هل تعيد “بريكس” تشكيل العالم أم تسقط تحت وطأة التنافس الداخلي؟ إليك أبرز القضايا الخلافية بالقمة

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/23 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/23 الساعة 22:48 بتوقيت غرينتش
قادة دول تجمع البريكس، فيما يمثل روسيا وزير الخارجية سيرغي لافروف/رويترز

اهتمام غير مسبوق تحظى به قمة بريكس التي تُعقد في جنوب إفريقيا، ولكن خلف هذا الصيت الهائل للقمة، توجد خلافات بشأن مصير هذا التجمع، وهل يصبح كياناً عملاقاً بقيادة الصين منافس الغرب، أم يكون نادياً محدوداً للحوار بين أعضائه الحاليين من القوى الكبرى غير الغربية، وهل تصدر "بريكس" عملة جديدة، أم تلجأ لتعزيز فكرة التبادل بالعملات الوطنية.

في اليوم الأول من قمة بريكس، تصدّر الرئيس الصيني شي جين بينغ عناوين الأخبار، بعد أن غاب بشكل غير متوقع عن منتدى الأعمال في قمة بريكس (جلسة جانبية)، حيث كان من المتوقع أن يلقي خطاباً يدافع فيه عن اقتصاد الصين ودعمها للأسواق الناشئة، مع تزايد المخاوف من أن مشكلاتها قد تسبب اضطرابات عالمية.

وأوفد الرئيس الصيني وزير التجارة وانغ وينتاو،  لإلقاء الكلمة، رغم أنه كان قد وصل جنوب إفريقيا والتقى رئيسها، وانضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الجلسة افتراضياً. ومع ذلك، فإن الزعيم الوحيد الذي لم يلقِ كلمة في المنتدى هو الرئيس الصيني شي جين بينغ.

ويأتي ذلك فيما تحظى قمة بريكس باهتمام يفوق ما تحظى به قمم مجموعة العشرين والسبع والاتحاد الأوروبي، ويتساءل كثيرون: هل يتحول هذا التجمع الذي يضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، إلى كيان عملاق منافس لمجموعة السبع الصناعية، التي تقودها الولايات المتحدة؟

وهرولت العشرات من الدول بطلبات للانضمام لـ"بريكس" بما فيها حلفاء لأمريكا، ولكن هذا الزخم الذي اكتسبه التجمع يهدد بإثارة خلافات بين الأعضاء المؤسسين.

وقالت جنوب إفريقيا الشهر الماضي إن أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المنظمة، التي تهدف إلى تعويض الهيمنة المتصورة للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. وأضافت أن 22 من هؤلاء طلبت رسمياً الانضمام.

الرئيس البرازيلي يلمّح إلى وجود خلافات قبيل قمة بريكس

وكما يتضح من تصريحات الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، فإن المجموعة لديها وجهات نظر متباينة. وأكد الرئيس لولا، خلال بث على وسائل التواصل الاجتماعي، أن بريكس تركز على الوحدة بين الدول الأعضاء في الكتلة بدلاً من موازنة مجموعة السبع ومجموعة العشرين والولايات المتحدة.

قمة بريكس
الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا والرئيس الصيني شي جين بينغ يحضران حفل ترحيب في قاعة الشعب الكبرى في بكين في إبريل/نيسان 2023- رويترز

بينما حولت الصين القمة لمنبر للغمز من قناة الولايات المتحدة، إذ قال الرئيس الصيني في كلمته "يتعين علينا توسيع التعاون السياسي والأمني ​​لدعم السلام والهدوء".

واعتبر أن عقلية الحرب الباردة لا تزال تطارد عالمنا، والوضع الجيوسياسي يزداد توتراً.

التجمع يضم دولاً متباينة في الاتجاهات والأوزان

يمثل التنوع داخل مجموعة بريكس تحدياً هائلاً، خاصة ما يتعلق باختلاف كبير في التوجهات السياسية بين الدول الأعضاء.

إضافة التباين في الثقل الاقتصادي لكل منهم، على سبيل المثال هناك فارق هائل بين الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به الصين إلى الحجم المتواضع نسبياً لاقتصاد جنوب إفريقيا.

وينعكس هذا الاختلاف على طريقة اتخاذ القرار التي يشوبها الغموض، ويفترض أنها قائمة على الإجماع. 

مسألة توسيع "بريكس" هي نقطة الخلاف الرئيسية

الصين يبدو أنها تريد توسيع التجمع لضم عدد من الدول النامية والناشئة ذات الاقتصادات القوية، مثل السعودية. 

وتفيد تقارير بأن روسيا والصين تصران على التوسع. تقدم موسكو بالفعل لدول بريكس أول المرشحين للانضمام السريع: بيلاروسيا وإيران وفنزويلا. وتصادف أن الدول الثلاث من كبار أصدقاء روسيا، ومتهمين من قبل الغرب بدعم روسيا ضد أوكرانيا.

لكن الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تحاول إبطاء عملية توسيع بريكس، حسبما ورد في موقع Euro Topics.

فالبرازيل، ذات الاقتصاد الواعد، هي دولة غير العضو في مجلس الأمن الدولي، ولا تريد الإفراط في ميزة أنها عضو في هذا النادي النخبوي المحدود.

كما أنه رغم أن البرازيل تحت قيادة رئيسها اليساري لولا دا سيلفا تميل للتأكيد لاستقلالها عن الولايات المتحدة والغرب، ولكنها لا تريد تحويل بريكس لتجمع مناهض لأمريكا تقوده الصين وروسيا.

ومن الممكن أن يساعد توسيع مجموعة قوى الأسواق الناشئة في تعزيز ثقلها العالمي ومواجهة هيمنة مجموعة السبع. وقد أعربت عشرات الدول عن اهتمامها بالانضمام. وكانت الصين المحرك الرئيسي وراء إضافة المزيد من الأعضاء، لكن الهند، التي تشعر بالقلق من أن الكتلة يمكن أن تصبح لسان حال جارتها، دعت إلى اتباع نهج حذر.

نائب رئيس جنوب إفريقيا بول ماشاتيل يستقبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال وصوله جنوب إفريقيا لحضور قمة بريكس/رويترز

الهند من جانبها، تشعر أن رغبة الصين في توسيع البريكس، ما هي إلا وسيلة لتعزيز نفوذ بكين العضو صاحب الاقتصاد الأكبر في البريكس، والتي تلعب الدور الأكثر أهمية بالأخص في مبادرات التجمع المحتمَلة، لاسيما الاقتصادية.

وتضيف التوترات الحدودية المستمرة بين الهند والصين طبقة إضافية من التعقيد إلى عملية صنع القرار داخل المجموعة التي يحركها الإجماع.

ولكن رغم التحفظ الهندي المعلن على توسيع بريكس، فإن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يبدو أراد تجنب أن يقوم بدور الرجل الشرير أمام الدول الراغبة في الانضمام لـ"بريكس"، حيث أعلن خلال القمة دعمه العلني لإضافة أعضاء جدد إلى مجموعة البريكس ولكن على أساس التوافق بين الأعضاء الحاليين، فيما دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تسريع العملية.

كما أن الهند، رغم الإرث الطويل في النضال من أجل الاستقلال عن الغرب، ودورها في تأسيس حركة عدم الانحياز، ولكن تجد نفسها مضطرة لأن تقترب من الغرب، لأن الأخير يناصب الصين جارتها اللدودة العداء، بل إن أمريكا وحلفاءها الرئيسيين مثل اليابان وبريطانيا وفرنسا وأستراليا يغازلون الهند لتكون بديلاً للصين في سلاسل التوريد ومنافساً لها في الصناعات العسكرية ويلوحون بفتح خزانات الاستثمارات والتكنولوجيا، بما فيها العسكرية لنيودلهي.

يجعل هذا الهند متحفظة على محاولات الصين لتضخيم دور "بريكس" أمام الغرب، وفي الوقت ذاته فإنها راغبة أيضاً في الانضمام للجهود المتعددة الأطراف لإيجاد بديل أو منافس للدولار، وأن يكون لها صوت في تجمع دولي يمثل الاقتصادات الصاعدة غير الغربية.

مَن يتحمّس لإطلاق عملة بريكس، ومن يتحفظ عليها؟

المفارقة أنه في مجال إيجاد بديل او منافس للدولار، فإن المواقف تنعكس، تبدو البرازيل الدولة الأكثر حماساً لإطلاق عملة لبريكس بديلة للدولار، بينما بقية الدول، بما فيها الصين، تبدو حذرة في هذه المسألة، حيث خلا جدول أعمال القمة من هذه الفكرة.

وقال الرئيس البرازيلي إن بلاده تدعم فكرة إنشاء عملة موحدة بين المجموعة، مشدداً على أن المجموعة لا تهدف إلى تحدي التجمعات العالمية، أو الولايات المتحدة، ومؤكداً أن المجموعة لا ترفض الدولار الأمريكي، "فهو باقٍ" ولكن يمكن في بعض الأحيان إتمام التبادل التجاري بين أعضاء المجموعة بالعملات المحلية.

وتبدو روسيا أيضاً من أشد المتحمسين لإيجاد بديل للدولار، في ظل الحصار الغربي الذي تتعرض له.

ولكن في المقابل، اللافت أن أغلب المسؤولين في المجموعة يقللون من أهمية أي إشارة إلى أن الدور المهيمن على الدولار سيتضاءل في أي وقت قريب، وهو ما عبّر عنه وزير المالية الجنوب إفريقي أينوك جودونجوانا الذي قال للصحفيين في العاصمة بريتوريا، قبيل بدء القمة، إن "النقاش الحالي هو كيف نموّل المشاريع في كل من الدول الأعضاء في (بريكس) بعملاتها الخاصة". 

وأوضح أنه من السابق لأوانه أن تفكر جنوب إفريقيا في الانسحاب من نظام الدفع العالمي "سويفت" أو الحد من استخدامها للدولار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.

البرازيل تحاول موازنة علاقتها بين الصين والولايات المتحدة/رويترز

وقال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا، إن أعضاء مجموعة بريكس اتفقوا على إجراء المزيد من المحادثات حول كيفية تقليل اعتمادهم على الدولار، بما في ذلك تعزيز الاستخدام المباشر لعملاتهم في التجارة.

وقال رامافوزا: "سنواصل المناقشات بشأن التدابير العملية لتسهيل تدفقات التجارة والاستثمار من خلال زيادة استخدام العملات المحلية". وأضاف: "نعتقد أن هذه مسألة تحتاج إلى مزيد من المناقشات، خاصة بين وزراء ماليتنا".

ومسألة إنشاء عملة لبريكس عملية سياسية وفنية صعبة تحتاج إلى التزام عميق بين الدول الأعضاء بها، بما في ذلك جدول حول الاحتياطات التي تستند لها العملة، ورغم أن الصين وروسيا تحديداً لديهما احتياطات كبيرة، ولكن تأسيس عملة تستند لاحتياطات دول متعددة لم تصل العلاقة بينهم لتحالف أو شراكة عميقة، ومن بينهم دولة محاصرة بعقوبات غربية، مسألة حساسة.

دا سيلفا يريد مشاركة "بريكس" في الدبلوماسية حول الأزمة الأوكرانية

وقال الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا أمام قمة بريكس إن الحرب الروسية في أوكرانيا سلطت الضوء على القيود المفروضة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإن دول البريكس بحاجة إلى العمل معاً لإنهاء القتال.

 وقال: "إن البحث عن السلام واجب وضروري لتحقيق تنمية عادلة ومستدامة". "إن الحرب في أوكرانيا لها تأثيرات عالمية. نحن لا نقلل من صعوبات التوصل إلى السلام، لكن لا يمكنني أن أبقى غير مبالٍ بالوفيات والدمار الذي يتزايد كل يوم".

"بريكس" تبحث عن نقاط اتفاق.. اتحاد فضائي صيني وتعاون في الذكاء الاصطناعي

ومن القضايا اللافتة في قمة بريكس، اقتراح رئيس الوزراء الهندي إنشاء اتحاد فضائي لدول بريكس. وجاء الاقتراح قبل ساعات من محاولة مركبة فضائية من الدولة الواقعة في جنوب آسيا الهبوط بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. ومن شأن الهبوط الناجح أن يعزز مكانة الهند في سباق الفضاء العالمي، بعد أن تعرّضت لانتكاسة بسبب مهمة قمرية فاشلة في عام 2019.

وقال الرئيس الصين، في كلمته أمام قمة بريكس، إن الصين ستنشئ حديقة حضانة للعلوم والابتكار لدول بريكس. وقال أيضاً إن أعضاء الكتلة اتفقوا على اتخاذ إجراء سريع لبدء مجموعة دراسة الذكاء الاصطناعي وتوسيع تعاونهم في هذا المجال.

ويبدو أن دول بريكس تحاول التركيز على مجالات التعاون الفنية والعلمية الأقل إثارة للجدل من التوسع ومن محاولة تحدي هيمنة أمريكا، ومن المتوقع أن يكون هناك حلول وسط خاصة في قضية التوسع، وقد يشمل ذلك ضم عدة دول كمراقبين، على غرار ما حدث منظمة شنغهاي للأمن والتعاون بين الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى التي توسعت لتشمل باكستان والهند وأخيراً إيران، وقد تضم تركيا والسعودية أيضاً.

قد تتكون الدفعة الرئيسية في القمة الحالية بحث جهود التبادل بالعملات الوطنية وكذلك إصدار سندات دولية من قبل بنك البريكس بواسطة عملات الدول الأعضاء.

تحميل المزيد