قبل وقت ليس بالطويل، تعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنَّ الولايات المتحدة "ستتصدى للتراجع الديمقراطي من خلال فرض تكاليف باهظة على الانقلابات" في إفريقيا. لكن بعد مرور ثلاثة أسابيع من وقوع تمرد عسكري في إفريقيا شارك فيه ضباط درَّبتهم الولايات المتحدة، ترفض وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وصف الاستيلاء العسكري على السلطة في النيجر بأنَّه انقلاب.
فبعدما استولى مجلس عسكري نيجري، يُسمِّي نفسه "المجلس الوطني لحماية الوطن"، على السلطة في 26 يوليو/تموز واحتجز الرئيس المنتخب ديمقراطياً، محمد بازوم، وصفت فرنسا والاتحاد الأوروبي الأمر على الفور بأنَّه انقلاب. لكن بعد مرور أسابيع، امتنع مسؤولو البنتاغون مراراً وتكراراً عن استخدام تلك الكلمة، حسبما ورد في تقرير لموقع The intercept الأمريكي.
جرى الضغط على نائبة المتحدث الإعلامي باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، في وقتٍ سابق هذا الأسبوع بشأن سبب عدم وصف الولايات المتحدة الاستيلاء على السلطة في النيجر بكونه انقلاباً. فقالت: "يبدو الأمر بالتأكيد وكأنَّه محاولة انقلابية هنا. لدينا أصول ومصالح في المنطقة، وأولويتنا الرئيسية هي حماية تلك المصالح وحماية مصالح حلفائنا. لذا، فإنَّ تصنيفاً مثل الذي تشيرون إليه بالتأكيد يُغيِّر ما سنكون قادرين على فعله في المنطقة والطريقة التي سنتمكَّن من خلالها من الشراكة مع الجيش النيجري".
عدم وصف أمريكا ما حدث في النيجر بالانقلاب يضر بمصداقيتها
وقالت إليزابيث شاكلفورد، وهي زميلة أولى بمجلس شيكاغو للشؤون العالمية: "عدم وصف انقلاب بأنَّه انقلاب لا يُقوِّض فقط مصداقيتنا، بل يضر أيضاً بمصالحنا طويلة الأجل في هذه البلدان".
وتضيف قائلة: "هنالك سبب وجيه لوجود نواهٍ قانونية لدى الولايات المتحدة بخصوص تقديم مساعدات أمنية للمجالس العسكرية. فليس من مصلحتها الوطنية طويلة الأجل أن نفعل ذلك".
وتنص التشريعات الأمريكية الخاصة بالانقلابات، خصوصاً البند 7008 من "قانون الاعتمادات الموحدة"، على أنَّ أي بلد "يطيح فيه انقلاب عسكري أو مرسوم برئيس الحكومة المنتخب حسب الأصول" سيُحظَر تلقائياً من الحصول على حزمة واسعة من المساعدات الخارجية التي يخصصها الكونغرس. وربما يهدف تردد البنتاغون في وصف الانقلاب في النيجر بأنَّه انقلاب للحفاظ على القدرة على مواصلة تقديم المساعدة الأمنية للنيجر تحت حكم الجيش.
إليك سر تجنب واشنطن لتسمية الإطاحة بالرئيس بازوم بالانقلاب
في حين وصفت نائبة المتحدث الإعلامي باسم البنتاغون، الانقلاب الذي دخل أسبوعه الثالث بأنَّه ليس أكثر من محاولة، فإنَّها كانت واضحة حيال السبب الذي قد يجعل واشنطن متحفظة بشأن قطع العلاقات مع المجلس العسكري. وقالت: "النيجر شريك، ولا نرغب في رؤية هذه الشراكة تنتهي. ومثلما تعلمون، لقد استثمرنا مئات الملايين من الدولارات في قواعد هناك وتدرَّبنا مع الجيش هناك".
وأنفق دافعو الضرائب الأمريكيون منذ عام 2012 أكثر من 500 مليون دولار على تلك الشراكة، ما يجعلها واحداً من أكبر برامج المساعدات الأمنية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وتستضيف النيجر واحدة من أكبر وأغلى قواعد الطائرات دون طيار التي يديرها الجيش الأمريكي. وتُعَد "القاعدة الجوية 201″، المبنية في مدينة أغاديز شمالي البلاد بتكلفة أكثر من 110 ملايين دولار وتكاليف صيانة سنوية تبلغ ما بين 20 إلى 30 مليون دولار سنوياً، هي مركز للمراقبة وركيزة أساسية لمجموعة المراكز الأمريكية في غرب إفريقيا. وتضم القاعدة أفراداً من قوة الفضاء الأمريكية، ووحدة عمليات جوية خاصة مشتركة، وأسطولاً من الطائرات دون طيار، بما في ذلك طائرات MQ-9 Reapers.
العسكر هددوا الأمريكيين بإعدام بازوم إذا تدخلت الإيكواس
وفي الشهر السابق على الانقلاب، كانت قاعدة الطائرات دون طيار موقعاً للقاء بين الجنرال موسى سالاو بارمو، قائد القوات الخاصة النيجرية، والجنرال جوناثان براغا، قائد العمليات الخاصة للقوات المسلحة الأمريكية. وفي غضون أسابيع، ساعد بارمو في الإطاحة ببازوم، وفقاً لمسؤول حكومي أمريكي، فإنَّه نقل تهديداً للقائمة بأعمال نائبة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند بإعدام الرئيس المعزول في حال حاولت البلدان المجاورة القيام بانقلاب عسكري.
وعند سؤال متحدث باسم البنتاغون حول ما إن كانت سينغ تراوغ من أجل تجنُّب وصف الإطاحة ببازوم بالانقلاب، فإنَّه أحال المسؤولية إلى وزارة الخارجية. فقال الرائد بيتي نغوين لموقع The Intercept الأمريكي: "لا تحدد وزارة الدفاع ما إن كان الوضع في النيجر انقلاباً أم لا. وزارة الخارجية ستحدد ما إن كان الوضع في النيجر يمثل انقلاباً".
القانون الأمريكي ينص على فرض عقوبات حتى لو لم يتم وصف الأمر بالانقلاب
تقول سارة هاريسون، التي عملت 4 سنوات مساعدة في مكتب المستشار العام في البنتاغون، بما في ذلك تقديم المشورة بشأن الأنشطة الأمريكية في إفريقيا، إنَّ هنالك سوء فهم شائعاً بأنَّ عدم وصف عملية استيلاء عسكري على السلطة بـ"الانقلاب" يعني أنَّ الحكومة الأمريكية لا يتعيَّن عليها فرض قيود.
وقالت هاريسون: "قلق إدارة بايدن المفرط بشأن قول (انقلاب) هو أمر سخيف. لا يتطلَّب القانون تصنيفاً رسمياً، وينطبق بصرف النظر عما يختاره المسؤولون لوصف الأحداث".
وقال إلياس يوسف، محلل الأبحاث في برنامج الدفاع التقليدي التابع لمركز ستيمسون، لموقع The Intercept: "من خلال وصف الأمر بأنَّه (محاولة انقلابية)، فإنَّ هناك إشارة ضمنية إلى أنَّه سيكون هناك تراجع عنها ونفي للحقائق على الأرض بأنَّ الرئيس قيد الإقامة الجبرية الصارمة وأنَّ المجلس العسكري يدير المشهد.. لقد وقع انقلاب في النيجر.. هذا هو الواقع".
وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أنَّ "الحكومة الأمريكية ستوقف مساعدات برامج خارجية معينة تفيد حكومة النيجر". لكنَّ وزارة الخارجية لم ترد على أسئلة موقع The Intercept بشأن ما هي بالتحديد البرامج التي ستتوقف وما إن كانت المساعدات الأمنية ستستمر في التدفق على المجلس العسكري. وقبل إعلان بلينكن مباشرةً، صرَّح متحدث باسم الخارجية الأمريكية لموقع The Intercept بأنَّه "لا يوجد قرار بشأن المساعدات الأمنية في الوقت الحالي".
الانقلابات والمساعدات تاريخ ملتبس
فرضت الولايات المتحدة القيود المرتبطة بالانقلابات لأول مرة عام 1984، حين تصارعت إدارة ريغان من الكونغرس حول المساعدات العسكرية للسلفادور. ومرَّر الكونغرس في العام التالي قانوناً يطبِّق القيود المرتبطة بالانقلاب على كل البلدان الأخرى. وجرى تضمين قيود مماثلة في كل مشروع قانون للاعتمادات السنوية لوزارة الخارجية منذ ذلك الحين. مع ذلك، كثيراً ما استخدمت الولايات المتحدة ثغرات وتحايلات وتفسيرات صارمة أو انتقائية للقانون من أجل الإبقاء على تدفق المساعدات العسكرية عند الإطاحة برؤساء الدول، بما في ذلك مصر عام 2013، وبوركينا فاسو عام 2014، وتشاد عام 2021.
وحتى حين جرى تقييد المساعدات عقب الانقلابات، أبقت قنوات التمويل البديلة أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تتدفق إلى خزائن المجالس العسكرية. فوفقاً لإجابات وزارة الخارجية على أسئلة من موقع The Intercept، تستمر المساعدات الأمنية أيضاً في تمويل المجالس العسكرية في مالي، التي شهدت انقلابين عامَي 2020 و2021، وغينيا (2021)، وبوركينا فاسو (شهدت انقلابين في عام 2022).
وقالت شاكلفورد: "لدينا قوانين مُطبَّقة لضمان ألا نساعد في تدعيم أولئك الذين يُقوِّضون الديمقراطية.. حين نجد طرقاً للالتفاف على تطبيق تلك القوانين عندما يكون ذلك غير ملائم، فإنَّنا نُقوِّض بذلك نفوذنا والاستقرار الذي كانت تلك القوانين تهدف لتعزيزه".