“صُنع في الصين” بدأت تختفي من بعض الأسواق.. ماذا يعني تراجع الصادرات الصينية للعالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/12 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/12 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
كيف تؤدي نهاية "صُنع في الصين" إلى شلل ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟ / رويترز

خلال جائحة كورونا، ظهرت حركة اجتماعية جديدة في الصين، إذ أصبح مفهوم "تانغ بينغ" أو "الاستلقاء على الظهر" واسع الانتشار يشير إلى المهنيين الشباب العاطلين عن العمل، أو الذين يقاومون ضغوطات حياة العمل التنافسية، في نفيٍ صارخ لـ"الحلم الصيني" الذي يتحدث عنه الرئيس شي جين بينغ، كما يقول تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

يقول جورج ماغنوس، وهو اقتصادي مستقل: "لقد فقدوا تفاؤلهم بشأن الوجهة التي تتجه إليها الصين، وأعتقد أنَّ ذلك لسبب وجيه". وحينها، أُصيبَ الحزب الشيوعي بالذعر. وأدان الرئيس شي الحركة علانيةً. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالبيانات الاقتصادية، ربما يُفضِّل صانعو السياسة الصينيون الآن استخدام مفهوم الاستلقاء. فأرقام البلاد التجارية تُظهِر شيئاً صارخاً الآن: اتجاه الهبوط الحاد.

الصادرات الصينية تتراجع.. ماذا يعني ذلك؟

تراجعت صادرات الصين في يوليو/تموز الماضي للشهر الثالث على التوالي، مُنخفِضَةً بواقع 14.5% على أساس سنوي من حيث القيمة الدولارية. وكان هذا هو أكبر تراجع منذ فبراير/شباط 2020، حين بدأت الجائحة. وفي غضون ذلك، انخفضت الواردات للشهر الخامس توالياً، مُتراجِعةً بواقع 12.4%.

ويُعَد الاستهلاك منخفضاً للغاية لدرجة أنَّ الاقتصاد دخل في مرحلة الانكماش المالي (أو التضخم بقيم سالبة) في يوليو/تموز الماضي لأول مرة منذ مطلع عام 2021. وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين في الصين بواقع 0.3% على أساس سنوي، بعد تسجيل نمو بنسبة 0% في يونيو/حزيران الماضي. ولم تتحقق العودة المتوقعة إلى الارتفاع في الإنفاق. وتراجع مؤشر أسعار المنتجين (الذي يقيس أسعار السلع من المصنع) بواقع 4.4%.

لماذا يتراجع الطلب العالمي على المنتجات الصينية؟

تشير أرقام الصادرات إلى تراجع الطلب العالمي، خصوصاً في البلدان الغربية التي تعاني من الرفع الكبير في أسعار الفائدة والتضخم المرتفع.

لكنَّ المحللين حذروا من أنَّ الأرقام على الأرجح ستتراجع أكثر، في ظل ما يؤدي إليه تصاعد التوترات الجيوسياسية، والتعريفات الجمركية، والتداعيات الناجمة عن سياسات "صفر كوفيد" في الصين، ونظام الرئيس شي السلطوي على نحوٍ متزايد، من إبعاد للشركات والمستثمرين الدوليين عن الصين، في الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد المحلي في البلاد.

قال ستيف ستانغ، مدير "معهد سواس الصيني" بجامعة لندن البريطانية لصحيفة التليغراف: "شي جين بينغ لا يفهم في الاقتصاد".

"صُنع في الصين" آخذة في التراجع

وكانت الصين معروفة سابقاً بأنَّها ورشة العالم. لكنَّ "صنع في الصين" الآن آخذة في التراجع.

إذ تراجعت الشحنات إلى الولايات المتحدة بواقع 23.1% في يوليو/تموز الماضي. وسجَّلت أيضاً مجموعة أخرى كبيرة من الأسواق، بينها تايوان واليابان والاتحاد الأوروبي، تراجعاً بواقع 10% أو أكثر.

وتراجعت التزامات الاستثمار المباشر -وهو مقياس رئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في الصين- بواقع 87% وصولاً إلى 4.9 مليار دولار بين شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران الماضيين. ووفقاً لمؤسسة "إدارة الدولة للنقد الأجنبي" في الصين، كان ذلك أدنى مبلغ في أي فترة 3 شهور منذ عام 1998 على الأقل.

يقول ماغنوس إنَّ الأرقام الحقيقية للاستثمارات في الواقع يُرجَّح أن تكون أسوأ بكثير، لأنَّ الأرقام الرسمية تشمل هونغ كونغ.

الشركات الأجنبية في الصين

وتُعَد هذه الأرقام مقدمة تؤشِّر لشكل التجارة المستقبلية. وتمثِّل الشركات الأجنبية العاملة في الصين نحو 30% من صادرات الصين، وقد بدأت تلك الشركات -ببطء لكن بثبات- في نقل عملياتها إلى مناطق أخرى.

ويتعيّن على الشركات الأجنبية في الصين منح الحزب الشيوعي مقعداً في مجالس إدارتها. ويقول تسانغ إنَّ عملاء الحزب الشيوعي لطالما عملوا في الشركات الغربية متعددة الجنسيات، لكنَّهم كانوا سابقاً يمارسون الضغوط من أجل الشركات.

ويضيف: "يُشدِّد شي جين بينغ الآن سيطرة الحزب، ويطلب من أمناء الحزب أن يبذلوا المزيد لصالح الحزب في الشركات وليس العكس".

وفي الوقت نفسه، تشهد الشركات الأجنبية تقلبات السياسة المتشددة من جانب الحكومة الصينية بشأن القيود المرتبطة بجائحة كوفيد. وتحاول مجموعة كبيرة من الشركات الغربية بالفعل تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها. إذ تُعِدُّ شركة "Apple – آبل" خططاً لنقل جزء من عملياتها التصنيعية إلى خارج الصين. ونقلت شركة "Samsung – سامسونغ" بالفعل أجزاءً كبيرة من سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين. وتبحث شركة "Siemens – سيمنز" عن مواقع لبناء مصانع في إندونيسيا وفيتنام وتايلاند.

تباطؤ الاستثمار والابتكار

وسيكون للتراجع في الاستثمار بالصين تداعيات واسعة النطاق. يقول كين روغوف، أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي سابقاً: "السبب الذي يجعل ذلك مهماً حقاً هو أنَّ تلك طريقة مهمة للصين من أجل الحصول على التكنولوجيا. فالشركات الأجنبية تبني مصانع، وهم (الصينيون) ينسخونها. كان هذا هو النموذج الصيني. سيعني التباطؤ في الاستثمارات الأجنبية المباشرة أيضاً تباطؤاً في الابتكار".

وتأتي الحواجز من الجانبين؛ إذ فرضت إدارة ترامب تعريفات جديدة على السلع الصينية، وأبقت إدارة بايدن على هذه التعريفات، وفرضت الولايات المتحدة أيضاً قيوداً على قدرة الصين على الحصول على الرقائق المتقدمة.

ووفقاً لتحليل من إعداد "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، فإنَّ 70% تقريباً من واردات الولايات المتحدة من الصين يوجد عليها الآن متوسط تعريفات يصل إلى 20%، بارتفاع عن مستوى 3% قبل بدء الحرب التجارية.

تصبح الصين أيضاً موقع إنتاج أقل تنافسية، فهي أغلى مما كانت عليه قبل 20 عاماً. وتتقلَّص قوتها العاملة مع تقدُّم سكانها في السن، وهو تحول ديمغرافي غير معتاد في اقتصاد ناشئ، وقد نتج جزئياً عن سياسة "الطفل الواحد" الصينية السابقة.

يقول ماغنوس: "سيدفع ذلك إلى ارتفاع الأجور أكثر". ويضيف روغوف: "لن يحدث الأمر بين عشيةٍ وضحاها، لكنَّ كل شركة تقريباً لديها الآن استراتيجية الصين زائد واحد، أو الصين زائد اثنين، بمعنى أنَّها تُبقي على مصانعها في الصين، لكنَّ مصانعها الجديدة ستكون في فيتنام أو إندونيسيا أو الهند. بالتالي، فإنَّ الصين لن تنمو".

يأتي التراجع في الصادرات في وقتٍ صعب بالنسبة للصين. إذ كان قطاعا العقارات والبنية التحتية هما محركا النمو الاقتصادي الداخلي للصين سابقاً. لكنَّ هذه المشروعات وصلت الآن إلى مرحلة التشبُّع، ودخل قطاع العقارات مرحلة تراجع طويلة.

ويتوقع روغوف تراجع النمو الاقتصادي في الصين إلى ما بين 2 و3% على مدار العقد المقبل، وهو أقل بكثير من المستويات التي تمتَّعت بها في العقود الأخيرة وأقل بكثير من هدف 5% الذي وضعه شي لهذا العام.

تراجع النمو السكاني في الصين

يقول ماغنوس إنَّ معدل النمو في الصين تراجع بمقدار النصف بالفعل بين العقد الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، منخفضاً من نحو 10% إلى 5%. ويضيف: "أعتقد أنَّه سيتراجع الآن بمقدار النصف مجدداً".

ويرى أنَّ التراجع في الواردات هو أكبر إشارة تحذيرية للاقتصاد الصيني. وتراجعت الواردات خلال الأشهر السبعة الأولى من 2023 بواقع 7.5%، مقارنةً بنفس الفترة من عام 2022. وهذه إشارة إلى أنَّ الاقتصاد المحلي ضعيف.

وتعاني إدارة شي من أجل إيجاد سبل لتعزيز الطلب في حين يشهد السكان في سن العمل بالصين تراجعاً حاداً. ولم تعد كل الروافع التقليدية التي قد تلجأ إليها ناجعة. يقول روغوف: "إنَّهم يواجهون نفس المشكلات التي واجهتها اليابان وواجهها الاتحاد السوفييتي. لا يمكنك أن تستمر وحسب في بناء منازل لا يسكنها أحد". 

تحميل المزيد