبيع النفط، في تدمير الاقتصاد.
وما يسمى بالعقوبات الأمريكية الثانوية، التي تستهدف الأشخاص والكيانات التي تتعامل مع إيران، تمثل عقبة أخرى أمام جني الفوائد المالية الكاملة للعضوية في مجموعة مثل بريكس. فمثلاً، قال محللون إن إيران ستظل على الأرجح عاجزة عن الحصول على قرض من بنك التنمية الذي أنشأته دول بريكس.
وكانت دعوة الانضمام إلى بريكس تتويجاً لأشهر من النشاط الدبلوماسي لإيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، بعد روسيا، وربع احتياطيات النفط في الشرق الأوسط، والتي تعتبر نفسها لاعباً قوياً في المنطقة.
فقد استأنفت إيران العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، بعد سنوات من العداء بين البلدين، في صفقة توسطت فيها الصين؛ وانضمت إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي تجمع إقليمي بقيادة الصين؛ وتوصلت إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع الولايات المتحدة استردت بموجبه 6 مليارات دولار كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية؛ وأمّنت اتفاقاً غير رسمي مع الولايات المتحدة، يهدف إلى نزع فتيل التوترات بين البلدين. وقال روما: "حين تجمع كل هذه الأمور، ومن منظور أوسع، فستجد أن إيران لم تعد معزولة كما كانت قبل عام مضى".
ونوعت إيران مصادر اقتصادها بعيداً عن النفط أيضاً وزادت التجارة مع دول أخرى. فمثلاً، مع دول مجموعة البريكس الخمسة قبل التوسع المخطط له، زادت تجارتها غير النفطية بنسبة 14%، إلى 38.43 مليار دولار، في السنة المالية 2022-23، وفقاً لتقارير إخبارية إيرانية منقولة عن بيانات جمركية رسمية.
وقال كريمي، المحلل المقيم في طهران: "هذه النجاحات المهمة في السياسة الخارجية لا تحسن الوضع الداخلي، ولكنها تمنح إيران ورقة رابحة ضد الولايات المتحدة. فبوسع إيران أن تدفع بأن الولايات المتحدة فشلت في عزلها سياسياً وكسرها اقتصادياً، وأن تدخل في مفاوضات تتحدى الأمريكيين بثقة متجددة".
الصراع مستمر في الداخل
ولكن، حتى في الوقت الذي تنخرط فيه إيران في جهود دبلوماسية لتحسين صورتها في الخارج، فالصراع مستمر في الداخل بين من يسعون إلى اكتساب قدر أكبر من الحريات والحكومة التي تصرّ على سحقهم.
ويرى كثير من الإيرانيين والناشطين أن الجهود الأخيرة التي بذلتها بعض الدول لجذب إيران ضربة لتطلعاتهم إلى التغيير الديمقراطي.
وقالت جيسو نيا، المحامية الحقوقية المنتسبة إلى المجلس الأطلسي في واشنطن التي تدرس الشأن الإيراني، إن توقيت المبادرات الدبلوماسية مع إيران، وخاصة عضوية البريكس، "من شأنه أن يمد شريان الحياة للنظام من خلال الدعم الاقتصادي".
وقالت نيا: "والخاسر الحقيقي في كل هذا هو الشعب الإيراني، الذي يشعر أنه لا يحظى بتمثيل أو دعم رئيس دولته غير المنتخب وحكومته غير الخاضعة للمساءلة"، حسب تعبيرها.