رغم عدم وجود زيادة كبيرة في معدلات الجوع العالمي بين عامي 2021 و2022، وهو ما يمكن اعتبارها علامة إيجابية، هناك الكثير من الاتجاهات السلبية التي يمكن استخلاصها من التقرير الرئيسي السنوي للأمم المتحدة حول الأمن الغذائي العالمي، الذي صدر الأسبوع الماضي.
معدلات الجوع العالمية تسجل "واقعاً جديداً" قاتماً
وقدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، في التقرير، أنَّ ما بين 691 مليوناً و783 مليون شخص واجهوا الجوع العام الماضي. ويعادل متوسط هذه التقديرات نحو 735 مليوناً؛ ما يعني أنَّ 122 مليون شخص إضافي عانوا من الجوع في تلك الفترة مقارنة بعام 2019، قبل أن يجتاح فيروس كورونا المستجد العالم.
ووجد تقرير هذا العام أيضاً- الذي صدر بعنوان "حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2023"- أنَّ ما يقرب من 30% من البشر، أو نحو 2.4 مليار شخص، يفتقرون إلى الوصول إلى الغذاء الكافي في عام 2022، في حين أنَّ عدداً أكبر- يصل إلى 3.1 مليار شخص- كانوا غير قادرين على تحمل تكاليف نظام غذائي صحي.
وتوقع التقرير أن تستمر معاناة حوالي 600 مليون شخص من نقص التغذية المزمن بحلول نهاية العقد، رغم المبادرات المهمة للتخفيف من حدة الفقر، وهو ما يمثل ضربة للأهداف التي حددتها الأمم المتحدة للقضاء على الجوع بحلول عام 2030.
كيف يتم قياس معدلات الجوع؟
يقول تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إن قياس الجوع يُعَد مهمة معقدة. فمن أجل إجراء تحليلات شاملة مثل تحليل منظمة الأغذية والزراعة، يُعرَّف الجوع المزمن على أنه "عدم القدرة طويلة الأجل أو المستمرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية"، ولا بد أن تغطي معدلاته جميع السكان.
وتشير الاستنتاجات الواردة في تقرير الأمم المتحدة لهذا العام إلى عالم يواجه فيه مئات الملايين من الناس ظروفاً أخطر، بل وتزداد عمقاً بسبب ويلات تغير المناخ والاضطرابات الاقتصادية الإقليمية.
وقال شو دونيو، المدير العام للفاو في بيان: "التعافي من الوباء العالمي كان متفاوتاً، وأثرت الحرب في أوكرانيا على الأطعمة المُغذِّية، والوجبات الغذائية الصحية. وصار هذا هو الواقع الجديد، حيث يؤدي تغير المناخ والصراع وعدم الاستقرار الاقتصادي إلى دفع أولئك الذين هم على هامش الجوع بعيداً عن حافة الأمان".
ما العواقب التي تنتظر العالم؟
إنَّ عواقب تصاعُد الجوع بين المجتمعات الفقيرة وخيمة. ففي عام 2022، وفقاً لوكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة، عانى 148 مليون طفل دون سن الخامسة من "التقزم"؛ أي أنَّ وجباتهم الغذائية غير الكافية أعاقت نموهم. وتعرض 45 مليون طفل آخر "للهزال"؛ أي تأثروا بشدة بنقص التغذية على مدى فترة قصيرة من الزمن، بحيث صار حجمهم نحيفاً جداً بالنسبة لطولهم.
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى قصص نجاح نسبية في التخفيف من حدة الجوع في آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث شهدت الاقتصادات تعافياً متواضعاً من الوباء. لكن كانت هناك علامات أقل تشجيعاً في إفريقيا وغرب آسيا، وهي رقعة جغرافية تشمل الشرق الأوسط وأفغانستان. وفي هذه البلدان أدى التقاء الصراع والظواهر الجوية الشديدة وارتفاع أسعار الغذاء إلى الكشف عن هشاشة الاقتصادات المحلية، متحدياً القطاع الإنساني الذي يعاني من نقص التمويل.
وهناك أيضاً الحرب في أوكرانيا، التي لا يمكن إنكار تأثيرها واسع النطاق على معدلات الجوع. قال إيزوبيل كولمان، نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لصحيفة The Washington Post الشهر الماضي: "نفتقد اليوم حوالي 11 مليون طن من صادرات القمح التي كانت تذهب عادةً إلى أفقر البلدان. هذا تأثير ضخم على العالم وعلى سلسلة التوريد العالمية للغذاء".
لننظر على سبيل المثال إلى الوضع في الصومال، حيث قدرت الأمم المتحدة وفاة نحو 43 ألف صومالي بسبب هذه الظروف، رغم أنَّ زيادة الدعم الإنساني حالت دون حدوث عواقب أخطر. ولا يزال من المتوقع هذا العام تعرُّض ما يقرب من 7 ملايين صومالي لمستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
وقالت سيندي ماكين، رئيسة برنامج الغذاء العالمي، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي: "أعيد الصومال من هاوية المجاعة في عام 2022، لأنَّ المجتمع الدولي رأى علامات التحذير تومض باللون الأحمر وسارع للاستجابة، لكننا الآن في خطر فقدان المكاسب الثمينة التي حققناها منذ تلك الأيام القاتمة من العام الماضي".
ما تداعيات التضخم والركود على مستويات الجوع؟
يشير مسؤولو الأمم المتحدة إلى الركود في النظام العالمي، الذي له تداعيات مقلقة، في وقت تُشكِّل فيه آثار تغير المناخ المزيد من التحديات على قطاع الزراعة العالمي، مع زيادة موجات الحرارة والأمطار الغزيرة والفيضانات، التي تدمر المحاصيل، وتزيد من حالة عدم اليقين في أسواق السلع.
وفي السياق ذاته، قال ألفارو لاريو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وهي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، في حدث لمركز أبحاث في واشنطن الأسبوع الماضي، إنَّ الإحصائيات الجديدة للجوع العالمي أعادت العالم إلى ما كان عليه في عام 2015، عندما تبنّت الدول أعضاء الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة. وأشار إلى أنَّ العديد من البلدان في إفريقيا تواجه تحديات كبيرة من ارتفاع معدلات الدين العام، وهو واقع بنيوي يُسهم في التضخم وأزمات الغذاء.
وحذر لاريو: "نتعامل مع دول لا تمتلك بالفعل القدرة المالية ولا الحيز المالي"، مضيفاً أنَّ الكثير من النقاشات المتعلقة بالتنمية تتصارع الآن حول "عدم جعل هذه البلدان تختار بين الصحة والأمن الغذائي، أو الاضطرار إلى الاختيار بين البنية التحتية ومجرد إطعام سكانها".
وفي إفادة صحفية الأسبوع الماضي، قال كبير الاقتصاديين ببرنامج الأغذية العالمي، عارف حسين، إنَّ البرنامج الذي قدم مساعدات غذائية لأكثر من 160 مليون شخص في عام 2022، تلقى الآن تمويلاً أقل بمقدار الثُّلث مما تلقاه في هذا الوقت من العام الماضي. وأضاف: "ما يقلقني هي التخفيضات الضخمة في التمويل التي تنتظرنا من الآن فصاعداً".