خلّف تمرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قانون ما يعرف بـ"الإصلاح القضائي" حالة من الذعر والخوف على مستقبل إسرائيل عند كثير من المتابعين بسبب حالة من التمرد قد تطول قطاع كبير من جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي.
وبحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية؛ فإن الإصلاح القضائي خلّف بيئةً أمنية صعبة تواجهها إسرائيل، مع تساؤلاتٍ حول استعدادها العسكري، علاوة على تهديدٍ متزايد من حزب الله، والعلاقات المتوترة مع واشنطن، أكبر حليفٍ لإسرائيل.
قال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، إن يوم الاثنين 24 يوليو/تموز، كان "أسوأ يوم في تاريخ الكيان الصهيوني"، وإن "إسرائيل بدأت تشهد تدهوراً في إيمانها ووعيها وثقتها بنفسها وصولاً إلى الأزمة التي تمر بها اليوم".
إضراب جنود الاحتياط
لقد تجاوز التشريع الذي أُقِرَّ يوم الإثنين، والذي يقيد سلطة المحكمة العليا في البلاد، كونه قضيةً سياسية محلية، بعد أن هدد الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين برفض الخدمة العسكرية احتجاجاً على التشريع، وهو ما قد يمثل ضربة مدمرة للجيش الذي يعتمد بشكل كبير على المتطوعين الذين يتمتعون بسنوات من الخبرة في العمل كطيارين مقاتلين ومحللي استخبارات وجنود عمليات خاصة.
ورغم أنه لم يتضح بعد عدد الذين سيرفضون الخدمة العسكرية، قال مسؤول عسكري إسرائيلي، يوم الإثنين، إن أعداداً محدودة من جنود الاحتياط قد توقفت بالفعل عن الحضور للتدريب. قد لا يكون تأثير قرارهم محسوساً لأشهر، لكن كبار المسؤولين العسكريين حذروا نتنياهو من أن التشريع يضر بوحدة الجيش، ويمكن أن يؤثر على استعداده على المدى الطويل للمعارك.
يشعر جنود الاحتياط العسكريون الإسرائيليون أن الثقة في حكومتهم قد "تهدمت"، كما زعم قائد كبير سابق، حيث أعلن الآلاف عن نيتهم سحب الخدمة خلال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية.
ما أهمية قوات الاحتياط بالنسبة لإسرائيل؟
يبلغ عدد أفراد الجيش الإسرائيلي 635 ألف جندي بينهم 170 ألف جندي فاعل و465 ألف جندي في قوات الاحتياط، حيث تجند إسرائيل معظم مواطنيها في الجيش لمدة عامين إلى 3 سنوات، وبعضهم يستمر في الاحتياط حتى منتصف العمر. وبينما ساعد جنود الاحتياط إسرائيل على "الانتصار" في بعض الحروب، يعتمد الجيش في السنوات الأخيرة على قوات دائمة.
لكن يُنظر إلى جنود الاحتياط على أن لهم قيمة خاصة للقوات المسلحة؛ نظراً لمهاراتهم المكتسبة في الوحدات الخاصة والقطاعات الحساسة. ويمكن معاقبتهم لتجاهل الاستدعاء، وإن كان ذلك نادراً ما يحدث.
ويُلزم القانون العسكري الإسرائيلي الضباط والجنود برفض الأوامر التي تعتبرها المحاكم غير قانونية، ويحذّر خبراء عسكريون من أن تعديلات النظام القضائي قد تضع الضباط أصحاب الرتب العليا في "مواقف صعبة".
ويواجه الجيش الإسرائيلي والقوات الجوية أزمة متنامية لأن الآلاف من جنود الاحتياط صرحوا بأنهم لا ينوون الحضور لخدمتهم التطوعية خلال الاحتجاجات، ما أثار مخاوف من أن الجيش قد لا يكون جاهزاً في حالة اندلاع صراع خطير.
ومثلما جاء في صحيفة The Times البريطانية، فقد أعلن آلاف من جنود الاحتياط عزمهم سحب خدمتهم في أثناء الاضطرابات الجارية. يعتمد الجيش الإسرائيلي، وخاصة سلاحه الجوي، بشكل كبير على جنود الاحتياط. يتكون أكثر من ثلثي بعض الأسراب من طيارين احتياطيين يصلون إلى قواعدهم ليوم واحد كل أسبوع للحفاظ على استعدادهم التشغيلي والمشاركة في المهام.
ووقَّع ما مجموعه ألف ضابط في القوات الجوية على خطاب مفتوح نُشر يوم الجمعة، يعلنون فيه أنهم لن يحضروا الخدمة العسكرية بعد الآن.
في الأسبوع الماضي، شارك أكثر من 500 من ضباط الاحتياط والجنود في تجمع في متحف تل أبيب لمناقشة قرارهم.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإنه من الصعب إجراء تقدير دقيق لعدد ضباط الاحتياط الذين يعتزمون تعليق خدمتهم. تدعي حركة الاحتجاج المؤيدة للديمقراطية أن ما يصل إلى 10 آلاف يخططون للقيام بذلك، ولكن لأن التوقيع على العريضة ليس كافياً، وأنه يجب على كل ضابط إبلاغ قائده بذلك، فإن الأرقام غير واضحة.
قد يخطر بعض جنود الاحتياط قادتهم في الأيام والأسابيع القادمة بأنهم لن يقوموا بالخدمة. يخدم جنود الاحتياط الإسرائيليون بانتظام على مدار العام، وتتراوح الخدمة من يوم في الأسبوع إلى شهر كامل في السنة.
كيف سيؤثر إضراب القوات؟
وبحسب الصحيفة البريطانية إذا توقف جنود الاحتياط في الوظائف العسكرية، التي تتطلب مهارات عالية التطور، عن التطوع للخدمة والتدريب، فسيظل لدى الجيش الإسرائيلي القدرة على التعامل مع معظم التهديدات. وقال محللون إنه في ظل أزمة أمنية، من المرجح أن يعود العديد من جنود الاحتياط الذين تعهدوا بالاستقالة إلى الخدمة. وقال محللون إن التأثير الحقيقي من المرجح أن يكون طويل الأمد.
ويوم السبت، كتب العشرات من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين، بمن فيهم قادة سابقون للجيش، ووكالة المخابرات الخارجية الموساد ووكالة الأمن الداخلي الشاباك، رسالةً إلى نتنياهو، يدعمون فيها احتجاج الاحتياط، ويحذرون رئيس الوزراء من أن سياساته تقوض التماسك الاجتماعي المطلوب للحفاظ على نموذج "جيش الشعب" مثل النموذج في إسرائيل.
أثار الإصلاح القضائي معارضة شديدة من بعض أوساط المجتمع الإسرائيلي، الذين يزعمون أن التغييرات تهدف إلى منع المحكمة العليا من منع شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف في الائتلاف من متابعة تشريع مثير للجدل يمكن أن يشمل ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
تتعارض الكثير من هذه الأهداف مع السياسة الأمريكية طويلة الأمد في الشرق الأوسط، والتي تدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
مضى نتنياهو قُدُماً في الإصلاح القضائي رغم التحذيرات المتكررة من جانب إدارة بايدن، بما في ذلك التحذيرات التي صدرت يوم الأحد قبل ساعات فقط من التصويت، عندما أصدر الرئيس بايدن بياناً عاماً، قال فيه إن الإجراء "أصبح أكثر تسبباً في الانقسام".
يُراقَب الإصلاح القضائي عن كثب من قبل واشنطن وحلفاء آخرين خائفين من الاتجاه الذي تتخذه إسرائيل، وكذلك من قبل أعداء في الشرق الأوسط يتوقون إلى استغلال أي علامة ضعف. ويجري الخلاف حول الإصلاح القضائي مع تآكل موقع إسرائيل الجيوسياسي في الشرق الأوسط هذا العام. كانت لدى نتنياهو آمال في تطبيع العلاقات مع المملكة السعودية، لكن الرياض في المقابل أعادت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، التي كثفت دعمها لحزب الله والوكلاء الآخرين المناهضين لإسرائيل.
حزب الله على وجه الخصوص أصبح عدوانياً بشكل متزايد على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، وفقاً لمسؤولين أمنيين إسرائيليين. يقولون إن حزب الله يحشد قواته بهدوء في مواقع رئيسية على طول الحدود. والمواقع قريبةٌ للغاية من الحدود لدرجة أن الرجال من الجانب اللبناني غالباً ما يرشقون الجنود الإسرائيليين بالحجارة. وقاموا بالفعل بقطع السياج الأمني على الحدود. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن المواقع يتمركز فيها رجالٌ بملابس مدنية وأخرى قتالية.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن عناصر حزب الله لم يعملوا بهذه الصراحة قط من قبل. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي: "لم يعودوا متنكرين. إنها ظاهرة جديدة".
إلى جانب الإجراءات الأخرى التي قام بها حزب الله مؤخراً، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن هذا هو أكثر الجماعات المدعومة من إيران عدوانية منذ أن خاض الطرفان حرباً استمرت 34 يوماً في عام 2006 وقُتِلَ فيها 165 إسرائيلياً و1,100 لبناني.