“واشنطن واهمة”.. كيف ستؤثر أزمة التعديلات القضائية على العلاقة بين إسرائيل وأمريكا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/07/28 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/28 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
نتنياهو وبايدن في لقاء سابق/ أرشيفية

استقبل المشرعون الأمريكيون الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بحفاوة بالغة، وحظي خطابه أمام الكونغرس بصيحات الإعجاب من الحزبين. حيث احتفى بالروابط "المقدسة" بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي ترتكز بدورها على "القيم" المشتركة "والصداقة الحقيقية".

لكن أثناء حديث هرتسوغ في واشنطن، كانت شوارع المدن الكبرى الإسرائيلية تشتعل غضباً ورفضاً للخطط المثيرة للجدل التي وضعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي تستهدف إصلاح النظام القضائي في البلاد. 

واشتدت حدة الاحتجاجات المستعرة منذ شهور في يوم الإثنين 24 يوليو/تموز، بعد أن استغل تحالف نتنياهو تفويضه الانتخابي بفارقٍ ضئيل لتمرير البند الأول من الإصلاحات، وجردوا بذلك المحكمة العليا من سلطة إلغاء إجراءات الحكومة التي تراها "غير منطقية"، بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

"ضربة كبيرة"

ويرى الكثير من أنصار الخطة أنها تعيد قدراً أكبر من السلطة إلى أيدي الجهة التشريعية المنتخبة في البلاد. لكن المحللين والنقاد يرون فيها ضربةً كبيرة لواحدةٍ من أدوات الضبط الحقيقية القليلة في الديمقراطية الإسرائيلية، وخطوةً مظلمة نحو شكلٍ من أشكال حكم الأكثرية الأوتوقراطي. وأوضح جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في Center for Strategic and International Studies، قائلاً: "إن السلطة التشريعية غير المقيدة تمثل تهديداً على أي ديمقراطية، كما هو حال السلطة التنفيذية غير المقيدة".

مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد التعديلات القضائية/الأناضول

ولا شك أننا أمام لحظة شديدة الجوهرية والخطورة للإسرائيليين، لدرجة أن ألترمان وصفها بأنها "المنعطف الثالث" في تاريخ البلاد بعد التغيير الكبير في حدودها عقب حرب 1967، وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. ويتطلع حلفاء نتنياهو المتشددين إلى اتخاذ مناورات أكثر تطرفاً، مثل عزل النائب العام، بينما تدرس النقابات العمالية إطلاق إضراب عام آخر على مستوى البلاد. فيما تعهّد الآلاف من جنود الاحتياط بعدم الحضور للخدمة في حال تمرير التشريع، وهي غيابات قد تكون لها تداعيات أمنية خطيرة على الدفاعات الإسرائيلية.

"يوم مظلم في تاريخ الديمقراطية الإسرائيلية"

أدانت الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة تصويت الكنيست على تقييد سلطة القضاء باعتباره تهديداً للديمقراطية، وحذرت من أن التصويت قد يضر بالعلاقات مع اليهود الأمريكيين. لكن انتقادات البيت الأبيض اكتفت بوصف النتيجة بأنها "مؤسفة"، في دلالةٍ على أن إدارة بايدن لن تُكبِّد حكومة نتنياهو أية خسائر حقيقية على الأرجح.

وأدان النقاد التغييرات على اعتبارها تمثل انتزاعاً واضحاً للسلطة، ما سيقوض الأعراف الديمقراطية ويساعد نتنياهو في مواجهة تهم الكسب غير المشروع التي ينكرها.

فيما حذّر آخرون من أن التشريع يمثل خطوةً أخرى نحو تحقيق رغبة القوميين المتطرفين في حكومة نتنياهو، الذين يريدون ضم بعض أو كل الأراضي المحتلة إلى دولتهم.

إذ أعربت منظمة American Jewish Committee الأمريكية عن "خيبة أملها العميقة" إزاء تصويت الكنيست، وقالت إنها "قلقة بشدة" من أن يؤدي التصويت إلى تعميق الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي.

الحرب الأهلية في إسرائيل
يحمل إسرائيليون نتنياهو مسؤولية تزايد مؤشرات وقوع الحرب الأهلية في إسرائيل – عربي بوست

وأردفت: "أدّت الجهود المتواصلة للدفع بالإصلاحات القضائية -بدلاً من البحث عن تسوية- إلى زرع الفرقة بين صفوف الجيش الإسرائيلي، في وقتٍ يشهد تصاعد التهديدات الخارجية. كما أسفرت تلك الجهود عن توتر العلاقات الضرورية بين إسرائيل وبين يهود الشتات".

وقالت منظمة Israel Policy Forum إنها "تشعر بالذعر" بسبب التصويت، كما حذرت من أنه "سيضر بالديمقراطية الإسرائيلية، ومكانة إسرائيل الدولية، والتحالف الأمريكي-الإسرائيلي، والعلاقات بين إسرائيل واليهود الأمريكيين".

بينما وصفت منظمة New Israel Fund التصويت بأنه يمثل "يوماً مظلماً في تاريخ دولة إسرائيل والشعب اليهودي".

وشارك بعض أعضاء الكونغرس في توجيه الانتقادات أيضاً. حيث أدان النائب جيري نادلر، الرئيس السابق للجنة القضائية في مجلس النواب، نتنياهو و"تحالفه المتشدد". ووصف نادلر يوم التصويت بأنه "يومٌ مظلم في تاريخ الديمقراطية الإسرائيلية".

ضغط بايدن لم يفلح!

أما على النقيض، فقد أصدرت إدارة بايدن بياناً مقتضباً تجنّب توجيه انتقادات مباشرة.

وقالت الإدارة في بيانها: "بصفته صديقاً دائماً لإسرائيل، أعرب الرئيس بايدن سراً وعلناً عن رأيه في أن التغييرات الكبيرة يجب أن تحظى بإجماعٍ واسع قدر الإمكان، حتى تستطيع الديمقراطية البقاء. ومن المؤسف أن تصويت اليوم جرى بأقل أغلبيةٍ ممكنة".

وقد ضغطت منظمة J Street على البيت الأبيض والكونغرس من أجل فعل المزيد.

حيث قالت ديبرا شوشان، مديرة السياسات في المنظمة، إن بايدن "أجرى تدخلات شخصية مهمة" للضغط على نتنياهو حتى يؤجل التصويت، لكن لا يزال عليه اتخاذ موقفٍ أكثر حزماً.

وقالت ديبرا إن بايدن يجب أن يوضح لنتنياهو أنه لن يتلقى دعوةً إلى البيت الأبيض بينما تتخذ حكومته إجراءات تُقوِّض الديمقراطية الإسرائيلية.

الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أرشيفية/رويترز

بينما أوضح آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام في الشرق الأوسط في عهد مختلف الإدارات، أنه يتوقع من بايدن تفادي الدخول في معركة علنية مع نتنياهو، لأنها ستكون معركةً "فوضوية، ومُشتِّتة للانتباه، وربما مكلفة من الناحية السياسية".

كما أوضح ميلر أنه يجب وضع السياسات المحلية في الاعتبار. حيث قال: "لا يستطيع بايدن فعل أي شيء من شأنه تقويض قدرته على التعامل مع أكبر التحديات التي تواجهه، ونتحدث هنا عن إعادة انتخاب دونالد ترامب".

ثم أردف: "لن يضطروا للتحرك إلا إذا وصلنا إلى وضعٍ يفوق ما شهدناه من قبل في الضفة الغربية كماً وكيفاً. ونعني هنا اندلاع صراع كبير يشهد استخدام القوة الإسرائيلية غير المتناسبة، ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين".

عانت واشنطن من جانبها في تقدير الأحداث الجارية. حيث غامرت قلة من المشرعين الديمقراطيين بإصدار تصريحات قلقة في يوم الإثنين. وأصدر البيت الأبيض بياناً موجزاً لم يأتِ على ذكر نتنياهو، واكتفى بوصف التصويت بـ"المؤسف"، مع تقديم الدعم "لجهود الرئيس هرتسوغ وغيره من قادة إسرائيل الساعين لبناء إجماع أوسع نطاقاً عبر الحوار السياسي"، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

لكن لا يبدو أننا نشهد إجراء الكثير من المحادثات الهادفة؛ إذ يبدو هرتسوغ أشبه بالمتفرج العاجز وسط الاضطرابات التي تشهدها إسرائيل. بينما تعرض خطاب بايدن الخجول نسبياً لانتقادات قوية من خصومه الجمهوريين. وخلال منتدى الصهيونية المسيحية الذي أقيم خارج واشنطن الأسبوع الماضي، سخرت المرشحة الرئاسية المحتملة نيكي هيلي من قرار بايدن المفترض بالتدخل في "النقاشات الداخلية" الإسرائيلية.

وقالت نيكي: "نحتاج إلى زعيم يحترم إسرائيل، ويحترم حق شعبها في حكم نفسه بنفسه". ولم تأتِ نيكي على ذكر الاحتجاجات الجارية في الشوارع، بينما اشتكت من عدم الودية التي أظهرها بايدن لنتنياهو برفضه دعوة رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض طيلة 7 أشهر مضت.

وركّز الجمهوريون في الأسبوع الماضي على استنكار التصريحات المؤيدة لفلسطين التي أدلت بها عضوة كونغرس ديمقراطية. كما ضغطوا بقوةٍ لتمرير تشريعٍ رمزي داخل مجلس النواب، من أجل التأكيد على أن "دولة إسرائيل ليست دولةً عنصرية أو دولة فصلٍ عنصري".

ويُمثل الحوار المحتدم حول إسرائيل داخل واشنطن قيداً رئيسياً على أي إدارة قد ترغب في الحديث عن حقوق الإنسان الفلسطينية، أو انتقاد تآكل الديمقراطية في إسرائيل.

حيث صرّح ديفيد ميلر في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني قائلاً: "لا يحب رؤساء الولايات المتحدة الدخول في معاركٍ مع رؤساء وزراء إسرائيل". لهذا سنجد أن بايدن "يبذل جهداً كبيراً في التلويح المهم بالفضيلة" عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل الإصلاح القضائي والتوسع الاستيطاني، لكن "من دون فرض أية تكاليف أو تداعيات جادة".

فجوة بين طموحات أمريكا وواقع إسرائيل

وتكشف اللحظة الحالية عن الفجوة الكبيرة بين المسرح السياسي المحيط بإسرائيل في واشنطن، وبين الواقع الذي يزداد عمقاً على الأرض. حيث ينتقد الجمهوريون أي اقتراحٍ يقول إن سياسات إسرائيل قد تكون عنصرية، بينما يقول نتنياهو وحلفاؤه إن هذا هو ما يسعون إليه تحديداً على الملأ في كثير من الأحيان. ويتجلى خير مثالٍ على ذلك في مايو/أيار الماضي عندما جادل وزير العدل ياريف ليفين بضرورة تقييد سلطات المحكمة العليا، وذلك لأن السيطرة على القضاة تحديداً ستساعد في الحفاظ على التفوّق اليهودي أو تعزيزه في بعض السياقات.

نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت – رويترز

وربما يُثني المشرعون الأمريكيون كثيراً على قيمهم الديمقراطية المشتركة مع إسرائيل، لكن بعض نظرائهم لديه رؤية محددة جداً لماهية تلك القيم المشتركة. فخلال مقابلةٍ إذاعية جرت يوم الإثنين، تلقى وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير سؤالاً عما إذا كانت إسرائيل تستطيع الاستفادة من آليات الضوابط والموازين الموجودة في الدستور الأمريكي، على اعتبار أن إسرائيل ليس بها دستور رسمي.

وأجاب بن غفير عن السؤال قائلاً: "أريد أخذ الأشياء الجيدة من الولايات المتحدة. أعتقد أن عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين هي شيء ممتاز. وأرى أن توزيع الأسلحة على الناس من أجل الدفاع عن أنفسهم شيء ممتاز أيضاً".

وتُسيطر الشخصيات المشابهة لبن غفير، وحليفه المقرب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على دفة القيادة في السياسة الإسرائيلية اليوم. وتحظى تلك الشخصيات بالتشجيع من جانب قطاعٍ كبير في المؤسسة السياسية الأمريكية. بينما يرى العديد من الإسرائيليين أن الأمر مخزٍ. حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت لمجلة Rolling Stone الأمريكية: "تحكمنا مجموعة من المتشددين، والقوميين، والشوفينيين، والمتطرفين. إنها مجموعة من الأشخاص المتهورين، وعديمي المسؤولية، والخبرة".

تحميل المزيد