لماذا تتحفظ البرازيل على رغبة الصين في توسيع مجموعة بريكس؟ إرضاءً لأمريكا أم أن لها أهدافاً خاصة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/08/08 الساعة 19:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/08 الساعة 19:18 بتوقيت غرينتش
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والرئيس الصيني شي جين بينغ/رويترز

ينظر إلى نجمع البريكس على أنه سيكون  بقيادة الصين أكبر تحدٍّ للهيمنة الأمريكية على النظام العالمي الاقتصادي، ولكن يبدو أن البرازيل تشكل عائقاً أمام هذا الهدف، رغم أنه كان يتوقع أن يكون الرئيس اليساري لولا دا سيلفا متحمساً لفكرة التقليل من نفوذ واشنطن.

ومجموعة بريكس -اتحاد فضفاض مكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، التي عُرفت في مطلع القرن الحادي والعشرين بأنها الاقتصادات الرئيسية الأسرع نمواً.

وليس من الواضح أن إنهاء الهيمنة الأمريكية هدف تتشارك فيه الحكومات الحالية لهذه البلاد.

ومثلما أفادت ليساندرا باراغواسو، الصحفية لدى وكالة Reuters، في يوم الأربعاء الماضي 2 أغسطس/آب، نأت البرازيل، تحت قيادة الإدارة الجديدة للرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بنفسها بعيداً عن نظيراتها في البريكس من خلال ممانعتها التوسع السريع لمجموعة بريكس. 

ويبدو هذا موقفاً جديراً بالملاحظة بالنسبة لأكبر بلد في أمريكا اللاتينية، وهو موقف يشير إلى تطلعاتها المعقدة على صعيد السياسة الخارجية، التي تُفهم خطأً في معظم الأحيان على أنها سياسة خارجية مُعادية للولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

لماذا تتحفظ البرازيل على توسيع مجموعة البريكس؟

لدى البرازيل مصلحة واضحة في إبقاء حجم بريكس- التي تملك بنك التنمية الكبير الخاص بها وتعقد قممها السنوية رفيعة المستوى- صغيراً وحصرياً بصورة نسبية. 

تريد الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، بسكانها البالغ تعدادهم 200 مليون نسمة ونظامها الديمقراطي الحيوي، وإن كان قد اختُبر مؤخراً، أن يكون لها صوتٌ أقوى في الشؤون العالمية. ففي مجموعة بريكس المكونة من خمسة أعضاء فقط، ستكون سمكة كبيرة في بركة صغيرة نسبياً. أما ضم مزيد من الأعضاء، فربما سيعني تقليص نفوذ البرازيل.

في حديثه مع ليساندرا، قال مسؤول برازيلي لم يُذكر اسمه: "كان موقف البرازيل نابعاً من القلق على تماسك المجموعة، والمحافظة على مساحتنا في مجموعة من البلدان المهمة"، مؤكداً على تفضيل البرازيل لأن تكون العضوية في المجموعة محدودة بدرجة أكبر.

البريكس
رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف مع قادة البريكس خلال قمة البريكس السادسة يوليو/تموز 2014- رويترز، أرشيفية

وفقاً لما جاء في تصريح رسمي ورد في تقرير وكالة Reuters، فإن الصين من جانبها "ترحب بمزيد من الشركاء ذوي التفكير المماثل من أجل الانضمام إلى "عائلة بريكس" في وقت قريب". تريد روسيا أيضاً ضم مزيد من الأعضاء لترسيخ مساراتها التي تلتف بها حول العقوبات التي فرضها الغرب، وتنويع هذه المسارات.  

أشارت ليساندرا في تقريرها إلى أن "بريكس تتخذ القرارات بالإجماع، ولذلك فإن موافقة البرازيل ستكون ضرورية لأي توسع".

ويُتوقع أن يُناقَش توسع المجموعة في قمة بريكس القادمة، التي ستُعقد بين 22 و24 أغسطس/آب في مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا.

ولكنها قد تقبل بذلك في نهاية الأمر

ومع ذلك، لن يؤدي التوسع ذاته إلى إخراج البرازيل من المجموعة، التي لا تزال ملتزمة تجاهها. وقال مسؤول برازيلي في حديثه مع وكالة Reuters: "البرازيل سوف تضطر للاستسلام عند مرحلة ما، لأننا واقعيون وليس من طبيعتنا عرقلة الأمور. لكنه لن يكون جيداً بالنسبة لنا".

وقال الرئيس لولا علناً هذا الأسبوع إن البلاد الراغبة في الانضمام إلى مجموعة بريكس تستطيع ذلك وينبغي أن يُسمح لها بذلك، بشرط أن تستوفي معايير معينة سوف يحددها الأعضاء الأصليون في وقت لاحق من هذا الشهر. يشير ذلك التنبيه إلى اهتمام البرازيل بأن يكون لها كلمة في تحديد تكوين الكتلة، وتوسعها في نهاية المطاف. 

علاوة على كل شيء آخر، اختار لولا الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف لرئاسة بنك بريكس في وقت سابق من هذا العام، في إشارةٍ قويةٍ تدل على استثمار البلاد في الكتلة وفي تعبيرٍ عن هدف لولا المعلن المتعلق بالعثور على آليات لتجاوز هيمنة الدولار الأمريكي في التجارة العالمية.

باختصار، يبدو أن لولا يريد مجموعة بريكس صغيرة الحجم مكونة من كبرى البلاد، بالإضافة إلى أمم متحدة معاد تنظيمها تمنح وزناً أكبر للأصوات الأصغر. يمكن أن تساعد هذه الصورة من الأمم المتحدة في تحقيق تكافؤ الفرص للحوكمة العالمية، بينما يمكن لمجموعة بريكس الصغيرة أن تمكّن البرازيل من المحافظة على النوعية الخاصة من العلاقة التي تتمتع بها مع الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية عبر عضويتها في بريكس.

وكلاهما هدفان رئيسيان بالنسبة للرئيس البرازيلي، الذي يرفض الوضع الراهن المهيمن، والذي يتضمن على سبيل المثال، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يضم أعضاؤه الدائمون بلاداً شنت هجمات غير مبررة على بلاد ذات سيادة في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

وقال لولا خلال حديثه مع منصة صحفية برتغالية في أبريل/نيسان الماضي: "الولايات المتحدة غزت العراق بدون تصريح من الأمم المتحدة، وفرنسا وإنجلترا غزت كلتاهما ليبيا بدون تصريح من الأمم المتحدة، والآن غزت روسيا أوكرانيا". لكنه أضاف في نقطة أخرى في المقابلة: "لماذا نريد أن نتغير؟ لأنه في مسألة المناخ، إذا قررت الأمم المتحدة شيئاً، ولم يكن إلزامياً، فلن تفعله البلاد. ما زالوا لم يطبقوا اتفاقية كيوتو".

البرازيل تريد عالم أكثر توازناً

وعلى عكس اللازمة الشائعة التي تقول إن اضمحلال نفوذ الولايات المتحدة في الشؤون الدولية، يمكن أن يؤدي إلى نتائج أسوأ في مجال حقوق الإنسان حول العالم، يجادل لولا بأن تعاظم نفوذ مجموعة أوسع من البلاد يمكن أن يعزز في واقع الأمر الالتزامات الديمقراطية حول العالم. 

تجد البلاد التي تتألف منها مجموعة بريكس، أنفسها بكل وضوح في أماكن مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل حوالي عقدين من الزمان. تشن روسيا، بكل تأكيد، حرباً ضد جارتها الأصغر بكثير، في حين أن علاقة الصين مع الولايات المتحدة لم تصبح فاترة فحسب، بل ربما تتحرك كلتاهما نحو حرب باردة. تواجه الهند تصاعداً مقلقاً للعنف العرقي الديني، بينما تسير جنوب إفريقيا "على طريق التحول إلى دولة فاشلة"، وذلك وفقاً لما ورد في عنوان تحليلٍ نُشر في صحيفة The Washington Post.

البريكس
رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض فبراير/شباط 2023-رويترز

ومن جانبه، يرى لولا بكل وضوح أن الأمم المتحدة ركيزة رئيسية لا تزال ذات صلة بالنسبة للحوكمة الدولية، لكن ذلك ليس الهدف الذي يتصوره بالنسبة لمجموعة بريكس. وفقاً لما ورد في تقرير Reuters: "سوف تجادل حكومة البرازيل بأن أي توسع ينبغي أن يكون تدريجياً، وأن يحافظ على التوازن الإقليمي، وأن يحتفظ بالأدوار البارزة للأعضاء الخمسة الدائمين".

تنتهج البرازيل نهجاً ممتداً منذ عهد طويل على صعيد السياسة الخارجية، تقاوم بموجبه الانحياز إلى أطراف ما في النزاعات الدولية التي لا تتورط فيها تورطاً مباشراً. والفرضية الأساسية بالنسبة لها هي أن تحقق البرازيل مكاسب مادية تنبع من نزعة مستقلة في الساحة العالمية. ويتجسد هذا الموقف المتجذر عبر تفانيها المستمر تجاه مجموعة بريكس في صورتها الأصلية. 

وفضلاً عن ذلك، يشير احتضان البرازيل الدائم للأمم المتحدة إلى أنها لا تطمح إلى أن تستحدث نظاماً عالمياً مُعادِياً للولايات المتحدة، بل إلى نظام تكون فيه واشنطن أكثر ميلاً -بل أكثر اضطراراً- للاستماع إلى الآخرين.

تحميل المزيد