"فيدرالية إفريقية تثور ضد الحدود التي وضعها الاستعمار، وقادة أفارقة يهددون بالحرب إذا تدخل الغرب في بلادهم، وأعلام روسيا ترفع بينما سفارة فرنسا تحرق".. تغيرات كبيرة تشهدها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وصلت ذروتها إثر انقلاب النيجر الأخير.
فلقد استولى عسكريون على السلطة في النيجر في 26 يوليو/تموز. وأعلنت قيادة القوات المسلحة عن دعمها -ولو على مضض- لـ"المجلس الوطني لحماية النيجر" الذي انقلب ضباطه على رئيس البلاد. ومن ثم فقد بدا أن الانقلاب قد أرسى دعائمه، على الرغم من أن الرئيس المخلوع محمد بازوم وبعض وزراء حكومته ظلوا ممتنعين عن الاعتراف بالانقلاب حتى 27 يوليو/تموز. وفي اليوم التالي، عيَّن المجلس العسكري رئيسَ الحرس الرئاسي، اللواء عبد الرحمن تشياني، حاكماً عسكرياً للبلاد.
فتش عن الدور الفرنسي والأمريكي في تردي أحوال البلاد
السخط ضد فرنسا في النيجر كان نتاج التدهور الأمني في البلاد ونتيجة وجود اقتصادي وعسكري فرنسي من دون أي نتائج إيجابية تنعكس على البلد. وهو نفس المحرك الذي أدى إلى الانقلاب في مالي وبوركينا فاسو.
جاء هذا الانقلاب أردأ حالاً من الانقلابات المشابهة في منطقة الساحل الإفريقي الموبوءة بهذا الأمر. وقد برهن الانقلاب على الفشل الذريع للتدابير الفرنسية والأمريكية المتواصلة منذ 10 سنوات في المنطقة، حسب وصف تقرير لموقع The Responsible Statecraft الأمريكي.
إذ اعتمدت هذه التدابير على الاستعانة برؤساء مدنيين طيِّعين يسمحون للغرب بشن الحملات المفتوحة لمكافحة الإرهاب، وتنفيذ برامج التدريب العسكرية.
لكن عندما عجزت هذه الجيوش عن هزيمة المتمردين وزاد سخطها من الإشراف المدني عليها، أخذت تنقلب، واحداً بعد واحد، على الرؤساء المنتخبين في المنطقة.
صارت بلدان الساحل والصحراء -مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو- بؤراً للعنف والنزوح الجماعي، واستحالت المنطقة برمتها إلى إحدى أسوأ مناطق الصراع والكوارث الإنسانية في العالم، فقد شهدت تلك الدول خمسة انقلابات عسكرية في السنوات الثلاث الماضية. واتَّبعت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر النمط نفسه: فالانقلاب يبدأ باعتقال مجموعة من العسكريين لرئيس البلاد، ثم الظهور على شاشة التلفزيون للإعلان عن تكوين مجلس "إنقاذ" للأمة.
بعد انقشاع الغبار، تبدو الأسباب طويلة الأمد لتلك الانقلابات واضحة للمراقب، وأبرزها تفشي الإحباط بين جنود الجيش وعامة السكان؛ واستشراء الفساد سنوات طويلة بلا محاسبة ولا عقاب؛ فضلاً عن استبداد الرؤساء بالسلطة.
ومع ذلك، كان الظن السائد في الغرب أن النيجر تختلف عن تلك الدول، فهي "جزيرة"، أو "واحة" من الاستقرار في منطقة مضطربة، فلقد كان زعيما النيجر محمد إيسوفو (الذي تولى الرئاسة من 2011 إلى 2021) ومحمد بازوم (من 2021 إلى 2023) يوصفان بالذكاء والتطور والقدرة على الجمع بين تأييد الغرب والشعبية المبنية على الثقة بهما في الداخل.
في غضون ذلك، تجاهلت باريس وواشنطن المساوئ البادية في حكم إيسوفو ومن بعده بازوم، مثل التعسف في استعمال السلطات القانونية والإدارية للدولة لتقييد المعارضة السياسية والتضييق على المنتقدين.
ما يحدث حالياً في النيجر جاء في سياق حراك مجتمعي ساخط على النفوذ الفرنسي. رغم أن توقيت الانقلاب الحالي مرتبط أكثر بقضية أن الجنرال قائد الانقلاب كانت ستتم تنحيته من قبل الرئيس، ولهذا تحرك قبل حدوث هذا الأمر.
والنيجر أصبحت القاعدة الأساسية التي تتحرك من خلالها فرنسا في منطقة الساحل بعد الانقلاب الذي حدث في مالي وبوركينا فاسو.
سبق أن تم قتل مجموعة من المتظاهرين في النيجر من قبل الفرنسيين، وهو ما أدى إلى تجييش المشاعر المعادية للتوجه الفرنسي في البلاد أكثر.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، سقط قتيلان وأصيب 17 جريحاً في اشتباك مع قافلة عسكرية فرنسية، استخدمت القوة ضد المتظاهرين الذين اعترضوا طريق المركبات بسبب الغضب من الوجود الفرنسي.
الاختلافات قليلة -حتى الآن- بين صناع الانقلاب في النيجر ونظرائهم في مالي وبوركينا فاسو. وقد أشار أحد الصحفيين بقدرٍ من التهكم، إلى أن العسكريين في النيجر لقبوا مجلسهم باسم "المجلس الوطني لحماية النيجر" (CNSP)، وهو لقب يحمل الاختصار نفسه للاسم الذي اختاره العسكريون في مالي لمجلسهم: "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب المالي" (CNSP). ويدل غموض هذه الأسماء على غموض الأيديولوجية التي يحملها أصحابها، أو غياب أي أيديولوجية لهم من الأصل، فالعسكريون يشددون في خطابهم المبكر على المحاسبة والكرامة والسيادة والحزم، لكن سياساتهم ما تلبث أن تنقاد لخدمة أغراضهم، حتى تمتزج في نهاية المطاف مع مصالحهم الشخصية.
ولكن يحظى انقلاب النيجر بدعم شعبي أكبر مما كان عليه الأمر في مالي وبوركينا فاسو، حسب الموقع الأمريكي، ولكنه يقول هذا لا يعني أن المجلس العسكري في النيجر سيكون أكثر إحساناً أو أفضل حالاً. فهؤلاء الرجال غالباً ما يجدون أنفسهم في مواقف تسوِّغ لهم الشدة وسلوك البطش. ولا شك في أن إغراء الاستئثار بالسلطة في بلد يسوده العنف والفقر والتهميش إغراء يستعصى مقاومته، لكن شواهد الواقع أظهرت مراراً أن الجيوش قد عجزت عن إصلاح مشكلات بلدانها رغم حيازتها للقوة المكفولة بتلك السلطة.
حتى الآن غير معلوم التوجه السياسي للمنقلبين، ولكن خطابهم الحالي يجاهر بالعداء للتوجه الفرنسي ورد الفعل الفرنسي على ما يحدث مؤشرات بأن هناك توجهاً جديداً يتبلور.
أوروبا تخشى على مفاعلاتها النووية
يثير الانقلاب العسكري في النيجر مخاوف أوروبية، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية، وتعد فرنسا واحدة من أكثر دول العالم اعتماداً على الطاقة النووية.
في عام 2021، كانت النيجر أكبر مورد لليورانيوم للاتحاد الأوروبي، تليها كازاخستان وروسيا، وفقاً لوكالة الإمداد التابعة لمجموعة الطاقة الذرية الأوروبية.
كما كان الرئيس بازوم حليفاً قوياً للغرب في قتاله ضد المتشددين، وكان شريكاً اقتصادياً قوياً أيضاً.
وتستضيف النيجر قاعدة عسكرية فرنسية وهي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، الوقود الحيوي لمحطات الطاقة النووية، حيث يذهب ربعه إلى أوروبا، وخاصة القوة الاستعمارية السابقة فرنسا.
هل تتوقف مفاعلات فرنسا؟
تزود النيجر 15% من احتياجات فرنسا من اليورانيوم وتمثل خمس إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم.
وتستمد فرنسا 70% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية، وفقاً للرابطة النووية العالمية. يستمد الاتحاد الأوروبي ككل حوالي ربع احتياجاته من الكهرباء من الطاقة النووية. يتم إنتاج نصف الطاقة النووية للاتحاد الأوروبي في فرنسا وحدها.
وقال متحدث باسم شركة "أورانو الفرنسية المنتجة للوقود النووي التي تسيطر عليها الحكومة الفرنسية، في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة Politico الأمريكية، إن الشركة تواصل أنشطتها في النيجر وتراقب الوضع، مؤكدة أن "أولويتها هي الحفاظ على سلامة موظفيها في البلاد".
وسارعت الحكومة الفرنسية وخبراء الطاقة في التأكيد على أن التوترات لن يكون لها أي تأثير فوري على احتياجات فرنسا من اليورانيوم، حيث يستمر الاستخراج، وفي حالة توقفه، يمكن أن تغطي المخزونات الحالية ما يقرب من عامين.
الانقلاب يعرقل قدرة أوروبا على الاستغناء عن الوقود اليورانيوم الروسي
لكن الانقلاب في النيجر قد يمثل تحدياً لاحتياجات أوروبا من اليورانيوم على المدى الطويل، تماماً كما تحاول القارة التخلص التدريجي من الاعتماد على روسيا، وهي مورد رئيسي آخر لليورانيوم المستخدم في المحطات النووية الأوروبية.
يمكن للتوترات في النيجر أن تثني الاتحاد الأوروبي عن تبني عقوبات ضد روسيا في القطاع النووي، وفقاً لفوك-فينه نجوين، خبير الطاقة في معهد جاك ديلور في باريس.
وأفادت تقارير رددتها وسائل إعلام روسية وأخرى موالية لإيران ونسبتها لهيئة الإذاعة البريطانية بأن سلطات النيجر الجديدة أوقفت تصدير اليورانيوم لفرنسا، ولكن لم يتم التأكد منها وقد تكون جزءاً من دعاية إيرانية روسية.
اتهامات وتهديدات متبادلة بين فرنسا وقادة انقلاب النيجر، وهتافات لبوتين
واتهم الانقلابيون فرنسا يوم الإثنين، بالتخطيط لإضرابات، في محاولة للإفراج عن الرئيس محمد بازوم المحتجز حالياً.
وهتف المتظاهرون أمام السفارة الفرنسية في نيامي أمس الأول الأحد "تحيا روسيا" و"يعيش بوتين" و"تسقط فرنسا".
كما أشعلوا النار في جدران مجمع السفارة.
وقال ماكرون في 30 يوليو/تموز إن الحكومة الفرنسية "لن تتسامح مع أي هجوم على فرنسا ومصالحها" في النيجر.
لكن ماكرون لم يحدد بالضبط المصالح الفرنسية التي كان يشير إليها
وقال العقيد أمادو عبد الرحمن، أحد مدبري الانقلاب، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي يوم 31 يوليو/تموز، إن الحكومة المخلوعة فوضت فرنسا بتنفيذ هجمات في العاصمة نيامي غبر بيان وقعه وزير خارجية بازوم، حسومي مسعود، بصفته قائماً بأعمال رئيس الوزراء.
ولم تؤكد وزارة الخارجية الفرنسية أو تنفي هذا الاتهام. وقالت إن باريس تعترف فقط ببازوم كسلطة شرعية.
يمكن للانقلاب في النيجر أن يفعل ما لم تستطع موسكو فرضه للحرب في أوكرانيا، تهديد حاسم لثلثي إمدادات الطاقة في فرنسا وربع إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، حسبما ورد في تقرير لموقع Wio News.
وقالت مجموعة "فاغنر" الروسية للمرتزقة النشطة في إفريقيا في رسالة منسوبة لرئيسها يفغيني بريغوجين، إن "الأحداث في النيجر كانت جزءاً من حرب هذا البلد ضد المستعمرين".
وإذا وضع في الاعتبار أن معظم مصادر فرنسا وأوروبا من اليورانيوم تأتي من روسيا أو من دول حليفة لها، فهذا يعني أن أنه لو رسخت موسكو نفوذها في النيجر فإنها سوف تصبح قادرة على إسقاط فرنسا وبقية أوروبا في ظلام دامس.
حلف من الدول الثلاث التي شهدت انقلابات بالمنطقة يهدد بالحرب ضد أي تدخل خارجي
مدعومين بالغرب، هدد زعماء تجمع غرب إفريقيا "إيكواس" بعمل عسكري ضد الانقلاب.
في المقابل، صدر بيان عن بوركينا فاسو ومالي أن "أي تدخل عسكري ضد النيجر سيعتبر إعلان حرب ضدها".
ويبدو أن هناك حلفاً يتشكل في منطقة الساحل بين مالي وبوركينا فاسو وغينيا، والآن من المحتمل أن تنضم النيجر، وهو حلف يجهر بالعداء لفرنسا ويسعى إلى النضال ضد ما يسمونه الاستعمار الجديد. وفي مالي وبوركينا أصبح واضحاً ذلك نظراً للشراكات البديلة التي تم عقدها في الأشهر الماضية مع دول أخرى أهمها روسيا وتركيا.
هناك خطر حقيقي لتدخل عسكري تقوده الإيكواس بدعم غير مباشر من فرنسا للتصدي للانقلاب في النيجر. بالنسبة لفرنسا هناك خوف كبير جداً من فقدان آخر معاقل هذا البلد في الساحل ومن أن يشجع المزيد من البلدان على حذو هذه النماذج، وبالنسبة للإيكواس ونيجيريا على وجه الخصوص، هناك تخوف حقيقي من أن يشجع هذا النموذج قوى الداخل في أن تنهج نفس النهج، لا سيما أن نيجيريا تعاني نفس المعضلة الأمنية المتمثلة في انعدام الاستقرار والتدهور الاقتصادي.
هناك نقطة أخرى تزيد من الخوف الفرنسي، وهي الانتخابات القادمة في السنغال. حيث إن هناك مرشحاً للرئاسة تزداد شعبيته في السنغال وهو عثمان سونكو، وإذا ما فاز بالانتخابات فستكون ضربة موجعة لهم لما يحمله من أفكار وتصورات معادية لفرنسا ونفوذها في البلد.
وأعلنت الحكومة السنغالية، أمس الإثنين، حل حزب المعارض عثمان سونكو، بعد أقل من ساعتين على اتهامه بـ"الدعوة إلى التمرد والتآمر" ضد الدولة وتوقيفه، كما وجهت له اتهامات بالتحرش الجنسي فيما وصفه محامون بأنها اتهامات ملفقة.
وهناك حديث عن فيدرالية مقترحة بين مالي وبوركينا وغينيا، وقد تنضم النيجر مستقبلاً إليها، وفي فبراير/شباط 2013، قال وزراء خارجية بوركينا فاسو وغينيا ومالي، الذين تحكمهم جميعاً المجالس العسكرية، إنهم اقترحوا شراكة إقليمية لتسهيل التجارة والتصدي لانعدام الأمن في المنطقة ـ وذلك خلال لقاء عقد في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، وشهدت الدول الثلاث عمليات استيلاء عسكرية منذ عام 2020.
ويبدو ذلك تمرداً على الحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي. وهو نفس التصور الذي كنتم تتحدثون عنه في ما يخص عالمنا الإسلامي.
هل تؤدي الانقلابات للقضاء على الإرهاب؟
لعل الشغل الشاغل للمهتمين بما يحدث في النيجر الآن هو البحث عن المستفيد؛ وبالنظر إلى الاهتمام المحموم في الصحافة الغربية بروسيا ومرتزقة فاغنر، فإن كثيرين في الغرب سيقولون إن الانقلاب فرصة سنحت لهما لتعزيز النفوذ هناك. ربما يكون الأمر كذلك، وربما لا. فإذا كانت الطغمة العسكرية في مالي قد تعاونت مع فاغنر في التجارة بعد الانقلاب، فإن حكام بوركينا فاسو العسكريين لم يتفقوا مع مجموعة المرتزقة الروسية، وخالفوا الشائعات التي أكدت مراراً أنهم مقبلون على ذلك.
ويقول آخرون إن أبرز مستفيد هي الجماعات المتشددة، والمجموعات التابعة لـ"تنظيم القاعدة" و"تنظيم الدولة الإسلامية" المنتشرة بالفعل في مساحات شاسعة من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
لا شك أن العنف في مالي وبوركينا فاسو قد تصاعد بعد الانقلابات هناك، لكن نصيباً كبيراً من أسباب هذا التصاعد يرجع إلى مشكلات كانت قائمة بالفعل قبل الانقلاب. وقد أبلت المجالس العسكرية في المنطقة بلاء سيئاً أمام المتشددين، واكتسبت العداء بين المدنيين في مناطق القتال، لكن الزعماء المدنيين لم يكونوا أحسن حالاً منهم في التعامل مع تلك الأمور.
بعد ثلاث سنوات من الانقلاب العسكري في مالي، لم يتمكن المتشددون من السيطرة على باماكو ولا أي عاصمة إقليمية، لكن المجلس العسكري ما انفك يرسخ قوته شيئاً فشيئاً. والواضح أن المستفيد الأكبر من الانقلابات هم منفذوها.
في هذه الأثناء، ماتت الديمقراطية في منطقة الساحل، وهيمنَ الحكم العسكري على مالي وبوركينا فاسو. وتنذر وقائع الماضي بأن الانقلاب العسكري ليس سوى البداية في طريق وعرة.
أما الحكومات الغربية، فإن هذا الانقلاب قطع طريق النجاح المزعوم لسياساتها في المنطقة. ولعل ما حدث يدفع واشنطن إلى السعي لاحتواء أزمات الساحل ومنع امتدادها إلى مزيد من الدول في غرب إفريقيا. أما إذا لم تستخلص الولايات المتحدة وفرنسا العبر مما جرى في النيجر، حسب الموقع الأمريكي، فإن الأضرار قد تمتد إلى كوت ديفوار وغانا وبقية دول المنطقة. وقد تواصل واشنطن السياسة القائمة على معاقبة المجالس العسكرية التي تتعاون مع فاغنر وروسيا، وتجاهل المساوئ التي ترتكبها دول أخرى في مقابل البعد عن الرئيس الروسي وبريغوجين.
لكن الخلاصة أن سياسات واشنطن والدول الغربية لا تقدم حلاً لمشكلات المنطقة، ولا تساعد حتى في حلِّها. وإن أكثر ما تحتاج إليه القوى الغربية الآن هو الخيال، واللجوء إلى أفكار جديدة، والبعد عن الأفكار "الجاهزة" -مثل التخلي عن الديمقراطية وتحويل الطغمات العسكرية إلى عملاء، أو السعي إلى إثارة انقلابات جديدة على الانقلابيين- فهذه الأفكار كلها ستزيد من اضطراب الوضع في المنطقة.
ولكن الأخطر أن تحاول فرنسا وأمريكا اللجوء للقوة لإفشال الانقلاب، ففي ظل الرفض الشعبي للوجود الغربي وخاصة الفرنسي، والتأييد للانقلاب من قبل غينيا وبوركينا فاسو ومالي، وجود فاغنر، فإن هذا ينذر باشتعال الأوضاع في المنطقة بشكل غير مسبوق.