صراع يعود إلى 1400 عام.. نزاعات المغرب وفرنسا بدأت بطارق بن زياد وانتهت بمونديال النساء

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/08/08 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/08 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
مباراة فرنسا والمغرب في كأس العالم للسيدات التي أقيمت في ملعب هندمارش ، بأديليد بأستراليا والتي انتهت بفوز فرنسا بأربعة أهداف دون مقابل/ رويترز

يُعتبَر تقدم المغرب إلى الأدوار المتقدمة في كأس العالم للسيدات حدثاً بالغ الأهمية بالفعل، لكن المباراة بين منتخبي المغرب وفرنسا التي انتهت بفوز الأخيرة بأربعة أهداف دون مقابل، تضيف طبقة أخرى من الإثارة التاريخية، فالعلاقة بين المغرب وفرنسا طويلة ومعقدة وعكس ما تبدو للوهلة الأولى، فإنها لقرون شهدت هزائم لباريس قبل أن تستعمر الأخيرة المغرب.

ووصف مستخدمو الشبكات الاجتماعية المباراة المرتقبة مازحين بأنها آخر مباراة في "ديربي الكولونيالية" بعد فوز هولندا على جنوب إفريقيا (الهولنديون أول من استعمر جنوب إفريقيا)، يوم الأحد 6 أغسطس/آب، وفوز إنجلترا بفارق ضئيل على نيجيريا (المستعمرة البريطانية السابق) بركلات الترجيح في اليوم التالي. 

ثم تأتي آخر مباراة بين مُستعمِر ومُستعمَرة سابقة: فرنسا ضد المغرب.

قد تكون المسافة بين البلدين 1800 كيلومتر، لكنهما يشتركان في تاريخ يمتد على مدى ألف عام، ويشمل قراصنة في المغرب يتاجرون بالعبيد الفرنسيين، وغزواً أوروبياً في القرن العشرين مليئاً بالمعارك الوحشية والتمردات، وعلاقة تجارية وثيقة عبر عدة قطاعات في وقتنا هذا، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وإليك ما تحتاج لمعرفته حول تاريخ العلاقات بين المغرب وفرنسا:

الفتح الإسلامي كاد يصل إلى باريس

في عام 711 ميلادية، شنّت القوات الإسلامية غزواً لأوروبا من الشواطئ المغربية بقيادة طارق بن زياد، وهو أمازيغي اعتنق الإسلام وحكم طنجة.

في غضون سنوات، سقطت معظم إسبانيا والبرتغال الحديثة تحت الحكم الإسلامي.

وداهمت القوات الإسلامية أيضاً شرق فرنسا وغزت ليون وأتون. ولم تتمكن فرنسا من صد تقدم القوات المسلمة إلا بعدما تعرضوا لهزيمة ساحقة على يد قوات الفرنجة (تحالف من القبائل الجرمانية) في معركة تورز عام 732. وبحلول عام 759، استعاد الفرنجة معظم فرنسا الحديثة.

ولقد وصل القائد عنبسة بن سحيم الكلبي، أمير الأندلس، حسب بعض المؤرخين، إلى مدينة صانص، الواقعة على مسافة 30 ميلاً، شرقي باريس، وهي أبعد مسافة، وصل إليها قائد مسلم في أوروبا. وبعد أن فرض عنبسة الجزية على هذه المدن، انسحب راجعاً إلى قواعد المسلمين في الجنوب، بعد أن داهمه فصل الشتاء. وبفضل هذه الانتصارات المذهلة، التي حققها عنبسة، والتي لم تستغرق سوى القليل من الوقت، بسط المسلمون سلطانهم على نهر الرون، وعلى جنوب شرقي فرنسا، حتى وسطها، وتخطوا نهر اللوار، وأصبحوا على مسافة قريبة من نهر السين. وقد أدت هذه الغزوة البعيدة المدى، والضربات المدوية، إلى بث الرعب الشامل في مملكة الفرنجة، وفي الدوقيات الجنوبية والوسطى، من فرنسا.

المغرب وفرنسا
قصر الحمراء بغرناطة إحدى روائع حضارة الأندلس/رويترز، أرشيفية

بيد أن فتوحات عنبسة هذه، لم تكن فتوحات ثابتة، ومستدامة، لذلك لم تستمر طويلاً، إذ سرعان ما خسر المسلمون كل تلك المدن التي افتتحها في شرقي فرنسا، وذلك نظراً لقلة العامل البشري لديهم، ونقص التعزيزات القادمة من الأندلس.

وعادت القوات المسلمة إلى المنطقة في القرن العاشر وبنت حصناً في بروفانس، بالقرب من سان تروبيه، وهدّدت إمبراطوريتيْ المرابطين والموحدين في المغرب فيما بعد الحدود الفرنسية بعد دخولها إلى شبه الجزيرة الأيبيرية بناءً على طلب مسلمي الأندلس لحمايتهم من هجمات الممالك الشمالية التي ستشكل فيما بعد إسبانيا والبرتغال.

القراصنة البربر انتقموا للأندلس

ولعدة قرون بعد ذلك، حافظت فرنسا على علاقات تجارية مع المغرب، وهي من الدول الإسلامية المستقلة النادرة في العالم العربي التي لم تخضع لحكم الإمبراطورية العثمانية.

كانت نقطة الخلاف الرئيسية بين فرنسا والمغرب هي القراصنة البربر: كان القراصنة (وكثير منهم من اللاجئين المسلمين الفارين من إسبانيا بعد طرد مسلمي الأندلس) يعملون في شمال إفريقيا، ويهاجمون السفن الأوروبية، ويرجع ذلك جزئياً إلى رغبتهم في الانتقام من طرد المسلمين الأيبيريين.

وأطلق القراصنة العديد من عملياتهم من سلا والرباط في المغرب، وشملت غارات على المدن الأوروبية الساحلية، بما في ذلك فرنسا؛ لأسر عبيد وبيعهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فرنسا تصبح أقوى وتهزم المغرب بعد مساعدتها للأمير عبد القادر ثم تحتلها

اندلعت الحرب الفرنسية المغربية عام 1844 بعد دعم المغرب للمقاومة الجزائرية ضد الغزو الفرنسي لجارتها.

وأجبرت الهجمات الفرنسية على طنجة والصويرة، ومعركة إيسلي على الحدود الجزائرية؛ المغاربة على ترسيم الحدود وإنهاء تحالفهم مع زعيم المقاومة الجزائرية الأمير عبد القادر.

ووقعت نقطة اشتعال أوروبية رئيسية ومُقدِّمَة للحرب العالمية الأولى في عام 1905، التي صارت تُعرَف باسم الأزمة المغربية الأولى، عندما دخلت ألمانيا في نزاع مع فرنسا وبريطانيا حول من يجب أن يسيطر على المغرب (مراكش).

وحُلَّت الأزمة في عام 1906 بعد معاهدة في الجزيرة الخضراء بإسبانيا التي منحت فرنسا حصة مسيطرة في البلاد، مع ضمانات التجارة لجميع الدول الأخرى.

وبعد مرور عام، استُخدِمت وفاة الطبيب الفرنسي إميل موشامب في مراكش ذريعةً لبدء غزو عسكري واسع النطاق للمغرب. كما كان يُنظَر إلى الدين العام الضخم لهذا الأخير على أنه محرك رئيسي للاستعمار الفرنسي.

وصار المغرب رسمياً محمية فرنسية بموجب معاهدة فاس عام 1912، مع تسليم أجزاء من البلاد إلى إسبانيا.

المغرب وفرنسا
الجيش المغربي/رويترز، أرشيفية

وعلى عكس الجزائر، التي صارت جزءاً من فرنسا، لم يكن المغرب من الناحية الفنية مستعمرة، بل محمية، واستمر سلطان البلاد رئيساً للدولة.

لكن سرعان ما استولى المستعمرون الأوروبيون على مساحات شاسعة من الزراعة المغربية. وسيطر الفرنسيون على حراسة الدولة والضرائب في الموانئ الرئيسية بالمغرب والموارد الطبيعية، بما في ذلك تعدين الفوسفات في ولاية خريبكة.

وأرسل حوالي 40 ألف مغربي إلى الخطوط الأمامية خلال الحرب العالمية الأولى، ليقاتلوا في جميع المعارك الرئيسية للصراع.

مذابح فرنسية ضد محاولات المغاربة نيل الاستقلال 

واجهت فرنسا مقاومة محلية منذ بداية غزوها، وقتلت آلاف المغاربة وهم يقاتلون من أجل الاستقلال.

وفي عام 1912، شنّ القادة الفرنسيون حملة عنيفة على الجنود المغاربة الذين تمردوا في فاس؛ ما أسفر عن مقتل 800 شخص. وفرض رجال القبائل الأمازيغية في وقت لاحق حصاراً على المدينة، لكنهم تعرضوا للهزيمة في حملة أدت إلى مقتل 600 آخرين.

وشنّت فرنسا حرباً على عدد من المناطق التي رفضت الانصياع للسادة الأوروبيين، لا سيما الزيانيين والريفيين.

ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ المغاربة يؤمنون بإمكانية الاستقلال، خاصةً بعدما أعرب الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عن دعمه لهم خلال مؤتمر الدار البيضاء عام 1943.

وتأسس حزب الاستقلال عام 1943 لتعزيز الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي.

وأعلن السلطان محمد الخامس دعمه للاستقلال، وفي الفترة التي سبقت الخطاب الذي كان سيلقيه في طنجة عام 1947، حاولت السلطات الفرنسية تعطيل رحلته بقتل مئات المدنيين في الدار البيضاء خلال مذبحة وحشية في حي سكني.

وقُتِل 100 مغربي على أيدي القوات الفرنسية في المدينة نفسها بعد انتفاضة مناهضة للاستعمار في ديسمبر/كانون الأول 1952.

ونُفِي السلطان المؤيد للاستقلال إلى مدغشقر عام 1954.

ومع ذلك، بعد تصاعد العنف بين القوات الاستعمارية والقوميين المغاربة، عاد محمد الخامس من المنفى في نوفمبر/تشرين الثاني 1955، وأعلن استقلال المغرب. 

ولكن بعد الاستقلال العلاقة بين المغرب وفرنسا تصبح ودية

حافظ المغرب وفرنسا على علاقات ودية في الغالب في العقود التي تلت الاستقلال. 

وتمثل فرنسا، إلى جانب إسبانيا، أكبر شريك تجاري للمغرب بهامش كبير عن غيرهما. واستقبلت الدولتان على التوالي 21% و22% من صادرات المغرب العام الماضي.

كما أنَّ المغرب هو الوجهة الرائدة للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا. والغالبية العظمى من الشركات الفرنسية الكبرى لديها شركات تابعة في المغرب، بما في ذلك 33 من 40 شركة مدرجة في مؤشر سوق الأسهم الفرنسية "CAC 40".

ساحة انتطار تصدير السيارات في ميناء طنجة المغربي/ رويترز، أرشيفية.

وأحد المجالات الرئيسية الأخرى للتعاون المستمر هو التعليم؛ فالمدارس التي يديرها الفرنسيون لها وجود كبير في المغرب، مع استمرار معظم الطبقات المتوسطة والعليا في إرسال أطفالهم إلى المدارس الفرنسية.

ووفقاً للمنظمة الدولية للفرنكفونية، فإن حوالي 33% من المغاربة قادرون على التحدث بالفرنسية، ولا تزال اللغة مترسخة في العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك الحكومة والإعلام.

إضافة إلى ذلك، العديد من نجوم المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم من الذكور والإناث من مواليد فرنسا؛ من بينهم نجم الرجال سفيان بوفال والمدرب وليد الركراكي.

وفي فريق السيدات، وُلِدَت حارسة المرمى إيناس عرويسة والمدافعتان نسرين الشاد وصباح الصغير ولاعبتا الوسط سارة قاسي وأيلودي نقاش وأنيسة لحماري والمهاجمة كنزة شابيل في الساحل الفرنسي.

لكن على الرغم من وجود عقود من العلاقات الوثيقة، تدهورت العلاقات إلى حد ما العام الماضي بعدما رفضت فرنسا تأشيرات الدخول للمهاجرين المغاربة في عدة قطاعات.

تحميل المزيد