رغم التقارب الإماراتي الإيراني الحديث، وتبادل السفراء بين البلدين، وذلك بعد خفض العلاقات بينهما عام 2016، يبدو أن هناك ما يعكر صفو هذا التقارب، فقد احتدم النزاع الإقليمي المستمر بينهما منذ 52 عاماً على 3 جزر بالقرب من مدخل مضيق هرمز.
هذا التوتر عكسته تصريحات صادرة من كبير المتحدثين باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، قال فيها: "إن الطامعين للاستيلاء على الجزر الثلاث للجمهورية الإسلامية الإيرانية يجب أن يروا جانباً من سلاحنا لكيلا يرتكبوا خطأً في حساباتهم".
تاريخ الصراع بين إيران والإمارات على الجزر الثلاث
تعود جذور الخلاف بين البلدين إلى عام 1908، عندما احتل البريطانيون الجزر، واستمرت حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971، عندما نشر شاه إيران آنذاك أسطول بلاده للاستيلاء عليها في اليوم السابق لنيل الإمارات استقلالها عن بريطانيا.
لطالما نظرت الإمارات والدول العربية الأخرى إلى احتلال إيران للجزر على أنه غير قانوني، وهو ما تنفيه طهران باعتباره "سوء تفاهم" إماراتي.
أما إيران، فتعتقد أن الغرب يشجع الإمارات على إثارة هذه القضية كجزء من الجهود الأوسع التي تقودها الولايات المتحدة للضغط على الجمهورية الإسلامية وإضعاف الموقف العسكري الإيراني في الخليج.
يؤكد المسؤولون في طهران أن الجزر تنتمي إلى إمبراطوريات فارسية متعاقبة، بينما يزعم نظراؤهم الإماراتيون أن التجار العرب حكموا طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى لقرون قبل وصول البريطانيين.
تبدو الجزر الثلاث في الوقت الحالي قاحلة، فجزيرة طنب الكبرى والصغرى غير مأهولة بالسكان، في حين أن أبو موسى هي موطن لحوالي 2000 ساكن مدني دائم.
في عام 1972، كان هناك 800 مواطن في أبو موسى، معظمهم من العرب ينحدرون من قبيلة القاسمي، رغم "وصول عدد قليل من العمال الإيرانيين غير المهرة" بعد أن استولت عليها إيران.
اشتكى سكان أبو موسى الإماراتيون من أن الحكومة الإيرانية قد غيرت التركيبة السكانية للجزيرة من خلال الانتقال إلى "المستوطنين" الإيرانيين، لدرجة أن عدد الإيرانيين الآن يفوق عدد المواطنين الإماراتيين والمغتربين في أبو موسى.
كما أفادت وسائل إعلام إماراتية أن السلطات الإيرانية في أبو موسى تضيِّق على الإماراتيين والمغتربين في الجزيرة بانتظام، في محاولةٍ للضغط عليهم للمغادرة.
الجزر تتمتع بأهمية استراتيجية لكل من الإمارات وإيران
تُعتَبَر الجزر أيضاً ذات قيمة استراتيجية لكلا الجانبين؛ نظراً لموقعها بالقرب من مضيق هرمز. أياً كان البلد الذي يسيطر على طنب الكبرى وطنب الصغرى، يمكن لجزيرة أبو موسى أن تسيطر على الممرات البحرية القادمة من وإلى الخليج عبر مضيق هرمز.
فخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، استخدم الحرس الثوري الإسلامي جزيرة أبو موسى لشن هجمات خلال "حرب الناقلات" (1984-1988).
بحلول عام 1992، بدأ الإيرانيون في استدامة وجودهم العسكري في الجزر. في ذلك الوقت، سعت أبوظبي للتعامل مع هذه القضية من خلال إشراك إيران مباشرة في محادثاتٍ ثنائية.
الإمارات سعت لتدويل القضية
وفي عام 2006، بدأت الإمارات في اتباع استراتيجية جديدة مصممة لتدويل النزاع. من خلال الاستفادة من عزلة إيران النسبية على المسرح الدولي، حاولت أبوظبي الحصول على دعم أكبر من الدول القوية لمطالبتها بالجزر.
لكن إيران كانت متشددة في مطالبتها بالسيادة المطلقة. في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، قالت وزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي ريم الهاشمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "لن نتوانى أبداً في التعبير عن مطالبنا بهذه الجزر، سواء من خلال المفاوضات المباشرة أو من خلال محكمة العدل الدولية، باعتبارها حقنا المشروع".
أما في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدرت الصين ومجلس التعاون الخليجي بياناً مشتركاً دَعَوَا فيه إلى تسوية دبلوماسية لهذا النزاع، ما أزعج المسؤولين في طهران الذين اعتبروا البيان بمثابة تحدٍّ لوحدة أراضي إيران. ومن جانبها، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفير الصين في طهران للتعبير عن "استيائها الشديد".
وفي الشهر الماضي، أصدرت روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بيانهما المشترك الخاص، والذي دعا أيضاً إلى تسوية نزاع أبوظبي وطهران حول الجزر من خلال القنوات الدبلوماسية، وهي خطوة أسفرت أيضاً عن احتجاجٍ رسمي مماثل رغم العلاقات الوثيقة بشكل متزايد بين طهران وموسكو منذ اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا.
عودة التوترات بين الإمارات وإيران
في مطلع شهر أغسطس/آب، بدأت ملامح التوتر بشأن الجزر تعود من جديد، وذلك عندما أطلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني مناورات عسكرية قبالة ساحل أبو موسى، على ما يبدو لإظهار استعداد البلاد للدفاع عن سيطرة طهران.
نشر الحرس الثوري الإيراني صواريخ وطائرات مسيَّرة ومركبات وطائرات وسفن لاستعراض قوته. ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، كشفت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني عن سفينة قادرة على إطلاق صواريخ يصل مداها إلى 372 ميلاً، وهي مسافة أكبر كثيراً من صواريخ فتح الباليستية الإيرانية وصواريخ غدير المنتشرة بالفعل على الجزر.
أثارت هذه التدريبات قلق العديد من الإماراتيين، الذين يتهم بعضهم طهران بتقويض تحرك المنطقة نحو خفض التصعيد. فقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي لموقع Responsible Statecraft الأمريكي: "أعتقد أن على الإمارات أن تعرض هذه التدريبات الاستفزازية وغير المسؤولة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأنها تشكِّل تهديداً ليس فقط لأمن الخليج، ولكن أيضاً للأمن الدولي".
وأضاف: "هذا هو الوقت المناسب للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، حيث لدى الإمارات الآن روسيا والصين، اللتين تدركان تماماً أن على إيران حل هذا النزاع دبلوماسياً".
ما دوافع إيران لاستعراض قواتها مؤخراً؟
بحسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي، فإن إيران لديها 3 دوافع رئيسية لاستعراضها للقوة مؤخراً.
أولاً: عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في مضيق هرمز وبالقرب منه بشكل كبير، ويبدو أن مناورات الحرس الثوري الإيراني تهدف إلى بعث رسالة إلى واشنطن مفادها أن إيران لن تخنع أمام الترهيب.
ثانياً: تعرضت سياسة "انظر شرقاً" التي ينتهجها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لانتقادات من قبل العديد من الإيرانيين، الذين يجادلون بأنها خلقت ذلك التصور أن إيران تعتمد على الصين وروسيا على نحوٍ غير مسبوق.
ثالثاً: تشير التدريبات بوضوح إلى أن أبوظبي وجيرانها العرب رغم التقارب الأخير بين الجانبين، والذي يعزوه الخبراء إلى حد كبير إلى حاجة طهران للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها، فإن إيران لا تنوي تخفيف موقفها من الجزر.
ورغم التحسن في العلاقات الإماراتية الإيرانية منذ عام 2019، هناك توترات أساسية باقية في الشؤون الثنائية، وكذلك في علاقات إيران مع المملكة السعودية والكويت، مثل النزاع حول حقل غاز الدرة (يسميه الإيرانيون حقل "آرش"). وستضع نقاط الخلاف المستمرة هذه التقارب الأخير بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي موضع الاختبار.
تعكس هذه التوترات بين البلدين حول الجزر هشاشة العمليات الدبلوماسية الجارية في الشرق الأوسط، لكن الخبراء لا يتوقعون أن تؤدي مزاعم إيران والإمارات بشأن هذه الجزر أو استعراض القوة الإيراني إلى أية مواجهة مباشرة بين البلدين، كما يبدو أن طهران وأبوظبي يفضلان التقارب الدبلوماسي الثنائي عن قضية الجزر.