هل يدعم الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة التدخل العسكري المقترح من مجموعة غرب إفريقيا "إيكواس" في النيجر لإعادة الرئيس المنتخَب محمد بازوم للسلطة، أم أن الغرب سيتقبل تدريجياً وجود الانقلابيين في الحكم، وسيطبع معهم في نهاية المطاف؟
بين هذين السيناريوهين المتناقضين يتأرجح مصير النيجر بشكل أساسي، لأن الانقلابيين لا يبدو أنهم بصدد التنازل عن السلطة حتى لو حاول الرئيس محمد بازوم من مقر احتجازه إغراءهم بمنحهم عفواً شاملاً لو أعادوه لمنصب الرئاسة.
كما أن النيجر وأهميتها الاستراتيجية لا تجعل الغرب يمتلك ترف أن يتركها معزولة، فهي مصدر أساسي لليورانيوم لفرنسا ولمجمل أوروبا، كما أنها أحد المعاقل الأخيرة للغرب في عملية مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بعد طرد قواته من بوركينا فاسو ومالي إثر انقلابين سابقين.
كما أن النيجر أهم من أن تترك لتتقرب من روسيا، كما حدث في دول إفريقية أخرى.
ولذا يبقى الخياران الأساسان لأزمة النيجر، إما القدرة على إعادة النظام الديمقراطي أو التعامل مع العسكريين، كأمر واقع.
ثلاث معسكرات دولية في أزمة النيجر
في الوقت الحالي يبدو أن هناك 3 معسكرات فيما يتعلق بأزمة النيجر الأولى، الصقور الذين يلوحون أو يؤيدون التدخل العسكري لإعادة بازوم للحكم، وعلى رأسهم نيجيريا وساحل العاج ودول أخرى بشكل أقل حدة، مثل غانا وبنين والسنغال، ويبدو دافع هذه الدول الأساسي قلقها من امتداد ظاهرة الانقلاب إلى بلادهم.
وتدعم فرنسا إلى حد ما هذا الخيار.
وهناك الحمائم الذين يفضلون الحل السلمي القائم على الوساطة، ومن بين هؤلاء تشاد، بينما تبدو الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الأوروبية تؤيده، حيث دعت بعض الدول الأوروبية "الإيكواس" لتمديد مهلتها للعسكريين بإعادة بازوم للسلطة، (قبل أن تنقضي دون أن يحدث شيء).
كما تتبنى الجزائر مقاربة مشابهة، وإن كانت تحافظ على علاقة أوثق مع العسكريين في النيجر من أغلب دول هذا المعسكر الأخرى.
المعسكر الثالث هو المؤيد للانقلابيين، ويضم مالي وبوركينا فاسو وغينيا والدول الثلاث تحكم من قبل سلطات جاءت عبر انقلابات، ويمكن اعتبار روسيا كذلك داعمة غير صريحة للنظام الانقلابي.
هل يقبل الانقلابيون بإعادة محمد بازوم للسلطة؟
المشكلة أن الخيار السلمي لإعادة الديمقراطية، على ما يبدو لا يجد آذاناً مصغية من الانقلابيين الذين من الواضح أنهم ليس لديهم النية للتخلي عن السلطة، كما أن العقوبات المفروضة على البلاد بدأت تضر باقتصادها، خاصة تلك التي فرضت من قبل دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس"، ولكن كم من حكام مستبدين رفضوا الانصياع للعقوبات مهما كان تأثيرها على شعوبهم لتمسكهم بالسلطة.
كما أنه ستكون هناك حدود لأي عقوبات غربية، لأن أوروبا تعتمد على يورانيوم النيجر، إضافة إلى أن الولايات المتحدة وباريس لا تريدان استفزاز النظام العسكري الجديد، مما قد يؤدي لمطالبته بسحب قوات البلدين، وحتى التوجه لـ"فاغنر" الروسية.
وفي مؤشر على استعدادهم للتصعيد، قال الانقلابيون إنهم سيحاكمون الرئيس المخلوع محمد بازوم بتهمة "الخيانة العظمى" وتقويض أمن الدولة، وذلك بعد ساعات من إعلان المجلس العسكري الحاكم أنه منفتح على الحوار مع دول غرب إفريقيا لحل الأزمة الإقليمية المتصاعدة.
في حالة إدانته، قد يواجه بازوم عقوبة الإعدام، وفقاً لقانون العقوبات في النيجر.
ومع مرور الوقت، تتزايد حالة عدم اليقين وتتزايد الرسائل المختلطة.
ومساء الأحد الماضي، قبل أن يتهم الجيش بزوم بالخيانة، قال عضو في فريق الاتصال بالمجلس العسكري للصحفيين إن النظام وافق على إجراء محادثات مع الإيكواس في الأيام المقبلة. في نفس اليوم، قال فريق وساطة من علماء المسلمين من نيجيريا المجاورة الذين التقوا مع المجلس العسكري في عطلة نهاية الأسبوع، إن النظام منفتح على الحوار مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وفشلت المحاولات السابقة التي قامت بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا للتحدث مع المجلس العسكري، حيث مُنعت وفودها من دخول البلاد.
قد يكون الانفتاح الجديد للمحادثات نتيجة لضغط الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الصارمة وعقوبات السفر التي تؤثر بالفعل على سكان البلد الفقير البالغ عددهم 25 مليون نسمة، لكن هذا لا يعني أنهم سيقدمون تنازلات جوهرية كما يقول الخبراء المعنيين بمنطقة الساحل.
أمريكا قلقة من الخيار العسكري
أما الخيار العسكري، الذي تتحدث عنه مجموعة إيكواس بشكل متكرر، ويبدو أن فرنسا تؤيده، فإنه من الواضح أن الكثيرين يرونه غير واقعي وقد يكون مدمراً.
ويبدو أن من بين القلقين منه الولايات المتحدة الأمريكية، كما ظهر ذلك في التوافق في الموقف الأمريكي الذي عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن خلال استقباله لنظيره الجزائري أحمد عطاف في واشنطن مؤخراً.
ومن المقرر أن يجتمع رؤساء أركان جيوش الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) يومي الخميس والجمعة، في غانا، لبحث تدخل عسكري محتمل بالنيجر، لترتيب لتدخل عسكري محتمَل لاستعادة الديمقراطية في النيجر، وذلك بعد أن تم تأجيل الاجتماع الذي كان مقرراً السبت لأسباب قيل إنها فنية.
ويأتي موعده الجديد بعد أسبوع من قرار قادة الجماعة نشر "قوة احتياط" تابعة لـ"إيكواس"، لاستعادة الانتظام الدستوري بالنيجر في أعقاب انقلاب 26 يوليو/تموز، على الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، من دون تحديد جدول زمني لهذا التدخل المحتمل.
وليس هناك معلومات عن شكل تدخل الإيكواس واستراتيجيته، وتأثيراته وقدرة جيوش دول نامية مثل دول الإيكواس على غزو بلد صحراوي شاسع المساحة مثل النيجر وجيشه لديه خبرة كبيرة حتى لو كان صغير الحجم.
وبدا ريسا أغ بولا، وزير دولة محمد بازوم أحد أقرب مستشاري رئيس النيجر، حالماً، وهو يتحدث لصحيفة Le Monde الفرنسية، عن أن التدخل العسكري ممكن خلال فترة زمنية صغيرة، معتبراً أن الخطوة الأولى هي إجراء عملية عسكرية في القصر الذي يقيم فيه الرئيس بازوم. من خلال هجمتين أو 3 ليس أكثر من ذلك. سيؤدي ذلك إلى انهيار وتدافع داخل الحرس الرئاسي، الوحدة التي تقف وراء الانقلاب، حسب قوله!
مهلة الإيكواس انقضت دون حدوث شيء والاتحاد الإفريقي يرفض معاقبة النيجر
مباشرة بعد الانقلاب، أعطت الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا (إيكواس) النظام 7 أيام لإعادته إلى السلطة وهددت باستخدام القوة العسكرية إذا لم يحدث ذلك، لكن الموعد النهائي جاء وذهب دون أي إجراء من أي من الجانبين.
في الأسبوع الماضي، أمرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بنشر قوة "احتياطية"، لكن لا يزال من غير الواضح متى أو ما إذا كانت ستدخل البلاد.
وفي مؤشر على أن العملية العسكرية لا تجد شعبية في القارة الإفريقية رفض مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي تعليق عضوية النيجر بالاتحاد.
ورغم استمرار جهود إطلاق حوار لحل الأزمة، فإن التعبئة العسكرية تتواصل.
وفي مذكرة من قوات الأمن السنغالية بتاريخ 11 أغسطس/آب 2023، اطلعت عليها وكالة أسوشيتيد برس، أُمرت بـ"إعادة التجميع" من القواعد في السنغال يوم الإثنين كجزء من مساهمتها في مهمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في النيجر. ولم يتضح ما الذي أُمر بالتحرك بالضبط أو إلى أين تتجه.
في المقابل، خلال الأسابيع التي تلت الانقلاب، رسخ المجلس العسكري نفسه في السلطة، وعين حكومة جديدة واستفاد من المشاعر المعادية للفرنسيين ضد حاكمها الاستعماري السابق لحشد الدعم بين السكان وخلق بيئة متوترة للسكان المحليين الذين يعارضون المجلس العسكري، والعديد من الأجانب والصحفيين.
في بيان صدر يوم الأحد، قال مجلس إدارة دار الصحافة، وهي منظمة نيجيرية مستقلة تحمي الصحفيين في النيجر، إن وسائل الإعلام المحلية والدولية تتعرض للتهديد والترهيب من قبل النشطاء الذين يدعمون المجلس العسكري، وإنه يشعر بقلق عميق إزاء "الصعوبة الشديدة للغاية". المناخ "كانوا يعملون فيه".
الجماعات الإرهابية تستغل الفرصة لاستعادة نشاطها
منذ الانقلاب، تصاعد عنف الجماعات المسلحة الإسلاموية أيضاً في البلاد.
واعتبرت الدول الغربية النيجر واحدة من آخر الدول الديمقراطية في منطقة الساحل التي يمكن أن تشارك معها لصد العنف المتزايد المرتبط بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ولذا ضخت فرنسا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى مئات الملايين من الدولارات لدعم جيش النيجر. ولكن منذ الانقلاب، علقت فرنسا والولايات المتحدة العمليات العسكرية.
وتعرضت قوات الأمن في النيجر، يوم الأحد الماضي، لكمين نصبه مقاتلون يُعتقد أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش، حيث هاجموها وهم يمتطون عشرات الدراجات النارية، وفقاً لتقرير أمني لمجموعات إغاثة اطلعت عليه وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
بالإضافة إلى هجوم آخر أعلنته الجماعة المرتبطة بالقاعدة والمعروفة باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بعد الهجوم الذي تبنته الأسبوع الماضي.
ويشير ذلك إلى مرحلة جديدة من الصراع، حيث تحاول الجماعات المسلحة تعزيز نفوذها، وهو إلى حد كبير نتيجة للعمليات العسكرية المعلقة.
وقال وسيم نصر، صحفي وكبير الباحثين في مركز صوفان لوكالة أسوشيتد برس "إن هذا يرجع إلى توقف التعاون وانشغال جيش النيجر بتدعيم انقلابه في نيامي". ولفت إلى أن ذلك جاء أيضاً نتيجة قطع الاتصال وجهود الحوار مع بعض الجماعات الجهادية وهي الاتصالات التي نشأت في عهد بازوم.
وقال الجهادي السابق بوبكر موسى لوكالة أسوشيتد برس إنه منذ الانقلاب تلقى مكالمات هاتفية متعددة من جهاديين نشطين يقولون إنهم كانوا يحتفلون بالفوضى وحرية أكبر في الحركة.
موسى جزء من برنامج وطني يشجع المسلحين على الانشقاق وإعادة الاندماج في المجتمع، ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان هذا البرنامج سيستمر في ظل النظام العسكري الجديد. مع تطور الوضع ، يعتقد أن الجهاديين سيستغلون الفجوة الأمنية ويشنون هجمات جديدة.
واشنطن لا تهتم سوى بجهود مكافحة الإرهاب وتخشى تأثرها بعملية "الإيكواس"
بالنسبة للولايات المتحدة تحديداً التي تنظر للنيجر فقط من منظور أمني (عكس فرنسا التي تراها ساحة للاستثمار والنفوذ الاقتصادي والثقافي)، فإن خطر عودة عنف الجماعات المتطرفة سيتصاعد إذا شن الإيكواس عملية عسكرية ضد النظام الانقلابي أكبر من خطر أن تحكم النيجر من قبل سلطة مستبدة غير منتخبة.
حتى لو قالت إدارة بايدن ذلك فإن محاربة الإرهاب أهم بالنسبة لها من الديمقراطية في دولة لا يعرف أغلب الأمريكيين موقعها، كما يعتقد أن هذه الإدارة نفسها التي تضم العديد من المسؤولين من إدارة باراك أوباما التي أيدت لفترة الربيع العربي، لديها عقدة ذنب من فكرة سقوط البلاد في الفوضى في حال انهيار الأنظمة المستبدة.
وترى إمكانية استمرار التعاون مع العسكريين
على الجانب الآخر، فإن احتمال الانهيار الكامل لتعاون النيجر الأمني مع الغرب في ظل النظام الانقلابي، ليس حتمياً، حسب Foreign Policy.
فالانقلاب الذي نفذه قائد الحرس الرئاسي، عبد الرحمن تشياني، جاء مدفوعاً بشكل أساسي بالطموح الشخصي وليس الأيديولوجية.
في العامين الأولين من رئاسة بازوم، كان تشياني داعماً مخلصاً لحكومة النيجر، حيث أحبط محاولة انقلابية سابقة ضد بازوم في مارس/آذار 2021 وتم تكريمه لاحقاً من قبل الرئيس المخلوع "لروح التفاني والتضحية بالنفس والولاء".
وكان انقلاب تشياني، على الأرجح، رد فعل على التهديد بإقالته. وبحسب ما ورد كان الجنرال، البالغ من العمر 62 عاماً، معرضاً لخطر الإطاحة به وواجه استياء من زملائه أعضاء الحرس الرئاسي في النيجر.
وتقول المجلة الأمريكية إن اتباع الغرب لموقف متشدد قد يؤدي رد فعل داخلي عنيف داخل النيجر.
بالإضافة للخوف من الفوضى، وطرد القوات الأمريكية، الخطر الثاني بالنسبة للولايات المتحدة هو تحول النيجر لطلب الدعم من مجموعة فاغنر الروسية.
وفي هذا الصدد تقول المجلة الأمريكية إنه لا ينبغي المبالغة في احتمال أن تحل مجموعة فاغنر محل القوات الغربية.
ولكن على العكس، فإذا فرضت عقوبات مشددة، على النيجر في ظل النظام الجديد، أو إذا جرت محاولة الإطاحة به عسكرياً، فإن ذلك قد يؤدي لأن يهرج باتجاه "فاغنر"، وهو الأمر الذي قد يكون أحد أسباب حرص أمريكا على استبعاد التدخل العسكري والحفاظ على اتصالات مع النظام العسكري.
كما أنه من الواضح أن واشنطن تنأى بفسها عن فرنسا المكروهة في النيجر، وفي الوقت ذاته النظام العسكري ومؤيديه بدورهم لا ينتقدون واشنطن، وكان لافتاً تنظيم مؤيدي العسكر مظاهرات أمام السفارة الفرنسية في نيامي ومنشآت اقتصادية وعسكرية فرنسية، ولم يفعلوا ذلك مع واشنطن.
تدخل الإيكواس قد يكون أسوأ من الوضع الحالي وقد يؤدي لأزمة داخل نيجيريا
نيجيريا لديها مخاوف أمنية مفهومة، لكن استخدام القوة لطرد الطغمة العسكرية في النيجر قد يؤدي إلى أزمة لاجئين وحرب إقليمية، حسب Foreign Policy.
فالموقف المتشدد للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يتجاهل حقيقة أن السيطرة على الحدود أقل احتمالاً في حالة انقطاع المساعدات الإنسانية والأجنبية. وستؤدي عواقب عدم مراقبة الحدود إلى زيادة تسلل الإرهابيين واللاجئين عبر الحدود إلى نيجيريا، خاصة إذا تم شن عملية عسكرية لاستعادة الديمقراطية في النيجر.
تمثل نيجيريا أكبر قوة عسكرية واقتصادية في غرب إفريقيا، وهي قائدة الخطة لتدخل الإيكواس العسكري في النيجر في ظل قلق رئيس نيجيريا بولا تينوبو، من انتقال ظاهرة الانقلابات لبلاده التي لديها تاريخ طويل من الحكم العسكري.
وبينما قد يمثل نجاح انقلاب النيجر خطراً على الديمقراطية في منطقة غرب إفريقيا، بما فيها نيجيريا، فإن تدخلاً عسكرياً مطولاً يتسبب بخسائر أو أزمات كبيرة، أو ينتهي بحرب إقليمية أو فشل، قد يمثل خطراً أكبر على الديمقراطية النيجيرية، سواء عن طريق تسببه في أزمات سياسية واجتماعية في المناطق النيجيرية المتاخمة للنيجر والمشابهة معها دينياً وعرقياً (عرقية الهوسا)، كما أن العسكريين يمكن أن يلقوا باللوم في الهزائم العسكرية على الرئيس المنتخب الذي أرسل بهم إلى أتون الحرب.
سيكون تحمل التكاليف المالية والبشرية للتدخل في هذا السياق أمراً صعباً. بالنظر إلى مشاكل نيجيريا الاقتصادية الحالية، ونهاية نظام دعم الوقود، والتحديات الأمنية الداخلية المتعددة التي تواجهها والتي تركت جيشها مرهقاً، فإن قدرة نيجيريا على تنفيذ تدخل أجنبي فعال ليست مضمونة بأي حال من الأحوال.كما أن كل من غانا والسنغال، وهما زعيمان آخران في المنطقة، يواجهان حالياً تحديات اقتصادية وسياسية خطيرة، على التوالي.
إذا اختارت نيجيريا التدخل في النيجر، فقد يؤدي ذلك إلى إحداث شرخ بين الدولة والمجتمع في البلاد – وهي علاقة تميزت بسنوات من عدم ثقة المواطنين تجاه الحكومة. كما حذر مجلس الشيوخ النيجيري من تحرك عسكري.
إن التدخل المسلح في النيجر دون الدعم الكامل والدعم من المجتمع النيجيري سيكلف الحكومة بشكل كبير على الصعيد المحلي – وهو وضع لا تستطيع تحمله في الوقت الحالي، بالنظر إلى التوترات السائدة في جميع أنحاء البلاد بفضل الصعوبات الاقتصادية.
يمكن أن ينتشر التوتر بسرعة عبر مناطق بحيرة تشاد والساحل، مع استفادة الجماعات المتطرفة العنيفة من الفوضى، وبالتالي تفاقم حالة انعدام الأمن وإغراق المنطقة بأكملها في حالة عدم الاستقرار.
أفادت وسائل الإعلام المحلية بوجود معارضة شديدة للتدخل العسكري، خاصة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون ولايات بالقرب من الحدود الطويلة التي تشترك فيها الدولتان.
إن الرئيس تينوبو صريح في مطالبته بضرورة تخلي جيش النيجر عن السلطة ،وهدد باستخدام القوة إذا لم يفعلوا ذلك – لكنه يحتاج إلى موافقة الجمعية الوطنية لأي تدخل عسكري أجنبي.
ويبدو أن التدخل الخارجي يفتقد التأييد داخل النيجر
ويتمثل العائق الرئيسي الأول أمام التدخل العسكري الإقليمي الناجح في النيجر في غياب الشرعية الكاملة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بين مواطني النيجر.
في أعقاب الانقلاب، نزل بعض مواطني النيجر إلى الشوارع للتعبير عن دعمهم للانقلابيين.
حتى لو كانت هذه التظاهرات مدفوعة أو حتى مستأجرة، وحتى لو أن هناك قمعاً للمؤيدين للديمقراطية، لكن هناك مؤشرات على تأييد شعبي ما للانقلابيين، وعدم وجود معارضة حادة وكبيرة لهم.
وما دام قسم كبير من المجتمع النيجيري يدعم حكامه الجدد، فستكافح القوة الأجنبية المتدخلة لكسب قلوب وعقول السكان المحليين على الأرض. قد تعني الطبيعة المتغيرة للوضع عدم وجود استراتيجية خروج شاملة أو خطة انتقالية، مما يفسح المجال لتدخل مطول.
العمل العسكري سيكون أصعب دون دور أمريكي
في ظل تحفظ أمريكي بشأن تدخل الإيكواس في النيجر، فإن غياب دعم أمريكي عسكري واستخباراتي سيضعف أي عملية عسكرية، خاصة إذا تحولت لحرب إقليمية تورط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر مالي وبوركينا فاسو ومرتزقة فاغنر.
ولن يكفي أي دعم فرنسي محتمل للعملية العسكرية لتعويض غياب دور أمريكا القوة العسكرية الأكبر في العالم.
ويقول بعض الخبراء إن التلويح بالتدخل العسكري هو نوع من حفظ ماء الوجه لمجموعة "إيكواس" بعد قراراتها بالتهديد دون خطط واضحة لكيفية تنفيذ التدخل العسكري. وبافتراض أن مجموعة إيكواس مضت في خطط التدخل العسكري، فإن الجيوش الأكثر خبرة وأفضل تجهيزاً في غرب إفريقيا مثل القوات في مالي وبوركينا فاسو، فهي دول تتعاطف مع النيجر وتعارض التدخل العسكري، بل لديها استعداد لتنسيق جهود دفاع مشتركة مع القادة العسكريين في النيجر وأعلنت أن أي تدخل عسكري سيتم النظر إليه على أنه إعلان حرب.
يشير كل ما سبق إلى صعوبة تنفيذ العملية العسكرية المحتملة، وهو أمر يلمح إليه كثيراً مسؤولون ووسائل إعلام أمريكية.
وفي الوقت ذاته، فإن خيار عزل النظام العسكري في النيجر، وحصاره قد يدفعه للارتماء في أحضان فاغنر، بل قد يطرد القوات الأمريكية والفرنسية، الأمر الذي يهدد بتفاقم خطر الجماعات الإرهابية.
يعني كل ما سبق أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقطع في الأغلب شعرة معاوية مع نظام النيجر العسكري، حتى لو لم تعترف به، وأنها ستشجع إطلاق مفاوضات مطولة تبرد احتمالات الحرب، ولكنها ستعطي شرعية تدريجية للنظام الجديد، الذي يكتسب شعبية حالياً من خلال تقديم نفسه أنه يتحدى فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، ويحاور أمريكا القوة العظمى الأولى، بينما يغازل روسيا القوة العظمى ذات الشعبية في البلاد.
"وداعاً بازوم".. التطبيع التدريجي هو السيناريو الأرجح
ومثلما حدث في حالات كثيرة، قد ينتهي الأمر بالتعامل الواقعي مع النظام العسكري إلى أن يرسخ وجوده، بينما قد يتم التفاوض على إيجاد مخرج ملائم للرئيس المنتخب محمد بازوم، والذي قد ينتهي به المطاف أن يعيش في المنفى.
وبعد بضع سنوات أو أقل قد ينظم قائد الانقلاب انتخابات صورية، تعطي مبرراً للغرب للتطبيع معه، مع الإبقاء على الانتقادات له في تقارير الخارجية الأمريكية الموسمية بشأن حقوق الإنسان، وحتى لو لم يفعل ذلك فإن واشنطن سوف تواصل التعاون معه في ملف مكافحة الإرهاب.
أما فرنسا، التي لديها سجل أسوأ من أمريكا في التعايش مع أنظمة مستبدة، فإلى جانب أن وزنها النسبي في الأزمة لا يبدو كبيراً، فهي أقل قوة من تكون مؤثرة بدون دعم أمريكي، كما أنه ما دامت لم تمس مصالحها في مناجم اليورانيوم، فإن تاريخها في التحالف مع الاستبداد سيؤهلها للتأقلم مع النظام الجديد في النيجر حتى ولو بعد حين، خاصة لو تنازل النظام عن مطالبته بإنهاء الاستغلال الفرنسي لثروات البلاد.