استهداف موسكو.. إلى أين تتجه الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما موقف أمريكا من هذا “التصعيد”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/23 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/23 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
آثار الهجوم على العاصمة الروسية موسكو - رويترز

"واشنطن لا تشجع ولا تمكن أحداً من شن هجمات داخل روسيا"! كررت إدارة الرئيس جو بايدن هذا التصريح بعد استهداف أوكرانيا للعاصمة موسكو، فلماذا تنأى أمريكا بنفسها عن هذا التطور الخطير؟

كانت أوكرانيا قد كررت استهداف الأراضي الروسية بالطائرات المسيرة بشكل متزايد منذ بدأت هجومها المضاد الكبير قبل أشهر، والذي يهدف إلى استعادة السيطرة على الأقاليم الشرقية والجنوبية الواقعة تحت السيطرة الروسية منذ بدأت الحرب في فبراير/شباط 2022.

وفي كل مرة يحدث فيها استهداف أوكراني للعمق الروسي، تتجه التساؤلات مباشرة إلى واشنطن، الداعم الرئيسي والرسمي لحكومة كييف برئاسة فولوديمير زيلينسكي، بشأن موقف الإدارة الأمريكية من هذا الاستهداف وما قد ينتج عنه من رد فعل من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ماذا استهدفت أوكرانيا هذه المرة؟

وقبل الدخول إلى مكونات الصورة العامة للصراع الجيوسياسي في أوكرانيا وارتباط ذلك بالسعي الأمريكي لنفي التورط في استهداف الأراضي الروسية "بالتشجيع أو الدعم"، لنتوقف أولاً عند آخر مستجدات هذا الاستهداف الأوكراني.

أفادت وسائل الإعلام الروسية صباح الأربعاء 23 أغسطس/آب 2023 بأن هجوماً بمسيرة أوكرانية على قرية لافي الحدودية مع أوكرانيا في مقاطعة بيلغورود جنوب غربي روسيا أدى إلى مقتل 3 مدنيين.

وبحسب فياتشيسلاف غلادكوف، حاكم المقاطعة الروسية، ألقت المسيرة الأوكرانية عبوة ناسفة على شارع بالقرب من منتجع علاجي في القرية ما تسببت بمقتل ثلاثة مدنيين. وتبعد قرية لافي حوالي 22 كيلومتراً عن الحدود مع أوكرانيا.

يأتي ذلك بعد يوم واحد من هجوم كبير بمسيرات أوكرانية استهدفت العاصمة الروسية موسكو وتسبب في وقف الحركة في ثلاثة مطارات، حيث ذكرت "وكالة تاس" الروسية للأنباء، الثلاثاء 22 أغسطس/آب 2023، أن أكبر ثلاثة مطارات في موسكو علقت رحلات الوصول والمغادرة في ساعة مبكرة، وذلك بعد تعرض روسيا لسلسلة هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية، يومي الإثنين والثلاثاء، استهدف بعضها موسكو.

وقال أحد المسؤولين للوكالة إن "المجال الجوي مغلق فوق فنوكوفو وشيريميتييفو ودوموديدوفو"، وأضاف "لا يتم استقبال الرحلات الجوية، وأُرجئت الرحلات المغادرة".

وزارة الدفاع الروسية قالت إن الجيش أسقط طائرتين مسيرتين أوكرانيتين فوق منطقة بريانسك المتاخمة لأوكرانيا، وقال سيرغي سوبيانين، رئيس بلدية موسكو، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية أسقطت طائرتين مسيرتين مقاتلتين غربي العاصمة. وأضاف أنه تم إسقاط الطائرتين فوق بلدة كراسنوجورسك ومنطقة تشاستسي السكنية. كما ذكرت مراسلة لوكالة رويترز، كانت بالقرب من تشاستسي، إنها سمعت دوي أربعة انفجارات بعد الساعة الثالثة صباحاً.

أوكرانيا
رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي – رويترز

لم يعد استهداف العمق الروسي حدثاً عارضاً على ما يبدو، خصوصاً منذ شن هجوم ضخم بالمسيرات أواخر مايو/أيار الماضي ضربت واحدة منها مبنى الكرملين، وهو ما وصفته موسكو بأنه محاولة اغتيال أوكرانية للرئيس بوتين.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت يوم 30 مايو/أيار أن كييف حاولت مهاجمة موسكو بـ8 طائرات مسيرة، وأكدت أن الدفاعات الجوية تمكنت من تدميرها كلها: "نظام كييف حاول صباح اليوم شن هجوم إرهابي بطائرات بدون طيار على منشآت في مدينة موسكو. وشاركت في الهجوم 8 طائرات بدون طيار، وقد تم تدمير كل المسيرات".

لكن مقاطع فيديو أظهرت ارتطام مسيرة بمبنى الكرملين بالفعل، كما وقعت انفجارات أخرى في مناطق متفرقة من موسكو، التي تبعد أكثر من 500 كلم عن الحدود الأوكرانية، كما استهدفت مدناً روسية أخرى منذ ذلك اليوم، في مؤشر على أن العمق الروسي أصبح هدفاً أوكرانياً، وهو تطور نوعي يضع الصراع بأكمله في مفترق طرق.

ماذا تقول روسيا عن الهجمات الأوكرانية؟

تصف روسيا تلك الهجمات الأوكرانية بأنها "أعمال إرهابية" وتتوعد بالرد عليها، لكن النقطة الأهم في التصريحات الروسية تكمن في توجيه الاتهام لداعمي كييف وبخاصة واشنطن.

فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في تصريحات صحفية إن هذه الهجمات "كانت مستحيلة لولا المساعدة التي تُقدمها لنظام كييف الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

تعكس التصريحات الروسية، سواء من بوتين أو غيره من المسؤولين في الكرملين طبيعة الصراع، إذ إن الأزمة الأوكرانية هي أزمة جيوسياسية في طبيعتها، وفي جوهرها هي صراع بين روسيا والولايات المتحدة، ولهذا يصف بوتين "العملية العسكرية التي تشنها بلاده على أوكرانيا" بأنها نقطة تحول في التاريخ الروسي وتمرد موسكو ضد الولايات المتحدة التي يقول إنها أذلت روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991.

على الجانب الآخر، يرى كثير من المحللين أن بوتين قد سقط في "فخ" غربي يستهدف الأمريكيين منه استنزاف قدرات روسيا، على غرار ما واجهه الاتحاد السوفييتي في أفغانستان قبل عقود وكان سبباً مباشراً في انهياره. وعبّر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن نفسه عن هذا المعنى بقوله إن هدف واشنطن وحلفائها هو "إضعاف روسيا للأبد" ومنعها من إعادة بناء قوتها العسكرية مرة أخرى.

روسيا بوتين
بوتين يحمل سلاحاً نارياً/ رويترز

لكن في الوقت نفسه، كان الرئيس الأمريكي بايدن حريصاً على ألا يتحول الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وموسكو، من خلال رفض إمداد كييف بأسلحة هجومية أو صواريخ طويلة المدى قد تستخدم في استهداف العمق الروسي وتصبح لدى بوتين ذريعة لتوسيع رقعة الحرب وربما أيضاً استخدام ترسانته النووية الضخمة.

وفي هذا السياق، من المهم استدعاء ذلك التحذير الذي كان بوتين قد وجهه، بعد 100 يوم على بداية الحرب، إذ قال إنه سيقصف "أهدافاً لم نبدأ في قصفها بعد"، إذا سلمت أمريكا لأوكرانيا صواريخ بعيدة المدى، وسط تقارير إعلامية أمريكية نقلاً عن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن تحدثوا عن ذلك الاحتمال. لكن بايدن نفسه خرج نافياً نية إدارته تزويد كييف بأسلحة بعيدة المدى يمكنها أن تصيب أهدافاً داخل الأراضي الروسية.

لكن بعد 18 شهراً على اندلاع الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، يبدو أن كثيراً من الخطوط الحمراء قد تم تجاوزها، وأصبحت أوكرانيا في موقف يسمح لها بإطلاق عشرات المسيرات باتجاه الأراضي الروسية وصولاً إلى العاصمة موسكو، على أمل زيادة الضغوط على الكرملين لسحب قواته من الأراضي الأوكرانية، فهل هذا السيناريو محتمل بالفعل؟ وكيف يمكن أن يأتي رد الفعل الروسي إذا ما لاحت الهزيمة في الأفق؟

هل تنأى أمريكا بنفسها عن "التداعيات"؟

إذا كان ما يحدث على جبهة القتال بين روسيا وأوكرانيا قد أصبح "مواجهة صفرية"، بمعنى أن أي من الطرفين غير قادر على إلحاق الهزيمة الساحقة بالطرف الآخر، فإن استهداف العمق الروسي ربما يكون مقدمة لمرحلة تصعيدية جديدة، هدف كييف منها هو "استنزاف" الداخل الروسي عسكرياً ومدنياً على أمل زيادة الغضب الشعبي ضد الحرب.

صحيح أن كييف تتجنب الاعتراف رسمياً بتلك الهجمات في العمق الروسي، لكن مسؤولي إدارة زيلينسكي لا يخفون "ابتهاجهم" بتلك الهجمات، وحتى زيلينسكي نفسه صرح في أكثر من مرة بأنه قد "حان الوقت كي يتذوق الروس مرارة الإرهاب الذي يمارسونه ضد شعبنا".

لكن السؤال هنا يتعلق بموقف واشنطن من هذا التصعيد، وهو ما عبَّر عنه متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بقوله إن بلاده "لا تشجع أو تمكن أحداً من شن هجمات داخل روسيا"، بحسب رويترز.

بايدن أوكرانيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الأوكراني /رويترز

وهذا التصريح في حد ذاته ليس جديداً، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قال هذه المرة إن "الأمر متروك لكييف لتختار كيف تدافع عن نفسها" في مواجهة ما وصفه بأنه "غزو روسي"، مشيراً إلى أنه بوسع موسكو إنهاء الحرب في أي وقت وذلك بالانسحاب من أوكرانيا.

لكن واشنطن تدرك تماماً أن موسكو لن تنسحب طواعية من الأراضي الأوكرانية، فماذا يعني هذا التحول في الموقف الأمريكي؟ إطلاق يد كييف في مهاجمة الأراضي الروسية قد يلحق أضراراً بالمباني أو يسقط مدنيين، كما حدث بالفعل، لكن أن يجبر الرئيس الروسي على إنهاء "العملية العسكرية الخاصة" كما يصفها الكرملين دون تحقيق "أهدافها" هو على الأرجح أمر مستبعد تماماً.

وكان هذا بالتحديد ما عبَّر عنه ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، خلال تصريحات صحفية رداً على استهداف مبنى الكرملين في أواخر مايو/أيار، حيث قال إن هجوم الطائرات المسيرة على موسكو، وكذلك قصف مناطق روسية أخرى، يؤكد ضرورة تحقيق الأهداف التي تم تحديدها خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

في ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن إدارة الرئيس جو بايدن، المقبل على انتخابات شرسة العام المقبل للفوز بفترة رئاسية ثانية، ربما تكون قد قررت المراهنة على أن الهجمات الأوكرانية في العمق الروسي سيكون لها تأثير إيجابي على مسار الحرب في أوكرانيا ويمكن كييف من "تحرير" مزيد من أراضيها الواقعة تحت السيطرة الروسية، من خلال تشتيت المجهود الحربي لموسكو بين الدفاع عن أراضيها وعمقها وبين الدفاع عن الأراضي الأوكرانية الواقعة تحت سيطرتها. لكن ماذا لو تحقق بالفعل ذلك السيناريو الذي "تتمناه" إدارة بايدن؟ هل سيقبل بوتين بالهزيمة؟ هذا هو السؤال!

تحميل المزيد