اختفى ضباط بارزون في الصين أو عُثر عليهم ميتين. وانتشرت شائعات عن فسادهم، واتهم بعضهم ببيع أسرار عسكرية لجهات أجنبية. وعلى إثر ذلك، عيَّن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، جنرالات جدداً في قيادة الجيش الصيني، وتشدد في فرضه لشروط الولاء المطلق وسط تصاعد لخطابٍ عام يُشابه خطابات الحرب.
وفي هذا السياق، جاءت معمعة التغييرات التي طرأت في الأيام الماضية على "القوة الصاروخية الصينية"، التي تعد وحدة النخبة المسؤولة عن ترسانة الصواريخ النووية الآخذة في التوسع في البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
لأول مرة.. قائد لقوة الصين الصاروخية من خارج هذا السلاح
نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الأسبوع الماضي صورةً ظهر فيها الرئيس الصيني بوجهٍ جامد، وهو محاط بالجنرالات الذين ترقَّوا حديثاً، وعلى رأسهم الجنرال وانغ هوبين، القائد الجديد لقوة الصواريخ؛ وشو شيشنغ، المفوض السياسي للوحدة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه أول مرة يذهب فيها أعلى منصب بوحدة الصواريخ إلى شخص من خارج العاملين بها. وقد التُقطت الصورة قبل يوم واحد من ذكرى مرور 96 عاماً على تأسيس جيش التحرير الشعبي، ومع ذلك فقد بدا أن الجيش الصيني لديه من الأسباب ما ينغص عليه هذا الاحتفال.
قائد الصواريخ في الجيش الصيني مفقود وضابط بارز انتحر
ليو تشاو، القائد السابق لوحدة الصواريخ النووية، مفقود منذ أسابيع. واختفت كذلك مجموعة من كبار الضباط بالوحدة، منهم نائبان كانا يعملان تحت إمرة يوتشاو. وعُثر على وو غوهوا، أحد ضباط الوحدة، ميتاً في شقته الشهر الماضي، وقيل إنه مات منتحراً. وحُذف الخبر الموجز عن وفاته بعد وقت قصير من نشره على الإنترنت. ولم يقُل الحزب الشيوعي شيئاً عن مكان وجود هؤلاء الضباط.
لكن صحيفة The South China Morning Post، التي تصدر في هونغ كونغ، نقلت عن مصادر عسكرية قولها إن وحدة مكافحة الفساد التابعة للجنة العسكرية المركزية تحقِّق معهم.
لم تقتصر إجراءات التطهير على العاملين بأكثر وحدات الجيش الصيني حساسيةً وسرية، بل إنها تأتي بُعيد الاختفاء المجهول سببه لوزير خارجية الصين، كما تأتي في غمار التصاعد المفاجئ لهوس السلطات الصينية بالحديث عن مواجهة التجسس الأجنبي، على حد تعبير الصحيفة البريطانية.
تقارير عن تسريب أسرار عسكرية
في الشهر الماضي، قال شي لقادة الجيش الصيني، إنهم يجب أن يفرضوا "سيطرة الحزب المطلقة على الجيش".
وانتشرت الشائعات حول القوة الصاروخية منذ أسابيع، وغالباً ما يكون "الفساد" ذريعة تُستخدم للتخلص من المعارضين السياسيين في الدوائر الحزبية، أو غيرهم من الأعضاء المتهمين بأن ولاءهم مشوب بالشك. وذهبت معظم التخمينات إلى أن الضباط الذين تخلص الحزب منهم قد سربوا أسراراً عسكرية.
الصين توسِّع ترسانتها النووية
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد تحولاً طموحاً نحو تعزيز قدراتها النووية. وتشير أحدث البيانات الصادرة عن منظمة "اتحاد العلماء الأمريكيين" غير الحكومية، إلى أن الصين تمتلك 410 صواريخ نووية، أما الولايات المتحدة فلديها 5244 صاروخاً نووياً، وروسيا لديها 5889 صاروخاً نووياً، وبريطانيا لديها 225 صاروخاً نووياً.
وبناء على ذلك، يقول خبراء إنه من الصعب على الصين أن تلحق بركبِ الدول المتصدرة لهذا السباق. لكن المنظمة اكتشفت باستخدام صور التقطتها الأقمار الاصطناعية أن الصين تبني حقلاً واسعاً لصوامع الصواريخ النووية في المنطقة الصحراوية غربي البلاد.
يأتي ذلك في أعقاب تقرير لمركز "جيمس مارتن لدراسات الحدِّ من الانتشار النووي" الأمريكي، كشف فيه عن صوامع نووية أخرى أنشأتها الصين حديثاً. وقال اتحاد العلماء الأمريكيين إن الصوامع المكتَشفة "أهم توسع للترسانة النووية الصينية في تاريخ البلاد".
وقال الأدميرال تشارلز ريتشارد، رئيس القوات النووية الاستراتيجية الأمريكية: "من المتوقع أن يتضاعف مخزون الصين من الأسلحة النووية – ثلاث أو أربع مرات- خلال العقد المقبل".
ويبدو أن السبب تجربة الروس في حرب أوكرانيا
تشير هذه المساعي إلى تحول كبير في الموقف النووي الصيني، إذ اكتفت الصين بـ"الحد الأدنى من الردع" منذ أن فجرت قنابلها النووية الأولى في الستينيات. وعلى الرغم من غموض هذا المفهوم، فقد شاع تفسيره بأنه الحفاظ على الترسانة النووية عند الحد الأدنى الضروري لردع أي هجوم.
في غضون ذلك، فإن الاستيلاء على تايوان وردع أمريكا عن مساعدة الجزيرة أمران يقعان في صدارة اهتمام الحزب الشيوعي الصيني. وقد أشار خبراء الشؤون الاستراتيجية المعنيون بدراسة حرب أوكرانيا إلى أن حلف الناتو تجنَّب التدخل المباشر لمنع التصعيد النووي مع روسيا. وهو ما دفع المسؤولين في بكين إلى مزيد من المطالبة بتعزيز سريع لقدرات البلاد من الأسلحة النووية.
وتتولى القوة الصاروخية كذلك إدارة الصواريخ التقليدية الصينية، ومنها الصواريخ المتقدمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتذهب التقديرات إلى أن الجيش الصيني لديه ما لا يقل عن ألفي صاروخ تقليدي موجَّه إلى تايوان، وهذه الصواريخ سيكون لها دور بارز في أي غزو عسكري تُقدِم عليه الصين، أو إذا أرادت تدمير أهداف في الجزيرة، وأيضاً في الهجمات على حاملات الطائرات الأمريكية والقواعد العسكرية بالمنطقة.
أمريكا تزعم أنها أعادت بناء شبكة جواسيسها داخل الصين بعد اغتيال عشرات العملاء
على الرغم من تزايد الاهتمام الغربي بدراسة الموقف النووي الصيني، فإن الاطلاع على تدابير الصين في هذا السياق أمر تعترضه مصاعب جمة، لأن بكين لا تتحدث عن ترسانتها النووية، وترفض استئناف المحادثات العسكرية التي توقفت بعد زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، العام الماضي لتايوان. ولذلك، فإن صدقت المزاعم بشأن تسريب معلومات من قيادة القوة الصاروخية الصينية، فإن هذا إنجاز استخباراتي كبير للغرب.
زعم ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منتدى "آسبن" الأمني الذي عُقد بالولايات المتحدة أواخر الشهر الماضي، أن الولايات المتحدة قطعت خطوات جيدة في إعادة بناء شبكات التجسس في الصين، التي تعرضت لضربة كبيرة قبل 10 سنوات (بين عام 2010 وعام 2012) قُتل فيها عشرات العملاء المتعاونين مع الولايات المتحدة أو اختفوا. وقال بيرنز: "لقد أحرزنا تقدماً، واجتهدنا خلال السنوات الماضية لانتقاء أصحاب القدرات الاستخباراتية العالية من أجل استئناف العمل للحصول على ما نريده بطرقٍ أخرى".
استفزت تلك التصريحات بكين، فقال متحدث باسم وزارة الخارجية: "ستتخذ الصين جميع الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي بحزم". وفي الأسبوع الماضي، قالت وزارة أمن الدولة الصينية: "يجب حشد جميع فئات المجتمع لمحاربة التجسس الأجنبي". وذكرت صحيفة Global Times التابعة للحزب الشيوعي أنه: "لما كانت البلاد يقع عليها مهام خطيرة ومعقدة في مكافحة التجسس، فإن السلطات عمدت إلى بناء خط دفاعٍ قوي من الشعب لحماية الأمن القومي من أنشطة التجسس".
عشيقة جاسوسة قد تكون سبب التخلص من وزير الخارجية الصيني
من جهة أخرى، لا يُعرف بعدُ إذا كانت التغييرات في وحدة الصواريخ النووية يجمعها رابط ما باختفاء وزير الخارجية تشين غانغ، الذي اختفى منذ 25 يونيو/حزيران، ثم حلَّ محله وانغ يي. وقد دارت تخمينات كثيرة عن أسباب التخلص منه، أحدها أن عشيقته كانت عميلة لجهة أجنبية.
واشتهر الجيش الصيني في السابق بالفساد. إذ كانت تديره شبكة واسعة من الشركات، وبدا آنذاك أن ضباطه يهتمون بكسب المال أكثر من اهتمامهم بالاستعداد العسكري. لكن لمَّا تولى الرئيس شي السلطة في عام 2012، جعل من تطهير الجيش من الفساد وغرس الولاء لنفسه وللحزب شغله الشاغل. فقد رأى أن هذه الأمور متطلبات أساسية لتحويل الجيش الصيني إلى قوة حديثة ومحترفة. وتدل عمليات التطهير الأخيرة على أن هذه التدابير لا تزال جارية، وأن المخاطر صارت أكبر من أي وقت مضى.