لقد برهنت أحداث التاريخ من قبلُ أن حادثة واحدة تكفي لإشعال الأمور في لبنان، وإعادته إعادةً كاملة إلى أتون العنف والانهيار الاجتماعي، وحادثة الكحالة التي شهدت اشتباكاً بين مقاتلي حزب الله ومسلحين مسيحيين قد تمثل جرس إنذار خطير بالنسبة للبنان.
وأدى اشتباك بالأسلحة النارية وقع في بلدة الكحالة المسيحية، بين مقاتلين تابعين لحزب الله يحمون شاحنة محملة انقلبت بالبلدة ومسلحين من البلدة، في 9 أغسطس/آب، إلى زيادة المخاوف بشأن مستقبل الأمن في لبنان، والخشية على مصير التماسك الاجتماعي بين الطوائف المختلفة بالبلاد.
لحسن الحظ أن حادثة الكحالة لم تؤد إلى اشتباكات مسلحة أوسع، لكن استقرار الأمور في البلاد لا يزال عرضة للتقلب في أي وقت، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
إليك ما يُعرف عن تفاصيل حادثة الكحالة
بدأت الواقعة حين انقلبت شاحنة مملوكة لحزب الله اللبناني على طريق سريع يربط بيروت بوادي البقاع في قرية الكحالة ذات الأغلبية المسيحية. وبعد الحادث، حاصر سكان البلدة الشاحنة؛ للاطلاع على ما جرى، لكن تطورات الأمور أفضت إلى اشتباك بين عناصر حزب الله وأهالي الكحالة، ما أسفر عن مقتل شخصين، أحدهما من الأهالي، ويُدعى فادي بجَّاني، والآخر من أنصار حزب الله، ويُدعى أحمد علي قصَّاص. ونشرت وسائل إعلام محلية مقطع فيديو يظهر لحظة إصابة بجَّاني بإطلاق النار. وقد نُقل مصاباً إلى المستشفى، ثم أعلن عن وفاته هناك.
وقال بيان حزب الله إنه "بينما كان المعنيون بإيصال الشاحنة يقومون بإجراء الاتصالات بعد انقلابها لطلب المساعدة ورفعها من الطريق لمتابعة سيرها إلى مقصدها، تجمّع عدد من المسلحين ممن وصفتهم بـ(الميليشيات) الموجودة في المنطقة، وقاموا بالاعتداء على أفراد الشاحنة؛ في محاولة للسيطرة عليها".
الحادثة تهدد برفع الاحتقان بين الشيعة والمسيحيين، والجيش تدخل متأخراً لكنه أنقذ الموقف
سيطر الجيش اللبناني على الوضع في النهاية، وأقام حصاراً أمنياً يمنع المركبات غير المصرح لها من دخول المنطقة.
وتدخُّل الجيش اللبناني، ولو أنه جاء متأخراً، فتح الباب أمام استيعاب التأزُّم السياسي وحال دون أن يتطور إلى صدام بين أبناء بلدة الكحالة والمجموعة الحزبية المسلحة المكلّفة بمواكبة الشاحنة، حسب وصف تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وأفادت تقارير إعلامية بأن حزب الله سلم 4 من عناصره المتورطين في الحادثة إلى القضاء.
هناك حساسية مسيحية شديدة تجاه أي وجود مسلم في مناطقهم حتى لو كان غير مسلح
وتهدد الحادثة برفع مستوى الاحتقان بين المسيحيين والشيعة في لبنان، في ظل حساسية المسيحيين الشديدة تجاه أي وجود مسلم في مناطقهم (حتى لو مجرد السكن)، فما بالك لو وصل الأمر لشاحنة تحمل سلاحاً، ومسلحين شيعة يطلقون النار في أحيائهم.
وبينما هناك وجود معروف ومعلن لحزب الله في كثير من المناطق السنية، لا سيما السنية الشيعية المشتركة (وبالأكثر لحليفه حركة أمل)، فإنه عادةً لا يكون هناك وجود عسكري للحزب في المناطق المسيحية، في ظل الحساسية المسيحية المعروفة، خاصةً أنه نادراً ما يكون هناك مناطق سكنية مسيحية مشتركة، ويسكن المسيحيون الموارنة والروم الكاثوليك على وجه الخصوص في مناطق جبلية وعرة نسبياً ومعزولة عن مناطق المسلمين إلا في بعض مناطق التماس.
وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، كان السبب الرئيس لانهيار التحالف بين الميليشيات المسيحية ونظام حافظ الأسد الذي دعمهم ضد الفلسطينيين والدروز وقوى اليسار في بداية الحرب، هو رفض الأحزاب المسيحية دخول القوات السورية إلى مدينة زحلة في البقاع (والتي يصفها المسيحيون بمعقل الكثلكة).
وخلال أحداث 7 مايو/أيار 2008، التي نفذها الحزب رداً على محاولة حكومة السنيورة تفكيك شبكة اتصالات حزب الله، اقتحم مسلحو الحزب وحركة أمل الشيعة مناطق السنة في بيروت، كما قصف حزب الله مناطق درزية في الجبل، ولكن لم يحدث أي اشتباك في المناطق المسيحية، رغم أن حزب القوات اللبنانية وأحزاباً مسيحية أخرى كانت من أشد مناهضي حزب الله.
تيار عون ينأى بنفسه عن حليفه حزب الله
وعمَّ الحزن سكان قرية الكحالة الذين دفنوا جثمان بجَّاني في كنيسة قريبة، ونشروا صورة كبيرة له بالقرب من موقع الحادث. وحدث الأمر نفسه مع قصاص، فقد احتشد أهالي الضاحية الجنوبية في بيروت حول جثمانه وشيعوه في جنازة كبيرة، وعدُّوه "شهيداً" سقط في أثناء قيامه بواجبه. وفي غضون ذلك، تعرَّضت سيارة وزير الدفاع اللبناني موريس سليم لإطلاق نار، وقيل في أول الأمر إنها محاولة اغتيال.
وحتى التيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس السابق العماد ميشال عون والذي ما زال رسمياً يعد حليفاً لحزب الله، لم يستطع التخفيف من وطأة الهجوم الذي استهدفه من قبل خصومه في الشارع المسيحي، واضطر إلى مراعاة الأجواء التي سادت البلدة، وهذا ما تضمنه البيان الذي أصدره بقوله إن كل ضحية سقط جاء نتيجة قصور من "حزب الله" أو القوى الأمنية.
وأكد الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، أنّ التحريض، الذي حدث في أثناء حادثة الكحالة وبعدها، "كاد يُشعل فتنة، يمكن أن نعرف كيف تبدأ، لكن لا نعرف كيف تنتهي".
وتقول صحيفة الشرق الأوسط: "ومن تابع ردود فعل نواب (التيار الوطني)، توقف أمام تجاوز معظمهم للموقف الذي صدر عن رئيسه النائب جبران باسيل، ولاحقاً لدعوة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون إلى التهدئة".
ويعترف قيادي بالتيار، حسب الصحيفة، بأن ردود فعل أعضاء التيار شكّلت إزعاجاً لرئيس التيار جبران باسيل الطامح إلى أن يدعم حزب الله وصوله للرئاسة، خاصةً أنه أطلق حواراً مستجداً مع الحزب.
ولا يؤيد "التيار" محاولات وضع اللوم على قائد الجيش العماد جوزيف عون، بذريعة التأخر في سيطرة الوحدات العسكرية على الوضع المتأزّم
اتهامات لحزب الله بخطف وقتل قيادي سابق بالقوات اللبنانية في الجنوب
واستدعت هذه الأحداث سؤال الناس عن سبب ترك الأمور على هذا النحو. فموضوع "سلاح حزب الله" من القضايا التي تكاد لا تغيب عن صدارة النقاش الوطني في لبنان، خاصةً أن البلاد ما انفكت تشهد مزيداً من الحوادث المميتة التي تسد الباب أمام أي محاولة لتجاهل هذه المشكلة بعد الآن.
ومما يزيد الطين بلة أن الأيام السابقة للحادث شهدت كذلك مقتل إلياس الحصروني، المسؤول بحزب "القوات اللبنانية" المسيحي، والذي قال أهله إنه اختُطف ثم قُتل في بلدته بنت جبيل الواقعة في جنوب لبنان. وقد أعلنت السلطات عن فتح تحقيق للكشف عن المتهمين بقتل الحصروني ودوافع ارتكاب الجريمة.
من المعروف أن جنوب لبنان هو معقل حزب الله، وقد بدأت الشائعات تنتشر بأن الحزب ضالع في اختطاف المسؤول المتقاعد وقتله. وأصدر سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية، بياناً طالب فيه قوات الأمن المختصة، بكشف الحقيقة على الفور، ورفض التقرير الأولي الذي خلص إلى أن الحصروني قد تُوفي بحادث سيارة.
وقال جعجع في بيانه: "تبيَّن في اليومين الماضيين أن وفاة رفيقنا إلياس الحصروني في عين إبل لم تكن نتيجة حادث سير كما ورد في المعلومات الأوليَّة"، فقد ظهر "من خلال كاميرات المراقبة الخاصة في المنازل المجاورة لمكان الحادث، أنَّ رفيقنا إلياس قد أُعدَّ له كمين محكم مكون من سيارتين على الأقل، وأنه اختُطف من قبل عناصر الكمين، الذين يقدر عددهم بما بين ستة وتسعة أفراد، ونُقل إلى مكان آخر قتلوه فيه".
لم يكن جعجع هو الوحيد الذي علق على وفاة الحصروني، فقد كتب سامي الجميل، زعيم "حزب الكتائب"، كلمة مدح فيها الحصروني ووصفه بـ"المقاوم البطل"، لكنه زعم أنه لا داعي للاستنكار ولا المطالبة بفتح تحقيق رسمي لمعرفة الحقيقة، لأنها "واضحة وضوح الشمس"، فالحادثة "وقعت في منطقة أمنية معروفة الهوى. بالأمس في المجدل، واليوم في عين إبل، وغداً في أي منطقة في لبنان! البلد مخطوف واللبنانيون رهائن، ونحن في حالة صمود ومقاومة، ولن ينالوا من عزيمتنا".
شكوك في نزاهة مؤسسات الدولة لأن كثيرين يرونها تابعة للحزب
ويرى كثير من اللبنانيين المعارضين لـ"حزب الله" أن مؤسسات الدولة خاضعة لسيطرة الحركة المتحالفة مع إيران، وأن هذه المؤسسات لا يمكنها العمل مستقلةً عن الحزب. ويذهب بعضهم إلى أن بقية الثقة بهذه المؤسسات قد ذهبت تماماً بعد حادثة الكحالة، لكن الوصول إلى استراتيجية جديدة لمواجهة الأمر لا يزال أمراً بعيد المنال.
إلياس حنكش، عضو البرلمان اللبناني وممثل حزب الكتائب، تحدث إلى مجلة National Interest، وشدد على أنه "لا يمكننا الاستمرار في فعل الأشياء بالطريقة القديمة؛ ولا يمكن الوثوق بالنهج المؤسسي. يجب أن تتغير أدواتنا تغييراً حقيقياً".
لم يوضح حنكش ما يقصده على وجه التحديد، لكنه قال إن العمل جارٍ لإصدار بيان بشأن الخطوات القادمة قريباً. وتشير الأوضاع القائمة على الأرض في لبنان إلى أنه لا سبيل للعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل حادثة الكحالة. فقد سئم الناس الحداد ودفن أحبائهم، وهم يريدون الأمن والازدهار، ويرى كثير من اللبنانيين أن الصيغة الحالية في إدارة الأمور لا يمكنها أن تحقق أياً منهما.
حزب الله يحاول تحجيم الحادثة، ومعارضوه يحاولون فتح ملف سلاحه
,حذر مسؤول قسم التبليغ والأنشطة الثقافية في "حزب الله" علي فحص، من الانجرار وراء "فتنة طائفية" في لبنان. جاء ذلك خلال خطاب ألقاه فحص أثناء مراسم تشييع أحمد علي قصاص، أحد عناصر "حزب الله"، الذي لقى مصرعه في الاشتباكات المسلحة مع أبناء منطقة الكحالة ذات الغالبية المسيحية.
وعقدت مراسم التشييع في ضاحية بيروت الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، وسط حشود غاضبة تخللها إطلاق أعيرة نارية كثيفة، وفق مراسل الأناضول. وردد المشاركون في الجنازة عبارات بينها "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل".
وبينما يحاول حزب الله تحجيم حادثة الكحالة؛ حتى لا يعود ملف السلاح لصدارة الجدل، ويساعد على ذلك أنه من وجهة النظر الطائفية أن من قتل عنصر الحزب في حادثة الكحالة تم قتله فوراً، وهو ما أغلق الباب أمام ظهور دعوات للأخذ بالثأر في أوساط الطائفة الشيعية.
في المقابل، تذهب المعارضة إلى أنه لا بد من حل مشكلة "سلاح حزب الله" في أقرب وقت، وإلا فإن الوضع الأمني سيستمر في التدهور.
وذكرت صحيفة "إندبندنت عربية" أن هناك معلومات تشير إلى أن اتصالات مكثفة تجري بين الأحزاب المعارضة سواء على مستوى التكتلات النيابية أو المجموعات السياسية غير الممثلة في الجبهة، إذ يتم نقاش خطوات منسقة للمرحلة المقبلة، ضمنها عقد جبهة سياسية واسعة على طريقة لقاء "البريستول" عندما أطلقت شرارة مواجهة الاحتلال السوري عام 2005.
وبرأي مجموعات عديدة تؤيد هذا الطرح، فإنّ طرح سلاح "حزب الله" على طاولة البحث بات أولوية لمستقبل السلاح، إذ برأيهم "هذا السلاح الآن هو الذي يغذي ميليشيات رديفة سواء في المخيمات أو سرايا المقاومة التابعة للحزب والتي تتوسع على مستوى الطائفة السنية أو غيرها ممن يصفها معارضو حزب الله بأنها عصابات يسيّرها الحزب".
يعتبرون أن البند الذي شرعن سلاح الحزب في بيان الحكومة سقط
وتشدد هذه المجموعات على فكرة سقوط شرعية "حق اللبنانيين بتحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي" الواردة في البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إذ برأيهم حصلت انتخابات نيابية منذ أكثر من عام ولم يعطِ المجلس الجديد الشرعية لهذه الصيغة، في حين أن الحكومة الموقتة هي حكومة تصريف أعمال، وبالتالي فإن هذا البند معلق إلى حين تشكيل حكومة جديدة ونيل بيانها الوزاري الثقة في مجلس النواب، مؤكدةً أن من حق الجيش اللبناني اعتبار هذا البند غير موجود والتصرف تجاه أي سلاح غير شرعي.
وأشار عضو "الجبهة السيادية اللبنانية"، المحامي إيلي محفوض، إلى أن السلاح الذي يدخله "حزب الله" إلى لبنان ليس موجهاً ضد إسرائيل، إنما هدفه خدمة الأجندة الإيرانية وحماية مصالحها، لافتاً إلى أن جولة قائد "فيلق القدس"، إسماعيل قاآني، على "الجبهات" في سوريا وقدومه إلى لبنان، إضافة إلى تأكيد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، ما يسمى "وحدة الساحات"، يؤكد هوية السلاح وأهدافه. ورأى أن تحالف "الممانعة" يخشى من قرار أمريكي بإقفال "الممر" البري الذي يربطه بإيران عبر الحدود السورية – العراقية، وبالتالي بات بحالة توتر واستنفار، معتبراً أن المعلومات عن اجتماع للميليشيات الإيرانية في بلدة الطفيل اللبنانية قرب الحدود مع سوريا، تأتي في سياق تفعيل غرفة عمليات مشتركة بانتظار أوامر إيرانية، الأمر الذي يؤكد أن هوية سلاح "حزب الله" ووجهة استعماله ليستا إسرائيل، بل خدمة المشروع الإيراني.
أما برأي الصحفي المقرب من "حزب الله" عبد الله قمح، "فيحق للحزب الدفاع عن طريق إمداده اللوجيستي والعسكري البري، المار براً في إيران – العراق – سوريا – لبنان"، مشيراً إلى أن من "بين أهداف الحرب في سوريا، قطع هذا الطريق ووضع حرس عليه مؤلف من عصابات المسلحين؛ تسهيلاً للانقضاض على المقاومة في الداخل اللبناني وعزلها" حسب وصفه، مشدداً على أن الحزب نجح في حماية "الممر". وأكد أن الحزب لن يسمح بقطع هذا الممر البري لا في بلدة "الكحالة" التي تقع على هذا الممر قرب بيروت أو حتى في أي مكان من الأماكن التي تعتبر ممرات استراتيجية لإمدادات الحزب.
في المقابل، رأى رئيس "مركز الشرق الأوسط" للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن هشام جابر، أن حادثة "الكحالة" هي محاولة فتنة غير محضرة سابقاً، حسب تعبيره، إلا أن ما ظهر أكد وجود مسلحين بشكل دائم في كل المناطق اللبنانية، مشيراً إلى أن "الجيش كان واضحاً في بيانه عن حادثة الكحالة، وسلاح حزب الله في شمال الليطاني وفق القرار 1701 لا يزال موجوداً وهم يتجولون به، والدولة اللبنانية لم تتخلَ عن شرعية المقاومة، فالذي يعترض على وجود السلاح يسهم في خلق فتنة".
كل مقومات الحرب الأهلية موجود في لبنان، فما الذي يمنعها؟
وتعلق مجلة The National Interest الأمريكي، قائلة لكن من المهم في الوقت ذاته أن لا تترك إدارة الأمور إلا للعقلاء، وألا يُسمح للغضب بأن يؤدي إلى زلة تجر الدولة بأكملها إلى الفوضى. وفي النهاية، يجب أن يكون للجيش اللبناني الكلمة الأولى والأخيرة في التعامل مع الأسلحة والأمور الأمنية. وعلى كل حزب ومواطن في لبنان أن يحترم ذلك.
إن كل مقومات الحرب الأهلية في لبنان قائمة، طوائف متعادية أغلبها مسلحة، حكومة ضعيفة ومفلسة وخاضعة للمحاصصة الطائفية، وإرث مرير من العداوة وتدخل خارجي سافر تنفذه دول متنافسة.
ولكن هناك عاملين يمنعان وقوع حرب أهلية بلبنان، الأول ذكريات الحرب الأهلية السابق التي بدأت منتصف السبيعينيات واستمرت 15 عاماً، خاصة أن قادة الأحزاب الحاليين هم زعماء الميلشيات التي خاضت هذه الحرب ويعلمون مقدار بشاعتها، ولكن مع استمرار الوقت وتزايد الاحتقان تضعف هذه الذاكرة المانعة للاحتراب الأهلي، كما تظهر أجيال جديدة ليس لديها هذه الذاكرة.
العامل الثاني أن قوة حزب الله العسكرية الذي يعد حالياً قوة عسكرية إقليمية، تجعل خصومه يفكرون كثيراً قبل خوض الحرب معه.
ولكن مع استمرار الاحتقان والتعبئة، وغياب حل لمشكلات البلاد بما فيها مشكلة سلاح الحزب، ودوره في تعطيل انتخاب حكومة ورئيس الذي يجعل خصومه يتهمونه مسؤولاً عن إفلاس البلاد، إضافة لشعور المسيحيين بأنهم محصنون في مناطقهم الجبلية، وان هذه الحصانة مهددة بمثل هذه الحوادث، فإن كل ذلك قد يضعف المصدات التي تمنع وقوع هذه الحرب الأهلية.