"الصين خصم نظامي، وتمثل الخطر الأول على ألمانيا فيما يتعلق بالسرقة العلمية"، هكذا وصفت الحكومة الألمانية رسمياً الصين لأول مرة عبر ما يعرف بـ"الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين"، في تطور من شأنه أن يغضب بكين والشركات الألمانية على حد سواء، بينما سيطلق موجة من الأفراح في البيت الأبيض.
فلقد أصدرت ألمانيا مؤخراً أول استراتيجية لها للتعامل مع الصين، والتي وصفت بكين بأنها "خصم أو منافس منهجي أو نظامي"، وتؤكد على حاجة أكبر اقتصاد في أوروبا لتقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين أكبر شريك تجاري لها.
وتمثل هذه الاستراتيجية اعترافاً رسمياً بأن العلاقة بين الصين وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، قد تغيرت.
اللافت في الخطة أنها أيضاً تركز على المحيطين الهندي والهادئ، وتؤكد على الحاجة إلى تكثيف التعاون العسكري مع دول المنطقة، الأمر الذي يقترب من الرؤية الأمريكية الرامية لخلق تحالف يجمع أوروبا وحلفاء أمريكا وآسيا، وفي الوقت ذاته تنصيب روسيا والصين كأعداء لهذا التجمع الذي تقوده أمريكا.
وأعلنت الحكومة الألمانية عن الاستراتيجية، الخميس 13 يوليو/تموز 2023، وكانت الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم قد وافقت على صياغة استراتيجية جديدة للصين كجزء من محادثات تشكيل الحكومة في أواخر عام 2021، ولكن الاختلافات داخل الحكومة الائتلافية أدت إلى تأخير إعلان الاستراتيجية بشكل كبير.
هل انصاع شولتز لضغوط الأمريكيين والخضر بإطلاقه الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين؟
لم يكن اتخاذ الموقف السلبي تجاه الصين جزءاً من عملية إعادة صياغة السياسة الخارجية الألمانية التي نفذها المستشار الألماني أولاف شولتز بعد اندلاع حرب أوكرانيا، والتي تركز على التهديدات التي تمثلها موسكو، ودور ألمانيا في التصدي لها.
ويبدو أن شولتز حاول لفترة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجنب الضغوط الأمريكية لمناصبة الصين العداء.
ولكن صدور الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين بهذا الشكل يفيد بأنه رضخ لضغوط وزراء حزب الخضر المتشددين في حكومته في هذا الملف، حسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، أو بالأحرى الضغوط الأمريكية التي يرافقها تيار واسع من القوى الليبرالية الغربية التي تفضل تقسيم العالم لفسطاطين؛ من ليس مع الغرب فيه فهو ضده.
الاستراتيجية المكونة من 40 صفحة (أو 61 صفحة في النسخة الألمانية) أشد مما توقعه كثيرون من برلين.
تحذير الشركات الألمانية التي تعتمد على بكين من مخاطر مالية
في الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين، التي تم إصدارها، تدعو برلين الشركات الألمانية إلى تضمين المخاطر الجيوسياسية في عملية صنع القرار الخاصة بهم، وتحذر من أن الشركات التي تعتمد بشكل خاص على السوق الصينية سوف تضطر إلى "تحمّل المخاطر المالية بشكل أكبر بنفسها" في المستقبل.
وتقول برلين إنها تريد أن تصبح علاقتها الاقتصادية مع بكين "أكثر عدلاً واستدامة وأكثر تبادلية". وتتطلع ألمانيا أيضاً إلى تعديل قوائم الرقابة على الصادرات لحماية التقنيات الرئيسية الجديدة.
في حديثها في مؤتمر صحفي يوم الخميس، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك أنه بينما تحتاج ألمانيا إلى متابعة التنويع في علاقاتها الاقتصادية، فإنها لا تخطط لإعاقة التنمية الاقتصادية للصين أو التنمية الاقتصادية الألمانية.
في المقابل، علقت وزارة الخارجية الصينية، يوم الجمعة، قائلة إن دعوة برلين لتقليل الاعتماد على الصين هي شكل من أشكال الحمائية، وإن البلدين "شريكان وليسا متنافسين".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، خلال المؤتمر: "نعتقد أن الانخراط في المنافسة والحمائية باسم تقليل المخاطر وتقليل التبعية، والإفراط في توسيع مفهوم الأمن وتسييس التعاون الطبيعي لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية ويخلق مخاطر مصطنعة".
الأمن فوق الاقتصاد
تأتي استراتيجية ألمانيا الجديدة تجاه الصين ضمن تحوّل أوسع في السياسة الخارجية الألمانية نحو المزيد من إعادة الاعتبار للعوامل الجيوسياسية، حسبما ورد في تقرير لمركز "أسباب" للدراسات الاستراتيجية.
وتدعو الاستراتيجية إلى اتخاذ إجراءات لخفض المخاطر (de-risking) التي يتعرض لها الأمن القومي الألماني؛ بسبب تزايد الاعتماد الاقتصادي على بكين. وتؤكد الاستراتيجية الجديدة على التزام ألمانيا بالنهج الشامل للاتحاد الأوروبي تجاه الصين، والمتمثل في خفض الاعتماد على بكين، لكنها تشدد في الوقت ذاته على استبعاد القطيعة في العلاقات (decoupling).
تصف الاستراتيجية الجديدة بكين بأنها أصبحت "خصماً نظامياً" (systemic rival) على نحو متزايد بسبب جهودها لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق توجهاتها الخاصة، وهو نفس الوصف الذي استخدمته برلين في استراتيجيتها للأمن القومي المعلنة في منتصف يونيو/حزيران الماضي، عندما أقرت بأن الصين منافس وخصم نظامي يستخدم قوته الاقتصادية بشكل متعمد لتحقيق أهداف سياسية، كذلك لا يبتعد وصف برلين في الاستراتيجيتين عن وصف وكالة الاستخبارات الألمانية (BfV) في تقريرها السنوي المنشور في يونيو/حزيران الماضي، والذي اعتبر الصين "أكبر تهديد من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر والتجسس العلمي والاقتصادي".
برلين ستتوقف عن محاولة إقناع الصين لتكون أكثر ليبرالية
تمثل استراتيجية "خفض المخاطر" تحولاً عن السياسة التي اتبعتها ألمانيا على مدار العقدين الماضيين، والتي ركزت على العلاقات التجارية ذات المنفعة المتبادلة مع الصين وروسيا. واستهدفت ألمانيا من تلك السياسة التأثير على بكين وموسكو والأنظمة الاستبدادية بشكل عام لتصبح أكثر ليبرالية وديمقراطية.
في مقابل تعزيز نجاح برلين الاقتصادي، أثبتت تلك السياسة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أنها تنطوي على مخاطر متزايدة؛ حيث أهملت تأثير الاعتماد الاقتصادي على الأزمات والتطورات الجيوسياسية.
وعلى الرغم من حرصها على تسليط الضوء على أن ألمانيا لا تسعى إلى الانفصال، فإن الاستراتيجية تؤكد ليس فقط على أن ألمانيا ستسعى إلى تنويع العلاقات التجارية والاستثمارية بعيداً عن الصين؛ بل إنها سوف تساعد شركاءها على فعل الشيء نفسه، وهو مؤشر على أن الأمر سوف يشمل دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، علماً بأن دولة مثل هولندا قريبة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً من ألمانيا ينظر لها كشريك مهم للصين في مجال مثل صناعة معدات الرقائق الإلكترونية ولقد تعرضت لضغوط أمريكية في هذا الملف.
تؤكد الاستراتيجية على أن نطاق التعاون التكنولوجي القائم سوف يعتمد بشكل كبير على شواغل الأمن وحقوق الإنسان.
أما مفهوم التخلص من المخاطر، رغم أنه لم يتم توضيحه بالكامل بعد، ولكنه يظهر بشكل بارز في الوثيقة، وتعكس الأقسام المتعلقة بالعلاقة الاقتصادية استراتيجية الأمن الاقتصادي المقترحة من المفوضية الأوروبية، والتي تم إصدارها الشهر الماضي، من خلال إعطاء الأولوية لتقليل التبعيات على الصين في القطاعات الاستراتيجية.
الاستراتيجية تدعو لتقليل التجارة مع بكين وحجب التكنولوجيا عنها
تتكون الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين من ثلاث ركائز رئيسية حسب تقرير مركز أسباب:
أولاً: تعد الركيزة الأكثر أهمية في الاستراتيجية هي تنويع علاقات ألمانيا التجارية والاقتصادية مع دول إفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية كوسيلة لتقليل الاعتماد على الصين كوجهة تصدير واستثمار، وكذلك تقليل اعتماد برلين على واردات المواد الخام من الصين مثل الليثيوم والمعادن النادرة اللازمة لتحول الطاقة وصناعة أشباه الموصلات.
ثانياً: التدقيق على الاستثمارات الصينية الواردة في البنية التحتية الحيوية والتقنيات المتطورة؛ حيث تسعى ألمانيا إلى تقليل تواجد الشركات الصينية مثل Huawei في البنية التحتية الحيوية للبلاد، خاصة ما يتعلق بشبكة الجيل الخامس 5G، حيث تمثل الشركتان الصينيتان Huawei وZTE حوالي 59% من البنية التحتية للجيل الخامس 5G في ألمانيا.
ثالثاً: الالتزام بسياسة الاتحاد الأوروبي للحد من عمليات نقل التكنولوجيا الحساسة إلى الصين والتي يمكن أن تزيد من القدرات الأمنية والعسكرية لبكين، كما تسعى ألمانيا من خلال ضوابط التصدير وفحص الاستثمار التي أقرتها في استراتيجيتها الجديدة إلى ضمان أن المشاركة الاقتصادية مع الصين لا تساهم في تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لبكين.
مجالات التعاون التي تقرها الاستراتيجية تتآكل أصلاً
إن التعاون مع الصين لتعزيز المصالح الألمانية ليس ممنوعاً، حسب الاستراتيجية، ومع ذلك فإن التركيز على التعاون في مجال تغير المناخ والعلاقات بين الشعوب كما تتحدث الاستراتيجية، يشير إلى أن المساحة المتصورة لمثل هذا التنسيق قد ضاقت، حسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية "csis".
فالتعاون بشأن المناخ نفسه يتضاءل كثيراً مع اشتداد المنافسة على توطين سلاسل توريد تكنولوجيا الطاقة النظيفة والخامات المطلوبة في صناعة البطاريات، والتي تتمتع فيها بكين باليد العليا، ولدى شركاتها استثمارات كبيرة في هذا المجال في دول العالم الثالث، ويحاول الغرب ملاحقتها وأحياناً التضييق عليها.
وهو أمر ينعكس في لغة الاستراتيجية، كما يظهر في رفض اتفاقية الشاملة للاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين (CAI)، التي سارعت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لإبرامها مع بكين قبل رحيلها.
هل تفرض الاستراتيجية قيوداً على تعامل الشركات الألمانية مع الصين؟
لا تتضمن الاستراتيجية الألمانية تدابير سياسية محددة، ومع ذلك فإن اللوائح التنظيمية المستقبلية تثير مخاوف الشركات الألمانية العملاقة -مثل فولكسفاغن (Volkswagen) وسيمنز (Siemens) وغيرهما- والتي تعتمد بشكل مستمر وقوي على السوق الصينية.
إذ من المتوقع أن تتسبب تلك التدابير في ضغوط على الشركات الألمانية لتقليل الاعتماد على الصين، وتنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير، وأخذ المخاطر الجيوسياسية في الاعتبار عند اتخاذ قراراتها. كما تتخوف الشركات الألمانية من رد فعل الصين المحتمل، والذي يمكن أن يتمثل في المزيد من التنظيم الصارم للشركات الألمانية العاملة في الصين، أو عن طريق الحد من صادرات المواد الخام المهمة إلى ألمانيا.
ولكن كما سبقت الإشارة تحذر الاستراتيجية الشركات الألمانية من تحملها لمخاطر مالية جراء علاقتها الوثيقة مع بكين.
تايوان أصبحت قضية ألمانية!
تبدو الاستراتيجية قد استسلمت للجهود الأمريكية لجر أوروبا للتنافس الأمريكي الصيني في آسيا والمحيطين الهادئ والهندي، إضافة لموقفها الداعم لتايوان الذي يستفز بكين.
حيث تتعهد برلين، وفقاً للاستراتيجية، بمواصلة تعزيز وجودها العسكري والتعاون مع الشركاء في المنطقة، وستوسع "سياستها الأمنية وتعاونها العسكري مع شركاء مقربين في المحيطين الهندي والهادئ"، مضيفاً أن هذه الخطوة تؤكد التزامها بالحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد.
في حين تؤكد ألمانيا التزامها بسياسة "الصين الواحدة"، فإنها تؤكد أيضاً على توسيع علاقات برلين مع تايوان، والتمسك بموقفها إزاء تسوية الخلافات حول الجزيرة المتنازع عليها بشكل سلمي.
وتعكس الاستراتيجية رسالة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك إلى نظيرها الصيني تشين جانج في أبريل/نيسان الماضي، وتؤكد أهمية تايوان كشريك تجاري واستثماري، وتقترح أن برلين ستتابع عن كثب ما تصفه المصادر الغربية بـ"العدوانية الصينية" عبر مضيق تايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وتؤكد الاستراتيجية بشأن الصين أن "الوضع الراهن في مضيق تايوان، يجب ألا يتغير فقط إلا بالوسائل السلمية والموافقة المتبادلة"، مضيفة أن التصعيد العسكري سيؤثر أيضاً على المصالح الألمانية والأوروبية.
تنص الاستراتيجية على أنه "من مصلحة ألمانيا حماية السلع العامة العالمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المدى الطويل".
برلين ترسل أسطولها إلى جوار الصين
في السنوات الأخيرة، بدأت ألمانيا بالفعل في تعزيز وجودها الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في عام 2021، حيث نشرت سفينة حربية في بحر الصين الجنوبي لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وفي عام 2022، أرسلت 13 طائرة عسكرية للانضمام إلى التدريبات العسكرية التي أقيمت في أستراليا.
وأرسلت ألمانيا مؤخراً قوات للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة في أستراليا لأول مرة.
وقال قائد الجيش الألماني ألفونس ميس لرويترز، في مقابلة نشرت يوم 10 يوليو/تموز: "إنها منطقة ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا في ألمانيا، وكذلك بالنسبة للاتحاد الأوروبي بسبب الترابط الاقتصادي".
ويأتي ذلك فيما يناقش حلف الناتو أيضاً إمكانية زيادة وجوده في منطقة آسيا والمحيطين الهادئ والهندي، حيث كان هذا الموضوع في المقدمة والوسط خلال قمة الناتو الأخيرة.
طرحت في الأشهر الأخيرة فكرة لافتتاح مكتب اتصال للناتو في اليابان، ودُعي قادة من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا لحضور قمة الناتو الأخيرة بليتوانيا، وهي المرة الثانية التي يشارك فيها قادة من أربع دول في المحيطين الهندي والهادئ بقمم الناتو، ما أثار غضب بكين، التي عارضت ما وصفته بتوسع الناتو في "منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ردت السفيرة الأمريكية لدى الناتو جوليان سميث قائلة: "نحن لا نضيف أعضاءً من المحيطين الهندي والهادئ"، ولكن ما يفعله الناتو هو "كسر الحواجز بين حلفاء أمريكا في المحيط الأطلسي وحلفاء أمريكا في المحيط الهادئ للنظر في التحديات المشتركة".
تسلط الاستراتيجية الألمانية الضوء أيضاً على تأثير علاقة بكين مع موسكو على موقف برلين، خاصة منذ الحرب في أوكرانيا، حيث اعتبرت أن "قرار الصين بتعزيز علاقاتها مع روسيا له تداعيات أمنية مباشرة على ألمانيا".
تحجيم للعلاقات وليس قطيعة خوفاً من التداعيات الاقتصادية
إجمالاً؛ تؤسس الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين لإعادة ضبط العلاقات الألمانية الصينية، وتحافظ في الوقت نفسه على خيارات ألمانيا مفتوحة للاستمرار في العلاقات الاقتصادية مع الصين. حيث تعد بكين الشريك التجاري الأول لبرلين، بحجم تبادل تجاري يبلغ 325 مليار دولار، فضلاً عن أن الانقطاع المفاجئ في العلاقات التجارية بين الصين وألمانيا يمكن أن يكلف الأخيرة حوالي 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل 54 مليار دولار من الدخل الحقيقي، حسب تقرير مركز أسباب.
ولكن قد يتأثر الاقتصاد الألماني الذي يعاني أصلاً من تراجع التعاون الاقتصادي مع الصين والحالة العدائية التي قد تخلقها الاستراتيجية، ولاسيما فيما يتعلق بالاستثمارات المبتادلة الجديدة.
هل ألمانيا مستعدة لإدارة ظهرها للصين؟ الجواب على هذا السؤال هو: "البقرة ما زالت تعطي الحليب، ونحن لسنا مستعدين لذبحها الآن".
هكذا قال مسؤول ألماني مقرب من شولتز لمجلة فورين بوليسي الأمريكية مؤخراً، عن العلاقة مع الصين.
لفهم هذا الموقف، من المهم النظر في السياق الاقتصادي والسياسي. يشعر شولز وفريقه بقلق عميق بشأن حالة الاقتصاد الألماني، الذي دخل في حالة ركود في الربع الأول من العام بعدما أضر التوقف المفاجئ للغاز الروسي الرخيص بالصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في جميع أنحاء البلاد.
وتقوم بعض أكبر الشركات الألمانية بتحويل استثماراتها إلى الخارج، حيث تغريها الإعانات الضخمة للتكنولوجيا الخضراء المقدمة بموجب قانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة. في الأشهر الأخيرة، تفوق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولز في استطلاعات الرأي الوطنية.
كان مجتمع الأعمال الألماني صريحاً بشكل خاص في معارضة التحركات التي قد تعرض العلاقة الاقتصادية للخطر، لا تزال الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا.
ورغم ذلك فإن الاستراتيجية الجديدة تكشف أنه رغم المشكلات الاقتصادية التي قد تترتب عليها، فإن الإجماع الألماني بشأن الصين قد تغير، بطريقة جعلته أقرب للموقف الأمريكي وللدول الأنغلوساكسونية الأخرى (أستراليا، بريطانيا، كندا).
أظهر استطلاع نشره مركز بيو للأبحاث العام الماضي أن 74% من الألمان لديهم نظرة سلبية للصين، وهو مستوى كندا نفسه.
هل العلاقة بين الصين وألمانيا لم تعد مربحة كما كانت في السابق؟
الأهم من ذلك، أن الجانب المربح للعلاقة الاقتصادية بين البلدين بدأت تتراجع.
كانت الصين أهم سوق للشركات الألمانية العملاقة المتخصصة في صناعة السيارات، خاصة فولكس فاغن، ومازالت على الأرجح، ولكن اليوم شركات السيارات الصينية تزداد قوة وتسرق ببطء جزءاً من حصة السيارات الألمانية في الصين.
كما تفوقت شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية مثل BYD وNio (إضافة لتسلا الأمريكية) على المنافسين الألمان الراسخين الذين راهنوا على محركات الاحتراق لفترة طويلة جداً.
ورغم حرص الصينيين على استمرار التعاون مع الشركات الألمانية، لكن يبدو أنهم قادرون على العمل وحدهم الآن، إذا قرر الألمان وقف التعاون، لأنه في بعض الأحيان، أصبحت الشركات الألمانية هي التي تعتمد على الشركات الصينية في التصنيع ولو جزئياً، مثلما يحدث مع شركة فولكس فاغن التي عهدت لشركة سايك الصينية ببناء سلسلة سيارات كهربائية شهيرة معروفة باسم ID، وتسوقها فولكس تحت علامتها.
قد يعني ذلك أنه على الأرجح، قد فات الأوان على الألمان والأمريكيين لوقف صعود الصين، التي حصلت عبر استثمارات الشركات الغربية في أراضيها على الأموال والتقنيات اللازمة لبناء علاماتها الخاصة.
فقد تكون الشركات والحكومة الصينية غير قلقة كثيراً من خروج العلامات الغربية البطيء من الصين، لأنها ستفسح المجال للشركات الصينية.
ولكن قد تكون مشكلة بكين الكبرى الأساسية في بعض التقنيات القليلة ولكن شديدة التطور التي يحجبها الغرب عنها، ولكن هذا قد يكون حافزاً لها على تطوير بدائلها.