ما موقف أمريكا من انقلاب النيجر؟ ولماذا لا تدعم واشنطن التدخل العسكري حتى الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/09 الساعة 18:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/10 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش
وزير خارجية أمريكا، بلينكن، في النيجر في مارس/ آذار 2023/ رويترز

أدانت أمريكا انقلاب النيجر منذ اللحظة الأولى، وأجرت اتصالات مباشرة مع الرئيس محمد بازوم، وأرسلت مبعوثة إلى نيامي للتفاوض مع قادة الانقلاب، فلماذا لا تدعم التدخل العسكري، عكس فرنسا؟

كان عدد من عناصر الحرس الرئاسي في النيجر قد أعلنوا، عبر التلفزيون الرسمي، الأربعاء 26 يوليو/تموز 2023، عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازه وأسرته ووزير الداخلية وإغلاق حدود البلاد الواقعة غرب إفريقيا. وقال الجنود إنهم عطلوا الدستور وعلقوا عمل جميع المؤسسات في البلاد.

وعلى الفور توالت الإدانات الدولية والإقليمية للانقلاب في النيجر، لكن الخميس 27 يوليو/تموز، أعلن قائد الجيش عن تأييده للقوات التي أعلنت الاستيلاء على السلطة في البلاد، لتتحول محاولة الانقلاب إلى برميل بارود يهدد باشتعال الموقف في المنطقة بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس إلى السلطة.

علاقات أمريكا مع النيجر

منذ اللحظة الأولى، أدانت أمريكا محاولة الانقلاب في النيجر، وكان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، قد نقل "دعم واشنطن الثابت" في اتصال هاتفي مع بازوم، وطالبت الولايات المتحدة بإطلاق سراح بازوم، حيث قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، في بيان: "ندين بشدةٍ أي محاولة لاعتقال أو إعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في النيجر، والتي يديرها الرئيس بازوم".

كما دعا بلينكن إلى "الإفراج الفوري" عن رئيس النيجر، وقال من نيوزيلندا: "تحدثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابقٍ هذا الصباح، وقلت له بوضوحٍ إن الولايات المتحدة تدعمه بقوة بصفته رئيساً للنيجر منتخباً بشكل ديمقراطي"، مطالباً بـ"إطلاق سراحه فوراً". وأعلن بلينكن أن استمرار المساعدات التي تُقدمها بلاده للنيجر مرهون بـ"الحفاظ على الديمقراطية" في الدولة الإفريقية. كما صدرت إدانات عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر.

والخميس 27 يوليو/تموز، قال متحدث باسم بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إن واشنطن تدعم قيام مجلس الأمن بإجراءات لخفض التصعيد في النيجر، وذكر بيان أمريكي أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، تحدثت إلى رئيس النيجر محمد بازوم.

ومع إعلان "إيكواس" عن منح قادة الانقلاب في النيجر مهلة للتراجع وإلا فالتدخل العسكري قد يصبح الملاذ الأخير، لم يصدر عن واشنطن ما يفيد تأييدها مقترح التدخل العسكري، عكس الموقف الفرنسي –المستعمر السابق للنيجر– الذي بدا وما زال داعماً لاستعمال القوة لإنهاء الانقلاب.

وكان لافتاً الاهتمام الأمريكي بما يحدث في النيجر، ويرجع ذلك بالأساس إلى الوجود الأمريكي بالدولة الغرب إفريقية، والذي يرجع إلى أكثر من عشرين عاماً. ففي عام 2002، وقبل انتشار الجماعات الجهادية أو العصابات المسلحة بمنطقة الساحل الإفريقي، كانت الولايات المتحدة قد بدأت في تقديم مساعدات عسكرية للنيجر هدفها مكافحة "الإرهاب".

وأغرقت واشنطن الدولة الإفريقية بالعتاد العسكري من العربات المدرعة إلى طائرات المراقبة، ومنذ 2012 تم إنفاق 500 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في النيجر، ما يجعلها أكبر برنامج مساعدات أمريكية لدولة في منطقة الصحراء الكبرى الإفريقية، بحسب تقرير لمجلة The Intercept  الأمريكية.

النجير انقلاب عقوبات
قادة الجيش في النيجر/ رويترز

وتقوم القوات الأمريكية بتدريب ومساعدة القوات النيجرية، بل شاركت أيضاً قوات أمريكية في القتال ضد الجماعات المسلحة، وقتل أفراد من القوات الأمريكية في كمين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2017. وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفع عدد القوات الأمريكية في النيجر من نحو 100 فقط إلى أكثر من 1000، كما شهدت النيجر انتشاراً للقواعد الأمريكية، حيث توجد أكبر قاعدة أمريكية للطائرات من دون طيار في إفريقيا على أراضي النيجر.

وتقع القاعدة الأمريكية في مدينة أغاديز شمالي النيجر، وبلغت تكلفة إقامتها 110 ملايين دولار، وإدارتها وصيانتها ما بين 20 و30 مليون دولار سنوياً، والقاعدة هي المركز الرئيسي لعمليات المراقبة وتنسيق الهجمات في منطقة غرب إفريقيا بالكامل.

اللافت هنا أنه خلال عامي 2002 و2003، عندما بدأت المساعدات العسكرية الأمريكية تتدفق على النيجر تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية 9 هجمات إرهابية فقط في جميع أراضي القارة الإفريقية. لكن العام الماضي فقط، تم رصد 2737 هجوماً عنيفاً في بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر فقط، بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية في إفريقيا، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية.

ما موقف واشنطن من قادة الانقلاب؟

نشرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية تقريراً يلقي مزيداً من الضوء على الموقف الأمريكي من الانقلاب في النيجر، ويركز على علاقة واشنطن بأحد قادته، حيث تعتبر النيجر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد المتشددين بغرب إفريقيا.

وركز التقرير على العميد موسى سالو بارمو، أحد مدبِّري الانقلاب. إذ إن بارمو رجلٌ يتودد إليه الجيش الأمريكي منذ ما يقرب من 30 عاماً، بحسب التقرير. إنه رجلٌ أرسلته الولايات المتحدة إلى جامعة الدفاع الوطني المرموقة في واشنطن العاصمة. كان يدعو الضباط الأمريكيين إلى منزله لتناول العشاء معه. وهو مسؤولٌ عن قوات النخبة الحاسمة لوقف تدفق مقاتلي القاعدة وداعش عبر غرب إفريقيا. 

وقال مسؤول دفاعي أمريكي قبل بضعة أشهر فقط: "الجنرال بارمو رجلنا". وربما لا يزال كذلك، بحسب وول ستريت جورنال. ففي الأسبوعين اللذين أعقبا انقلاب النيجر، برز بارمو كقناةٍ دبلوماسية رئيسية بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري.

ويحتفظ الضباط والدبلوماسيون الأمريكيون برقمه في هواتفهم المحمولة، ويعتقدون أنه أفضل فرصة لهم لاستعادة الديمقراطية ومنع حرب إقليمية فوضوية من شأنها أن تغرق إحدى أفقر مناطق العالم في أزمةٍ أعمق.

جلس بارمو في نيامي، عاصمة النيجر، لمدة ساعتين يوم الإثنين 7 أغسطس/آب، مع فيكتوريا نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي. وقد أثبتت المحادثات حتى الآن أنها مُحبِطة، إذ لم تؤدِّ إلى نتيجة ملموسة ولم يبد قادة الانقلاب أي بادرة للتراجع.

النيجر انقلاب
عشرات الآلاف داخل أكبر ملاعب كرة القدم في النيجر، تعبيراً عن دعمهم للانقلاب العسكري/ وكالة الأناضول

لكن نولاند، التي تدرك تقارب بارمو الطويل مع الولايات المتحدة، حثَّته على التوسط في صفقة من شأنها أن تسمح للنيجر وحلفائها الغربيين القدامى بالعودة إلى محاربة القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ومقاتلي بوكو حرام ومنع البلاد من أن تصبح موقعاً إفريقياً آخر لروسيا ومجموعة فاغنر شبه العسكرية. 

ومع ذلك، تظل الحقيقة أنه لا يوجد رمز أكثر وضوحاً للآمال المحطمة لحملة مكافحة الإرهاب الأمريكية في غرب إفريقيا من بارمو، وهو رجل ذو أهميةٍ حيوية لاستراتيجية الولايات المتحدة حتى تباعدت مصالح الطرفين. 

إذ تثير المواجهة احتمال أن تلتهب منطقة الساحل بحرب إقليمية جديدة ستصب في صالح التمرد القائم من جانب الحركات المتشددة، بحسب التقييم الأمريكي، الذي يختلف على الأرجح مع التقييم الفرنسي. فإلى أن قام المجلس العسكري بترقيته إلى منصب رئيس أركان الدفاع، كان بارمو يقود القوات الخاصة في النيجر. عمل رجاله جنباً إلى جنب مع القوات الخاصة الأمريكية حتى لحظة انقلاب 26 يوليو/تموز ضد بازوم، بعد أكثر من عامين بقليل من توليه منصبه. مثل بارمو، كان بازوم مُفضَّلاً لدى الولايات المتحدة وطالبت إدارة بايدن على الفور بإعادته إلى السلطة.

ما الهدف الأمريكي الأول في النيجر الآن؟ 

أنفقت الولايات المتحدة نحو 500 مليون دولار لبناء قوات دفاع في النيجر، من ضمنها 110 ملايين دولار، وقاعدة طائرات مسيَّرة بنتها الولايات المتحدة في بلدة أغاديز، ومحطات تضم نحو 1100 جندي أمريكي في البلاد. وتتشارك قوات الكوماندوز الأمريكية المواقع الأمامية مع قوات بارمو في بلدة أولام، حيث يقاتلون فروعةً محلية للقاعدة وداعش، وفي بلدة ديفا، حيث تركز العمليات القتالية على مقاتلي بوكو حرام الذين يشنون هجمات حول بحيرة تشاد. 

يدرك بارمو جيداً أن الانقلاب قد يكلِّفه خسارة دعم قتالي حاسم، فلا مزيد من التدريب المشترك أو النصائح التكتيكية من القوات الخاصة الأمريكية، ولا مزيد من الطائرات المسيَّرة الأمريكية التي ترسل ما تراقبه في الوقت الفعلي. 

وفي هذا الإطار، يحاول المسؤولون الأمريكيون معرفة ما إذا كان بارمو قد قرر أنه وزملاءه الجنرالات هم أفضل أمل لتحقيق الاستقرار في النيجر، أو ما إذا كان على استعداد للمساعدة في التفاوض على طريق العودة إلى الحكم المدني.

وصفت نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي، محادثات هذا الأسبوع مع بارمو في نيامي بأنها "صريحة للغاية وفي بعض الأحيان صعبة للغاية". ويقول مسؤولون أمنيون آخرون من غرب إفريقيا إن نجاح واشنطن في إقناع بارمو بالوقوف إلى جانبهم سيكون محورياً.

ففي عام 1994، حضر بارمو دورة في اللغة الإنجليزية بقاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو. وهو الآن يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والهوسا -وهي لغة يُتحدَّث بها في منطقةٍ كبيرة من نيجيريا إلى السودان- إلى درجة أن أحد الضباط الأمريكيين قال إنه في المؤتمرات الصحفية يفقد الجنرالات مسار اللغة التي يتحدث بها بارمو. 

وأرسلت الحكومة الأمريكية بارمو إلى سلسلة من الدورات لتدريبه على قيادة هجمات المشاة والمظلات. ومن بين دوراتٍ أخرى، حضر دوراتٍ في جامعة العمليات الخاصة المشتركة، بجوار مقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في مدينة تامبا بولاية فلوريدا. 

انقلاب النيجر أمريكا
توجد قوات أمريكية في النيجر منذ عام 2002/ رويترز

يتذكر بارمو أنه في وقت مبكر من التسعينيات، أدركت النيجر التهديد من المتطرفين الإسلاميين، الذين كانوا في ذلك الوقت يتدفقون من الجزائر بحثاً عن ملاذٍ آمن في النيجر. وفي عام 2004، تولى بارمو قيادة أول سرية للقوات الخاصة في النيجر، دربتها القوات الخاصة الأمريكية. ترك المنصب بعد ثلاث سنوات، وانتقل إلى واشنطن العاصمة، وحصل على درجة الماجستير في دراسات الأمن الاستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني. 

تعتبر الولايات المتحدة القوات الخاصة في النيجر من بين أفضل القوات في غرب إفريقيا، وبعد أن طرد القادة العسكريون في مالي وبوركينا فاسو القوات الغربية، نظرت واشنطن إلى النيجر على أنها نقطة انطلاق ضد المتطرفين العنيفين. وقد شعرت الولايات المتحدة بالارتياح بشكلٍ خاص، لأن النيجر لم تُظهِر أي ميل للاستعانة بمرتزقة فاغنر. 

وهذا الموقف مختلف عن موقف فرنسا بطبيعة الحال، القوة الاستعمارية السابقة في النيجر، وفي لقاءات مع نظرائهم الأمريكيين، عبَّر بارمو بصراحةٍ عن المشاعر المعادية لفرنسا. ففي عام 2021، استضاف حفلة ليلة رأس السنة الجديدة بمنزله في نيامي، حيث دعا ضباطاً أمريكيين وبريطانيين وليس ضباطاً فرنسيين، وفقاً لضابط أمريكي. وقال الضابط إن بارمو استاء من ممارسة فرنسا في القيام بعملياتها الخاصة ضد الجماعات المسلحة دون استشارة القادة النيجريين. 

وبالتالي فإن هذا الموقف قد يفسر البداية البطيئة للمحادثات بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري، حيث يأمل أصدقاء بارمو الأمريكيون أن تكون لديه مساحةٌ للمناورة السياسية وميلٌ شخصي للضغط من أجل حلٍّ يُبقِي النيجر إلى جانب واشنطن، سواء أعيد بازوم إلى السلطة أو استمر قادة الانقلاب في مواقعهم.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية،  الأربعاء 9 أغسطس/آب، إن الوزير أنتوني بلينكن تحدث مع بازوم بشأن زيارة نولاند لنيامي، وأصدرت الوزارة بياناً حول المكالمة الهاتفية التي جرت الثلاثاء، جاء فيه: "ناقش الاثنان الزيارة التي قامت بها في الآونة الأخيرة نائبة وزير الخارجية بالوكالة إلى نيامي. نقل الوزير دعم الولايات المتحدة المتواصل من أجل حل لاستعادة الحكم الديمقراطي والنظام الدستوري في النيجر. شدد الوزير أيضاً على الأهمية القصوى لسلامة وأمن الرئيس بازوم وعائلته".

وبازوم محتجز في مقر إقامته منذ استيلاء الجيش على السلطة في 26 يوليو/تموز. ويبدو أن الجهود الدبلوماسية لإنهاء الانقلاب توقفت بعدما رفض المجلس العسكري السماح بدخول أحدث مهمة دبلوماسية.

وقالت نولاند يوم الإثنين، إنها زارت نيامي وأجرت محادثات "صريحة وصعبة" مع كبار مسؤولي المجلس العسكري. وذكرت نولاند في إفادة للصحفيين، أن مسؤولي المجلس العسكري لم يقبلوا الاقتراحات الأمريكية لمحاولة استعادة النظام الديمقراطي، وأن طلبها لقاء بازوم قوبل بالرفض.

الخلاصة هنا هي أن الموقف الأمريكي يبدو منصبّاً على هدف رئيسي وهو ضمان استمرار تعاون النيجر في ما تصفه واشنطن بمكافحة "الإرهاب"، حتى يستمر الوجود العسكري الأمريكي في غرب إفريقيا ولا تضطر واشنطن إلى سحب قواتها وترك الساحة شاغرة لتشغلها ميليشيات فاغنر الروسية، وربما يتحقق هذا الهدف بغض النظر عن عودة بازوم إلى السلطة من عدمه.

تحميل المزيد