هل يتحول البريكس لكيان عملاق منافس للغرب أم يفسد أصدقاء أمريكا الخفيون بالتجمع هذه الخطة الصينية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/08/20 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/20 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مع نظيره الصيني شي جين بينغ/رويترز، أرشيفية

يجتمع الأسبوع المقبل زعماء مجموعة "بريكس" -البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- في قمة كبرى تُعقد في جوهانسبرغ، وتسعى فيها موسكو وبكين إلى تقوية أركان التحالف الاقتصادي الذي يقدم نفسه في صيغة المُوازن للنظام الدولي الذي يتزعمه الغرب. ويبدو أن كلاً من روسيا والصين عازمة على بث حياة جديدة في كتلة بريكس؛ لكي يُظهروا لدول العالم أن لديهم بدائل للتحالفات والمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة والتي هيمنت على شؤون العالم عقوداً طويلة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Foreign Policy الأمريكية.

ومن الواضح أن كثيراً من الدول ترغب في إيجاد بديل للنظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، فقد أعربت نحو 40 دولة متنوعة (مثل الأرجنتين والسعودية وكازاخستان) عن اهتمامها بالانضمام إلى البريكس، ودُعي أكثر من 67 من زعماء العالم وكبار الشخصيات لحضور القمة الأسبوع المقبل.

البريكس بديل محتمل للقيادة الأمريكية الرديئة

وقال سارانغ شيدور، مدير برنامج الجنوب العالمي بمعهد كوينسي الأمريكي للأبحاث: "سيراقب الجنوب العالمي بانتباهٍ قمة بريكس الأسبوع المقبل؛ آملاً أن يحقق هذا التجمع الصاعد لبعض القوى العالمية الكبرى والمتوسطة تقدماً في سد الفجوات الكبيرة التي تسببت فيها الحوكمة الرديئة للعالم تحت زعامة أمريكا". ولفت شيدور إلى أنه في الوقت الذي كانت تعاني فيه الأسواق الناشئة من أعباء جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، لم تقدم واشنطن لها إلا قليلاً من الدعم، بل زادت الأمور سوءاً بأن مضت في حملة شرسة لرفع أسعار الفائدة، ما أدى إلى تفاقم الاضطرابات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

لحظة تعيد للأذهان مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي أسس حركة عدم الانحياز

وتتشابه الأسباب التي تستند إليها قمة الأسبوع المقبل مع الغايات التي انعقد من أجلها "مؤتمر باندونغ" بإندونيسيا عام 1955، حين اجتمعت 29 حكومة من آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط خلال الحرب الباردة وأرست الأساس لحركة "عدم الانحياز" التي اختارت عدم الانجرار إلى النزاع الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وعلى المنوال ذاته، تحاول دول البريكس أن تقدم بديلاً لنموذج الهيمنة الذي تتسيَّده قوى العالم الغربي اليوم.

وقالت ريبيكا راي، الباحثة البارزة يمركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن الأمريكية، إن مجموعة بريكس تحاول اجتذاب الدول التي لم تجد تلبيةً لمرادها عند منظمات دولية أخرى. وأشارت إلى أن بعض البلدان لم تتقدم حتى بطلب للحصول على العضوية، ومع ذلك فإنها ستحضر القمة في جوهانسبرغ.

برنامج القمة أكثر تواضعاً من المرتقب منها، وخلافات واضحة بين الأعضاء

لا يُعرف بعدُ ما الذي ستجنيه تلك الدول من حضور القمة. ويتوقع الخبراء الغربيون ألا تثمر القمة شيئاً يُعتد به، لأن التفاصيل الواردة في برنامج أعمالها والأهداف القابلة للتحقيق قليلة. وما يزيد الأمر صعوبة أن دول البريكس لديها مصالح وطنية متباينة إلى حد بعيد، ويبدو أن المقترحات الملتبسة لتوسيع عضوية الكتلة وتعزيز التأثير الاقتصادي لها لن تؤتي أُكلها.

على سبيل المثال، الهند والصين بينهما خلاف؛ وجنوب إفريقيا عالقة في مأزق بين مصالحها الدبلوماسية وعلاقاتها مع روسيا التي تتعرض لعقوبات بسبب حربها على أوكرانيا؛ والبرازيل لم تخاطر بانتقاد روسيا، مع أنها لطالما انتهجت سياسة عدم الانحياز تاريخياً؛ وتواجه جميع دول البريكس، حتى الصين، صعوبات اقتصادية تجعل أي خطط مستقبلية لمنافسة مجموعة السبع التي تتزعمها الولايات المتحدة في مكانتها على قمة الاقتصاد العالمي- حلماً بعيد المنال أكثر من كونه واقعاً قابلاً للتحقق.

الصين وروسيا تريدانه كياناً يتحدى الغرب بقيادة أمريكا ولكن موقف البرازيل والهند مختلف

فبينما البريكيس بالنسبة للصين وروسيا فرصة لتحدي الهيمنة الغربية بقيادة أمريكا، فإن الهند والبرازيل تريان فيه وسيلة لتأكيد دورهما الدولي دون صدام مع الغرب.

البرازيل تقليدياً كانت جزءاً من منطقة النفوذ الأمريكي المخيم على الأمريكيتين، ولكن الرئيس اليساري لولا دا سيلفا، غيّر هذا التوجه واتخذ توجهاً استقلالياً عن أمريكا  في فترة رئاسته السابقة وكان أحد القوى الدافعة إلى تأسيس البريكس، ولكن هدفه إنهاء التبعية لأمريكا والانفتاح على العالم وليس الدخول في منافسة مع واشنطن.

بريكس
قادة البريكس في قمة عام 2021/رويترز، أرشيفية

أما الهند فرغم أنها من مؤسسي حركة عدم الانحياز في الخمسينيات وكانت صديقة للغرب، ولها صوت مختلف عن الغرب على مدار عقود، فإنها لم تكن خصماً له، ويدفعها قلقها من الجار الصيني العملاق إلى التخلي عن إرثها الحيادي والاقتراب أكثر للغرب، والبريكس آلية مناسبة لها لتأكيد عضويتها في نادي الدول الصاعدة وتأكيد أنها ندٌّ للصين ومستقلة عن الغرب وليس تحديه، ولذا لن تكون سعيدة بأن يتحول النادي لتجمُّع تقوده الصين، لإنهاء الهيمنة الغربية، التي تراها أفضل من الهيمنة الصينية المحتملة.

وقال أوليفر ستوينكل، أستاذ العلاقات الدولية في معهد Fundação Getulio Vargas البرازيلي، إن الكتلة لا تزال تجمعاً يسوده الوفاق "ما دام يؤدي دوره، ويساعد الأعضاء في تقييد الولايات المتحدة إلى حد ما، ويقوي الروابط بين دول البريكس". لكن الأمور ستتغير إذا سعت دول الكتلة إلى "مشروعات أكثر طموحاً، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى زيادة الضغوط على هذا التجمع وكشف الاختلافات بين دوله".

روسيا سعيدة بالقمة ولكن الموقف المحرج أن بوتين لن يحضرها

أمَّا روسيا، فإنها ترى أن قمة البريكس فرصة للبرهنة على أنها لم تعد بحاجة إلى الغرب في أعقاب الجهود الغربية لعزلها؛ على أثر حربها الدموية في أوكرانيا. 

ومع ذلك، فإن هذه المساعي تنطوي على مفارقة محرجة، وهي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يحضر القمة بنفسه، لأنه معرض للاحتجاز في جنوب إفريقيا بمقتضى مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. 

ولما كانت جنوب إفريقيا عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، فإنها ملزمة قانوناً باحترام مذكرة التوقيف.

بكين تريد توسيع البريكس

في غضون ذلك، تطمع الصين في الارتقاء إلى مكانة الزعيم الفعلي لدول الجنوب العالمي، والصديق الموثوق لمختلف البلدان التي ترى أن واشنطن وحلفاءها الأثرياء في أوروبا وآسيا قد استخفوا بها أو تركوها تتخلف عن الركب. ولذلك دفعت بكين مراراً إلى توسيع كتلة البريكس، لكن بقية الأعضاء عارضوا طموحاتها.

يرى ستوينكل أن "الصين هي الدولة الوحيدة في التحالف التي لا تُبالي على الإطلاق بإضعاف هيبة بريكس إذا توسَّعت الكتلة لتشمل مزيداً من البلدان" دون التقيد بشروطه الأولى، وذلك لأن "مصالحها المنطقية تقتضي توسيع التحالف حتى يصبح البريكس ركيزة في نظام أكثر تمحوراً حول الصين، وتتزعم بكين هياكل مختلفة فيه، مثل مشروع الحزام والطريق، و(البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية)، و(بنك بريكس)" الذي أنشأته دول الكتلة في عام 2015 لدعم خطط التنمية المرتبطة بالتحالف.

بريكس
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينغ/رويترز

ومع ذلك، واجهت بكين صعوبات جمة في إقناع دول البريكس نفسها بتأييد خطط التوسع، وهو دليل آخر على التنافس القائم بين دول المجموعة بشأن التصورات القائمة عن مستقبلها. وقد أثارت أفكار توسيع الكتلة مخاوف لدى الهند والبرازيل على وجه الخصوص، فكلا البلدين يفخر بخصوصية المجموعة ويخشى أن تؤدي سياسة الباب المفتوح إلى تقليص هيبتها.

وقال ستوينكل: "البرازيل فخورة جداً بعضوية بريكس"، و"حين تكون عضواً في نادٍ حصري، فمن المنطقي أنك لن تريد لهذا النادي أن يكون مفتوحاً للجميع".

ولكن قد يبدو موقف البرازيل متناقضاً تماماً، مع سعيها المعلن لعالم أكثر عدالة بين الدول، فهي تريد أن تتمتع في البريكس بوضع نخبوي مميز مماثل للنظام العالمي الحالي، الذي تتمتع فيه بضع دول بوضع أعلى من البقية عبر عضوية مجلس الأمن ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

لماذا تبدو فكرة إنشاء عملة البريكس صعبة التنفيذ؟

ومن أبرز المقترحات التي قدمها بعض الزعماء قبل القمة، إنشاء عملة مشتركة للبريكس؛ للتحوط من الدولار الأمريكي، ومع ذلك فإن هذا الاقتراح لم يُدرج في برنامج القمة، وشكك الخبراء بشدة في وجود خطة ملموسة له. وانتقد جيم أونيل، الخبير الاقتصادي البريطاني الذي صاغ مصطلح البريكس أولَ مرة في عام 2001، فكرة إنشاء عملة البريكس، ووصفها هذا الأسبوع بأنها فكرة "تافهة" و"سخيفة".

وقال جيه بيتر فام، المبعوث الدبلوماسي الأمريكي السابق إلى إفريقيا: "الفكرة القائلة بأن خمس دول ذات مصالح متباينة ومسارات مختلفة يمكنها بطريقة ما، أن تشكل اتحاداً متماسكاً بدرجة كافية لتوسيع العضوية وإنشاء عملة موحدة- تبدو لي فكرة عصية على التحقق"، و"أتوقع ألا تثمر هذه القمة شيئاً ذا قيمة مؤثرة".

ولكنها تفتح الباب لتقليل هيمنة الدولار

ومع ذلك، فحتى لو لم تتمكن دول البريكس من إنشاء عملة مشتركة، فإن بكين قد استفادت من التعاون مع المجموعة في بلوغ مساعيها طويلة الأمد لتدويل عملتها (اليوان) وخفض اعتمادها على الدولار. وقد شهدت الفترة الماضية إقبال العديد من البلدان، مثل البرازيل والأرجنتين، على استخدام اليوان في التجارة، لمواجهة نقص الدولار وإجراء التبادل التجاري مع بكين. 

ومن المقرر أن تتواصل هذه المساعي بعد قمة جوهانسبرغ، إذ يُتوقع أن تناقش دول البريكس تكثيف الاعتماد على العملات المحلية في التجارة المتبادلة. ومن المقرر أن تناقش القمة كذلك إنشاء نظام مدفوعات مشترك، ولجنة تعمل على الوصول إلى عملة مشتركة.

في المقابل، يذهب دانييل مكدويل، خبير الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة سيراكيوز الأمريكية، إلى أن الحديث عن عملة مشتركة لدول البريكس "دليل حقيقي على رغبة بعض دول العالم في أن يكون لها ثقل موازن للولايات المتحدة، والاقتصاد الأمريكي، والدولار". لكني "أرى أن أغلب هذه الرغبات ليست إلا أضغاث أحلام، والعالم الذي تسعى بعض الدول إلى تسيير الأمور فيه على هذا النحو ليس إلا ضرباً من الخيال".

تحميل المزيد