في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة توجيه دفتها في نظام عالمي جديد، برزت فيه الصين كمنافسٍ أساسي لها، بل وفي بعض الأحيان خصمٍ أمامها، يسعى الصقور في واشنطن، وصناعة الأسلحة، والأطراف الأخرى المهتمة مالياً أو سياسياً، إلى بناء تلك العلاقة على الخوف والمواجهة والعداء، بدلاً من المنافسة الصحية والتعاون.
ويبدو أن الحليف غير المتعمد في هذا المسعى هو وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
كيف تبني وسائل الإعلام الأمريكية دعم الرأي العام للمواجهة مع الصين؟
يوضح مقطع الفيديو الأخير، الذي نشره برنامج Nightly News على شبكة NBC الأمريكية تماماً الفائدة من مسعى "الصقور". حيث ركز الفيديو على مناورة بحرية مشتركة بين الصين وروسيا مؤخراً بالقرب من ساحل ألاسكا، وتوافر في الفيديو بالفعل كل العناصر التي تقود إلى استنتاجٍ مفاده أن الموقف الأكثر عسكريةً ومواجهةً سيكون هو الرد الأنسب على الصين.
أولاً، ضخَّموا من هذا التهديد. طرح المذيع بيتر ألكساندر القصة على أنها "أحدث اتصال وثيق" بين روسيا والصين والولايات المتحدة، دون أن يذكر بالضبط ما هو الاتصال الوثيق.
ثم قال مراسل شبكة NBC، آرون جيلكريست، إن التدريبات العسكرية "يُطلَق عليها توغلاً" دون أن يذكر فقط من كان يقول ذلك، وفيما بعد أشار إلى التدريبات بأنها "مناورةٌ عدوانية" دون أن يصف ما هو عدواني فيها. وفي الواقع، اعترف جيلكريست بأن الأسطول الروسي والصيني "لم يدخلا المياه الأمريكية أبداً".
ثانياً، يقول موقع Responsible Statecraft إن المقطع تجاهل تماماً السياق الأوسع وتعقيدات العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والولايات المتحدة وروسيا، والتي كان من الممكن أن تساعد في تفسير الدوافع الروسية والصينية لإجراء هذه التدريبات بالقرب من الأراضي الأمريكية، بما في ذلك احتمال أن تكون هذه التدريبات رداً على نشاط عسكري أمريكي مماثل قريب من البلدين.
تبني نهج عسكري تجاه العالم
أدى كل هذا إلى فكرة أن هناك المزيد من الأموال للبنتاغون. قال جيلكريست: "يجدد أعضاء مجلس الشيوخ في ألاسكا اليوم الدعوات لزيادة الاستثمار في القوة العسكرية في ألاسكا"، دون أي فحصٍ لما إذا كان ذلك ضرورياً.
وقال متحدث باسم القيادة الشمالية الأمريكية، إن الأصول العسكرية الأمريكية نُشِرَت "لتأكيد الدفاع عن الولايات المتحدة وكندا" وأن الدورية الروسية الصينية "ظلت في المياه الدولية ولم تعتبر تهديداً". هذا الوصف للأحداث يقف في تناقض صارخ مع وصف ألكساندر وجيلكريست بأنه "اتصال وثيق" و"توغل" و"مناورة عدائية". ولا يعني بيان القيادة الشمالية بأي حال أن الجيش بحاجة إلى المزيد من الأصول لمعالجة هذه القضية.
وصف جيك ويرنر، الزميل البحثي في معهد كوينسي، الذي تتركز خبرته على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، قصة شبكة NBC بأنها "مثال صارخ بشكل غير عادي على اعتماد وسائل الإعلام الأمريكية المستقلة ظاهرياً لنهج عسكري تجاه العالم، وبصورة غير نقدية".
وقال ويرنر لموقع Responsible Statecraft الأمريكي: "كان من الممكن أن يُلاحَظ النهج المتساوي أن الولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه (بتواتر أكبر) وأن قيام الصين بذلك هو جزء من ديناميكية تصعيدية، وهو رد فعل تساهم فيه الولايات المتحدة كثيراً أيضاً".
وأضاف: "في المقابل، فإن تصرف الصين يُنظَر إليه باعتباره "مناورة عدائية"، بينما تُعرَض أمثلة على قيام الولايات المتحدة بالشيء نفسه، لكن بصورة منزوعة من السياق، وفقط لتقديم الادعاء بأن الصين عدوانية".
عسكرة الإعلام الأمريكي
في الواقع، يوافق بليك هيرزينجر، الباحث في مركز الدراسات الأمريكية في أستراليا، على هذا الرأي. وفقاً لشبكة CNN، فقد كرر تقييم بيان القيادة الشمالية بأن التدريبات البحرية الصينية والروسية لم تكن تهديداً وأنهما "تصرفا وفقاً للقانون الدولي تماماً، كما تفعل سفن البحرية الأمريكية عندما تعمل قبالة السواحل الصينية أو الروسية".
لكنه أضاف: "ردود الفعل الصينية على عمليات مماثلة (بقيادة أمريكية) في المحيطين الهندي والهادئ… تضج بالتهديدات المتخيلة، وتصوِّر ردها العسكري على أنه جهود لإخراج الغزاة من مياهها".
وقال: "لذا، في حين أن كلا الجانبين يبالغان في تهديدات هذه التدريبات البحرية الخاصة، على الجانب الأمريكي يبدو أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية هي التي تقوم بذلك بشكل أكبر".