اعتقالات بدعوى “حيازة سلاح غير مرخص”.. كيف تعمل السلطة على تصفية المقاومة بالضفة الغربية؟

تم النشر: 2023/07/19 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/19 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
مسلحون ينتمون إلى الأجنحة العسكرية لفتح وحماس والجهاد الإسلامي يقفون لالتقاط صورة جماعية في ساحة في مخيم جنين في 18 آب 2021/ Getty

بعد صمود مخيم جنين الأسطوري خلال الاجتياح الذي نفذته قوات الاحتلال، 3 يوليو/تموز 2023، لمدة 48 ساعة، وانسحابها دون تحقيق أي من أهدافها المتمثلة في القضاء على خلايا المقاومة الفلسطينية، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في شنّ حملات اعتقال مكثفة في جنين ومخيمها، ومناطق أخرى من الضفة الغربية، طالت العشرات من المقاومين. 

السلطة تشن حملة اعتقالات لمقاومين مطاردين من قبل الاحتلال في جنين 

يوم الأحد 16 يوليو/تموز، استفاق أهل مدينة جنين على حملة اعتقالات ومداهمات للمنازل، شنتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، شملت اعتقالات واسعة استهدفت كوادر من حركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى في بلدة جبع جنوب جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما نشرت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا".

وأفادت الوكالة أن أجهزة أمن السلطة وبلباس مدني اعتقلت كلاً من: عيد محمد حمامرة (28 عاماً)، ومحمد سليم علاونة (41 عاماً)، ومحمد فايز ملايشة (42 عاماً)، ومؤمن عدنان فشافشة (20 عاماً)، وعماد محمد خليلية (25 عاماً)، وبعضهم مطاردون لقوات الاحتلال، ومتهمون بعضويتهم في "كتيبة جبع" وكتائب شهداء الأقصى.

وقد رفضت كتائب شهداء الأقصى- مجموعات الشهيد أمجد الفاخوري، في بيان لها هذه الحملة ضد المطاردين لقوات الاحتلال. وقالت: "نرفض وبشكل جازم وقطعي ما تقوم به الأجهزة الأمنية من عمليات اعتقال بعد منتصف الليل، وذلك حفاظاً على سلامة أطفالنا وكبار السن والنساء".

وأضافت الكتائب في بيان عبر تيليغرام: "سنعمل على محاربة كل من تسول له نفسه من أبناء الأجهزة الأمنية بالإساءة لأي بيت أو شخص في بلدتنا جبع، وسنكون في اللجنة التنظيمية حائط الصد، وسنردّ بكل قوة وبأي وسيلة نراها مناسبة، وسنطالب بلجان تحقيق من قِبل أصحاب القرار، تعمل على متابعة هذه الأمور وبجدية".

كتيبة جنين: السلطة نقضت عهدها

من جهتها، دعت كتيبة جنين، التابعة لـ"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الفلسطينيين للخروج في مسيرات غضب في كافة المحافظات في الضفة وفي غزة والشتات، مساء الإثنين 17 يوليو/تموز 2023، احتجاجاً على "نقض أجهزة السلطة الفلسطينية للعهد والوعود بالإفراج عن عنصرين من كتيبة جنين"، بعد انتهاء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمخيم.

كتيبة جنين قالت في بيان أصدرته، الإثنين، إن أجهزة أمن السلطة "كافأت المجاهدين بالخطف والتعذيب بتهمة المقاومة"، وذلك بعد أن شاركوا في صد الاقتحام الأخير للاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين، وكشفت الكتيبة عن تفاصيل اتفاق مع السلطة، سبق زيارة محمود عباس للمخيم.

إذ قالت في البيان: "أطل علينا وفد السلطة وحركة فتح بطلب زيارة للرئيس محمود عباس والوفد المرافق له إلى مخيم جنين، من أجل إلقاء كلمة أثناء وجوده في المخيم"، وأضاف أن كتيبة جنين لم يكن لديها أي مانع، إلا أنه كان لدينا مطلب واحد وهو الإفراج عن الإخوة المجاهدين مراد ملايشة ومحمد براهمة، اللذين "تم اعتقالهما على يد الأجهزة الأمنية في طوباس، ومصادرة سلاحهم أثناء وجودهم لمساندة إخوانهم المقاتلين في مخيم جنين أثناء الاجتياح الأخير".

حسب بيان كتيبة جنين فقد تم الاتفاق على السماح بتأمين المسلك الذي سيسير به الرئيس من خلال المسح ونشر القناصات من قِبل الأجهزة الأمنية، وعدم إزالة أي راية من الرايات المعلقة، وأي صور في محيط مكان الاستقبال، وإرجاع السلاح للمجاهدين ملايشة وبراهمة، وقد تم تسلم سلاحهما في تمام الساعة الثالثة صباحاً.

أضاف بيان الكتيبة: "أخذنا وعوداً من عدة أطراف من الأجهزة الأمنية، ومن جهات داخل المخيم، بأن يتم الإفراج عن المجاهدين بعد زيارة رئيس السلطة، وأنه إذا تم الالتزام بعدم حدوث أي أمر من شأنه أن يشوش على الاستقبال فسيتم إطلاق سراح الإخوة المجاهدين بعد الزيارة مباشرة".

كما دعت الكتيبة الإخوة الشرفاء من حركة فتح وكتائب الأقصى والأجهزة الأمنية، للوقوف عند مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية والوطنية، والضغط على أجهزة السلطة من أجل الإفراج عن مجاهديها، وإنهاء هذه المهزلة من الاعتقال والملاحقة.

بينما تساءلت: "بأي ذنب يُعتقل مجاهدونا، ولمصلحة من؟! إن هذه التصرفات قد تفجّر الوضع، ونصل لمرحلة لا تُحمد عقباها، فلا تحرفوا بوصلتنا في القتال، ونحن نسير على وصية قادتنا، بأن بوصلتنا وبنادقنا نبصر عبر فوهاتها مآذن القدس".

أكملت "إن الاعتقالات ومداهمة البيوت الآمنة في بلدة جبع في منتصف الليل، وترويع الآمنين، وخطف المجاهدين هو عمل مرفوض جملة وتفصيلاً، وعلى الكل الفلسطيني تحمّل مسؤوليته".

كيف تعمل السلطة على تصفية المقاومة بالضفة الغربية؟

على وقع تصاعُد حالة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبعيد عملية الاجتياح الأخيرة لجنين، ذكرت القناة 14 الإسرائيلية، المحسوبة على اليمين، أن حكومة بنيامين نتنياهو أصدرت تعليماتها للجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات "الشاباك" بتجميد العمليات العسكرية في منطقة جنين، وذلك جاء بعد حوار جرى في الآونة الأخيرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ورغم نفي مسؤولين فلسطينيين صحةَ الأنباء عن اتفاق مع الجانب الإسرائيلي المتعلق بجنين، فإنه تزامن الحديث عنه مع وصول مئات عناصر الأمن الفلسطيني إلى جنين بعتادهم ومركباتهم، وأكدوا أن الهدف من انتشارهم هو تأمين الأمن في المدينة، و"معالجة ظواهر أمنية، ومخالفات قانونية، وملاحقة مَن هم مطلوبون على قضايا جنائية للأمن الفلسطيني".

لكن ما يحدث هو تعرض عشرات المقاومين والناشطين السياسيين في جنين ومناطق أخرى بالضفة الغربية لحملات اعتقال شبه يومية، على يد أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. 

ما ذرائع اعتقال المقاومين لدى السلطة الفلسطينية؟

بحسب وكالة "صفا"، تقدم النيابة العامة الفلسطينية لائحة اتهام بحق المقاومين، تتضمن بنداً ثابتاً وهو "حيازة سلاح دون ترخيص"؛ ليكون ذلك ذريعة للمحكمة للحكم بتمديد اعتقالهم وربما الحكم بسجنهم.

ويقبع في سجون السلطة 33 مقاوماً وناشطاً سياسياً بحسب مؤسسات حقوقية.

ويعتبر محامون أن المسوغات القانونية لاعتقال المقاومين في الضفة غير حقيقية، مؤكدين أن القانون الدولي كفل لشعب يقبع تحت الاحتلال حق تقرير مصيره ومقاومة المحتل.

يقول مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة" مهند كراجة، إن السلطة تستند إلى ذريعتين في اعتقال المقاومين: الأولى تحاول فيها إقناع المجتمع والعائلة أنها تعتقلهم لحمايتهم من الاحتلال، والذريعة الثانية أنها توقفهم قضائياً بدعوى حيازتهم سلاحاً غير مرخص.

ويوضح كراجة، لوكالة "صفا"، أن "اعتقال المقاومين لحيازتهم سلاحاً غير مرخص مخالف لمبدأ حق تقرير المصير، الذي أعطته الشرعية الدولية للدول المحتلة كما هو الحال في فلسطين". مضيفاً: "المقاومون يمارسون حقهم الذي أعطتهم إياه الشرعية الدولية، وهو مقاومة الاحتلال حتى الخلاص منه".

ويشير إلى أن "السلطة الفلسطينية ومن خلال تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية والتشريعية تحاول استخدام النيابة العامة والقضاء ذريعةً لتجريم الناشطين السياسيين والمقاومين، وإلصاق تهم غير حقيقية بهم، مثل حيازة السلاح أو إثارة النعرات".

بحسب كراجة، فإن "المقاومين والناشطين السياسيين لا يتم حجزهم لدى الشرطة كباقي المواطنين، إنما يتم توقيفهم لدى جهاز المخابرات أو جهاز الأمن الوقائي، كما أن لقاء المحامي مع المعتقلين السياسيين والمقاومين لا يكون كالمعتاد كما مع بقية المواطنين، كما أنهم لا يحصلون على ضمانات المحاكمة العادلة أو لقاء محامٍ منفرد".

تجريم المقاومين ومحاكمتهم

يرى مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة"، أن "السلطة بأفعالها هذه تحاول تجريم المقاومين والمعتقلين السياسيين باستخدام النيابة العامة والقضاء لتمديد توقيفهم والتحقيق معهم".

ويتابع كراجة: "إذا ما استطاعت السلطة من خلال القضاء الإبقاء عليهم موقوفين يتم توقيفهم إما على ذمة المحافظ أو ذمة مدير الجهاز". ويوضح الحقوقي أن "أكثر من 90% من قضايا حيازة السلاح بدون ترخيص نحصل فيها على براءة المتهم، لأن غالب هذه القضايا تكون غير حقيقية، والهدف منها تمديد اعتقال المقاومين".

مشيراً إلى أن "هذا السلاح يستخدم لغايات وطنية، وموافق للشرعية الدولية التي أعطت حق تقرير المصير للناس".

"سلطة تحت احتلال تعاقب شعبها"

من جهته، يقول المحامي والناشط الحقوقي، غاندي أمين، إن أي شعب يعيش تحت احتلال مِن واجبه مقاومة المحتل، وهو حق كفلته القوانين الدولية. مضيفاً: "لأول مرة في التاريخ تقدم سلطة تحت احتلال على معاقبة شعبها عندما يقاوم الاحتلال".

ويوضح أمين لصفا أن اعتقال المقاومين بحجة حيازة سلاح غير مرخص يكون في دولة ذات سيادة، وليس في منطقة تتعرض يومياً لاقتحامات وعمليات قتل واعتقال.

ويضيف: "اعتقال المقاومين لحيازتهم سلاحاً دون ترخيص كلام حق يراد به باطل، لأن القانون الأردني المطبق هو قانون أتى في دولة، بمعنى أن هذه الدولة لديها سلطة وسيادة وتحمي مواطنيها".

ويتابع الناشط الحقوقي مخاطباً السلطة: "أما أنك لا توفر للمواطنين حماية وتترك الاحتلال يقتل ويقتحم ويعتقل ويهدم في أي وقت وأي مكان، دون أن تحميهم، فلا يحق لك منعهم من حق الدفاع عن نفسهم"، حسب تعبيره.

حكومة نتنياهو أقرت تسهيلات كبيرة للسلطة الفلسطينية بعد عملية جنين

وصادق "الكابينت" الإسرائيلي، مساء الأحد 9 يوليو/تموز 2023، على العمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية عبر عدة خطوات تقدم لها تسهيلات اقتصادية، شريطة التزام السلطة بعدة شروط. 

ذكرت وسائل إعلام عبرية أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر صادق بأغلبية 8 أعضاء ومعارضة وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" على القيام بخطوات منعاً لانهيار السلطة الفلسطينية. 

حيث جرى الاتفاق خلال الاجتماع على قيام رئيس حكومة الاحتلال وبالتعاون مع وزير جيشه بتقديم مقترحات للتسهيلات تجاه السلطة الفلسطينية لاحقاً، حيث تم النظر بعدة مقترحات، ومنها إقامة منطقة صناعية قرب الخليل، بالإضافة لخطة مالية لإنقاذ السلطة من الانهيار عبر منحها القروض الميسرة.

وبيّنت القناة أن من بين المقترحات أيضاً جدولة الديون الفلسطينية، وتقديم إعفاءات على الوقود وتقديم موعد تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية، وكذلك زيادة ساعات العمل على معبر الكرامة، وإعادة تصاريح كبار مسؤولي السلطة VIP".

من جانبها، ذكرت قناة كان العبرية، أن من أبرز التسهيلات الاقتصادية التي ستقدمها تل أبيب للسلطة، إقامة إنشاء ممر كبير لنقل البضائع عند معبر "ألمبي" أو "جسر الملك حسين"، حيث سينقل هذا الممر مواد البناء بمختلف أنواعها لمناطق السلطة.

كما سيخدم هذا الممر قطاع التصدير والاستيراد لدى السلطة الفلسطينية بشكل كبير وبأرقام غير مسبوقة من قبل. وذكر محلل الشؤون الفلسطينية في القناة العبرية أليؤور ليفي أن هذا المشروع حصل على "مباركة" حكومة نتنياهو يوم الأحد بالفعل، وأن ممثلين عن السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأمريكا والأردن اجتمعوا في العاصمة الأردنية عمّان قبل عدة أسابيع لمناقشة هذا المقترح.

من جانبها، ذكرت القناة "12" العبرية أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر صادق على القيام بخطوات عدة، منعاً لانهيار السلطة الفلسطينية، ولكن ليس قبل استيفاء السلطة لعدة شروط وهي وقف "التحريض في الإعلام الفلسطيني والمنظومة التعليمية".

كما اشترط "الكابينت" لمنع انهيار السلطة وقف الدعاوى الفلسطينية الرسمية المقدمة ضد الاحتلال في المحافل الدولية، والتوقف عن دفع رواتب الأسرى والشهداء، بالإضافة لوقف البناء في المناطق المصنفة "C" وفق اتفاقيات أوسلو.

وفي 26 يونيو/حزيران المنصرم، نقلت قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية تصريحات لنتنياهو قال فيها: "نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية، ولا يمكننا السماح لها بالانهيار". وتابع: "مستعدون لمساعدة السلطة الفلسطينية مالياً، لدينا مصلحة في استمرار عملها، وحيث تنجح في العمل فهي تقوم بالمهمة لنا وليس لدينا مصلحة بسقوطها".

تحميل المزيد