أزمة تصدير حبوب أوكرانيا “رغماً عن روسيا”.. عقبات أبرزها التكلفة و”الإغراق”، وما خفي أعظم

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/27 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/27 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
شحنة محملة بالحبوب، تعبيرية/ Getty

تسعى أوكرانيا إلى تصدير الحبوب عبر مضيق البلطيق والطرق البرية والنهرية الأخرى عبر الدول الأوروبية بعد انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب، فما مدى واقعية هذا السيناريو؟

كانت روسيا قد انسحبت، الإثنين 18 يوليو/تموز، من اتفاق تصدير الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، معللة قرارها بعدم تنفيذ "الشروط الروسية" المتفق عليها، وتسعى الأمم المتحدة إلى إنقاذ الاتفاق الذي تم بوساطة أممية وتركية قبل عام واحد.

ومنذ انسحاب موسكو من الاتفاق، تبادلت روسيا وأوكرانيا تهديدات باستهداف السفن في البحر الأسود، في ظل استمرار محاولات كييف في البحث عن طرق بديلة لتصدير الحبوب، وفي الوقت نفسه استمرار المساعي الهادفة لإعادة موسكو إلى اتفاق الحبوب.

"ممرات التعاون" الأوروبية

يانوش فويتشوفسكي، مفوّض الزراعة في الاتحاد الأوروبي، قال الثلاثاء 25 يوليو/تموز إن التكتل مستعد لتصدير جميع السلع الزراعية الأوكرانية تقريباً عبر "ممرات التضامن"، مضيفاً: "نحن مستعدون لتصدير كل شيء تقريباً.. هذا يبلغ نحو أربعة ملايين طن شهرياً من بذور الزيوت والحبوب وحققنا هذا الحجم في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي".

وأضاف أن 60 بالمئة من صادرات أوكرانيا مرَّت عبر "ممرات التضامن"، بينما مر 40 بالمئة عبر البحر الأسود قبل انسحاب روسيا هذا الشهر من اتفاق كان يسمح بالتصدير الآمن للحبوب عبر البحر الأسود بوساطة من تركيا والأمم المتحدة.

ويشير هذا الحديث -على ما يبدو- إلى أن أوكرانيا كانت تستعد منذ وقت طويل لانسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب، ومن بين هذه الاستعدادات اتخاذ كييف في مطلع شهر يوليو/تموز الجاري خطوة لإنشاء صندوق تأمين ضد المخاطر الأمنية تستفيد منه شركات الشحن المستعدة للمضي قدماً في نقل الحبوب الأوكرانية بحراً حتى لو انسحبت روسيا من الاتفاقية.

ويشير مصطلح "ممرات التضامن" إلى تصدير الحبوب الأوكرانية بحراً عبر نهر الدانوب ومضيق البلطيق، وبراً عبر السكك الحديدية إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن هناك عقبات عديدة تواجه تلك الممرات، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

أوكرانيا الحبوب
سفينة أوكرانية محملة بالحبوب في مضيق البوسفور / gettyimages

نائب وزير السياسة الزراعية والغذاء الأوكراني، تاراس فيسوتسكي، قال للشبكة الألمانية إنه في هذا الصدد، جرى تخصيص "20 مليار هريفنيا (حوالي 480 مليون يورو) من ميزانية الحكومة من أجل ذلك"، لكن حتى الآن لا يزال الغموض يكتنف كيفية الاستفادة من هذه الأموال لتحقيق الأهداف المرجوة من تخصيصها، خصوصاً أن روسيا، منذ يوم 20 يوليو/تموز، تعتبر جميع السفن التي ترسو في موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود "ناقلات محتملة تقل على متنها شحنات عسكرية"، ما يعني أن سفن الشحن المدنية قد تكون هدفاً محتملاً للهجمات الروسية.

وذكرت وزارة الزراعية الأوكرانية أن اتفاقية الحبوب التي انسحبت منها روسيا قد مكَّنت البلاد من تصدير 32 مليون طن من الحبوب والنفط بحراً العام الماضي، فيما جرى نقل 33 مليون طن أخرى من الحبوب والزيوت والمنتجات المصنعة عبر طرق أخرى.

واعتبر فيسوتسكي طريق نهر الدانوب أكثر فاعلية، إذ جرى تصدير حوالي 20 مليون طن من الحبوب والنفط من خلاله فيما جرى نقل ما يقرب من 10 ملايين طن من الحبوب عبر السكك الحديدية وثلاثة ملايين طن أخرى براً.

وأضاف أنه "يجري التخطيط لاستخدام طرق التصدير الثلاثة بشكل أكبر، بهدف تحقيق إجمالي تصدير يتراوح ما بين 40 إلى 42 مليون طن"، مشيراً إلى أن المنتجين الزراعيين الأوكرانيين يضخون استثمارات فعلية في تعزيز وبناء البنى التحتية الخاصة بالموانئ النهرية مع استمرار المفاوضات لتسهيل عمليات التفتيش على الحدود الأوروبية؛ لأنها تبطئ عمليات النقل البري إلى الموانئ الأوروبية.

عقبات أمام تصدير حبوب أوكرانيا

تخطط أوكرانيا هذا العام لجني حصاد يتجاوز 50 مليون طن من الحبوب، فيما لا يزال حوالي 9 ملايين طن من محصول العام الماضي في المخازن. وفي هذا الصدد، يعتمد المنتجون الأوكرانيون الآن بشكل أساسي على تصدير الحبوب عبر موانئ نهر الدانوب في مدن إسماعيل وريني، لكن سيرهي إيفاشينكو، الرئيس التنفيذي لجمعية الحبوب الأوكرانية، يشير إلى أنه لا "يمكن تحميل السفن الكبيرة بشكل كامل في موانئ الدانوب؛ لأنه يتعين عليها التوجه صوب البحر الأسود؛ لأن عمق المياه فيه يسمح لهم بتحميل المزيد من الحبوب".

ومن أجل الوصول إلى البحر الأسود، يتحتم على السفن المرور عبر ممرين مائيين اثنين هما قناة سولين ومصب بيستري، لكن لم يتم تصميمهما لمرور سفن الشحن الثقيلة. وفي هذا السياق، عمدت أوكرانيا إلى تطوير مشروع يطلق عليه اسم "أنكريغ" بهدف إنشاء أماكن ترسو فيها السفن حتى تتمكن من نقل الحبوب عبر نهر الدانوب. ويقول إيفاشينكو إن "حصل هذا المشروع على دعم من المفوضية الأوروبية ودعم من الحكومة الرومانية الجديدة، لكن الشق القانوني في رومانيا في حاجة إلى استكماله".

الدانوب
ضربات روسية على موانئ أوكرانيا / رويترز

ومن جهة النقل البري، توجد اختلافات في معايير مسارات السكك الحديدية بين أوكرانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي وهو ما يمثل أكبر عقبة، حيث يبلغ مقياس المسار في أوكرانيا 1520 ملليمتراً فيما يبلغ في بلدان الاتحاد الأوروبي 1435 ملليمتراً.

وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام أوكرانية عن نائب رئيس الوزراء وزير البنية التحتية، أوليكساندر كوبراكوف، قوله: "نحن بحاجة إلى بناء شبكة في أوكرانيا تتوافق مع المعايير الأوروبية وأيضاً ربط أكبر المدن والمراكز الصناعية والاقتصادية الجديدة في أوكرانيا مع دول الاتحاد الأوروبي. وسوف يساهم هذا في تحسين الخدمات اللوجستية".

ورغم الصعوبة الكبيرة التي تواجه تنفيذ تلك التعديلات، من جهة الوقت والتكاليف، فإنها ليست العقبة الوحيدة التي تعيق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر السكك الحديدية، وفقاً لما أشار إليه سيرهي إيفاشينكو، الرئيس التنفيذي لجمعية الحبوب الأوكرانية،  الذي قال إن "كل دولة أوروبية تمتلك نظاماً للسكك الحديدية خاصاً بها. ففي أوكرانيا، يوجد قطار كامل يحتوي على 45 عربة شحن فيما يبلغ الأمر في الاتحاد الأوروبي 25 عربة. هذا يعني أنه يتعين علينا ترك نصف عربات قطارات الشحن الأوكرانية في مكان قبل مغادرة حدودنا وسوف ينجم عن ذلك تأخيرات".

حظر دول أوروبية للحبوب الأوكرانية

لكن الصورة لم تكتمل بعد بشأن العقبات التي تواجه أوكرانيا لنقل الحبوب بعيداً عن البحر الأسود ودون تعاون روسيا، فهناك خمس دول أوروبية مجاورة لأوكرانيا تحظر المنتجات الزراعية لكييف حفاظاً على مصالح مزارعيها.

وفي هذا السياق، كان وزراء الزراعة في دول الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، قد عقدوا اجتماعاً الثلاثاء الماضي، لمناقشة تأثير الصادرات من الحبوب الأوكرانية على الدول المجاورة لكييف، وبخاصة بلغاريا ورومانيا وبولندا والمجر وسلوفاكيا. وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض حظراً على واردات منتجات زراعية أوكرانية، وينتهي هذا الحظر يوم 15 سبتمبر/أيلول المقبل.

تسعى الدول الخمس حالياً إلى تمديد هذا الحظر، رغم أنه تسبب في توتر مع كييف، التي تحظى بدعم كبير من جانب الدول الغربية منذ بدأ الهجوم الروسي، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر". وفي هذا السياق، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد وصف احتمال تمديد الحظر على واردات المنتجات الزراعية الأوكرانية بأنه "غير مقبول"، بحسب تقرير لموقع The National News.

أما الدول الأوروبية المصرة على تمديد الحظر فتقول إنها لا تهدف إلى الإضرار بأوكرانيا، لكنها ملزمة بحماية مصالح مزارعيها، حيث تؤدي واردات المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى تخفيض الأسعار ومن ثم الإضرار بهم.

كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ يوم 24 فبراير/شباط  2022، قد تسبب في أزمة حادة في واردات الحبوب، كون البلدين المتحاربين يمتلكان حصة عالمية منها تزيد عن 30%، وهو ما تسبب في تضاعف أسعار السلع الغذائية بصورة جنونية.

وبعد أن تفاقمت أزمة الغذاء العالمية، وبات مئات الملايين مهددين بخطر المجاعة، تسارعت الجهود من أجل التوصل لاتفاق يسمح لأوكرانيا بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب في مخازنها وموانئها، وهو ما تم في يوليو/تموز 2022 بوساطة من تركيا والأمم المتحدة.

الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي يحظر منتجات زراعية أوكرانية / رويترز

وفي هذا السياق، شهدت الأسواق العالمية ارتفاعاً في أسعار الحبوب بنسبة 8٪ في غضون يوم واحد من انسحاب روسيا من صفقة الحبوب. كما أنه منذ انهيار الصفقة استأنفت روسيا استهداف مواقع الموانئ في أوكرانيا، وقال حاكم أوديسا، أوليه كيبر، الذي تغطي منطقته أيضاً ميناءي ريني وإزمايل في الدانوب، في قناته على تلغرام إن روسيا هاجمت البنية التحتية هناك لمدة أربع ساعات، وقال إن حظيرة للحبوب وصهاريج للتخزين قد دمرت، وقال مسؤولون محليون آخرون إن ثلاثة مستودعات قصفت.

ويُعد نهر الدانوب طريق تصدير رئيسياً لكييف منذ انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود، لكنَّ مسؤولين محليين قالوا إن طائرات روسية مسيّرة هاجمت الموانئ الأوكرانية على نهر الدانوب، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية لتخزين الحبوب فيها، وتقع المرافق على الضفة الأخرى من النهر مقابل رومانيا الدولة العضو في حلف الناتو.

الخلاصة هنا هي أنه رغم تطوير نهر الدانوب، وكذلك الطرق البرية والسكك الحديدية من أوكرانيا إلى بولندا ورومانيا والدول المجاورة الأخرى، كقنوات تصدير بديلة منذ بداية الحرب، إلا أن جميع هذه الطرق لم تتمكن إلا من نقل جزء صغير مما تحتاج أوكرانيا إلى تصديره، كما أن تلك المسارات البديلة أكثر تكلفة من الشحن البحري من الناحية اللوجستية، هذا بخلاف تسبب الصادرات عبر أوروبا الشرقية في غضب المزارعين في الدول المجاورة، حيث أغرقت الحبوب الأوكرانية الأسواق وأدت إلى انخفاض الأسعار.

تحميل المزيد