حرائق الغابات في الصيف الملتهب.. هل تنجح الجزائر في منع تكرار مأساة 2022؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/21 الساعة 15:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/21 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
حرائق الغابات في الجزائر (مواقع التواصل الاجتماعي)

تستعد الجزائر لمواجهة حرائق الغابات، من خلال تجهيز إمكانياتها المادية والبشرية، في ظل موجات الحرارة المرتفعة للغاية التي يشهدها العالم، فهل تنجح في منع تكرار مأساة العام الماضي؟

كانت الجزائر قد شهدت موجة من حرائق الغابات المدمرة خلال العامين الماضيين، لذلك تستعد البلاد بحالة من التأهب القصوى لمواجهة أسوأ سيناريو محتمل، خاصة بعد موجات الحر الشديدة التي تشهدها مناطقها الشمالية هذا الصيف، الذي يعاني فيه العالم بأسره من ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي.

وعلى الرغم من أن حرائق الغابات، شأنها شأن العواصف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، هي ظواهر طبيعية تحدث باستمرار وبشكل سنوي منذ قرون طويلة، فقد أثار تكرار وقسوة تلك الظواهر الطبيعية خلال السنوات القليلة الماضية المخاوف من أن يكون تأثير التغير المناخي قد خرج عن السيطرة.

سعي الجزائر لتفادي مأساة 2021 و2022

وحتى الخميس 20 يوليو/تموز، سيطرت مصالح الحماية المدنية (الدفاع المدني) على حرائق متفرقة شمالي البلاد، مستعملة عربات خفيفة الوزن مزودة بصهاريج مياه صغير، إلى جانب طائرات الإخماد، دون تسجيل خسائر بشرية، بحسب تحليل لوكالة الأناضول.

وباعتبارها الجهة الحكومية الوصية على الغابات، أعلنت وزارة الزراعة في 19 يونيو/حزيران الماضي حالة التأهب القصوى، للتعامل وفق مخطط استباقي وضمن جهاز خاص لمكافحة حرائق الغابات. و"الجهاز الخاص" هو عبارة عن آلية عمل للإنذار والمكافحة، موجود بأغلب المحافظات ومشكّل من ممثلين لمختلف القطاعات المدنية والأمنية.

وجاء تفعيل هذا الوضع نظراً لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، استناداً إلى النشرات الجوية الخاصة التي يصدرها المرصد الوطني للأرصاد الجوية، حيث سجل الأخير 47 درجة مئوية تحت الظل بالعاصمة الجزائر في الفترة الممتدة بين 9 إلى 12 يوليو/تموز الجاري.

وأصدرت الوزارة في 17 يوليو/تموز، بياناً، شددت فيه على ضرورة "رفع حالة التأهب القصوى لكل الفاعلين في حملة الحماية ومكافحة حرائق الغابات وعلى كل المستويات لأجل تفادي أي طارئ، وذلك طيلة أيام الأسبوع، وعلى مدار 24 ساعة".

وتهدف الاستراتيجية التي أعدتها الجزائر إلى تفادي تكرار مأساة السنتين الماضيتين حين شهدت أسوأ الحرائق في تاريخها، ففي 2022، وتحديداً في 09 و10 أغسطس/آب 2021، اندلعت حرائق مهولة في منطقة القبائل (وسط) خلفت أكثر من 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وأسفرت حرائق الشهر نفسه من 2022، عن مقتل 41 شخصاً وأكثر من 161 جريحاً، بعد اندلاع النيران في غابات محافظتي الطارف وسوق أهراس (شمال شرق). وأثبت التحريات الأمنية، فرضية الفعل العمدي لتلك الحرائق، حيث تم إيقاف عدة أشخاص وتقديمهم للقضاء.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمر بتشديد العقوبات ضد من يضرم النيران عمداً في الفضاءات الغابية، لتتراوح بين 10 سنوات سجن إلى الإعدام، بحسب التعديل الذي أدخل على قانون العقوبات في 2021، معتبراً أن حرائق الغابات من الجرائم الجديدة، مثل الجرائم الإلكترونية.

الجزائر تبون
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون / الأناضول

فيما يتعلق بحرائق الغابات، فإنها تحدث بشكل طبيعي إذا ما توفرت 3 عناصر طبيعية تسمى "مثلث النار" هي: الحرارة، والوقود، والأكسجين، وتحدث معظم الحرائق الطبيعية في فصل الصيف، حيث تشجع درجات الحرارة المرتفعة على انتشار الحرائق، وتشكل الأعشاب اليابسة والأوراق الجافة وقوداً ممتازاً لاندلاع الحرائق، أما الرياح فتؤمّن الأكسجين اللازم لإضرام الحريق.

كما تعتبر الأنشطة البشرية المسبب الأول لحرائق الغابات حول العالم، حيث الإهمال هو المتسبب الأكبر، فقد ينسى أحدهم إخماد النار جيداً بعد ليلة من التخييم، أو يرمي بأعقاب السجائر المشتعلة دون التأكد من إطفائها، كما أن الأعطال التي قد تحدث في خطوط الكهرباء القريبة من الغابة قد تؤدي إلى نشوب حرائق هناك.

سرب طائرات لمواجهة حرائق الغابات

وبناءً على التجارب السابقة، تستعد الجزائر لمواجهة حرائق هذا الصيف بإمكانيات ضخمة، لم يسبق لها مثيل، مؤكدة بذلك جاهزيتها للتعامل مع أسوأ سيناريو ممكن. وستوظف الطائرات قاذفات المياه من مختلف الأحجام في إخماد الحرائق، إذ تم استئجار سرب من 6 طائرات صغيرة الحجم وزعت على مطارات وسط وشرق وغرب البلاد، بحسب ما أكده وزير الداخلية، إبراهيم مراد.

ولدى اطلاعه على جهاز مكافحة الحرائق بالعاصمة الجزائر، تحدث مراد، الثلاثاء، عن "توزيع الطائرات التي أثبتت نجاعتها في إطفاء الحرائق بمحافظات عنابة (شرق)، بجاية (وسط)، ومنطقة القبائل والشلف (غرب)".

وتم استئجار هذه الطائرات، بأطقمها في يونيو/حزيران الماضي، في انتظار دخول الطائرة "بيرييف-200" التي اقتنتها من روسيا، حيز الخدمة، في حين لم تكشف السلطات عن الدولة التي قامت باستئجار باقي الطائرات منها.

وفي 2021، قدمت الجزائر طلباً لروسيا من أجل اقتناء 4 طائرات قاذفة للمياه من نوع "بيرييف-200" بسعة 12 ألف لتر. وكان يفترض استلام أول طائرة أواخر 2022، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت سبباً في تعثر تسليم الطائرة في الوقت المحدد، على اعتبار أن محركات هذه الطائرات تصنع في أوكرانيا، بحسب ما كشفه وزير الداخلية إبراهيم مراد.

iStock/ كيف تحدث حرائق الغابات في العالم؟
iStock/ كيف تحدث حرائق الغابات في العالم؟

ونهاية مايو/أيار الماضي، أفاد موقع "مينا-ديفونس" المتخصص في الشؤون العسكرية، بإقلاع الطائرة الجديدة "بيرييف -200" من روسيا باتجاه الجزائر، بعد استكمال التجارب الأولية.

وبرزت الحاجة الملحة إلى استخدام الجو في إطفاء الحرائق، في السنتين الماضيتين، حيث تمت الاستعانة بمروحيات الجيش الجزائري، من نوع "مي-26" الضخمة للمساهمة في إخماد النيران.

"الدرونز" والأقمار الصناعية

المدير العام لمصالح الغابات جمال طواهرية، أفاد للإذاعة الجزائرية الرسمية، في مايو/أيار الماضي، بتجريب طائرات من دون طيار (درونز) من الحجم الكبير مزودة بتطبيقات إلكترونية، هذه السنة لإقحامها في مكافحة الحرائق من خلال الاستطلاع والمراقبة.

وضمن توجه استخدام أحدث التكنولوجيات، كشفت وزارة الزراعة، خلال مراسم تنصيب اللجنة الوطنية لمكافحة حرائق الغابات لسنة 2023، شهر مايو/أيار الماضي، عن استعانتها بالأقمار الصناعية.

وأشرف على تنصيب هذه اللجنة كل من وزير الداخلية، إبراهيم مراد، ووزير الزراعة، عبد الحفيظ هني، وتتشكل من أعضاء ينتمون لـ13 وزارة و11 مؤسسة وطنية.

وذكر بيان للوزارة أن من بين التدابير التي تقوم عليها الاستراتيجية الجديدة "التواصل مع الوكالة الفضائية الجزائرية ومصالح الأرصاد الجوية".

وللجزائر 6 أقمار صناعية أطلقتها تدريجياً من مطلع الألفية الجديدة، وتستخدمها لأغراض مراقبة الأرض والاتصالات السلكية واللاسكلية.

وكشف الرئيس تبون في 2021، عن استعانة السلطات المختصة بصور الأقمار الصناعية التي أظهرت إشعال 21 حريقاً على مستوى الشريط الغابي الشمالي للبلاد في وقت واحد، ما أكد حسبه فرضية "الفعل الإجرامي".

فضلاً عن اعتماد البلاد على الأرتال المتحركة لفرق الدفاع المدني وحراس الغابات، كما تستعين بأفراد الجيش، وحتى المواطنين للسيطرة على النيران.

تدشين مستشفى خاص لكل الاحتمالات

وبمناسبة عيد الاستقلال، الموافق 5 يوليو/تموز من كل عام، دشن الرئيس تبون في 2022، مستشفى خاصاً بالحروق الكبرى، بمدينة زرالدة غربي العاصمة، للتعامل الأمثل مع ضحايا حرائق الغابات.

المستشفى يُعد أول وأكبر مؤسسة صحية متخصصة في هذا المجال، وجاءت فكرة بنائه بعدما تحدّث تبون عن ضعف المؤسسات الصحية المخصصة لمعالجة الحروق، إثر حرائق منطقة القبائل قبل سنتين، وأنجز مستشفى زرالدة خلال عامين.

ويضم المستشفى أزيد من 220 سريراً، وأُسديت تعليمات لجعله قطباً طبياً في معالجة الحروق الكبرى في إفريقيا.

وتعمل الجزائر على تقاسم تجربتها في مكافحة الحرائق الغابية، حيث أنهت، الخميس، مديرية الدفاع المدني دورة تدريبية خاصة بقيادة عمليات حرائق الغابات للدول العربية والإفريقية الأعضاء في المنظمة الدولية للحماية المدنية والدفاع المدني، مثلما أفاد بيان للمديرية العامة للدفاع المدني.

أكبر حرائق الغابات في التاريخ
حرائق الغابات تعد من أشد وأخطر أنواع الحرائق / ويكيبيديا

وبشكل عام، من المهم هنا التأكيد على أن قضية التغير المناخي الناجم عن الاحتباس الحراري ترجع إلى أكثر من قرن على الأقل، إلا أنها ظلت، حتى بضع سنوات مضت، ملفاً ينشغل به نشطاء البيئة وخبراء المناخ دون أن يمثل هاجساً للسياسيين والمسؤولين، ولا حتى للرأي العام حول العالم. فخلال تلك الفترة لم يكن هناك تأثير لقضية الاحتباس الحراري على الأمن والسلم الدوليين، ومن ثَمّ لم تكن قضية المناخ تمثل أي تهديد لمبدأ السيادة الوطنية للدول من الأساس. لكن هذا الوضع بدأ يختلف بصورة تدريجية منذ مطلع القرن الجاري، مع ظهور تداعيات التغير المناخي، وانعكاسها على الطقس حول العالم.

والصين وأمريكا هما أكبر دولتين متسببتين في الاحتباس الحراري، فكلتاهما مسؤولة عن 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، المسبب الأبرز للاحترار والتغير المناخي. وكانت الصين قد أوقفت العمل مع أمريكا بشأن جميع القضايا، ومنها ملف تغير المناخ، لكن يبدو أن صيف 2023 الحارق قد يكون سبباً في أن تنحّي واشنطن وبكين صراعهما مؤقتاً لإنقاذ الموقف، إذ أجريا مؤخراً محادثات مباشرة، لكن حتى الآن لا تبدو لذلك نتائج ملموسة.

فموجة الحرارة شديدة الارتفاع، والتي يشعر بها جميع سكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لا تبدو لها نهاية قريبة، حيث حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، من أن موجة الحر التي تؤثر على البحر الأبيض المتوسط ستشتد، الأربعاء، 19 يوليو/تموز، كما أنه من المرجح أن تستمر درجات الحرارة المرتفعة للغاية حتى الشهر المقبل في بعض أجزاء من قارة أوروبا.

تحميل المزيد