تعرض أسطول الدبابات الروسي خلال السنة الأولى من غزو أوكرانيا لضربة قوية، مع خسائر موثقة لأكثر من 1800 دبابة قتالية. وشمل ذلك نصف دبابات T-72، التي تشكل العمود الفقري لقوة الدبابة الروسية. لكن بينما تطلب أوكرانيا من الحلفاء التبرع بالدبابات يمكن لروسيا إعادة بناء أسطولها من الدبابات، خاصةً بمركبات مجددة من المخازن، فهل تستطيع روسيا أن تربح الحرب بإحياء "جيش الزومبي" من دباباتها؟
مصنع بوتين المفضل للدبابات "UVZ"
يقول تقرير لمجلة popular mechanics العسكرية الأمريكية، إن روسيا لديها مصنع دبابات واحد فقط، هو "UralVagonZavod "UVZ، في مدينة نيجني تاجيل، على بعد حوالي 1000 ميل شرق العاصمة موسكو. وخلال الحرب العالمية الثانية عُرف المصنع باسم Stalin Ural Tank Factory 183، وحصل على وسام لينين، أعلى وسام لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، لمستوياته البطولية في الإنتاج. حيث قدم المصنع خلال وقت قياسي 25.000 دبابة مذهلة من طراز T-34 خلال الحرب، وهذا نصف العدد الإجمالي الذي تم صنعه.
يتمتع مصنع UVZ بسمعة طيبة، باعتبارها "المصنع المفضل لدى بوتين"، لكن سنوات طويلة من الفساد وسوء الإدارة أضعفت هذه المؤسسة، التي كان يفتخر بها في السابق، ما جعلها على شفا الإفلاس في عام 2016، وتوقفت محاولات تحديث الإنتاج.
بعد ذلك قام مصنع UVZ بتصنيع سيارات شحن مبردة وآلات مدنية أخرى، لكن لا يزال يعتمد على العقود العسكرية. ومع ذلك، فإن دبابة T-14 Armata فائقة الحداثة لم يتم إنتاجها إلا بعد 8 سنوات من الكشف عنها لأول مرة، بسبب مشاكل فنية لا نهاية لها. ومن المفترض أن ينتج المصنع 20 دبابة T-90M شهرياً، لكن الرقم الحقيقي يبدو أقل بكثير، كما تقول مجلة Popular Mechanics.
وخلال الحرب لم يكن مصنع بوتين المفضل جاهزاً، حيث تم تعليق جميع الأعمال بعد اندلاع الحرب بسبب العقوبات. حيث تشير تقارير أمريكية إلى إنتاج 40 دبابة فقط خلال الفترة الأخيرة، لكن مع ذلك فإن لدى روسيا طريقة أخرى لنقل دبابات جديدة إلى خط المواجهة، كيف ذلك؟
هل تستطيع روسيا تجديد آلاف من الدبابات القديمة؟
بحسب Popular Mechanics تضم مستودعات التخزين العسكرية حول روسيا أكثر من 10.000 دبابة قديمة. تتراوح المركبات من طراز T-90 التي صنعت في تسعينيات القرن الماضي وحتى دبابات T-54 التي صنعت في الأربعينيات. وهناك جزء صغير فقط، ربما 10%، لا يزال قابلاً للتشغيل.
وتتحمل الدبابات الروسية المخزنة البرد الشديد والمطر، لكن الدبابات غير الصالحة للعمل لا تزال مادة خام للتجديد في BroneTankovyRemontnyZavods (مصانع إصلاح المركبات المدرعة) أو BTRZ الروسية.
يقول نيكولاس دروموند، وهو محلل دفاعي ومستشار صناعي، لموقع Popular Mechanics: "بافتراض أن النماذج القديمة الموجودة في المخازن لم تصدأ أو تتآكل بعد، وهذا هو المجهول الكبير، فيجب أن يكون من السهل نسبياً تجديدها وإعادة وضعها في الخدمة".
ويوجد حالياً ثلاثة مصانع تعمل على تجديد الدبابات القديمة في روسيا: مصنع OmskTransMash، ومصنع 61 BTRZ بالقرب من سانت بطرسبرغ، و 103 BTRZ في سيبيريا. وقامت هذه المصانع سابقاً بتحديث الدبابات للتصدير إلى فنزويلا وفيتنام ونيكاراغوا، وكذلك للقوات المسلحة الروسية. والآن تعمل هذه المصانع على تعويض خسائر المعارك في أوكرانيا بشكل قاطع، بحسب تقديرات أمريكية.
كيف يمكن تجديد هذه الدبابات التي عفى عليها الزمن؟
تخضع هذه الدبابات لعملية تجديد شاملة، فعند الوصول إلى المصنع يتم تفكيك كل دبابة بالكامل إلى ما يقرب من 1000 جزء منفصل. ويتم تمييز كل جزء للإشارة إلى الدبابة التي أتى منها، ثم يتم إرسالها إلى ورش عمل متخصصة مختلفة للتنظيف والإصلاح أو الاستبدال.
ويتم تنظيف جسم الدبابة بالكامل وإزالة الصدأ، كما يتم إصلاح المحركات ووضعها على منصة اختبار، وفي الوقت نفسه يتم اختبار البنادق والآلات البرجية وتعديلها للتأكد من دقتها. ومن الناحية النظرية، كل مصنع قادر على إنتاج ما يقرب من 20 دبابة من هذا النوع شهرياً.
ويتم بعد ذلك إعادة تجميع الدبابة، مع إجراء ترقيات على الأجزاء الأصلية عند الحاجة. وفي بعض الحالات تكون عملية الترقية شاملة. على سبيل المثال يبدأ تحويل دبابة T-72 الأساسية إلى نسخة أحدث مثل T-72B3، بتثبيت محرك مطور يوفر قوة 1130 حصاناً بدلاً من 780 حصاناً. ويتم استبدال القاذفة بنسخة محسنة قادرة على إطلاق صواريخ موجهة، ويتم إضافة كتل دروع متفجرة إلى الخارج لتحسين الحماية، كما يتم تجهيز مقصورة للطاقم بمعدات عالية التقنية، بما في ذلك مشهد بانورامي مع التصوير الحراري للقتال الليلي وراديو رقمي مشفر وجهاز كمبيوتر باليستي.
تقوم عملية الترقية هذه بتحويل الدبابات المعطلة إلى مركبات قتال حديثة. وهي عملية أرخص بكثير وأسرع وأبسط من صنع دبابات جديدة من الصفر. وبهذه الطريقة يمكن لروسيا نظرياً رفع إنتاج دباباتها إلى 6 أضعاف شهرياً.
بالنسبة لأوكرانيا، فقد تم تدمير مصنع دبابات واحد في وقت مبكر من الحرب، لذلك لا يوجد لديها أي مصانع لتحديث دباباتها السوفييتية القديمة أو تلك التي تعرضت لأضرار خلال الحرب.
لذلك يظل الرئيس زيلينسكي يطلب من الحلفاء التبرع بالدبابات، التي كانت قليلة وبطيئة في الوصول، حيث وافقت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، على مضض، على تسليم أعداد صغيرة من الدبابات. في غضون ذلك تأمل روسيا في تدفق مستمر من الدروع الجديدة المعاد بناؤها إلى خط المواجهة.
هل يمكن لروسيا كسب الحرب بهذه الطريقة؟
في الحرب العالمية الثانية، أوقف الاتحاد السوفييتي النازيين بحرب استنزاف. كانت خسائر الدبابات السوفييتية دائماً أثقل بكثير من خسائر ألمانيا، حيث تم تدمير أسطول الدبابات الروسي بشكل فعال ثلاث مرات في الحرب العالمية الثانية، لكن البدائل وصلت أسرع من الدبابات المفقودة، بينما لم تستطع ألمانيا تعويض خسائرها.
ومع عمل مصنع BTRZ بكامل قوته، قد تأمل موسكو في نتيجة مماثلة في الصراع الحالي مع أوكرانيا. ويمكن لروسيا أن تستمر في القتال، في انتظار أن يتعب الغرب من دعم أوكرانيا وتفرغ خزائنه.
لكن هذه ليست الحرب العالمية الثانية. ففي ذلك الوقت كان السوفييت يتلقون مساعدات غربية، حيث جلبت قوافل القطب الشمالي المعدات الصناعية التي تشتد الحاجة إليها. وزودت الولايات المتحدة السوفييت بأكثر من 38.000 قطعة وأدوات أخرى ضرورية لبناء الدبابات السوفييتية. هذه المرة يفرض الغرب عقوبات على موسكو، ويقطع الإمدادات التي ربما تعتمد عليها روسيا لإعادة بناء الدبابات.
يقول الباحث دروموند: "في حين أنه لن يكون من الصعب جداً إضافة مربعات الدروع التفاعلية، والبصريات الحديثة ومعدات C4I (القيادة، والتحكم، والاتصالات، وأجهزة الكمبيوتر، والاستخبارات)، فإن توفر هذه العناصر يمثل بالتأكيد مشكلة لروسيا".
ومشكلة أشباه الموصلات هي أكبر مشكلة، حيث أثرت العقوبات الغربية بالفعل على صناعة السيارات الروسية، التي اضطرت إلى خفض تصنيف طرازاتها.
وتشير بعض التقارير إلى أن روسيا كانت تستورد الغسالات والسلع الكهربائية الأخرى ببساطة لتجريد الرقائق الإلكترونية منها واستخدامها في الصناعات العسكرية. وزعمت مصادر أوكرانية أن مصنع UVZ اضطر إلى وقف الإنتاج لبعض الوقت بسبب نقص الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات.
"الدبابات هي مفاتيح النصر"
الدبابات هي رأس الحربة في المعارك الحديثة، والحكمة التقليدية تقول إن حرب المناورة تحتاج إلى قوة مدرعة قوية مثل تلك التي اجتاحت الكويت عام 1991، أو العراق في عام 2003. وبدون هذه القوة ستقتصر روسيا على هجمات المشاة غير الفعالة مثل الهجمات الدموية حول بخموت، أو العودة إلى الموقف الدفاعي، وهو ما لا تريده موسكو.
ويزعم ديمتري ميدفيديف، نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، أن روسيا ستنتج 1500 دبابة هذا العام – وهو رقم متفائل للغاية، والذي لا يزال أقل بكثير من الخسائر في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا. فهل تفعلها روسيا وتحيي جيشاً من دبابات الزومبي لإنقاذ نفسها من الحرب في أوكرانيا وقلب نتيجة المعركة؟