دولة عربية من أهم المستفيدين.. كيف غيّرت حرب أوكرانيا والصراع الأمريكي الصيني مسار التجارة العالمية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/08/02 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/02 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الصيني شي جين بينغ/رويترز، أرشيفية

انقلاب في التجارة العالمية يحدث بوتيرة متسارعة بسبب الحرب في أوكرانيا والصراع التجاري الأمريكي الصيني والذكاء الاصطناعي، في هذا الانقلاب هناك مستفيدون ومتضررون، ولكن اللافت أنه من بين أبرز المستفيدين هناك دولة عربية.

ففي المغرب تحمل الشاحنات القادمة من شركة خدمات لوجستية مقرها ولاية كونيتيكت الأمريكية، قطع غيار وملابس لتعبر مضيق جبل طارق. وفي اليابان، تبدَّل الحال في بلدة زراعية كانت هادئة من قبل، بفضل مصنع أشباه موصلات جديد. وفي فرنسا، يتعلم العمال في مصنع بطاريات كيفية الإشراف على زملائهم الجدد، ولكن تُرى من هم هؤلاء الرفاق؟ إنهم الروبوتات.

إليك أسباب هذا الانقلاب في التجارة العالمية

تجسّد هذه اللحظات، التي قد تبدو بلا ترابط، تحولاً في التجارة العالمية. فالتوترات بين الولايات المتحدة والصين، والغزو الروسي ضد أوكرانيا، تقود جميعها الشركات إلى تقريب سلاسل التوريد من بلادها. واتجاه التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري يعزز الطلب على المواد الضرورية للتحول إلى الكهرباء، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

ويجبر الذكاء الاصطناعي الموظفين على تعلم مهارات جديدة كي لا تُستبدل الحواسيب بهم. وقبل وقت طويل من انعكاس هذه الاتجاهات على البيانات الحكومية، تُغيِّرُ بالفعل من التجارة العالمية، التي يصل حجمها إلى 32 تريليون دولار من السلع والبضائع والخدمات، وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية. 

مجلة Bloomberg Markets بعثت بمراسليها لاكتشاف كيف يبدو هذا الاضطراب على أرض الواقع، وكيف تتغير التجارة العالمية بسبب حرب أوكرانيا والصراع التجاري الأمريكي الصيني وثورة الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي.

الطرق بين أمريكا والمكسيك تتعرض لضغوط هائلة بسبب نمو التجارة

في اليوم الذي تسير فيه الأمور على ما يرام، يعبر شيلبي ألاميلو نهر ريو غراندي ثماني مرات، فيقود الشاحنة عبر جسر التجارة العالمية، الذي تربط طرقه المتربة المكونة من ثماني حارات بين قلب المنطقة الصناعية بالمكسيك وبين جنوب ولاية تكساس الأمريكية.

ويعمل ألاميلو سائق شاحنة لدى شركة تسمى Super Transporte Internacional SA de CV، ويبلغ من العمر 39 عاماً. ينقل السائق قطع غيار السيارات بين الولايات المتحدة والمكسيك. ويقول: "إنه شيء مبهر للغاية، كل هذه المقطورات التي تعبر كل يوم. مع الحمولة الأولى التي نقلتها، يا للعجب، كنت مصدوماً".

يضم ميناء دخول الولايات المتحدة الذي يسمى بورت لاريدو، والمخصص للشاحنات التجارية، مطاراً وطريق سكك حديدية وأربعة جسور لعبور المركبات. وليس هناك أي معبر بري أو بحري أو جوي آخر في الولايات المتحدة يتعامل يومياً مع بضائع ذات قيمة أعلى من البضائع التي تعبر هذا الميناء؛ إذ إن ثمار الأفوكادو وقطع الأثاث والسيارات تشق طريقها نحو الشمال، قادمة من المكسيك. في حين أن قطع غيار السيارات والذُرة والغازولين تشق طريقها جنوباً، قادمة من الولايات المتحدة.

التجارة العالمية
سائقي الشاحنات المكسيكيون يغلقون جسراً يربط بين الولابات المتحدة والمكسيك للاحتجاج على عمليات تفتيش الشاحنات التي فرضها حاكم ولاية تكساس جريج أبوت في أبريل/نيسان 2022-رويترز، أرشيفية

يقول ألاميلو إن عبور الجسر في الوقت الراهن لا يستغرق أكثر من 10 دقائق، غير أنه يواجه مشكلة تراكم الطوابير لحوالي ثلاث أو أربع ساعات مرة واحدة أسبوعياً تقريباً. تتنبأ إدارة النقل في تكساس أن متوسط مدة عبور الجسر سوف تصل إلى 8 ساعات و 47 دقيقة بحلول عام 2050. وفي هذا العام، أعلنت شركة كيا موتورز وتسلا موتورز، التي تتخذ من مدينة أوستن بولاية تكساس مقراً لها، عن خططٍ لإنتاج السيارات الكهربائية الجديدة في ولاية نويفو ليون المكسيكية الحدودية، حيث تزدهر الاستثمارات الأجنبية.

تكتظ حركة المرور لأن الولايات المتحدة تحاول الحصول على مزيد من الإمدادات من المكسيك بسبب حرب التجارة التي تخوضها ضد الصين. وفقاً لتقديرات الخبيرة الاقتصادية لدى وكالة Bloomberg، ميفا كازن، فإن حجم السلع الخاضعة للتعريفات الجمركية القادمة من الصين انخفض بنسبة 150 مليار دولار عن الوضع الطبيعي في حالة عدم خوض هذه الحرب التجارية، وتملأ المكسيك غالبية هذه الفجوة.

يقع ميناء الدخول في مدينة لاريدو، وهي مدينة ذات بنايات على الطراز الكولونيالي الإسباني ويسكنها ربع مليون شخص. وفي الجوار، يشيد المطوّرون مساحات تقدر بملايين الأقدام المربعة من المستودعات والمساحات الصناعية بسبب الطفرة المشهودة في التجارة الدولية. يضغط المسؤولون المحليون من أجل الحصول على الموافقة الفيدرالية لتوسعة الجسر إلى 10 حارات، مع إضافة معبر آخر مكون من 8 حارات، وتبلغ تكلفة كل مشروع منهما 40 مليون دولار. 

يقول جين ليندجرين، الرئيس التنفيذي في المؤسسة غير الربحية Laredo Economic Development Corp: "إننا على الأرجح متخلفون ببضع سنوات عما نحتاج أن نكون عليه. لكن لدينا خطة للحاق بالركب"، وذلك في حديثه مع المحررة الاقتصادية بوكالة Bloomberg، لورا كورتيس.

مطلوب: رعاة روبوتات!

يرتدي المتدربون ملابس واقية بيضاء من قمة الرأس إلى أخمص القدم، ويحدقون عبر الزجاج في الصناديق التي تتحرك فوق خط إنتاج أوتوماتيكي. وفي هذه الأثناء، تعالج الأذرع الروبوتية الصفراء حمولات ثمينة من أجزاء بطاريات السيارات الكهربائية، التي ينبغي أن تُجمع في بيئة مغلقة لمنع تسرب الغبار والرطوبة. 

في جنوب غرب فرنسا، يتأهب العمال لنوعية عمل بارزة تضطلع بدور البطولة في هذه الأيام: وهي الإشراف على الروبوتات أنهم بمثابة رعاة للروبوتات.

بعد خمسة أسابيع وحسب من التدريبات، ينبغي للعامل لودوفيك جوزين، الذي قضى مسيرته المهنية سابقاً في مصانع السيارات التقليدية، أن يتدخل عندما تفعل الآلات شيئاً خاطئاً. يقول جوزين: "كل شيء هنا هو حقاً عالم جديد. كل البروتوكولات الحديثة يجب تعلمها ودمجها والعمل بها بسرعة كبيرة للغاية".

تضطلع الشركة التي يعمل فيها، وهي شركة Automotive Cells Co أو ACC وعمرها ثلاث سنوات فقط، بدور رئيسي في الطموحات الأوروبية التي تستهدف تحدي الصين في مجال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. يتضمن الداعمون شركات على شاكلة مرسيدس بنز جروب وستيلانتس. يتعلم جوزين مهنته داخل ما تطلق عليه شركة ACC "المصنع التجريبي"؛ حيث تطور المنتجات وتختبر طرق التصنيع في بلدية نيرساك الفرنسية.

وبعد ذلك، سوف يتوجه على بُعد 650 كيلومتراً شمالاً، إلى ما تطلق عليه الشركة مصنع "جيجا فاكتوري" في بلدية دوفرين. تعين شركة ACC ما بين شخصين وثلاثة أشخاص يومياً، في الوقت الذي تبني فيه طاقم المصنع المكون من 2000 موظف، بينما يواصل الموظفون التدريب لمواكبة أحدث صور التكنولوجيا. في حديثه مع وليام هوروبين، مراسل وكالة Bloomberg، يقول جيل تارديفو، مدير المصنع: "يجب علينا أن ننجز بصورة أفضل مما تتطلبه المنافسة، ونتحرك بسرعة أيضاً في ذات الوقت".

شركة سيارات عالمية تحقق أرباحاً مليارية من تنافس أمريكا وكندا

على الجانب الآخر من مدينة ديترويت الأمريكية، يقبع حقل من الحصى والرمال والعشب، خاملاً بلا نشاط في كندا. ويُسمع في الموقع صفير الرياح القادمة من بحيرة سانت كلير القريبة. وفي أحد أيام الأسبوع من شهر مايو/أيار، كانت بنايتان على شكل مستودع تبرزان بأعمدتهما المكشوفة، بينما يرفرف العلم الكندي من فوق أحد الأوناش.

لنفترض أن هذا المشروع الموجود بمدينة وندسور في مقاطعة أونتاريو، يجسّد نصباً تذكارياً لمخاطر السياسة الصناعية الوطنية، التي يمكن أن تقلب بلداً صديقاً ضد بلد آخر، حتى عندما يكونان متحدين في رغبتهما التي تستهدف التصنيع في مكان أقرب إلى الوطن، بدلاً من التصنيع في الصين.

كان من المقرر لهذا المصنع إنتاج بطاريات لملايين السيارات الكهربائية حول أمريكا الشمالية. وقال مصنع NextStar Energy Inc -وهو عبارة عن مشروع مشترك بين شركتي ستيلانتس، التي تملك العلامات التجارية الأمريكية كرايسلر ودودج وجيب، وبين شركة شركة إل جى لحلول الطاقة- إنه سيوفر 2500 وظيفة.

لكن مصنع NextStar أوقف المشروع في مايو/أيار، وقال إنه قادر على الحصول على حزمة مساعدات أفضل من الولايات المتحدة. قدمت الحكومة الكندية والحكومة الإقليمية دعماً بقيمة مليار دولار كندي (775 مليون دولار أمريكي). وبسبب خوفه من خسارة غنيمة اقتصادية، رفع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو العرض في يوليو/تموز، ليصل الدعم إلى 15 مليار دولار كندي، وقبل مصنع NextStar هذا العرض. بعبارة أخرى، نجحت ستيلانتس وإل جى في انتزاع 14 مليار دولار كندي إضافية من دافعي الضرائب. ليس سيئاً بالنسبة لقضاء شهرين متوقفين عن العمل، أليس كذلك.

وقال فلافيو فولبي، رئيس رابطة مصنعي قطع غيار السيارات (APMA)، إن الشركتين كانتا على ما يرام هما وكندا في ظل العرض الأقل سخاء، وذلك قبل أن تشرع الولايات المتحدة في عرض دعم أكبر. ويضيف خلال حديثه مع الصحفي لدى وكالة Bloomberg، سام كيم، إن استراتيجية المفاوضات هذه، واستجابة الحكومة، "سوف تصبح حالة تجارية تستحق الدراسة".

ثورة الطباعة الثلاثية تنتقل لشركات الأثاث

في التلال الخضراء لمقاطعة كيري في غرب أيرلندا، تجري شركة ناشئة تجارب قد تحدث طفرة في التصنيع العالمي. تصنع شركة Wazp أيادي وأوجه تماثيل عرض الأزياء لصالح شركة إيكيا السويدية، التي تُستخدم في التصميمات الداخلية وفي معارض البيع بالتجزئة.

تبحث شركة الأثاث السويدية، المعروفة بأسعارها المعقولة، في المعتاد عن البلاد التي تقل فيها تكلفة التصنيع، مثل الصين. لكن شركة Wazp تستطيع أن تقدم لشركة إيكيا بديلاً: الطباعة ثلاثية الأبعاد. يستخدم أي عامل في شركة Wazp طابعة بيضاء تشبه الصندوق، يعادل حجمها حجم طابعات زيروكس المكتبية القديمة، كي يصنع يداً شبكية بالحجم الطبيعي. وبضغطة زر من الحاسوب، تصنع الآلة في غضون دقائق يداً مصنوعة من الراتنج البلاستيكية، ثم ينفض العمال المسحوق الزائد عن اليد، كما لو أنهم يمسحون آثار الثلوج المتساقطة من فوق زجاج أمامي لإحدى السيارات.

يرى المؤسسان المشاركان، شين هاسيت وماريانا كوبال، أن هذا هو المجال الجديد: فهناك طلب على التصنيع. قضى كلاهما عاماً في حاضنة جامعية محلية لتطوير خطة عمل. تساعد الحكومة الأيرلندية في تمويل الشركة، إلى أن تجذب الشركة بالطريقة الملائمة مزيداً من رؤوس الأموال الخاصة. يقول هاسيت إن تحقيق الأرباح على مرمى البصر. وتوسعت الشركة بالفعل لتشمل أعمالها صنع نعال أحذية شركة Vivobarefoot  للأحذية الرياضية.

حتى وقت قريب، كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد تستخدم لصناعة النماذج التجريبية، وليس في الإنتاج ذي الحجم الكبير. يقول هاسيت إنها لن تستغرق وقتاً طويلاً حتى تحل محل المصانع كثيفة العمالة، لتقرب المصانع من الزبائن وتقلل النفايات والانبعاثات الكربونية. وبينما تبحث الشركات عن بدائل للمصانع الصينية، يرى هاسيت سوقاً مزدهرة. وقد قال في حديثه مع بريندان موراي، الصحفي لدى وكالة Bloomberg: "الطباعة ثلاثية الأبعاد تتسع بقوة بالفعل في الولايات المتحدة وفي أوروبا".

البريكست يحقق للطلبة الأفارقة حلماً كان بعيد المنال

داخل قرية في ناميبيا، تربّت تويورورا كاتاهي في مسكن عائلي مصنوع من الصاج المموّج وروث البقر والطين. كانت جدتها تبيع السكر، ووجبات الذرة، والملح، والتبغ من داخل منزلها. بينما كان جدها يعمل في تربية المواشي. في سبتمبر/أيلول القادم، سوف تستكمل رحلة غير متوقعة: سوف تتخرج من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن بدرجة ماجستير في الدراسات الثقافية والإبداعية، وهي درجة علمية تعد الطلبة لمسيرة مهنية في الآداب.

كانت تويورورا الأولى من أبناء وبنات عائلتها التي تذهب إلى الجامعة، واستفادت من قرار المملكة المتحدة بالابتعاد عن الاتحاد الأوروبي. فبعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي (البريكست)، كانت الجامعات البريطانية تستعد لمواجهة انخفاض في عدد الأجانب الملتحقين بها، لأن طلبة الاتحاد الأوروبي واجهوا مزيداً من العراقيل. ولذلك يسّرت الحكومة متطلبات الحصول على التأشيرة بالنسبة لبقية دول العالم؛ مما نتج عنه تدفق عدد كبير من الطلبة من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. تخطط تويورورا للعمل لخمس سنوات في لندن قبل العودة للعيش في ناميبيا. وتقول تويورورا البالغة من العمر 29 عاماً: "لم أرغب في الذهاب إلى أي بلد ماعدا المملكة المتحدة. تشعر أنك متصل بالعالم كله عندما تكون في لندن".

ويرى جوناثان بورتيز، الخبير الاقتصادي وأستاذ السياسات العامة لدى كلية كينجز لندن، إن تويورورا وزملاءها غير البريطانيين يجسّدون "نقطة مضيئة واحدة" بالنسبة للمملكة المتحدة ما بعد البريكست. فقد أسهموا بـ 41.9 مليار جنيه إسترليني (51.9 مليار دولار) في اقتصاد المملكة المتحدة في العام الدراسي 2021-2022، بزيادة قدرها 34% عن الأعوام السابقة. وقد قال: "كنا سنواجه مشكلة كبيرة إذا لم نستقبل هؤلاء الطلبة الدوليين"، وذلك حسبما نقل بريس باشوك، الصحفي لدى وكالة Bloomberg.

حرب أوكرانيا تنقذ موانئ جنوب إيطاليا

لم تتوقف الملاحة البحرية قط عن عبور مياه البحر المتوسط الزرقاء في برينديزي جنوب إيطاليا؛ حيث تمر الرحلات البحرية وسفن الشحن، بالإضافة إلى السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المسال -وهي الأكثر بين جميع السفن- عبر مجموعة متشابكة من الأرصفة الخرسانية الممتلئة بالكابلات والأوناش والحاويات.

يعبر الغاز الطبيعي المسال من برينديزي بطريقة غير مسبوقة، والسبب في هذا أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يرغب في استيراد الغاز الطبيعي من روسيا. قبل غزو أوكرانيا، كان الغاز يتدفق بِحُرِّية من الشمال إلى الجنوب. والآن، انعكس المسار. فقد صار الغاز القادم من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بديلاً عن الغاز الروسي، ويصل عبر الأنابيب أو حاويات الغاز الطبيعي المسال، التي تُفرغ في الساحل الجنوبي لإيطاليا، وتحديداً في المدن التي على شاكلة برينديزي.

يساعد الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذا الموقف عبر دفع المال لتوسعة ميناء برينديزي، بغرض السماح لمزيد من الحاويات بالتوقف عند رصيف الميناء. يشق خط أنابيب جديد، يسمى "إيست ميد–بوسيدون"، طريقه قادماً من إسرائيل. وتخطط شركة نقل الغاز الإيطالية سنام س أ، للاستثمار بـ 2.4 مليارات يورو (2.7 مليارات دولار) في شبكة من خطوط الأنابيب بطول الساحل الشرقي لإيطاليا.

تعترض المجموعات البيئية على خط "إيست ميد–بوسيدون"، وعلى توسعة الميناء؛ بسبب الآثار المحتملة على الحياة البحرية. ويشعر قدامى السكان في برينديزي بالقلق من أن أعمال التشييد ذات الصلة بالطاقة سوف تدمر جمال مدينة قديمة بأرضياتها المصنوعة من الحصى القديم وبأعمدتها الرومانية القديمة. لكن هناك آخرين يبتهجون بسبب تعزيز موقع المدينة على صعيد التجارة العالمية، فضلاً عن زيادة فرص العمل في منطقة إيطالية فقيرة نسبياً. في حديثه مع أليساندرا ميلياتشيو، الصحفية لدى وكالة Bloomberg، يقول غابرييل مينوتي ليبوليس، رئيس الرابطة التجارية في برينديزي Confindustria Brindisi: "نحن فخورون بدورنا، ونعمل جاهدين لمواجهة التحديات والفرص الجديدة".

المغرب يراهن على الشركات الصينية والأسواق الغربية

تصعد حوالي 60 شاحنة من شاحنات شركة XPO Inc على متن العبارات، لتعبر مضيق جبل طارق. تنقل هذه الشاحنات أجزاء السيارات والملابس والبضائع الأخرى من إفريقيا إلى أوروبا. تعبر شاحنات شركة XPO من ميناء قريب من مدينة طنجة المغربية القديمة، ذات المنازل البيضاء والشوارع المتعرجة. افتُتح ميناء طنجة المتوسط في عام 2007، وقد صار بالفعل أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في إفريقيا.

وارتفعت الإيرادات السنوية في المغرب بالنسبة لشركة XPO، التي تتخذ من بلدة غرينيتش بولاية كونيتيكت الأمريكية مقراً لها، بمعدل سنوي بلغ 30%، فقد وصلت مؤخراً إلى 99 مليون دولار. ويعرض ازدهار أعمالها كيف تتمتع البلاد بوضع مثالي يسمح لها بالازدهار. ولا يهم إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة تعتمد على الصين في التصنيع، أو ما إذا كانت تسرّع وتيرة تحول سلاسل إمدادها إلى مكان أقرب إلى أراضيها. فلطالما تولت شركة XPO نقل الشحنات لصالح الشركات الأمريكية والأوروبية. والآن، صار اثنان من أكبر عملائها شركات تصنيع مكونات السيارات الصينية.

التجارة العالمية
ساحة انتطار تصدير السيارات في ميناء طنجة المغربي/رويترز، أرشيفية

تملأ الشركات الأوروبية والأمريكية الريف المغربي في شمال البلاد بالمصانع. ويعمل آلاف المغاربة بالفعل في مصانع رينو ومصانع تجميع السيارات الأخرى، وأيضاً لدى عملاقة صناعة الطائرات الأمريكية بوينغ خطط لإضافة 8700 وظيفة بحلول عام 2028. ويوسع الميناء مساحة رصيفه، كي يتمكن من التعامل مع طفرة السيارات الكهربائية. 

وتخطط الحكومتان الصينية والمغربية لتحويل المناظر الطبيعية الوعرة التي تتكون من التلال الممتدة ومزارع الأغنام التي تمتد لمسيرة نصف ساعة بالسيارة، إلى ما يطلقون عليه "مدينة طنجة تيك"، التي ستضم مئات الشركات الصينية. في حديثه مع بريندان موراي، الصحفي لدى وكالة Bloomberg، قال لويس غوميز، رئيس القسم الأوروبي في شركة XPO: "المغرب تحصل على فرص من بلاد عديدة القوية- التي تريد أن تستثمر، والتي تريد أن تنتج، والتي تريد أن تستفيد من المغرب تجارياً".

صناعة أشباه الموصلات تغضب المسنين اليابانيين 

في بلدة كيكويو الزراعية في اليابان، يجلب الصباح معه واحداً من أسوأ الازدحامات المرورية في البلاد؛ حيث يتحرك آلاف المهندسين ببطء أمام حقول الفجل والجزر، وكثير منهم يعاني من رحلات الذهاب إلى العمل التي تستغرق 90 دقيقة. فهذا هو الثمن الذي يدفعونه للعمل في ما سيصبح قريباً مركز صناعة أشباه الموصلات الأكثر تطوراً في البلاد.

من أجل أن تستعيد ريادتها في هذه الصناعة، تخطط اليابان لتقديم دعم بقيمة 14 مليار دولار للمصانع وخطوط الإنتاج الجديدة. وتدفع الحكومة نصف تكلفة مصنع جديد يتبع شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC)، وتخوض محادثات للمساعدة في تمويل مصنع آخر في موقع قريب. من وجهة نظر أمريكية، يساعد هذا التحول في أن هذه الشرائح الحيوية سوف تُصنع خارج تايوان، التي تعدّها الصين جزءاً من أراضيها.

تتراكم حالة من الاستياء بين السكان في كيكويو؛ مما يقوّض الدعم السياسي لطموحات البلاد في مجال صناعة شرائح السيليكون. يقود كثير من السائقين الآن مركباتهم عبر الطرق الجانبية لتجنب الازدحام، ويسرعون عبر الحارات الضيقة التي تتاخم مزارع البلدة.

وقال ساتورو فوتا، عضو مجلس كيكويو منذ وقت طويل: "لا تجلب (شركة) TSMC إلا المشاكل"؛ إذ يُلقي صاحب السبعين عاماً اللوم على الازدحام المروري المرتبط بصناعة أشباه الموصلات، لتسببه في وفاة ثلاثة من أصدقائه. بحسب مراسلة وكالة Bloomberg، مايومي نيغيشيه، فإن الشركة تقول إنها تعمل مع الحكومات المحلية لتوسعة الطرق وتشجيع الموظفين على استخدام المواصلات العامة.

الهند تحاول اللحاق بالصين في صناعة الهواتف 

قبل أن يصلوا إلى أرض المصنع حيث يجمعون ويركبون أجزاء الهواتف المحمولة، يعبر العاملون في شركة Dixon Technologies عبر "دش هوائي" ينفض أي تراب يحملونه. فمن أجل تجميع كل هاتف، ينبغي للمصنع جمع وتركيب مئات الأجزاء، كما لو أنها أحجيات تجميع الصور. يستغرق تجميع كل هاتف جديد ولامع من هواتف موتورولا، حوالي 45 دقيقة.

كي تقلل الهند اعتماديتها على الصين، يقدم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حوافز مالية لتعزيز شركات التصنيع المحلية؛ مثل شركة Dixon، التي تدير أعمالها في مدينة نويدا الهندية، التي تبعد حوالي 40 كم عن نيودلهي. وفي الوقت الحالي، تصل النسبة التي يسهم بها التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي بالهند إلى 13%، ولا تزال هذه النسبة أقل من النسبة التي يستهدفها مودي، البالغة 25%.

تتفوق الصين على الهند في صناعة التكنولوجيا المتطورة، وهو ما يعرف بالقيمة الإضافية التي تدفع المستهلكين لدفع مزيد من المال مقابل الحصول على أشياء مثل الأجهزة الإلكترونية. تصل القيمة الإضافية لشركات التصنيع الصينية في الوقت الراهن 49%، مقارنة بـ 20% بالنسبة للهند، وذلك حسبما تقول الحكومة. 

وتُستخدم العلامات التجارية البارزة شركة Dixon، بوصفها وكيلة تصنيع متعاقدة. بالإضافة إلى شركة موتورولا، تضم قائمة عملائها من شركات الهواتف كلاً من سامسونغ ونوكيا وريلاينس جيو وشاومي. بلغت الإيرادات السنوية لشركة Dixon خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل 5 سنوات، فقد وصلت مؤخراً إلى 1.5 مليارات دولار. يقول سوراب جوبتا، كبير الموظفين الماليين: "يعمل المصنع بطاقة 100%". ويضيف خلال حديثه مع روتشي بهاتيا، محرر وكالة Bloomberg، أن الهند سوف تحتاج إلى مزيد من إمكانات إنتاج أشباه الموصلات كي تتنافس مع الصين. ويتابع قائلاً: "التغيير الآن سوف يكون بطيئاً بطئاً شديداً".

تحميل المزيد